سلطان الحجري
بدايةً لابدَّ من البدء بتحديد المفهوم المقصود بالفكر الإصلاحيّ: "(الفكر) إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول. ويقال: لي في الأمر فِكْرٌ: نظرٌ ورويةٌ"(1). و"الفكر يطلق على كل ظاهرة من ظواهر الحياة العقلية. وهو مرادف للنظر العقلي(Reflection) والتأمّل(Meditation)، ومقابل للحدس(Intuitions)"(2)
أمّا الإصلاحيّ فهو نسبةً للإصلاح (3)، والإصلاح لغةً: "أَصْلَحَ في عَمَلِهِ: أَتَى بِما هُوَ صالِحٌ وَجَيِّدٌ، أَصْلَحَ بينهما، أو ذاتَ بينهما، أَو ما بينهما: أزال ما بينهما من عداوة وشِقاق(...) أَصْلَحَ الآلَةَ: عالَجَها، أَزالَ فَسادَها أَصْلَحَ ما كانَ فاسِداً مِنْ أَدَواتٍ وآلاتٍ، أَصْلَحَ الله لِفُلاَنٍ في ذُرِّيَّتِهِ أَو مالِه: جعَلها صَالحة، أَصْلَحَ إِلَيْهِ: أَحْسَنَ، أصلح الطَّريقَ: سوَّاه"(4)
وعلى هذا يكون إطلاق المؤرخين على جمال الدّين الأفغاني (1315/1897) والإمام محمد عبده (1323/1905) والسيّد محمد رشيد رضا (1354/1935) مصلحين متوافق ومصطلح القرآن في وصفه شعيبا النبيّ بالإصلاح: "إنْ أُريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعت".
المعنى الاصطلاحي المعاصر المتداول عند الدارسين
وَسَمَ رضوان السيّد خطابَ الإصلاح الديني بثلاث سماتٍ، هي: أنّ له رؤيةً مختلفةً عن العالم، ولديه قدرة على فهم النص الدينيّ فهماً جديدا، وأنْ يكون جريئاً في مراجعة التراث، فقال: "أمّا الإصلاح الدينيّ فإنّه يعني رؤية مختلفة للعالم، ويتطلب إعادة قراءة النص الدينيّ، والتجربة التاريخيّة للمسلمين" (5)
وللمصطلح أهمّيّته كما لتاريخ الفكرة أهميّته. والفكر الإصلاحي معروف لدى الدارسين، ويُقصَد به "إعادة قراءة الإسلام والدين وتشكيل منظور إصلاحي تمدني له، أي تنشيط الدين وإعادة الحيويّة له وتجديده على نحو يجري مع العلم والعقل والترقي والتمدن، ويعزز قواعد الأخلاق الإنسانيّة الأصيلة" (6). وقد عرف برموزه وعرف في بعده الزماني، كما عرف في بعده المكانيّ. فأمّا رموز هذا الفكر في مصر، فإنّ أشهرهم: جمال الدين الأفغاني (1254/1838-1305/ 1897)، و محمد عبده (1266/ 1849-1323/ 1905)، ومحمد رشيد رضا (1282/ 1865-1354/1935).
والبعد الزماني الذي ظهر فيه هذا الفكر الإصلاحي هو النصف الثاني من القرن الثالث عشر/ القرن التاسع عشر، وكان مسرح أحداثه - لدى بعض الدارسين - أقطار الدولة العثمانيّة(7)عموماً، وأرض الكنانة(مصر) خصوصاً.
فما كان للأفغاني أن يشتهر بين الدارسين لولا أنّ دعوتَه آتت أُكُلَها في مصر، بالتفاف نخبة من أعيانها حوله، وتأثرهم الكبير بمنهجه، الداعي لاستقلال الفكر، ومراجعة الموروث، والانتباه لمكائد الأعداء، والتفطن لخطورة النفوذ الاستعماري(البريطاني) المتربص بالمسلمين، وقد كان على دراية به خلال تجربته السياسية في بلاد الأفغان ثم في الهند. وكان يؤمُّ مجلسَ الأفغاني لفيفٌ من مشايخ الأزهر، وكذلك الشعراء، واللغويون، والصحفيون، وضباط الجيش، وعِليَة القوم(8). "وكان تلاميذه في تلك السنوات هم قواد وزعماء الثورة على الجمود والاحتلال والتخلف والطغيان فيما بعد، ابتداء من محمد عبده إلى سعد زغلول"(9)
أمّا حصرُ الفكر الإصلاحيّ بالدولة العثمانيّة دون سواها من ديار الإسلام فليس إلا أغلبيًّا.والواقع أنّ أحمد أمين مثلاً، لم يخلُ كتابه (زعماء الإصلاح) من ذكر شخصيتين من الهند هما أحمد خان (1237 /1817-1316/ 1898م) والسيّد أمير علي(1265/1849- 1347/1928). وربما يكون قد تابع جولتسيهر في كتابه مذاهب التفسير الإسلاميّ، إذ سلّط الضوء على الإصلاح الهنديّ ودور أحمد خان(10). بل إنه صدّر كتابه بمحمد بن عبد الوهاب وهو كذلك كان خارج سيطرة الدولة العثمانيّة.
ومما ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار - إضافة إلى ما سبق- في تحديد دلالة "الفكر الإصلاحي" ولا يفوت المتأمل أنّ هنالك نظراتٍ ثلاث تحدد اتجاهه ومعالمه وبنيته التي يمتاز بها: إحداها تنظر إليه في مقابل الفكر الثوري المصادم(11)، والثانية تراه في مقابل الفكر التقليدي المحافظ على القديم، والثالثة تنظر إليه في مقابل الفكر الحداثي المتغرب، والفكر الإصلاحيّ فكر مختلف عن كلٍّ من هذه الاتجاهات الفكرية السائدة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، وما زالت.
مصطلحات متداخلة مع مصطلح (الإصلاح): (التجديد)، و(النهضة)
ثَمّ تشابُهٌ وتداخل بين مصطلح "الإصلاح"، ومصطلح "التجديد"، ومصطلح "النهضة" يستدعي المقام التفريق بينها.
-
التجديد
وهو لغةً مصدر جدَّد تجديدًا و"جدَّ الشيءُ يجدُّ – بالكسر - جدَّةً: صار جديدًا، وهو نقيض الخَلِق"(12). ومن أقدم النصوص التي جاء فيها مصطلح التجديد بما يقترب من المدلول المتداول في عصرنا هذا، الحديث الذي أخرجه أبو داود السجستاني(275/888)ما نصّه: "إنّ الله يبعث لهذه الأمّة كلّ مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها"(13).
وقد شاع استخدام مصطلح التجديد قديماً(14) وحديثا (15) في وصف العلماء الذين كانت لهم بصمات جديدة في المعرفة أو لهم إنجازات مشهودة في الواقع. ويظهر الترادف بينه وبين الإصلاح لدى كثير من الكُتّاب.
وهناك مصطلح آخر يتداخل مع الإصلاح والتجديد هو النهضة.
النهضة
جاء معنى النهضة لغةً يدور حول القيام:"النُّهوضُ: البَراحُ من الموضع والقيامُ عنه، نهَضَ يَنْهَضُ نَهْضاً ونُهوضاً وانْتَهَضَ أَي قامَ؛(...) وأَنْهَضَه: حَرَّكه للنُّهوض، واسْتَنْهَضْته لأَمر كذا إِذا أَمرته بالنُّهوض له، وناهَضْتُه أَي قاوَمْتُه"(16)وفي الاصطلاح شاع مصطلح النهضة وعصر النهضة لدى المؤرخين العرب. ويغلب استعمال مصطلح عصر النهضة في لغة الأدباء ومؤرخي الأدب(17)، وهو مصطلح لا يعبر عن مدلول ديني بل يشمل المسلم وغير المسلم وهو ما عبّر به البرت حوراني في أطروحته (الفكر العربي في عصر النهضة)، واحميدة النيفر ومحمد وقيدي في (لماذا أخفقت النهضة). و قبل هذا وذاك عند ناصر بن أبي نبهان(1262/ 1846) تعبير(النهضة العليّة) يقصد به القيام بالعدل ورفع الظلم(18). كما جاء هذا المصطلح عند السالميّ بمعنى بداية القيام بالإصلاح في أرجوزته (جوهر النّظام)"(19).
ومِن الباحثين مَن ميَّز بين الإصلاح والنهضة معتبرا أنّ النهضة "حركة لغويّة تجلت على نطاق واسع(...)يجب حصرها في مفهومها الدقيق وفي بعدها اللغوي والتعبيري الأدبي، لكن من المستساغ بعد هذا التمييز الأولي أن يوسع المفهوم، وهذا ما يحصل غالبا، ليحوي ذلك العمل الشمولي للسيطرة على الذات في الحضارة العربيّة الإسلاميّة الحديثة، هنا ليس بمعنى الإحياء وإنما بمعنى الوثبة العارمة. ومثل ذلك كمثل ما حصل في أوربا القرن السادس عشر حيث النهضة كانت فنّيّة وتعني الولادة الجديدة قبل كل حساب"(20).
والذي رجّح أن يكون عنوان هذا المقال هو الفكر "الإصلاحيّ" وليس الفكر التجديديّ ولا الفكر النهضويّ هو أنّ مصطلح الفكر الإصلاحيّ مصطلح قرآني، وكذلك كانت شخصيّة ابن أبي نبهان الخروصيّ(1262/1846) -وهو أحد أعلام الإصلاح في عَمان- أقرب إلى المتعارف عليه بالفكر الإصلاحيّ بين الدارسين. وقد تطوّر الدور الإصلاحيّ بعده على يد تلميذه المحقّق سعيد بن خلفان الخليليّ(1287/1871)، وتلاميذه حتى ظهر السالميّ(1332/ 1914) قام بتلك الأدوار التي لازالت عمان تتفيأ ظلال جهودها الإصلاحيّة ولاسيّما المؤلّفات المنهجيّة التي تركها للدارسين في أهمّ فروع المعرفة الشرعيّة والتاريخيّة واللغويّة(21).
وبعد التعرّف على المصطلح وما يقاربه من مصطلحات شبيهة به، يجدر الحديث عن معرفة أسباب اشتهار بعض العلماء بالإصلاح دون بعض رغم المعاصرة والتوافق في الأفكار.
أسباب اشتهار بعض العلماء بالإصلاح
مما سبق يظهر أنّ هناك أسباباً جعلت بعض العلماء الإصلاحيّين تُسلط عليهم الأضواءُ أكثر من غيرهم، ويغلب نسيان أو جهل بعضهم أو تجاهلهم، منها موضوعي ومنها دون ذلك كانت طرائق قددًا، ومن هذه الأسباب:
-
عناية المستشرقين فـ(جولد تسيهر) عاصر جمال الدين الأفغاني وكتب عنه أنه "باعث التيار المعروف بالوحدة الإسلاميّة. لقد كان مكافحاً عظيم النشاط في وجه النظام الديني السائد وممثليه، وداعياً متمرساً بالبيان لحركة التجديد الإسلامي الديني من الرأس إلى القدم"(22). وقد "أثارت شخصيّة الأفغانيّ وآراؤه، في أثناء إقامته في باريس، كثيرا من الأوربيين المعنيين بشؤون العالم الإسلامي"(23)، وأمّا بلنت(1844/1260- 1337/ 1922 ) فقد عُني بمحمد عبده(24).
-
الدور السياسي وهو دور يتمثل فيما فعل الأفغاني ومحمد عبده في مصر مقاومين تدخل الإنجليز في مصر ومعارضين سياسات الخديوي التي باءت باحتلال مصر، وفي باريس مناضلين بتلك المقالات الحماسيّة ضد الاحتلال البريطاني(25).، قبل أن يعود محمد عبده من ساس ويسوس(26).
-
العامل الجغرافي؛ بحسب المركز والأطراف فكانت العناية بمصر وبعدها بلاد الشام كبيرة، ولا يلتفت للأطراف كعُمَانَ في أقصى شرق جزيرة العرب، وبذلك كان العُمانيّون خارج دائرة الضوء المسلط على الجهود الإصلاحية، لا على مستوى الأفراد على سبقهم الزمني كابن أبي نبهان(11921778/ 1262-1846)، فقد توفي قبل مولد محمّد عبده. ولا على مستوى الدول في مكافحة الاستعمار الغربي، كاليعاربة العُمانيين الذين كانوا في القرن الحادي عشر/ السابع عشر يوحدون عُمان تحت راية واحدة، على حكم إمام منتخب ويطردون الاستعمار البرتغالي من سواحل عمان وسواحل الهند بل ومن سواحل الشرق الأفريقي(27).
الفكر الإصلاحيّ العُمانيّ
وإذا توجهنا تلقاء عُمان فإنّ علاقتها ببريطانيا بدأت بشكل منظّم في الاتفاقيّة التي عقدت عام 1798 ثمّ أكدت عام 1800، وظلّت علاقة تجاريّة لا تعنى إلا بالأسطول التجاريّ وتموينه، وألا يمسّه سوء من قبل العمانيّيين؛ لكنّ نفوذها ازداد في 1856؛ إذ سعت لتقسيم عمان إلى دولتين دولة مسقط ودولة زنجبار، وهذه الفترة التي قبل التقسيم عاش فيها ناصر بن أبي نبهان الخروصيّ(28)، وكانت عمانُ تحتفظ باستقلالها، ولم يحدث تدخّل بريطانيّ في شؤونها.
ناصر بن أبي نبهان الخروصيّ مصلحًا
وقد بدأت دراسة اللغات الأجنبيّة تظهر في عصر الفقيه ابن أبي نبهان، ولاسيما في بلاط السيد سعيد بن سلطان البوسعيديّ (1273/ 1856) وإنْ في نطاقٍ محدود. فكان ممّن تعلم اللغات الأجنبيّة أحد ضباط البحرية العمانية أيام السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكان يصطحبه في كل مرة يذهب فيها لبريطانيا؛ لأنه درس الملاحة في بريطانيا، ويعرف اللغة الإنجليزية جيدا"(29). و"يقال: إنه كان يتكلم أربع عشرة لغة؛ ولكنه لا يكتبها، وكان مجال نشاطه أوربا ومدغشقر"(30) وكذلك كان من الأثرياء في زنجبار ومن الضباط البحريين الذين يعرفون لغتين أو ثلاثا، وبخاصة الهندية والإنجليزية"(31)
ولذلك أقبل ابن أبي نبهان على تعلم الإنجليزيّة، كما أفادت بعض الوثائق بخطه(32). وهو معاصر رفاعة الطهطاويّ (1216 /1801 - 1290 /1873) بل يسبقه في المولد بنحو 23عاما، ولم يستنكف أن يتعلمها. وفي هذا التوجه انفتاح على الثقافات المتنوعة،وسبق زمنيّ تصدّر فيه ابن أبي نبهان على مكانته العلميّة ونشأته التقليديّة، فكان باحثا عن المعرفة في مظانّها. ولم يرَ في تعلّم لغة الإنجليز أيّ مانع شرعيّ ولا قوميّ. فكما يتعلّم الإنجليز اللغة العربيّة(الاستشراق) لماذا لا يتعلّم العرب اللغة الإنجليزيّة (الاستغراب) كما يسمّيه حسن حنفي. وأجاب على تساؤلات المستشرقين عن المذهب الإباضي ومميّزاته وتاريخ عمان ومذاهبها. وهذا التفاعل مع الإنجليز بأريحيّة يعكس الحالة الطبيعيّة في التعامل مع الآخر المختلف دينيًّا وقوميّاً وإقليميًّا. وإنّما تأزم الموقف من بعد حين تدخل الأجنبيّ في شؤون البلد، وكان ذلك على عهد المحقّق الخليليّ والسالميّ وأبي مسلم البهلانيّ.
ولعلّ من المدهش في مؤلّفات ابن أبي نبهان أنّه ألّف كتابًا في لغة أهل زنجبار باللغة العربيّة سمّاه (مبتدأ الأسفار في بيان نبذة يسيرة من لغة أهل زنجبار بالمشهور من اللغة العربيّة)، ولا يفتأ – الفينة بعد الفينة - يذكر خصائص الشعوب التي وجدها في أفريقيا وعاداتهم، وهذا ما يصنّف فيما يعرف بـعلم الإنسان(الانثروبولوجيا). وألّف كتابًا في أسرار النّبات السواحليّ، وهذا الجهد المعرفيّ ينتمي إلى الصيدلة وعلم النّبات. وهذا ممّا يفصح عن موسوعيّته، وحرصه على اكتساب المعرفة حيثما حلّ، وتدوين ما توصّل إليه حتى تبقى هذه المعرفة للأجيال، ولا يُعرف أحدٌ ممّن هاجر إلى شرق أفريقيا عُنِيَ بهذه المجالات لا قبله ولا بعده.
هذا وإنّ ابن أبي نبهان عايش الأديان والمذاهب وانفتح عليها، وجالس علماء المذاهب في مسقط وفي زنجبار، وسألهم عن مذاهبهم وما يعتقدون وما لا يعتقدون، ولم يكتفِ بما قرأه في الكتب. ثمّ علّق على شروح النّسفيّة تعليقات العالم المنفتح على الآراء العقديّة، النّاظر إليها بمنظار الدليل والبرهان لا بمنظار التقليد، في سابقة جديرة بتسليط الضوء عليها فهذا يعزّ مثاله ويندر وجوده: أن يقرأ عالم كتاب عقيدة مذهب غير مذهبه، ثمّ يحاوره حوارا معرفيّا يحتكم للحجة، وقد يخالف بعض علماء مذهبه ويؤيّد مذهبا آخر، قائلاً: "ولكنّي أقول من غير خلاف مني لهم"(33). ويُعلن أنّ التّقليد لا يجوز، ويتبرأ منه، ولو كان المُقلَّد هو عبد اللّه بن إباض: فـ" ليس عبد اللّه بن إباضٍ بنبيٍّ، حتّى لا يجوز خلافه- فيما يجوز فيه الاختلاف- وذلك هو معنا أنّنا لا نقلِّد ديننا أحداً مِنْ المسلمين"(34). ويرى التّقليد أصلَ الافتراق(35)
وله في تفسير القرآن آراء مستقلّة، وله في قبول الأحاديث المنسوبة للنبيّ منهج يعنى بنقد المتن(36)ولمّا كانَ مدارُ الحكم على الحديث في التواتر والآحاد قائما على السند مِن حيث كثرة الرواة أو قلّتهم- مِنْ دونَ إمعان النّظر في المتن- لمْ يرَ ابنُ أبي نبهان الاعتماد عليه، ولم يكن موضع ثقته به واطمئنانه إليه، بل تَعْدُوه عيناه مولِّيا شطرَ متْنِ الرّواية، ينقدها نقدَ العالم بكتاب اللّه المستحضر هداياته، ويشترط عرضه على القرآن الكريم، فيرى أنَّ: "ما خالفَ القرآنَ العظيم...فهو باطلٌ، والأصحُّ أنْ لا فائدة في بقاء القرآن فينا". ثمّ يؤكِّد الاحتراز من الروايات لاسيّما ما اختلفت فيه المذاهب، أو ما خالف العقل؛ فـ: " الرِّوايات ليست بحجّةٍ، مع تخالف أهل المذاهب فيها، ومع مخالفة أحكام التنزيل، وأحكام العقول غالباً"(37). وهو لا يستسلم أمام مرويّات أصحابه الإباضيّة، بل ينقد متنها أيضاً، فيردّها إذا عارضت محكم القرآن، كمسألة عذاب القبر؛ إذْ نفاه رغمَ أنّ بعضَ الروايات- التي تُثبِتُ في القبرِ عذاباً- موجودة في مسند الرّبيع(38).
وله في الفقه آراء بناها على تأصيلاته، منها تجويزه الخضاب بالسواد، وتصوير ذوات الأرواح، وغيرها من المسائل التي شدّد فيها جمهور الإباضيّة. وكانت نظرته للواقع نظرةً كلّيّة، ولم ينحصر في جزئيّات المسائل، فقد تحدث عن الخلاص من الظلم بمنهج علميّ رصين، ينبني على الإخلاص والتقوى فألّف كتابا مستقلاً يجلّى هذه المسألة (الإخلاص بنور العلم والخلاص من الظلم)، فكانت نظرته تربط الحكم بدليله، والظنّي ترده للقطعيّ، والفرع تردّه للأصل. وكان له نقد لمسلك طائفة من أهل العلم، ممّن عاصرهم ورأى فيهم قلّة ورع، وبيّن ضرر ذلك المسلك، وحذّر منه، ولم يغرّه كثرة علم العالم منهم. وله مؤلّفات في شتى فنون المعرفة من اللغة : نحوها وصرفها وبلاغتها ونقدها إلى علم المنطق، وله إشادة بالفلاسفة كأرسطو وأفلاطون. وألّف في أصول الفقه تعليقات على بعض الكتب الأصوليّة. وكانت مؤلّفاته تتميّز بالمنهج النّقديّ الذي يناقش الآراء، وينظر في حجتها لا إلى قائلها، ولو كان أعلم أهل زمانه في نظره. حتى خالف والده في مسائل شتى، وهو يراه أكبر عالم في تاريخ المذهب بعد جابر بن زيد وأبي سعيد الكدميّ. وكانت شخصيّته العلميّة قويّة جدّا جعلت له المهابة في القلوب، إلا أنّ الفتن حالت بينه وبين التغيير والإصلاح الذي ينشده. لكنّ آماله الإصلاحيّة التي لم يحققها بنفسه جاء تحقيقها في جيل تلاميذه وعلى رأسهم المحقق سعيد بن خلفان الخليليّ.
المحقّق الخليليّ مصلحًا
وأمّا في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر/ التاسع عشر فإنّ المشهد العماني تجاه البريطانيين يمثله سياسيّاً سعيد بن خلفان الخليلي الرجل الأول في دولة عزان بن قيس البوسعيدي(1285/1869-1287/1871)(39) - تلميذ ناصر بن أبي نبهان الخروصي- كان ضد الاستعمار وتدخلاته في شؤون عمان السياسيّة والاقتصاديّة، وزعيم أهل الحلّ والعقد في كبار الأمور في الشأن العمانيّ، حتى إنّه نصب إماما من تلاميذه يحكم عمان بمشورة كبار علماء عمان حينئذ. لكنها دولة ما بقيت إلا عامين وبعض عام، وانتهت بقتل الإمام عزان بن قيس، ثم بقتل الخليليّ وابنه، وسجن من بقي من قادتها. لُقِّبَ بالمحقق الخليليّ لبلوغه درجة الاجتهاد واقتداره على تحقيق المسائل، وكان ممن لقب بشاعر العلماء وعالم الشعراء. وله ديوان شعر، فيه من قصائد الابتهال والمناجاة ما لهج به طلاب الحقيقة والسالكون دربها بأمثل طريقة، وبعض قصائده استنهاض للهمم وتحريك للمشاعر نحو نصرة الحق على الباطل.
وقد تفاعل المحقّق الخليلي مع معطيات عصره، وعاش في قلب الحدث، واطلع على ما أمكنه من ثقافة عصره. ومن ذلك أنّه كان مطّلعًا على بعض الصحف المصريّة، كما اطّلع على بعض الكتب التي ترجمها بعض المصريّين(رفاعة الطهطاويّ على وجه التقريب) لكتابات العلوم التجريبيّة، وقد أحال على كتب البيطرة في بعض مسائل زكاة الأنعام، في كتابه (لطائف الحكم في صدقات النعم)(40). ومن بين أولئك العلماء الذين كانت له صلة بهم في ذلك الوقت قاسم بن سعيد الشماخي(41)، الذي كان أحد رجال الإصلاح في مصر، وقد انتقل إليها من تونس كسفير لها في أرض الكنانة، بعدما كان يسكن جزيرة جربة في تونس. وأنّ من يطّلع على بعض ما كتبه المحقّق الخليليّ يجد أنّ هنالك مراسلات تمت ما بينهما. وقال سماحة المفتي: إنّه وجد بعض الكتابات التي تدل على أن المحقّق الخليليّ كانت بينه وبين علماء مصر مراسلات(42).
كان شاعرا كبيرا، كما كان عالما فقيها، ولذلك كان ممّن لقب بشاعر العلماء وعالم الشعراء(43)، وكان له دور في إحياء الشعر الرصين، وبعثَ الأدب العمانيّ من بعد الضعف الذي سيطر عليه، ومن تستره وراء ألوان البديع وبعده عن روح الأصالة، وغلبة الشكل الزخرفيّ على الصورة والفكرة، وقد تزامن الخليليّ مع الباروديّ(1839-1904) في ريادتهما النّهضة الأدبيّة (44). وقد خرّجت مدرسة كلٍّ منهما شعراء كباراً كأبي مسلم في عمان وأحمد شوقي في مصر. وقد خطى سعيد بن خلفان وتلاميذه - أبو وسيم وأبو مسلم البهلانيّ وابن شيخان السالميّ- بالشعر خطوات ذات أثر فعّال في نهضته وبعثه وإحياء ديباجته (45).والخليليّ لم يقتصر على الشعر في خدمة العربيّة وإحيائها بل ألّف في العروض وفي الصرف وفي البلاغة. فقد كان له مشروع لغويّ متكامل أسهم به من أجل تعزيز لغة القرآن في نفوس طلبة العلم.
وكان التعليم أبرز أعمال الخليليّ الإصلاحيّة وأبقاها أثراً. وهو أساس ما تلاه من إصلاح سياسيّ، فقد خرّجت مدرسة الخليليّ كوكبة من الشعراء ومن العلماء في أنحاء عمان. وقد استفاد من المال الذي ورثه من آبائه، ينفق منه على طلبة العلم، فقصده القاصي والداني من محبي العلم، فتخرّج في مدرسته رجالٌ فقهاء كبار وأدباء شعراء بلغاء، قام مشروعه الإصلاحيّ عليهم وعلى أمثالهم من تلاميذ أقرانه من العلماء، ولاسيّما في الرستاق والباطنة والشرقيّة. وهم الذين أتمّوا رسالة الإصلاح بعد انتهاء دولة عزان بن قيس. ومن أبناءهم وتلاميذهم ظهر جيل السالميّ في عمان وأبي مسلم البهلانيّ في زنجبار. وكلٌّ منهم كان له مدرسة يؤمّها طلاب العلم وشداة الأدب ورجال الإصلاح.
السالميّ مصلحًا
كانت عمان على موعد مع مصلح يقوم بالدور الذي تتطلّبه المرحلة حينئذ، فجاء السالميّ (1332/1914) (46) وكان صاحب الدور الكبير في توحيد المجتمع العمانيّ تحت راية واحدة، وتصدّى لمخططات الاستعمار السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وبذل فيها المجهود لمخالفة النّصارى واليهود، وجاء بحجج فيها سواطع البرهان. وكان لإسهاماته العلميّة الغزيرة دور مهم في دراسة التراث وتحليله ونقده وتمييز الرأي السديد من غيره، وكما قال السيابيّ: "وأول علامة ظهر في القرن الرابع عشر: الإمام العلّامة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي قطب دائرة العلماء بعمان، ثم العلّامة الثاني الزميل للإمام نور الدين الشيخ عامر بن خميس المالكي، ثم الشيخ العلّامة محمد بن سالم بن زاهر الرقيشي، ثم الشيخ الزاهد الأوحد عبد الله بن محمد بن رزيق المعروف بأبي زيد الريامي الأزكوي. ثم العلامة الرئيس الشيخ عيسى بن صالح بن علي، ثم الشيخ أبو عبيد حمد بن عبيد بن مسلم السليمي"(47). وهذا ما يشهد لمكانة السالميّ: أنّ علماء عمان الكباركلّهم مِنْ تلاميذه، كما قال أبو إسحاق اطفيّش في مقدّمته لجوهر النّظام(48).
وكانت بداية مشروعه الإصلاحيّ أنه انتقل إلى الشرقية سنة 1308هـ، فالتحق بحلقة الأمير صالح بن علي الحارثي، فكان الانتقال من مرحلة التنظير والدرس إلى مرحلة التطبيق والإصلاح، فقام الشيخ السالمي مع شيخه صالح بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هنا دخل السالمي التاريخ من أوسع أبوابه، من باب الإصلاح الاجتماعي في الشأن العام، وكان يتأمّل أن يأتي التغيير على يد شيخه صالح بن عليّ، بيْدَ أنّ الرصاصة التي أصابت الشيخ الحارثيّ في مقتل قتلت ذلك الأمل الكبير الذي كان السالميّ يرجوه فيه.
لكنّ السالميّ لم ييأس واستمرّ في التعليم، وتوسعت حلقته العلميّة، ورأى إقبال الطلاب عليه، ورأى اشتياق النّاس للعدل والإحسان جليًّا، فكان يسعى لإقناع العلماء والزعماء بضرورة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعلى مستوياته، ودعا لمقاومة الاستعمار حين أراد التدخل في شؤون عمان في عام(1320/ 1902). فاستجاب الزعماء لدعوته وهبّوا على قلب رجل واحد، ولعلّ هذا النّجاح حدا به لنجاح أكبر وهو ما تمّ فعلا بقيام الإمامة على أكتافهم في (1331/ 1913).
كان الإمام السالمي علمًا بارزا في مسيرة الحركة العلمية والإصلاحيّة في عصره، وعلامة فارقة في تاريخ عمان الفكريّ والاجتماعيّ، فهو لا يعد مصلحا اجتماعيا على مستوى وطنه عمان فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي في بداية القرن الرابع عشر الهجري.وممّا تميّز به: انفتاحه على الفكر الإسلاميّ بمذاهبه المتعدّدة، واطلاعه الواسع على التراث بلا تحيّز مذهبي، فقد قال:
"ونحنُ الأولون لَمْ يَشْرَعْ لنــا نجلُ إباضٍ مذهبًا يحملنا
مِنْ ذاك لا تلقى له في المذهبِ مسألةً نرسمُـــها في الكُتُبِ
فنحن في الأصلِ وفي الفـروعِ على سبيلِ السلفِ الرفيع"(49)
وهو القائل مبيّنًا احتكامه للدليل لا قال وقيل:
"لأنّنِي أقفو الدَّليْلَ فَاعْلَمَا لَمْ أَقْتَصِرْ عَلَى مَقَالِ العُلَمَا
فَالعُلَمَاءُ اسْتَخْرَجُوا مَا اسْتَخْرَجُوا مِنْ الدّلِيْــلِ وَعَلَيْه عَرّجُوا
فَهُم رِجَالٌ وَسِوَاهُمْ رَجُلُ وَالحَقُّ مَمَّنْ جَاءَ حَتْمًا يُقْبَلُ
فَمَوْرِدُ الكُلِّ هُوَ الدَّلِــــيْلُ يَقْصِدُه مَنْ لَهُمْ التّحْصِيْلُ"(50)
تميّز السالميّ بالتأليف المنهجيّ المنظّم فكان مصلحًا في مجال التأليف؛ إذ تدرّج مع طلّاب العلم، بداية من تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان من العقائد والعبادات والأخلاق والنظم الإسلاميّة بعبارة سهلة موجزة. ثم نظم منظومات عقديّة متدرّجة بالطالب من مستوى علمي إلى آخر أرفع منه حتى التخصص العميق، ينتهي به مع مشارق أنوار العقول. وهكذا في الفقه مدارج الكمال، ثمّ شرحه معارج الآمال شرحاً مقارنا يقرن المسألة بدليلها ونقاش العلماء باستفاضة. ومنظومة الكبرى جوهر النّظام التي كانت وما زالت كتاب مجالس العمانيّين،تُقرأ ويُحفظُ منها الكثير. وكذلك تحفة الأعيان في تاريخ عمان كان يقرأ في المجالس وفي البيوت تتحلّق الأسر المتعلمة عليه. وقد قرّب معاني الدين وأحداث التاريخ بلغة سهلة ممتنعة. وهذه من مميّزات التأليف عند السالميّ. وقد ألّف فيما لم يؤلّف فيه العمانيّون؛ كشرحه مسند الربيع في الحديث. وشمس الأصول وشرحها في طلعة الشمس في أصول الفقه، فجاء كتاباً مستوعبا وسطا بين المختصرات والمطولات في هذا الفنّ ورتبه ترتيبا حسنًا،ومازال طلاب هذا العلم يعتمدون على كتابه بلا منازع. وكان تأليفه يُتلقّى بالقبول في حياته، حتى إنّ محمّد بن يوسف اطفيّش الإباضيّ الجزائريّ قرّر بعض كتبه على طلابه كطلعة الشمس.
وكان السالميّ يتابع الجديد من أخبار العالم الإسلاميّ عبر ما يكتبه دعاة الإصلاح في مصر كمجلّة نبراس المشارقة والمغاربة التي حرّرها قاسم بن سعيد الشمّاخيّ وصاحبه مصطفى إسماعيل المصريّ، وأثنى عليها في كتابه (بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود): "وكذلك ينبغي الاطلاع على مقاصد النبراس والالتفات إلى مراشده، فإنّها النصائح البليغة والعظات الكاملة"(51). فقد كان مِنْ دُعاة الوحدة الإسلامية ما دام الإسلام دينها، ومحمد رسولها، والقرآن إمامها ونهجها في الحياة، وأنّ الاختلاف الحاصل اليوم بين أبناء الأمة الإسلامية يعود أساسا إلى المطامع السياسية التي ظهر أثرها السلبي في الإسلام.
وبعث إليه الشيخ سليمان بن عبد الله الباروني رسالة التمس فيها منه أن يضع الحلول الجذرية لوحدة الأمة الإسلامية، فأجابه السالمي إجابةً أسفرت عن بعد نظره ووضوح رؤيته الإصلاحيّة الشاملة ومنهجه في التغيير والخطوات المناسبة، وبيّن الممكن من غير الممكن كما يراه بثاقب نظره في أحوال النّاس وواقع الأمّة، وأبدى استعداده للمبادرة البارونيّة ولترك التلقب بالمذهب، فقال:
"نعم نوافق على أنّ منشأ التشتت هو اختلاف المذاهب، وتشعب الآراء هو السبب العظم في افتراق الأمة كما اقتضاه نظرك الواسع في بيان الجامعة الإسلامية، وللتفرق أسباب أخرى منها التحاسد والتباغض والتكالب على الحظوظ العاجلة، ومنها طلب الرئاسة والاستبداد بالأمر، وهذا هو السبب الذي نشأ عنه افتراق الصحابة في أول الأمر في أيام علي ومعاوية،ثم نشأ عنه الاختلاف في المذاهب. وجمع الأمّة بعد تشعب الخلاف ممكن عقلا مستحيل عادة، وإذا أراد الله أمراً كان ((لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))، والساعي في الجمع مصلح لا محالة، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية، ويحثهم على التسمي بالإسلام فإن الدين عند الله الإسلام؛ فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه، ويكون الحق أولاً عند آحاد من الرجال ثم يظهر شيئاً فشيئاً، فيصير الناس إخوانا، ومن ضلّ فإنما يضلّ على نفسه، ولو استجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع في الناس قبوله وكفيتم مؤنة المغرم، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسِر والمغرم ثقيل، وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة ومقصد الخاص والعام: حرم الله الآمن؛ لأنه مرجع الكل، وليس لنا مذهب إلا الإسلام، فمِنْ ثَمَّ تجدنا نَقبَل الحقّ ممّن جاء به وإن كان بغيضاً، ونردّ الباطل على مَنْ جاء به، وإنْ كان حبيباً "(52).
ظلّ المشروع السالميّ حيّا بالرجال الذين حملوا الراية بعده، ثمّ استمر فكرهوقد لقيت دعوته الإصلاحيّة صدى طيّبًا في زنجبار، وأبرز مؤيّديها أبو مسلم البهلانيّ الذي كان معجبًا بشخصيّة السالميّ العلميّة، فشرح كتابه جوهر النّظام، ومعجبًا بشخصيّته الإصلاحيّة، فتفاعل معها قلبًا وقالبًا شعرًا ونثرًا.
أبو مسلم البهلانيّ مصلحا
ولا يذكر الإصلاح في عمان إلا وأبو مسلم ركنه الركين وكيف ينسى أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديّم البهلاني(1339/1920)(53) ومقاومته الجليّة للمخططات الاستعمارية البريطانية في عمان والشرق الأفريقي، بما سطره في مجلته النّجاح، وقصائده الاستنهاضية الشهيرة في عمان. إذ إنّه قد هاجر مع أهله إلى شرق أفريقيا واستقر في زنجبار ، وكانت زنجبار آنذاك في عصرها الذهبي الإسلامي العماني، عصر السلطان برغش بن سعيد. تقلد أبو مسلم منصب رئاسة القضاء. ثمّ استقال وصرف همّته في التأليف، و كانت له علاقات بأعلام الإصلاح في عصره؛ مثل عبد الله بن حميد بن سلوم السالميالعمانيّ،وسليمان باشا الباروني الليبي،ومحمد بن يوسف اطفيش الجزائري(1332/ 1914). حرّر جريدة النجاح وهي من أوائل الصحف العربية ظهورا. وترك مؤلفات منها: العقيدة الوهبية، وهو كتاب في التوحيد في أسلوب حواري بين أستاذ وتلميذ، ونثار الجوهر، وديوان شعر يضاهي شعر الباروديّ وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم.
وهو يمتاز بنفس شعري عميق، وحس مرهف، وبلاغة واضحة. و" إنّ كثرة ورود الحكمة في شعر أبي مسلم -وهو ما تميّز به شعراء مدرسة الإحياء- يدلّ على إيمانه بأنّ الشّعر رسالة ومسؤولية، تتمثّل في التّوجيه والإرشاد والإصلاح والسّعي إلى التّغيير نحو الأحسن. كلّ ذلك يتمّ عن طريق تقرير حقائق، أثبتتها التّجربة، وباركها العقل، واحتضنها الدّين. والشّاعر كغيره من الإحيائيين يمزج شعره بالحكمة"(54).
ومما يشهد لأبي مسلم في استيعابه لمقتضيات العصر تلك الرسالة التي وجهها إلى الإمام سالم بن راشد الخروصي في عُمان بتاريخ 14 ربيع الثاني 1333هـ التي حملت أفكارا تفصح عن بعد النظرة لما هو الحال الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة، وكيف تكون النّهضة الإصلاحيّة والتعليميّة والعدالة الاجتماعيّة، والعلاقات الخارجيّة، سبق بها عصره، وبز فيها أقرانه، تشهد له برسوخ القدم في السياسة.
فأبو مسلم من كبار المصلحين، ويشترك مع رموز فكر الإصلاح -كالأفغاني ومحمد عبده- في معاداة الاستعمار، ومراجعة التراث، وتجديد الأفكار، والاستفادة من معطيات العصر.. وقد كانت دعوته إصلاحية في جمع كلمة العمانيين للوحدة، وتحذيرهم من الفرقة والتخالف:" يا قوم أهل عمان كم تخالفكم" ،كما دعا لنبذ التعصب المذهبي مبينا أنه لا أصل له إلا بسبب "تحزب الأحزاب بعد محمد، وكلٌّ إلى نهج رآه يصير"، وأن الحقيقة التاريخية تثبت أن الدين واحد: "وما ترك المختار ألف ديانةولا جاء في القرآن هذا التنازع"(55)
وسلك في دعوته للإصلاح بالتعليم وبالشعر الذي يوجه الناس ويعظهم بالموعظة الحسنة
وكم سعد بنهضة السالمي ومن معه من علماء عمان، فكتب قصيدته النونية الرائعة في ثلاثمائة بيت تقريبا استنهض فيها العمانيين بلدا بلدا وقبيلة قبيلة، وخاطب الزعماء ليكونوا مع نهضة السالميّ الإصلاحيّة، ثمّ عزّزها بالقصيدة الميميّة مخاطبا بعض الزعماء العمانيّين الذين لم يقتنعوا بإعادة نظام الإمامة. وناصح الإمام الخروصي (حكم 1331 ــــ 1338هـ)، وأسعفه برؤية سياسية فيها من بُعد النظر وحصافة الرأي وحسن السياسة ما يشهد لأبي مسلم بالوعي بمتطلبات العصر وسعة الإدراك للواقع، وما ينبغي فعله للنهوض بعمان، وقد كتب له رسالة يلخص فيها رؤيته للدولة العصرية(56) وأمدّه بكتاب معها يوضح له معالم الحكم الرشيد؛ ولكن الكتاب في عداد المفقود، والمتوقع أن يكون فيه محاولة لصياغة دستور للحكم، ينطلق من النظرية السياسية الإباضية مع مراجعة لها بحسب مستجدات التطور في علم السياسة.
واتصل أبو مسلم بأعلام الإصلاح في مصر والجزائر، وتابع مستجدات الصراع الدائر بين الأمة العربية الإسلامية والاستعمار. وكيف كانت تجربة العثمانيين وتجربة محمد علي في مصر، ولعله اطلع على ما ترجمه الطهطاوي وغيره من مؤلفات الأوربيين في الفكر والسياسة والاجتماع، وبحسب ما يراه في زنجبار نفسها، ولا شك أنه التقى بالقناصل الأوربيين وغيرهم من المستشرقين والتجار الذين يؤمون زنجبار، ودارت بينهم حوارات تعرف منها على مستجدات الحضارة في أوربا، وسبب نهوضها وتقدمها علميا وصناعيا وسياسيا وعسكريا. فكان لهذه العوامل دورٌ في تطوّر أبي مسلم فكريًّا ولاسيّما أنه كان منشئ جريدة النجاح ومحرر مقالاتها، ومن يمارس الصحافة يتابع الجديد أولا بأول.
فأبو مسلم قام بالإصلاح نظرا وعملا؛ فالنظر بما بثه من أفكار تبني المجتمع وتأخذ بيده، وبما مارسه من عمل قضائي يرسي أركان العدل؛ فقد كان قاضيا ثم رئيس القضاة في زنجبار، ثم اتجه للإصلاح السياسي، وانضم بقلبه ولسانه مع إخوانه علماء عمان؛ رغبة منه في عزة العرب وامتلاكهم المنعة والاستقلال عن سطوة المستعمر وتحكمه في مقدرات الأمة.
والأربعة المصلحون(ابن أبي نبهان، والمحقّق الخليليّ، والسالميّ، وأبو مسلم البهلانيّ) كلّهم كانوا علماء لهم قدم راسخة في الفقه في الدين، وهذا ما اشترك فيه الإصلاحيّون جميعا، فقد" كان الإصلاحيّون في سوادهم من العلماء، بخلاف قادة وكوادر القوى الإسلاميّة السياسيّة التالية لهم"(57).
وإنْ بدَت المؤلفات التي تؤرخ للعصر الحديث متوافرة؛فإن نصيب الحياة الفكريّة منها كان ضئيلاً، وقد نبّه له بعض الباحثين، قائلا: "هنالك قصور في تأريخ(كتابة التاريخ) الفكر الحديث(58) وإذا كان هذا الحال في العالم العربيّ عامّة، ففي عمان يظهر بجلاء لقلّة الدراسات.
وقد يُظنُّ أنّ المشهد العربيّ تطور إلى الأمام وتجاوز تلك المرحلة التي عاشها أولئك الروّاد، إلا أنّ"المشكلات التي جابهها هؤلاء الرواد من مائة أو مائة وخمسين عاما لا تزال هي هي في جوهرها، المشكلات التي تجابهنا اليوم! والمثل العليا التي ودوا لو تحققت هي التي لا نزال إلى اليوم[1980]...والمثل العليا التي ودوا لو تحققت هي التي لا نزال إلى اليوم نريد تحقيقها"(59)
أما والحال هكذا فإنّ موضوع بحثنا ليس من نوافل القول أو من حواشي الكلام، بل هو مِنْ صميم أحد شطري النهوض الذي يرومه كلُّ عربيٍّ، ألا وهو شطر النظر والفكر. إذا كان الشطر الآخر هو العمل على التنمية والفعل السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ؛ "وعلى الجملة، فإنّ الفلسفة الإسلاميّة في العصر الحديث هي عبارة عن مجموعة من الأفكار والنظريات الإصلاحيّة، التي نادى بها روّاد الإصلاح الإسلامي والعلماء المفكرون العاملون على نهضة العالم الإسلامي في العصر الحديث"(60).
ولا "يتبدل ما في الأعيان إلا إذا تبدل ما في الأذهان، ومن هنا خطورة دور المثقف في الآليّة النهضويّة؛ فهو شغِّيل على مستوى المفاهيم. والنهضة- فضلاً عن كونها سيرورة مادية : اقتصاديَّة واجتماعيَّة وتقنيّة وإداريَّة – هي أيضا مفهوم النهضة... فإنّ النهضة هي الحاجة إلى النهضة على مستوى الوعي. فلا نهضة بلا إرادة النهضة. وهنا -مرة أخرى- تبرز خطورة دور المثقف. فللمثقف-بحسب اختياره الايديلوجي- أن يكون عامل إرادة النهضة، كما عامل نقيضها: الردّة. وذلك هو أصلا محور الصراع في الثقافة العربيّة المعاصرة"(61).
ولئن كان من الملحوظ أن بدايات النهضويين كانت دعوة لمحاكاة أوربا في العلم والصناعة، واللحاق بها في ركب التقدم الحضاري الذي سبقت إليه أوربا في العصر الحديث؛فإنه يكاد يكون من المسلّم به لدى دارسي فكر النهضة والإصلاح أن النهضويين الإصلاحيين انتهى بهم المطافُ عودةً إلى (ساكن الحجاز) أو (على هامش السيرة). "ويبدو أن ذلك في الأغلب لم يكن تكفيرا عن إعجابهم المفرط بالغرب في بداياتهم، بقدر ما كان يأسًا بالفشل الذريع لكافة أطروحاتهم في تجاوز الأزمة الخانقة التي كانت تعتصر مجتمعاتهم(62)". وهنا قاعدة منبثقة من القرآن هي أنّ "أعظم التحولات في تاريخ البشريّة تمّ على أيدي الأنبياء، حتى قيل: إنّ كُلَّ حضارة في تاريخ البشر لم تتَّقدْ جذوتُها إلا بشَرارةٍ مِنْ الدِّيْن. لكنّ أعظمَ العقباتِ في وجه الإصلاح والتغيير كان مِنْ قِبَل الذين جاؤوا بَعْدَ الأنبياء﴿ يُحَرِّفُون الكَلِمَ عنْ مَواضِعِه﴾ [النساء،46] و﴿ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله﴾ (التوبة: 9/34)"(63)
ودعوات الأنبياء كانت تواجه بالصدود والإعراض وإطلاق التهم الجاهزة، وكأنّ كلّ أمّة توصي من تليها من الأمم أن تقابل رسولها بها، لكنّ الواقع أنّ حبّ النّفس للطغيان ومجاوزة الحدود دفع كلّ أمّة لتتّهم رسولها ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: 52- 53]، وعلى هذه الشاكلة فليس بدعا أن تلاقي دعوة من تأسى بالأنبياء والمرسلين من العلماء المصلحين مصيرهم من التجاهل والإعراض والتثبيط، حتى من أقرب النّاس إليهم أحيانا أو ممن يرجون منهم دفع البلاء. فقد اتهم الأفغاني ومحمد عبده بالعمالة لدى الماسونيّة، وأُخِذ على ابن أبي نبهان الجرأةُ في ردّ الروايات المنسوبة للنّبيّ عليه السلام، واتُهِم السالميّ بمخالفة ما كان عليه علماء المذهب السابقين. وهكذا تتعدد التهم وتتّحد في تثبيط الهمم.
ووصف أحمد أمين(1373/1954) حال علماء الأزهر-وهم نخبة المجتمع المصريّ- وموقفهم من محاولات إصلاح الأزهر فقال: "ما حاوله أحدٌ مِنْ قَبْلُ ونجح... والأزهريون كانت تتزعمهم طائفةٌ ألِفَتْ القديم حتى عدَّتْه دِينًا، وكرِهتْ الجديد حتى عدَّته كفرا، وعاشت في المغارات فلم ترَ ضوءاً، وأفنَتْ عُمْرَها في فهم لفظ وتخريج جملة وتأويل خطأ، فلم تر حقائق الدنيا، فإذا أتى مصلح سمّم أهلُه الجوَّ حوله، واحتموا بالدِّين يخيفون به الحكومة"([1]). وأحمد أمين سمّى عنوان كتابه زعماء الإصلاح. بَيْدَ أنّ محمّد عبده راجع منهجه الإصلاحي فترك محاولة الإصلاح الجذريّ، واقتنع بالإصلاح الجزئيّ بالتعليم وإصلاح مناهجه وإصلاح فهم الدين، وشرع في تفسير القرآن دروساً يلقيها تقرب معانيه وتفض الإشكال الذي نشأ من خلاف العلماء قديما، وتحرير مواضع النزاع بمنهج راسخ في فهم القرآن. كما أنّ السالميّ كان له نجاح في توحيد أغلب قبائل عمان بعد الخلاف والشقاق والحروب والدماء الغزيرة التي سالت بينهم، وأمّا الأفغاني وابن أبي نبهان فما كان لهما في الإصلاح السياسيّ نصيب، إلا ما كان على أيدي تلاميذهم بعد حين من وفاتهم، ولا شكّ أنّ التربية والتعليم هي المنهج الأساس في الإصلاح، وهو أصل دعوة النّبيّ عليه السلام.
ولذلك كان "زعماء الإصلاح" - بتعبير أحمد أمين وغيره - في العصر الحديث وما سبقه من عصور: هم علماء الدين، وهذا ما كان في العالم الإسلاميّ وكذلك في عمان.
........
المراجع والمصادر:
- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، القاهرة: دار الدعوة، ج2 ص698.
- كميل الحاج، الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي، بيروت: مكتبة لبنان، 2000، ص405
- موضوع البحث ينصب في المرحلة الماضية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين- التاسع عشر والعشرين الميلاديين، ولا يتعرض هذا البحث "للواقع العربي الراهن الذي فيه جاءت الدعوات العربية للإصلاح مختلفة، من أطراف متعددة لكل منها أسبابها وأسلوبها، يغلب عليها الطابع السياسي؛ لتحسين الأداء الحكومي:
- فالشعوب تطالب بالإصلاح لتحقيق مشاركة أوسع لفئات وشرائح المجتمع في اتخاذ القرار، وتوزيع الثروة بطريقة أكثر عدلاً .
- أما الحكام فمطلب الإصلاح –عندهم-لإعادة إنتاج النظام السياسي الحاكم وإطالة عمره".
ينظر: محمود العريان، "الإصلاح في الوطن العربي: بحث في دلالة المفهوم" مقال منشور في موقع:http://www.voltairenet.org/ar، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2005.(بتصرف).
- ابن منظور، لسان العرب، مادة (صلح).
- رضوان السيّد،"التجديد الفقهيّ والدينيّ"، مقال منشور في مجلة الاجتهاد، السنة15، عدد: 57-58، 2003، ص16.
- فهمي جدعان، في الخلاص النهائي: مقال في وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، عمّان(الأردن): دار الشروق، 2007، ص80. وقد وقع فهمي جدعان في تعريف الشيء بنفسه في قوله" وتشكيل منظور إصلاحي تمدني له". وهذا مخالف لضوابط التعريفات.
- رضوان السيد، سياسيات الإسلام المعاصر: مراجعات ومتابعات، بيروت: دار الكتاب العربي، 1418/ 1997، ص171.
- أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، بيروت: المكتبة العصريّة، 2007/ 1428، ص51-57؛ عبد المجيد البشري، عصر النهضة العربيّة، ضمن مجموعة مؤلفين، المفصل في تاريخ الأدب العربي، ص594-605.
- علي شلش، جمال الدين الأفغاني بين دارسيه، القاهرة: دار الشروق، 1407/ 1987، ص5.
- اجنتس جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة عبدالحليم النّجّار، ط5،
بيروت، دار اقرأ، 1413/ 1992، ص348-349. - وإن كان بعض رموزه ثوريّين كجمال الدين الأفغانيّ. لكنّ منهج محمّد عبده
بعد إيقاف العروة الوثقى عدل عن الثوريّة إلى المنهج التربويّ التعليميّ
واستعاذ من السياسة. - الرازي، مختار الصحاح؛ عني بترتيبه السيد محمود خاطر، القاهرة- الفجالة:
دار نهضة مصر، ص95. - أبو داود السجستاني، السنن، 4/106-107، رقم(4291).بيروت: دار الجيل،
1408/ 1988. - ينظر مثلا: منظومة السيوطي في: المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير
من أحاديث البشير النذير، بيروت: دار الفكر، 1986. 2/282. - قد أُلِّفت في ذلك كتُبٌ مستقلة، ينظر مثلا: محمد إقبال(1938)، تجديد التفكير
الديني في الإسلام(2008)، دمشق: دار الناقد الثقافي،. أمين الخولي، المجددون في الإسلام(1965)، بيروت: دار المعرفة؛ محسن عبد الحميد( 2010)، تجديد الفكر الإسلامي ؛ حسن الترابي، تجديد الفكر الديني، بيروت: دار الهادي. - ابن منظور، لسان العرب، مادة (نهض).
- عمر الدسوقي، "مع الرافعي الكاتب" مقال بمجلة حوليات كلية دار
العلوم1969،ص21. - ناصر بن أبي نبهان جاعد الخروصي، إيضاح نظم السلوك، ص57.
- السالمي، جوهر النظام، مسقط: مكتبة الاستقامة، 1411/ 1990،3/ 46 .
- هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية، ط1، بيروت: دار الطليعة، 2000،
ص68. - للتوسع في دور السالميّ الإصلاحيّ، ينظر: مصطفى شريفي، الشيخ نور
الدين السالميّ مجدّد أمّة ومحيي إمامة، الجزائر: جمعيّة التراث، 1432/
2011. - اجنتس جولدتسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة عبدالحليم النّجّار، ط5،
بيروت، دار اقرأ، 1413/ 1992، ص348-349. ويبدو أن المترجم زل
قلمه في قوله " حركة التجديد الإسلامي الديني " ولعل صواب الكلام :" حركة
تجديد الدين الإسلاميّ". أو أن الخطأ مطبعي فقط. - البرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة، بيروت: دار النّهار،
ص139. - بلنت، مذكرات، ترجمة محمد أمين حسونة، نوفمبر 1903، مجلة الرسالة،
ع310، 12يونيو1939، نقلا عن محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق وتعليق
محمد عمارة،1 / 859. - أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، بيروت: المكتبة العصريّة،
2007/ 1428، ص53، 59، 221-228. - محمد عبده، الإسلام بين العلم والمدنيّة، ص163؛ عباس محمود العقاد، الإمام
محمد عبده، ضمن المجموعة الكاملة، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1980،
ج17/126. - للتوسع في معرفة تاريخ اليعاربة ودورهم في تحرير عمان من الاحتلال البرتغالي، ينظر: سرحان بن سعيد السرحني، كشف الغمة، تحقيق حسن محمد عبدالله النّابودة؛ بيروت- أبو ظبي: دار البارودي، 1427/ 2006، 2/ 959، 965-967؛ السالمي، تحفة الأعيان، مسقط: مكتبة الاستقامة، ج 2/ 16، 49، 107-116؛ حسين غباش، عمان الديمقراطيّة الإسلاميّة: تقاليد الإمامة والتاريخ السياسي الحديث، ص109-112.
- ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس أبو محمد الخروصي(1192/1778-1262/1846 ) فقيه من كبار علماء عمان، من بلدة العليا من وادي بني خروص. نشأ في بيت علم وصلاح وفضيلة، وأخذ العلم عن والده عالم عصره الشيخ أبي نبهان جاعد بن خميس تعرض مع والده لشدائد من قبل حكام عصرهم، فصبروا وصابروا، وبعد وفاة أبيه، بقي الشيخ ناصر وحده يكابد المحن، وهاجر إلى نزوى إلى أن فرجت تلك الشدائد عنه ، أصبح بعدها مع السلطان سعيد بن سلطان مستشارا مقرّبًا في مسقط. ثم سافر معه إلى زنجبار ولازمه إلى أن توفي1262هـ. كان متفننا في علوم جمة، قصده طلاب العلم لأجلها، ومن تلاميذه: سعيد بن خلفان الخليليّ، ومحمّد بن مسعود البوسعيديّ، وذو الغبراء خميس بن راشد العبريّ، ومن مؤلّفاته: 1- لطائف المنن في أحكام السنن. تعليقات على أحاديث الجامع الصغير للسيوطي. 2. تنوير العقول في علم الأصول. 3. التهذيب في النحو القريب. 4. الإرشاد في القياس والاجتهاد. 5.مبتدا الأسفار في لغة أهل زنجبار. 6. الإخلاص بنور العلم والخلاص من الظلم. وغيرها كثير ومازالت أغلبها مخطوطة. ينظر: ابن رزيق، الصحيفة القحطانيّة، تحقيق حسن النابودة، بيروت: دار الباروديّ، ج3/ 238-239.
- الفارسي، البوسعيديون حكام زنجبار، ص158
- الفارسي، المصدر نفسه، ص158
- الفارسي، المصدر نفسه، ص160.
- الرمحيّ، الشيخ ناصر بن أبي نبهان في آثاره اللغويّة، ص113.
- ابن أبي نبهان، م. س، و10.
- السّعديّ، م. س، 7/ 297.
- ابن أبي نبهان، الإرشاد في القياس والاجتهاد، (مخطوط)،ورقة2-3.
- ينظر: سلطان الحجريّ، الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصيّ وآراؤه
العقديّة، ص88-99. - ابن أبي نبهان، التّوحيد،(مخطوط)، ورقة230.
- ينظر في مسند الرّبيع الأحاديث رقم: (484)، (487). ومن الجدير بالذكر أنّ
مسند الربيع هو معتمد الإباضيّة في الحديث. - عاش في بوشر من أعمال مسقط، درس مبادئ وعلوم اللغة العربيّة على سعيد بن عامر الطيواني، وحماد البسط حتى إنّه ألّف أرجوزة (مقاليد التصريف) وهو دون العشرين، ثمّ التقى بناصر بن أبي نبهان الخروصي فازداد تفقها في الشريعة، حتى فاق أقرانه، وتصدر للفتوى، حتى صار المقدّم في الحلّ والعقد حين بايعوا عزان بن قيس إماماً يحكم عمان. من تلاميذه: صالح بن علي الحارثي، وسالم بن عديّم البهلانيّ ترك مؤلّفات عدة أشهرها: مقاليد التصريف، وإغاثة الملهوف بالسيف المذكر بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وفتاوى ورسائل كثيرة جمعها تلميذه محمد بن خميس السيفي في ثلاثة عشر مجلدا وسمّاها(تمهيد قواعد الإيمان). ينظر: عبد الله السالمي، تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، ج2/ 252، 259، 295-296؛ محمد السالمي، نهضة الأعيان بحرّيّة عمان، لا ن، لا ت،ص381، 387؛ محمد الخصيبي، شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان، مسقط: وزارة التراث والثقافة، ط4، 2/ 333.
- أحمد بن حمد الخليليّ، "المحقق الخليليّ فقيها ومحقّقا" ورقة عمل مقدّمة لندوة قراءات في فكر المحقق الخليليّ، مسقط: المنتدى الأدبيّ، 1994، ص15.
- قال الشيخ علي يحيى معمر : "وكان من العمالقة الذين أنجبتهم يفرن في أواخر العصر التركي : العلامة قاسم بن سعيد الشماخي؛ نزيل مصر، وقد كوّن هذا العلامة رجّة في مصر شغلت أرباب الفكر والعلم والأدب ردحا من الزمن، وكان إلى جنبه الأديب الصحفي المصري مصطفى بن إسماعيل، وكان الرجلان يكونان ثنائيا مندفعا في كفاح الأباطيل والخرافات والبدع بقوة وعزم. وحينما ثار الجامدون في وجه الإمام محمد عبده كان هذا الثنائي من أعظم الأنصار الذين وقفوا في وجه الجمود يردون كيد الخصوم، ويحاربون منطق التخلف الذي يمليه في أغلب الأحيان حسد، مبعثه القصور والعجز، فكانت لهما مقالات رنانة متآزرة في الصحف وكتب متآخية في نصرة الحق "
- علي يحيى معمر، الإباضية في موكب التاريخ: الإباضية في ليبيا، القاهرة:
مكتبة وهبة، الحلقة2 / ص 220 - 221 - أحمد بن حمد الخليليّ، "المحقق الخليليّ فقيها ومحقّقا" ورقة عمل مقدّمة
لندوة قراءات في فكر المحقق الخليليّ، مسقط: المنتدى الأدبيّ، 1994،
ص15. - الخصيبيّ، شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان، ج2،
ص - المصدر نفسه، ص91.
- عبد الحفيظ محمد حسن، "شاعريّة المرحوم سعيد بن خلفان الخليليّ"، ورقة عمل
قدّمت في ندوة قراءات في فكر الخليليّ، مسقط: المنتدى الأدبي/ وزارة
التراث القوميّ والثقافة، 1414/ 1994، ص91. - عبد الله بن حميد بن سلوم السالميّ (1286/1868-1332/1914) فقيه مؤرّخ عمانيّ إباضيّ، لقّب نور الدين،أشهر عالم إباضيّ عمانيّ في القرن14/20 له مؤلفات كثيرة منها: تحفة الأعيان، ومشارق أنوار العقول, درس على يد صالح بن علي الحارثيّ ( 1314/ 1896) ومحمّد بن مسعود البوسعيدي (1320/ 1902) وغيرهما من علماء عصره. ثمّ قام بالتدريس وتخرج في مدرسته علماء كثر، أشهرهم: عامر بن خميس المالكي( 1346/ 1927)، و محمّد بن عبدالله الخليليّ(ت1373/1954). كما كان له دور سياسيّ لمّا أعاد نظام الإمامة الإباضيّة القائم على الشورى في اختيار الحاكم الذي يدير شؤون الناس. ينظر: محمّد السّالميّ، نهضة الأعيان, ص129،128،125،118. وقد احتفت به منظمة اليونسكو؛ إذ تمّ إدراجه ضمن برنامج الذكرى المئويّة عالميًّا ضمن أعمال الدورة(38) للمؤتمر العام لليونسكو2015، ونظمت اللجنة الوطنيّة العُمانيّة للتربية والثقافة والعلوم، بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة ومكتبة السالميّ ندوة في مسقط بعنوان(الموسوعيّ والمصلح الاجتماعيّ الشيخ نور الدين عبدالله بن حميد السالميّ، يوم 8/2/2017 بجامع السلطان قابوس الأكبر.
- سالم بن حمود السيابي، أصدق المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج،
مسقط: وزارة التراث القوميّ والثقافة، ص35. - السالميّ، جوهر النّظام،مقدّمة أبي إسحاق اطفيّش، صفحة ز.
- السالميّ، كشف الحقيقة لمن جهل الطريقة، بصيرة، 2015، ص5.
- السالميّ، جوهر النّظام، ج4/ 642.
- السالميّ، بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود، ص52.
- ينظر السؤال والجواب عند محمّد السالميّ، نهضة الأعيان، ص122-125.
- ولد في مدينة وادي محرم ببلاد بني رواحة في عُمان في سنة ١٢٧٣ هجرية وقيل في سنة ١٢٧٧ هجرية.أخذ أبو مسلم علمه عن عدد من المشايخ، وكان أولهم أباه سالم بن عديم، ثمّ الشيخ محمد بن سليم الرواحي، ثمّ اعتمد على الدّرس والقراءة في المطوّلات حتى بلغ في العلم درجة عالية، ف"كان العالم المحقق" كما وصفه سماحة الشيخ المفتي أحمد بن حمد الخليليّ، حرّر الآراء الكلاميّة والفقهيّة واللغويّة وناقشها مستقلًّا، وكان أوّل عمانيّ ينشئ صحيفة أسماها (النّجاح). محمد بن راشد الخصيبي، شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان، مسقط: وزارة التراث والثقافة، ط4، 2/ 347؛ محمد ناصر، أبو مسلم الرواحيّ حسان عمان، مسقط: مطابع النهضة، 1416/ 1996، ص8-13.
- محمد ناصر بوحجام، "الخطاب الديني عند أبي مسلم في إطار مدرسة الإحياء"
ورقة عمل مقدّمة إلى ندوة الخطاب الدينيّ في شعر أبي مسلم البهلانيّ، مسقط:
وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة، 2003، ص147. - راشد الدغيشيّ، شرح الموسوعة الشعريّة لأبي مسلم البهلانيّ، مسقط: مكتبة
الضامريّ، 1436/ 2015، ج1/ 605. - محمّد صالح ناصر، أبو مسلم الرواحيّ "حسّان عمان"، مسقط: مطابع
النّهضة، 1416/ 1996، ص197. - بشير نافع، الإسلاميّون، بيروت: الدار العربيّة للعلوم، الدوحة: مركز الجزيرة
للدراسات، 1431/ 2010، ص19. - عزت قرني، "أوجه قصور وأغلاط في تاريخ الفكر الحديث" مقال منشور
بمجلة عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، مج25-
ع1، يوليو-سبتمبر، 1996، ص133-162. - عزت قرني، العدالة والحريّة في فجر النهضة العربيّة(يونيو 1980)،
الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، ص14. - أحمد محمد جاد عبد الرازق، فلسفة المشروع الحضاري بين الإحياء الإسلامي
والتحديث الغربي، ص287. - جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربيّة في عصر
العولمة (2000)، بيروت: دار الساقي، ط1، ص7. - علي مبروك، عن الإمامة والسياسةوالخطاب التاريخي في علم العقائد، حلب
(سوريا): مركز الإنماء الحضاري، 2004، هامش ص23. - جودت سعيد، التغيير: مفهومه وطرائقه، ط2، بيروت: دار الفكر المعاصر،
دمشق، دار الفكر، 1998، ص18-19. مقدمة الناشر محمد عدنان سالم. - أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، بيروت: المكتبة العصريّة،
1428/ 2007، ص237.
([1])أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، بيروت: المكتبة العصريّة، 1428/ 2007، ص237.