التفسير والتأويل: الافتراق والتواصل وأبعادهما

rumman-amin-n4SqkKeT2Bg-unsplash.jpg

سعاد كوريم (1)

تمهيد:

إن الحديث عن الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل حديث سهل ممتنع؛ فالظاهر لأول وهلة أن جمع أطراف هذا الموضوع يكفي فيها جمع تعريفي التفسير والتأويل في صعيد واحد، ثم المقارنة بينهما لتحديد مواضع الوصل والفصل والتعرف على ملامح التشابه والاختلاف. لكن الموضوع أعقد من مجرد مقارنة تعريفين؛ فتعريفات التفسير والتأويل متعددة ومختلفة، وكلها مفاهيم لا ترقى إلى مستوى المصطلح. وقد كان لهذا الوضع تأثيره على المستوى المفهومي والنظري والمنهجي والتطبيقي لكل من التفسير والتأويل، وتأثيره أيضا على الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل في كل مستوى من هذه المستويات.

1. إشكالات الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل

بقدر التعدد والاختلاف في تعريفات التفسير والتأويل يكون اضطراب مفهومي التفسير والتأويل وعدم نضجهما الاصطلاحي، وبقدر ذلك الاضطراب يتأثر المستوى النظري فيقوى أو يضعف، ويتأثر المستوى المنهجي فيتضح أو يغمض، ويتأثر المستوى التطبيقي، فيقترب من قصد المتكلم أو يبتعد عنه.

هذه الوضعية المعقدة من التأثير والتأثر المتبادل بين التفسير والتأويل على هذه المستويات المختلفة تفرض التحلي بالتواضع المعرفي، والوعيَ بالعجز عن الإحاطة التامة بأبعاد التواصل والافتراق، واستحالةَ إيجاد حلول نهائية لهذا التعقيد خارج دائرة العمل الجماعي عموما والمؤسساتي على وجه الخصوص.

إن العمل الجماعي هو وحده الكفيل بأن يضفي على المفاهيم صبغة الاتفاق والإلزام. وهي صبغة تُكسب المفهوم نضجا كافيا يرتقي به إلى مستوى المصطلح، ويجعله أوضح من ذي قبل. ومن المعلوم أن وضوح اللفظ في الذهن ضروري لوضوح العمل بمقتضاه، وأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا اتضحت صورة اللفظ في الذهن أمكن أن نقيم على أساسها إطارا نظريا واضحا، وإذا اتضحت معالم النظرية أمكن أن نبني على أساسها نسقا منهجيا متماسكا، وإذا أقيم صرح المنهج أمكن أن تنتج عنه تطبيقات أقرب إلى موافقة مراد الشارع من كلامه.

من شأن القيام بعمل جماعي من هذا العيار أن يوفر معيارا أكثر موضوعية لتقييم التفسيرات والتأويلات من جهة، ومن شأنه أيضا أن يضمن تحديدا أكثر دقة لموقِعَي التفسير والتأويل من خريطة أشكال الفهم والتعامل مع النص الشرعي عموما ومع القرآن الكريم على وجه الخصوص.

وبهذا يصير الاضطراب على مستوى المفهوم خيارا لا اضطرارا، ويصير ما يبنى على التصور الواضح للتفسير والتأويل – سواء على مستوى النظرية أم المنهج أم التطبيق – واضحا أيضا، ومهما لحقه من تعدد فهو تعدد إثراء لا تعدد إلغاء؛ أي أن بعضه يدعم بعضا ويقويه بدل أن يهدم بعضه بعضا أو يلغيه.

فإذا حصل التعدد على المستوى النظري كان بمثابة تنوع زوايا النظر إلى الموضوع الواحد ذي الموضع الواحد. وكلما تعددت زوايا النظر إلى نفس الموضوع صارت أبعاده أوضح؛ لأن كل زاوية تسلط الضوء على جانب قد لا يصل إليه الضوء الذي تسلطه زاوية مغايرة، يعني ذلك أن التعدد هنا هو تعدد تجلية لا تعدد تعتيم.

وإذا حصل التعدد على المستوى المنهجي كان بمثابة الوسائل المختلفة التي تروم تحقيق الهدف نفسه ، وهو إيجاد طريق سالكة توصل إلى الموضع المحدد نفسه. وعلى الرغم من أن اختلاف الوسائل قد يفرض أحيانا اختلاف الطرق لكن النتيجة تظل واحدة وهي التوجه نحو نفس القبلة المنهجية. يعني ذلك أن الاختلاف هنا هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.

وإذا حصل التعدد على المستوى التطبيقي؛ أي على مستوى نتائج ومخرجات المستويين النظري والمنهجي وحصيلة تطبيقهما أثناء التعامل المباشر مع النص المراد تفسيره أو تأويله؛ فإن ذلك يقتضي تعدد تفسيرات أو تأويلات اللفظ الواحد. غير أن الاختلاف الحاصل في هذا المقام لا ينعكس سلبا على المعنى؛ لأنه اختلاف إثراء وتثوير لا يفضي بالضرورة إلى غياب المعنى وضياع القصد. إن الاختلاف هنا لا يعني التيه وسط معانٍ متناقضة تتنازع الإعراب عن القصد، ولكنه يحيل على تعدد طبقات فهم المعنى وإدراك القصد.

وفي غياب العمل الجماعي/المؤسساتي الذي يرتفع بمستوى كل من التفسير والتأويل إلى مقام المصطلح المنضبط ذي الموقع المحدد من شبكة المصطلحات والمفاهيم، وذي العلاقة الواضحة بغيره من المصطلحات والمفاهيم داخل تلك الشبكة؛ فإن هذه الدراسة تعجز عن تعيين حدود الفصل والوصل بين التفسير والتأويل، فضلا عن أن تُلزِم بنتيجة ذلك التعيين. والسبب في عجزها – وعجز مثيلاتها - عن التعيين والإلزام بنتيجته هو أنها دراسة فردية تعبر عن اجتهاد فردي ليست له قوة الإجماع.

غير أن العجز عن تعيين حدود الفصل والوصل بين التفسير والتأويل كما ينبغي أن تكون لا يمنع من تسليط الضوء على الإشكالات الموجودة التي تثيرها إمكانات الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل. بل إن نقد الموجود طريق لإدراك المنشود، خاصة إذا كانت الهوة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون أوسع مما يستطيع أن يرتقه راقع.

2. الافتراق والتواصل على مستوى المفهوم


إن الوضع المنشود الذي يطمح إلى إدراكه كل لفظ في مسيرة تطوره الدلالي هي أن يكون له معناه المحدد الذي يحيل عليه بدقة ضمن مجال معرفي معين. غير أن التفسير والتأويل لم يحظيا بهذا الوضع الدلالي حسب ما يسفر عنه تتبع تعريفاتهما. فقد بلغت تلك التعريفات من التعدد والاختلاف قدرا جعل العلاقة بين اللفظين تتراوح بين الترادف والتداخل والتكامل والتضاد؛ مما جعل موقع كل منهما من خريطة المفاهيم والمصطلحات الدالة على فهم النصوص في حراك مستمر.

2. 1. الترادف بين التفسير والتأويل

يرى بعض العلماء أن التأويل قد يأتي بمعنى التفسير، فالكلمتان معا تدلان عندهم على إيضاح الكلام وبيان معنى اللفظ والكشف عنه. وبملاحظة التطور الدلالي للفظي التفسير والتأويل يتبين أن هذا الرأي القائل بالترادف هو من أول الآراء ظهورا في بيان العلاقة بين اللفظين، أو لعله أولها ظهورا على الإطلاق حين يرتبط التفسير والتأويل بالنصوص الشرعية.


لقد ذكر ابن تيمية هذا الرأي وجعله أول الأقوال نسبة إلى السلف؛ فالتأويل عندهم له معنيان: "أحدهما: تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالفه، فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربا أو مترادفا، وهذا – والله أعلم – هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله، ومحمد بن جرير الطبري يقول في تفسيره :القول في تأويل قوله كذا وكذا، واختلف أهل التأويل في هذه الآية' ونحو ذلك، ومراده التفسير"(2)

يبدو أن القول بالترادف كان واسع الانتشار وقوي الحضور في هذه الفترة المبكرة من تاريخ التفسير؛ فبناء عليه سمى بعض المفسرين كتبهم؛ كابن جرير الطبري الذي وسم تفسيره بعنوان "جامع البيان في تأويل آي القرآن"، وضَمَّنوا هذا الترادف تفاسيرهم كأبي عبيدة الذي قال عند تفسيره آية "وما يعلمه تأويله إلا الله"(3) : إن "التأويل: التفسير."(4) كما أن هذا الترادف شق طريقه إلى كتب المعاجم التي وثَّقت استعمال التفسير والتأويل بمعنى واحد؛ فقد جاء في القاموس المحيط أن معنى: "أَوَّلَ الكلامَ تأويلا وتأوَّلَهُ: دبره وقدره وفسره،"(5) وجاء في لسان العرب أن أبا العباس أحمد بن يحيى قال عندما سئل عن التأويل: "التأويل والمعنى والتفسير واحد"(6)

لعل ما يشفع للقول بترادف التفسير والتأويل هو أنهما يرجعان نوعا ما إلى المعنى نفسه ؛ أي إلى أصل الإظهار والكشف عن المعنى. وهذا ما رجحه ابن عاشور استنادا إلى شواهد من اللغة والآثار، حيث بيَّن أن التفسير والتأويل متساويان؛ "لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم به من المعاني، فساوى التفسير"(7). ويضاف إلى ذلك أن التفسير مشتق من السَّفْر أو الفّسْر الذي يدل على الكشف عن شيء مختبئ، وأن التأويل يسعى للكشف عن المآل أو الأصل المختبئ؛ أي أن التفسير والتأويل معا يبحثان عن المعنى المختبئ وراء الظاهر من اللفظ.

ظهرت إلى جانب القول بالترادف آراء أخرى إزاء العلاقة بين التفسير والتأويل ترى أن الصحيح هو القول بتغايرهما؛ ولكنها اختلفت بعد ذلك في تحديد وجه التغاير على عدة أقوال.(8) وتنطلق هذه الآراء القائلة بعدم الترادف من أن التفسير والتأويل وإن كانا يشتركان إجمالا في الإقبال على النص الشرعي بحثا عن مقاصده، غير أنهما يختلفان في الغايات التفصيلية والمنهج المعتمد لتحقيقها.

2. 2. التكامل بين التفسير والتأويل


يُعدّ التكامل من أشكال العلاقة القائمة بين التفسير والتأويل بحسب ما تفيده جملة من تعريفات اللفظين. ويمكن التمييز بين نوعين من التكامل هما التكامل التعاقبي والتكامل التزامني؛ بحيث يحيل التكامل التعاقبي على التكامل الحاصل بين التفسير والتأويل حين يراد بهما الدلالة على مرحلتين مختلفتين من مراحل الشرح؛ مرحلة سابقة هي التفسير ومرحلة لاحقة هي التأويل. ويحيل التكامل التزامني على النظر إلى التفسير والتأويل بصفة كل واحد منهما منهجا مختصا بالتعامل مع نوع من النصوص غير النوع الذي يختص بالتعامل معه المنهج الآخر.

ويمكن أن ندرج في إطار التكامل التعاقبي تلك التعريفات التي ترى أن تفسير الكلام هو بيانه وشرحه وكشف معناه، وأن تأويله هو تحديد مصداقه الخارجي؛ ذلك أن "الكلام نوعان: إنشاء فيه الأمر، وإخبار. فتأويل الأمر هو نفس الفعل المأمور به. ... وأما الإخبار فتأويله عين الأمر المخبر به إذا وقع، ليس تأويله فهم معناه. ... فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن، ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله. ... فالتأويل هو الحقيقة الخارجة، وأما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية"(9)

يدخل في إطار التكامل التعاقبي أيضا تلك التعريفات التي تجعل التفسير مختصا ببحث دلالة المفردات، والتأويل مختصا ببحث دلالة التراكيب. فالتفسير "أكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل"(10)

ويندرج ضمن هذا النوع من التكامل نفسه تلك التعريفات التي تصرف التفسير إلى البحث عن المعنى المراد من ظاهر اللفظ، وتصرف التأويل إلى البحث عن المعنى المراد من باطنه. وفي هذا السياق يقول أبو طالب التغلبي: "التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا، كتفسير الصراط بالطريق، والصيب بالمطر. والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول وهو الرجوع لعاقبة الأمر. فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد؛ لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل. مثاله قوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد}،(11) تفسيره: أنه من الرصد، يقال رصدته: رقبته، والمرصاد: مِفْعَالْ منه. وتأويله: التحذير من التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعدادِ للعرض عليه"(12).

أما التكامل التزامني، الذي يقصد به اختصاص كل من التفسير والتأويل بالتعامل مع نوع خاص به من النصوص، فهو لا يمنع من أن يتم التفسير والتأويل بالموازاة بعضهما مع بعض. ويندرج ضمن هذا التكامل التعريفات التي ترى أن التفسير يختص بالتعامل مع قطعي الدلالة وأن التأويل يختص بالتعامل مع ظني الدلالة. ومن نماذج هذه التعريفات أن "التفسير بيان للفظٍ لا يحتمل إلا وجها واحدا، والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معانٍ مختلفة إلى واحد منها، بما ظهر من الأدلة"(13).

وينخرط ضمن هذا التكامل أيضا تلك التعريفات التي ترى أن التفسير يتعلق بالرواية، وأن التأويل يتعلق بالدراية؛ أي أن "ما وقع مبيَّنا في كتاب الله ومُعَيَّناً في صحيح السنة سمي تفسيرا؛ لأن معناه قد ظهر ووضح، وليس لأحد أن يتعرض إليه باجتهاد ولا غيره، بل يحمله على المعنى الذي ورد ولا يتعداه، والتأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعنى الخطاب الماهرون في آلات العلوم"(14)

2. 3. التداخل بين التفسير والتأويل:

تكشف مجموعة أخرى من تعريفات التفسير والتأويل أن العلاقة بينهما يمكن أن تكون علاقة تداخل بين مجالات الاشتغال؛ بحيث يكون مجال أحدهما أعم من مجال الآخر. وبالمقارنة بين التعريفات التي تصنف ضمن هذه المجموعة يتبين أن هذه العلاقة من العموم والخصوص بين التفسير والتأويل علاقة متبادلة؛ أي أن التعريفات تجعل التفسير تارة أعم من التأويل، وتجعل التأويل تارة أخرى أعم من التفسير. ويمكن الجمع بين هذه التعريفات المتعارضة من باب دلالتها على أن كل واحد منهما (أي التفسير والتأويل) أعم من الآخر من وجه وأخص منه من وجه آخر.

يعدّ التأويل أعم من التفسير من جهة أن الأول يشمل مجال الكلام ومجال العالم الخارجي، بينما يختص التفسير بمجال الكلام فقط. وفي هذا السياق ينقل لنا الطوفي في الإكسير أن من الأقوال المتداولة في العلاقة بين المصطلحين ذلك القول الذي يرى أن "التأويل أعم؛ لجريانه في الكلام وغيره، يقال: تأويل الكلام كذا، وتأويل الأمر كذا، أي ما يئولان إليه، قال تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله'(15) هذا في الكلام، وقال في الأمر ونحوه: 'فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}(16) إلى قوله {ذلك خير وأحسن تأويلا}(17) أي أحسن مآلا وعاقبة. وكذا قوله تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله}(18)؛ أي مآل القرآن وعاقبة ما تضمنه من الوعيد. بخلاف التفسير؛ فإنه يخص الكلام ومدلوله، يقال: تفسير الكلام كذا، والقضية كذا."(19)

ومن ناحية أخرى يعدّ التفسير أعم من التأويل، وذلك من جهة أن التأويل خاص بالنصوص الدينية فحسب في حين أن التفسير يطلق على النصوص الدينية وغيرها. وهذا الموقف تناقلته كتب علوم القرآن حين بينت أن جملة من المتخصصين يذهبون إلى أن "التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها. وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية. والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.(19)  تقول: "فسرت الكلمة الواردة في بيت الشعر، ولا تقول: أَوَّلت ذلك"(20)

2. 4. التضاد بين التفسير والتأويل

لا تقف العلاقات الممكنة بين التفسير والتأويل عند حدود الترادف والتكامل والتداخل. بل إن المتأمل في التعريفات المتداولة لهذين اللفظين يجد أن العلاقة بينهما بلغت حدود التضاد أيضا. وليس المراد بالتضاد هنا مجرد الاختلاف كما هو الحال في اختلاف التكامل والتداخل، وإنما المراد به اختلاف من نوع آخر يرتبط فيه اللفظان بعلاقة تقابلية تقتضي اتصاف كل واحد منهما بصفات تناقض صفات الآخر.

 


يبرز هذا التضاد من خلال الأقوال التي ترى أن التأويل عمل ذاتي متحرر من الضوابط في حين أن التفسير عمل جماعي، وذلك بخلاف الرأي السائد الذي يرى أن التفسير نشاط فردي أيضا يقوم به كل مفسر على حدة. يتضح ذلك بالنظر إلى أن "واقع التفسير - وفق الشروط الصارمة والتحديدات التفصيلية التي راكمتها مصنفات التفسير وعلوم القرآن- جعله يخرج من كونه نشاطا فرديا مستقلا ليصبح نشاطا جماعيا منظما، تضبط إيقاعه وتنظم حركته مؤسسة علمية يمكن تسميتها بمؤسسة التفسير"(21) أما التأويل فتختفي فيه الوساطات المنهجيةٌ بين النص وشارحه، فهو عملية "تعتمد أحيانا على حركة الذهن في اكتشاف أصل الظاهرة، أو في تتبع عاقبتها، وبكلمات أخرى يمكن أن يقوم التأويل على نوع من العلاقة المباشرة بين الذات والموضوع"(22)

ولما كان التأويل عملا ذاتيا متحررا من الوساطة كان من الطبيعي أن تختلف علاقته بالنص عن علاقة التفسير به؛ ففي حين أن التفسير لا يقدم للنص الواحد إلا قراءة واحدة في الغالب مهما تغير المفسرون، فإن التأويل يعطي أكثر من قراءة بحسب اختلاف نظرة المؤولين وميولاتهم وأهدافهم.

يتضح إذن أن التقابل الحاصل بين التأويل والتفسير قد تطور من مجرد تقابل بين الفردي والجماعي ليصير تقابلا بين الذاتي والموضوعي؛ ذلك أن "التفسير يهدف إلى الوصول إلى معنى النص عن طريق تجميع الأدلة التاريخية واللغوية التي تساعد على فهم النص فهما موضوعيا... أما التفسير بالرأي أو التأويل فقد نُظر إليه على أساس أنه تفسير غير موضوعي؛ لأن المفسر لا يبدأ من الحقائق التاريخية والمعطيات اللغوية"(23) فالتأويل بهذا المعنى جهد ذاتي يخضع فيه النص لتصورات القارئ ومفاهيمه وأفكاره القبلية.

لقد أفضى هذا التقابل بين التفسير والتأويل إلى إضفاء أحكام قيمة متباينة عليهما جعلت التفسير أفضل من التأويل، وجعلت التأويل ذا دلالة سلبية مرتبطة بالجنوح المقصود عن مقاصد القرآن، وبالتحريف المتعمد لدلالات مفرداته وتراكيبه.

إن هذه العلاقات المتعددة والمختلفة أسفرت عن وجود رؤى متعددة ومختلفة لمفهومي التفسير والتأويل أيضا، وأدت كذلك إلى إيجاد تواصلات وافتراقات متعددة ومختلفة بينهما. ومن شأن ذلك أن يكون له تأثيره البالغ على موقع كل من التفسير والتأويل من خريطة المفاهيم المرتبطة بفهم النص الشرعي، وتأثيره أيضا على حدود الوصل والفصل بينهما. فكلما كانت المواقع ثابتة كانت الحدود صارمة، وكلما كانت المواقع متغيرة كانت الحدود عائمة.


3. أبعاد الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل

 

وصلت إمكانات التواصل والافتراق بين التفسير والتأويل إلى ستة أنواع من الاحتمالات الكلية التي يتضمن كل نوع منها احتمالات فرعية متعددة. وانطلقت تلك الاحتمالات الكلية من درجة التطابق، ثم تدرجت عبر سلم الاختلاف، ووصلت إلى ذروته ومنتهاه الذي تمثله درجة التضاد. وإذا صرفنا النظر عن الاختلافات البينية التي تخللت مرحلة الانتقال من التطابق إلى التضاد، وأخذنا في الحسبان هاتين الدرجتين فقط؛ تبين لنا حجم الانفصام الذي يسببه الاضطراب المفهومي؛ إذ كيف يعقل أن يكون الشيئان المتطابقان متناقضين أيضا في مجال معرفي واحد؟

يصير هذا الانفصام أكثر حدة وأشد وطأة إذا تم استحضار الاحتمالات الكلية للافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل، وإسقاطها على عالم البشر والنظر إليها من جهة شبه عالم الألفاظ بعالم الأفراد. وانطلاقا من ذلك الشبه تأتي مشروعية مجموعة من الأسئلة من بينها: كيف يمكن أن أحيل أنا والآخر على ذات واحدة (الترادف)، وأن يكون الآخر جزءا مني، وأن أكون أنا جزءا منه (التداخل)، وأن يكمل أحدنا الآخر (التكامل)، وأن يعادي كلانا الآخر (التضاد)، ثم يحافظ بعد ذلك كل منا على هويته وعلى علاقة بغيره واضحة المعالم؟

ولقائل أن يقول: إن هذه الصورة السوداوية هي مجرد تضخيم وتهويل لإشكال بسيط لا يكاد يذكر له وجود، أو يعرف له أثر. فهو إشكال يمكن تجاوزه ببساطة من خلال اختيار آخر دلالة استقر عليها تداول مفهومي التفسير والتأويل؛ لأنها تشكل حصيلة ما أسفر عنه التطور الدلالي المستفاد من سيرة المفهومين. ويدعم ذلك أن المتعارف عليه في الأوساط العلمية هو أن المصطلح يأخذ معناه النهائي بحسب آخر ما تطورت إليه دلالته في مجال علمي محدد.

إن هذا القول مردود بالنظر إلى واقع مفهومي التفسير والتأويل وعلميهما. فإلى الآن لا يستطيع الباحث في مجال التفسير وعلوم القرآن خصوصا، والمشتغل بالفكر الإسلامي على وجه العموم، أن يضع يده على الفروق الدقيقة بين التفسير، والتأويل، ولا أن يشير بإصبع واثقة إلى منتوج شرحي معين، فيقول: هذا تفسير، وهذا تأويل، دون أن ينازعه أحد في ذلك التوصيف. أضف إلى ذلك ظهور تيار تفعيل المصطلحات والمفاهيم القرآنية بغية استثمارها في الجانب المعرفي. وهو تيار يهدف إلى دراسة تلك المصطلحات والمفاهيم كي يعتمدها في الاسترجاع النقدي للمفاهيم والمصطلحات المتداولة في الفكر الإسلامي، وكي يصحح ما تداوله ذلك الفكر في ضوء ما أسفرت عنه تلك الدراسات.

هذا الواقع يفرض الوعي بحجم الإشكال الكبير الذي يثيره اضطراب مفهومي التأويل والتفسير. فهو إشكال أكبر من أن يحسم بمجرد اصطفاء تاريخي لأحد استعمالات كل مفهوم. كما أنه إشكال أعمق من أن يُستأصل بمجرد انتقاء دلالة قديمة أو فرض دلالة جديدة تقطع الصلة مع الدلالات السابقة. ويكبر حجم الإشكال ويصير أكثر عمقا بالنظر إلى الانعكاس السلبي لاضطراب مفهومي التفسير والتأويل على أبعاد التواصل والافتراق بينهما، خاصة مع تسلل ذلك الاضطراب إلى تلك الأبعاد أيضا.

يمكن التمييز في أبعاد التواصل والافتراق بين أبعاد معرفية وأخرى حضارية على وزان ثنائية التمييز بين النص والواقع. فالأبعاد المعرفية هي التي تحوم حول النص وتدور في فلكه بغية إدراك القصد وتحديد القوانين المنظمة لذلك الإدراك. والأبعاد الحضارية هي التي تتولد عن الأبعاد المعرفية وتبحث عن كيفية تنزيل النص على الواقع للارتقاء به من مستوى الموجود إلى مستوى المنشود.

يدخل في الأبعاد المعرفية ما يترتب عن المستوى المفهومي ويُركب عليه من مستويات يترتب بعضها عن بعض، ويركب بعضها على بعض. هذه المستويات هي المستوى النظري، والمستوى المنهجي، والمستوى التطبيقي؛ بحيث يترتب المستوى النظري عن المستوى المفهومي، ويتولد المستوى المنهجي عن المستوى النظري، وينتج المستوى التطبيقي عن إعمال المنهج في التعامل مع النص.

أما الأبعاد الحضارية فطبيعي أن تتولد عن الأبعاد المعرفية وترتبط بها ارتباطا وثيقا، خاصة إذا علمنا أن الحضارة الإسلامية حضارة تقوم على أساس من النص. إنها حضارة ترى أن الدرس القرآني هو الهيكل الذي ينبغي أن يُفَصل على مقاسه العمران البشري. ومن ثم فإن أي تغيير يحصل على المعرفة بالقرآن والمعرفة المستخلصة منه سيؤثر بالضرورة على النظرة إلى العالَم والمنتظر منه.

 


يتضح إذن أن الاضطراب الملحوظ على مستوى الافتراق والتواصل بين مفهومي التفسير والتأويل سيتسرب لا محالة إلى الجانبين المعرفي والحضاري، خاصة وأن هذين المفهومين هما أهم المفاهيم وأكثرها تداولا في مجال فهم النصوص وإفهامها. ويمكن تقديم صورة تقريبية عن منحى ذلك الاضطراب ومساره على النحو الآتي:

يتبين من خلال الرسم التوضيحي مدى تأثر الأبعاد المعرفية والحضارية بالاضطراب الحاصل على المستوى المفهومي. كما يتضح أن ذلك الاضطراب يسري عموديا من كل مستوى إلى المستوى الذي بعده، ويسري أفقيا من كل مستوى إلى أبعاده الحضارية والعمرانية، ثم يسري عموديا مرة أخرى من كل بعد حضاري وعمراني لمستوى من المستويات إلى البعد الحضاري والعمراني للمستوى الذي بعده. وبهذا يكون مجموع الاضطرابات الناتجة عن الاضطراب المفهومي وحده هو عشرة اضطرابات. ويمكن أن نقتصر من بينها في هذا المقام على تلك المرتبطة بالأبعاد المعرفية.

4. أثر الاضطراب المفهومي في الأبعاد المعرفية للافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل:

لا يسع المتأمل في تعريفات التأويل وأشكال علاقته بالتفسير إلا أن يسلم بتأثيرها السلبي في المستوى النظري والمنهجي والتطبيقي للتأويل. ويمكن تقديم نموذج لذلك من خلال المقارنة بين ما تسفر عنه نظرتنا للتأويل باعتباره مرادفا للتفسير، ونظرتنا إليه باعتباره متكاملا مع التفسير تكاملا تعاقبيا. ولعل الفروقات الناجمة عن تلك المقارنة تظهر بشكل أوضح إذا تم ربطها بدلالة التأويل في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}(24) مع اختيار الوقف عند اسم الجلالة.

إذا نظرنا للتأويل في الآية من منظور التكامل التعاقبي يكون المعنى هو أن الله تعالى قد استأثر بمعرفة التأويل. والمراد به هنا هو " الأمور الموجودة في الخارج سواء كانت ماضية أو مستقبلة. فإذا قيل: طلعت الشمس فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها"(25). وإذا نظرنا للتأويل من منظور الترادف يكون المراد هو أن الله تعالى قد  استأثر بمعرفة معنى المتشابه ودلالته.

يفضي اختلاف معنيي التأويل في الآية إلى نشأة نظريتين مختلفتين في التعامل مع النص القرآني. تنحو النظرية الأولى إلى أن القرآن الكريم لا يحتوي على كلام يعجز البشر عن فهمه؛ فكلام الله تعالى كله بيِّن وواضح. والذي استأثر الله تعالى بعلمه هو المآل؛ أي المرجع والمصداق الخارجي الذي تحيل عليه الألفاظ كالجنة والنار والجن والملائكة وغيرها من الغيبيات. أما النظرية الثانية فهي تعرى أن القرآن يتضمن بعض النصوص التي لا يعلم معناها إلا الله تعالى. ومهما حاول الناس فهم المعنى وإدراك القصد فإنهم يبقون عاجزين عن ذلك بموجب المفارقة الموجودة بين إطلاق الكلام الإلهي ونسبية التعقل البشري.

اقتضى الاختلاف الحاصل في المستوى النظري اتخاذ مواقف متباينة من النص والمتكلم والمتلقي. ومن الناحية العامة يمكن التمييز بين موقفين هما(26)

- موقف يرى أن النص (وهو القرآن) كامل، أرسله متكلم (وهو الله تعالى) له قصد يريد إبلاغه، وتلقاه متلقٍّ (العربي الفصيح) قادر على إدراك القصد؛ لأن قناة التواصل المعتمدة في النص (اللسان العربي) هي قناة مشتركة بين المتكلم والمتلقي، ولأن المتكلم قد استعمل تلك القناة وفق سنن العرب في كلامها.

- موقف يرى أن النص يحتوي على شق واضح الدلالة (وهو المحكم)، وشق يحتمل أكثر من وجه دلالي واحد (وهو المتشابه). وفيما يخص المتكلم فقد استعمل قناة التواصل (اللسان العربي) على مستوى الإعجاز والكمال، ولكنه قصد أحيانا إلى إغماض الدلالة وإخفائها. أما المتلقي فإن استعماله للسان أقل من مستوى الكمال والإعجاز الموجودين في القرآن، ولذلك فإن المعنى يلتبس عليه أحيانا خاصة فيما قصد المتكلم إلى إخفاء دلالته والاستئثار بعلمه.

انطلاقا من اختلاف هذين الموقفين تعددت المداخل المنهجية وتنوعت؛ فمنها ما أعطى الأولوية للمدخل اللساني سواء في صيغته المتمثلة في علوم اللغة أو في أصول الفقه. ومنها ما رأى أن الدرس اللساني لا يكفي وحده في الوصول إلى المعنى وإدراك القصد، فاستعان بالمأثور أو بغيره من الأدوات الخارجة عن متن النص.

وعموما يمكن القول: إن المداخل المنهجية قد تنوعت سواء من حيث تعاملها مع ثنائية العلاقة بين مستويي الجهاز والإنجاز من اللسان، أو من حيث اتخاذها لقرار الاكتفاء بالمدخل اللساني أو تعزيزه بمداخل أخرى مدعمة للفهم، أو من حيث إعطاؤها سلطة تعيين القصد للنص أو للمتكلم أو للمتلقي، أو من حيث مدى قناعتها بوجود القصد وإمكان إدراكه.

إن اختلاف المداخل المنهجية على النحو السابق يكشف أنها مداخل متباينة في بعض الأحيان سواء في منطلقاتها النظرية أو في أدواتها الإجرائية. وهذا الوضع يفرض حصول الاختلاف في مخرجاتها؛ أي فيما ينتج عنها من تطبيقات تتمثل في تفسيرات المفسرين وتأويلات المؤولين.

يمكن للاختلاف الحاصل على مستوى التطبيق أن يكون أحيانا مجرد اختلاف تنوع، غير أن واقع التفسيرات المختلفة والتأويلات المتباينة يؤكد أن هذا الاختلاف غالبا ما يكون اختلاف تضاد. وإذا كان اختلاف التنوع مظهرا صحيا في الفكر الإسلامي لأنه يسمح للفروقات الفردية بأن تتعايش تحت سقف النص- فإن اختلاف التضاد -لا يسمح بذلك التعايش، خاصة حين يكون المطلوب هو تنزيل التفسيرات والتأويلات والعمل بموجبها على أرض الواقع. إذ كيف يعقل أن يجتمع الشيء وضده في بناء واحد وتحت سقف واحد، ثم يكون البناء مع ذلك منسجما ومتناسقا ومعبرا عن العمران كما يريده القرآن؟



يتضح مما سبق أن تعدد تعريفات التفسير والتأويل يفضي إلى تعدد احتمالات التواصل والافتراق بينهما، وأن ذلك يؤدي إلى تعدد نظريات التفسير والتأويل، وتعددِ المناهج المؤسسة عليها، والتطبيقات المتولدة عنها. ويمكن تصوير هذا التعدد الحاصل على مستوى المفهوم وتأثيره في تعدد باقي مستويات الأبعاد المعرفية على النحو الآتي:

 

5. دقة المفهوم هي بداية الحل:

لقد كان الخلل الحاصل على المستوى المفهومي للافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل سببا في حصول الخلل فيما يليه من مستويات. ومن هذا المنظور فإن الطريق نحو تحديد دقيق لمواضع الوصل والفصل بين عمليتي التفسير والتأويل ينبغي أن يبدأ بالضرورة من تحديد دقيق للمراد بالتفسير والتأويل.

إن التحديد الدقيق لدلالة هذين اللفظين يعني الارتقاء بهما من مستوى المفهوم إلى مستوى المصطلح، أي من المستوى الذي يفتقر فيه اللفظ للنضج والاتفاق إلى المستوى الذي يتمتع فيه اللفظ بحظ وافر من هاتين الخصيصتين. فكلما كانت دلالة لفظ معين أكثر نضجا تم الاتفاق عليها، وكلما حصل ذلك الاتفاق ارتفع اللفظ إلى مقام المصطلح الذي يحيل على مرجع معين في مجال معرفي مخصوص(27)

ولعل أول خطوة ينبغي أن يمر منها إنضاج دلالتي التفسير والتأويل تمهيدا لخلق أرضية ملائمة للاتفاق حول معنييهما هي حصر أسباب تعدد تعريفات كل واحد من اللفظين ودراستها ومعالجتها ونخلها؛ لأن ذلك هو مفتاح توحيد الدلالة.

ولا يسع الدارس لسيرة مفهومي التفسير والتأويل إلا أن يلاحظ أن أسباب التعدد متعددة، ويمكن أن نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- تعدد التعريفات بسبب الاختلاف على مستوى المعجم، والاختلافِ على مستوى الشبكة المفهومية، والاختلافِ على مستوى الحقل المعرفي، والاختلافِ على مستوى القبليات المعرفية، والاختلافِ على مستوى المجال التداولي.

5. 1. الاختلاف على مستوى المعجم

يرجع تعدد تعريفات اللفظ الواحد أحيانا إلى أسباب معجمية محضة، من بينها أن يكون اللفظ من المشترك المستعمل في معنيين فأكثر على حد سواء. وإذا كان اللفظ مشتركا على هذا النحو يصعب -بل يتعذر أحيانا- تحديد المعنى الأول الذي دل عليه من بين معانيه المحتملة، خاصة وأن المعاجم توثق استعمالات الألفاظ أكثر مما توثق أصول وضعها.

وقد استعمل التأويل على سبيل الاشتراك اللفظي؛ مما أثر في تحديد دلالاته. وبحسب ابن تيمية فإن "أصل ذلك أن لفظ التأويل فيه اشتراك بين ما عناه الله في القرآن، وبين ما كان يطلقه طوائف من السلف، وبين اصطلاح طوائف من المتأخرين. فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معنى بلغته أن ذلك هو المذكور في القرآن"(28)

وما من شك في أن لهذا الاشتراك اللفظي انعكاسه على العلاقات الممكنة التي قد تربط مفهوم التأويل بمفهوم التفسير أو بغيره. ويستدعي الخروج من فوضى الاشتراك أن يتم التنقيب في سيرة المفهوم لحصر التطورات التي لحقته منذ أقدم استعمال له دونه التاريخ. وذلك من أجل التأريخ لدلالاته في ارتباط بمجالاتها المخصوصة، وكذا من أجل حصر أسباب التطورات الدلالية ومدى مصداقيتها، حتى يتميز الاشتراك "المشروع" أو "الحقيقي" عن الاشتراك الناتج عن تحريف المفاهيم وتشويهها.

5. 2. الاختلاف على مستوى الحقل المعرفي:

يرجع تعدد تعريفات اللفظ الواحد إلى تداوله في مجالات أو حقول معرفية مختلفة. وتعدد التعريفات بحسب اختلاف الحقل المعرفي له صلة وثيقة باستعمال المفهوم على سبيل الاشتراك الذي سبق بيانه عند الحديث عن الاختلاف على مستوى المعجم.

وقد تعددت تعريفات مفهوم التأويل بحسب الحقل المعرفي الذي تم تداوله فيه؛ فمعناه عند اللغويين(29)غير معناه في استعمال القرآن الكريم والحديث النبوي،(30) وهو غير معناه أيضا عند المفسرين.(31) وهذه التعريفات كلها تختلف عن تعريف التأويل عند الأصوليين والمتكلمين،(32)وكذا عن تعريفه في النقد الحديث(33)

إن هذا التغيير في دلالة التأويل بحسب الحقول المعرفية له تأثيره على مفهوم التأويل وعلاقته بمفهوم التفسير، كما أن عدم مراعاة اختصاص كل حقل معرفي بمعنى معين، واستخدامَ بعض المعاني في حقول معرفية ليست هي حقولها المعرفية الأصلية كان له أيضا دور كبير في التباس العلاقة بين المفهومين.

يستدعي رفع هذا اللبس القيام بإجراءين؛ أحدهما: محاولة الفصل بين الحقول المعرفية فصلا صارما، والحرص على استخدام كل معنى داخل حدود الحقل المعرفي الذي نشأ فيه. والإجراء الثاني: حل مشكل تعدد معنى المفهوم في الحقول المعرفية المتقاربة، وذلك إما بأن يتم توحيد معنى المفهوم فيها، أو بأن يتم تعيين فروق دقيقة بين معاني المفهوم في تلك الحقول. ومن بين الحقول المعرفية المتقاربة علم أصول التفسير وعلم أصول الفقه؛ فكلاهما يسعى إلى وضع القواعد المنظمة لفقه مراد الشارع من كلامه، وكلاهما يستخدم مفهومي التفسير والتأويل في ارتباط بينهما. ويظهر تقارب الحقلين بقوة في الدراسات التي تروم استثمار الدرس الأصولي في تقنين التفسير والتنظير له.

5. 3. الاختلاف على مستوى الشبكة المفهومية:

يرجع تعدد تعريفات اللفظ الواحد أحيانا إلى حركية المفهوم ضمن شبكته المفهومية بدل اتخاذه لموقع ثابت فيها، وقد رأينا أنموذجا من حركية مفهومي التفسير والتأويل من خلال ارتباطهما بعلاقات الترادف والتكامل والتداخل والتضاد. وهي علاقات ما كان يمكن لها أن توجد لولا حركية المفهومين ضمن الشبكة المفهومية العامة المتعلقة بالفهم والشبكة المفهومية الخاصة بفهم النصوص الشرعية.

وبناء على هذا الحراك المستمر فإنه من الطبيعي أن تتعدد مواقع المفهومين وعلاقاتهما؛ فترادف المفاهيم يتم حين يتسع المجال الدلالي لمفهوم ما فيختلط بغيره، ويستعمل بتبادل مع ما يحاذيه من مفاهيم. وتداخل المفاهيم يتم حين يشترك حيز من المجال الدلالي لمفهومٍ ما مع حيز من المجال الدلالي لمفهوم آخر. وتكامل المفاهيم يتم حين يمتد المجال الدلالي لمفهومٍ ما فيحاذي المجال الدلالي لمفهوم غيره دون أن يحصل بينهما تداخل، مع مراعاة اشتغالهما معاً تعاقبيا أو تزامنيا. أما التضاد فهو يتم حين يتعارض المجال الدلالي لمفهوم ما مع غيره، ويتخذ كل منهما مسارا مناقضا لمسار الآخر.

إن هذا الحراك الذي عرفه مفهوما التفسير والتأويل ضمن شبكتهما المفهومية -والذي أفضى إلى استخدامهما بشكل تبادلي أو تداخلي أو تكاملي أو تقابلي- هو حراك ناتج عن كون المفهومين لا يتمتعان بقدر  كاف من الضبط الدلالي والتفرد الدلالي. ومن هذا المنظور فإنه لا يمكن إعطاء التفسير والتأويل مواقع ثابتة ضمن الشبكة المفهومية للفهم، ولا يمكن تحديد نوعية العلاقة التي تربط بينهما أو تربطهما بغيرهما من المفاهيم: هل هي علاقة عمودية أو أفقية، كلية أو جزئية، إلا إذا تم إنضاج المفهومين وجعلهما منضبطين ومتفردين دلاليا.

5. 4. الاختلاف على مستوى القبليات المعرفية:

إن من أهم أسباب تعدد معاني المفهوم الواحد هو ذلك الاختلاف الحاصل على مستوى القبليات المعرفية والخلفيات المذهبية، فحين تختلف الرؤى والتصورات التي تحملها الاتجاهات الفكرية المختلفة عن المفهوم نفسه، وتختلف الوظائف المنهجية التي يسندها كل اتجاه المفهوم نفس ، فإن ذلك ينعكس بالضرورة على دلالة المفهوم نفسه، فلا يبقى منه شيء مشترك بين تلك الاتجاهات المختلفة سوى اللفظ في معظم الأحيان.

لقد تعرض مفهوم التأويل لهذا النوع من الاختلاف؛ حيث تعددت دلالته بحسب تعدد القبليات المعرفية للاتجاهات الفكرية التي تناولته بالدراسة في ارتباط بآيات الصفات والقدر، وبقضية المجاز وقضية المحكم والمتشابه في القرآن الكريم،(34) وقد تطور الخلاف حول هذه المسائل بين تيارات الفكر الإسلامي إلى صراع أسفر عن ظهور مدارس فكرية متعددة، كان لها تأثيرها القوي في حياة المجتمع الإسلامي.

وإذا جاز اختزال المواقف من التأويل في خضم هذا الصراع، فيمكن اختزالها في موقفين أساسين:

- وموقف يرى أن التأويل من أهم أبواب تحليل النصوص الدينية واستنباط دلالاتها؛ وأنه أداة ضرورية للمفسرين والمجتهدين، تُشكل حلقة الوصل التي تجمع بين استثمار المعاني من مظانها وفي حدود الدلالات اللغوية، وبين مواكبة مستجدات العصر والإجابة عن تساؤلاته.

- موقف يرى أن التأويل صار مطية للخروج عن المتعارف عليه من شروط البحث النزيه، وأنه يحمل في طياته تمردا مقصودا على النص الشرعي وطبيعة الخطاب فيه، وذلك من خلال إسقاط رؤى على النص مستوحاة من ثقافات غريبة عنه.

وإذا صرفنا النظر عن جميع المواقف التي اتخذتها المدارس الفكرية من التأويل على مر تاريخ الفكر الإسلامي، فإن الموقفين السابقين وحدهما يكشفان عن اضطراب في أحكام القيمة التي تم إضفاؤها على التأويل. فقد أفضى الموقفان إلى إضفاء قيمتين متباينتين على مفهوم التأويل:

- يركز الموقف الأول على التمايز بين التفسير والتأويل المحمود والتأويل المذموم. وهو موقف يضفي قيمة إيجابية على التأويل المحمود، ويعدّه منهجا ضروريا لمعالجة طبقة دلالية غير التي يعالجها التفسير.

- ويركز الموقف الثاني على التمايز بين التفسير والتأويل، ويضفي صبغة سلبية على مفهوم التأويل لحساب مفهوم التفسير، بحيث يحيل التفسير على التوجه الغالب والرسمي، في حين يحيل التأويل على آراء الآخر المنحرفة منهجيا عن الصحة والزائغة معرفيا عن الحق.

5. 5. الاختلاف على مستوى المجال التداولي:

تعدّ الترجمة من أهم أسباب تعدد دلالات المفهوم واختلافها؛ فالترجمة تضيف إلى المعاني التي يتخذها المفهوم -ضمن المجال التداولي العربي الإسلامي- معاني جديدة يحملها المفهوم المترجم عنه في مجاله التداولي الأصلي، وإذا لم تكن الترجمة دقيقة ومحترِمة لخصوصيات اللفظ في المجال التداولي المترجم منه والمجال التداولي المترجم إليه فإن ذلك يفضي -لا محالة- إلى الإسقاط المفهومي، وإلى التباس المفهوم الأصيل واضطراب علاقته بغيره.

إن هذا النوع من الاختلاف على مستوى المجال التداولي قد لحق مفهومي التأويل والتفسير حين تم استخدامهما بصفتهما ترجمة لمفهوم الهرمنيوطيقا؛ فقد حصل خلط كبير بين التفسير والتأويل بمعانيهما المعروفة في المجال التداولي العربي الإسلامي وبين التفسير والتأويل والتأويلية وعلم التأويل وفن التأويل ونظرية التفسير في الدراسات العربية التي تطرقت لمفهوم الهرمنيوطيقا. واللبس الذي لحق دلالة مفهومي التفسير والتأويل وعلاقة بعضهما ببعض بسبب هذه الترجمة قد حصل من ثلاث جهات:

- الجهة الثانية: اضطراب دلالة مفهوم الهرمنيوطيقا في مجالها التداولي الأصلي. ذلك " أن الباحث في الهيرمينوطيقا يصاب بالدوار أمام كثرة التعاريف العربية والأجنبية، التي تضرب في كل صوب وتعمل جاهدة على إضاءة المصطلح، فلا تزيده إلا غموضا واضطرابا إلا ما ندر."(35) ويعني ذلك أن مفهوم الهرمنيوطيقا غير متفق على دلالته في مجاله التداولي الأصلي، وليس فقط في المجال التداولي العربي الإسلامي.

- الجهة الثانية هي أنه قد تم استخدام كل من التفسير والتأويل لترجمة الهرمنيوطيقا، "وقد أدى عامل الترجمة للمصطلح إلى الكثير من التشويش على حقيقته فعماها؛ فمن الباحثين من يخلط خلطا غير مبرر بين التفسير والتأويل في تعريفه للهرمينوطيقا، ومنهم من يترجم مصطلح herméneutique بالتأويل أو علم التأويل، ويترجمه فريق ثالث بالتفسير، بينما يترجمه فريق آخر بفن التأويل"(36) وقد أفضى هذا الخلط إلى تغيير معالم صورة المفهوم الدخيل (الهرمنيوطيقا) والمفهوم الأصيل (التفسير/التأويل) على حد سواء.

- الجهة الثالثة : أن مفهوم الهرمنيوطيقا ذو صلة وطيدة بالفكر اللاهوتي المسيحي الذي اهتم بتفاسير التوراة والإنجيل،(37) ثم تطور ليشمل مجال النص البشري والنقد الأدبي(38) .وسواء أتعلق الأمر بالبيئة التي نشأ فيها المفهوم، أم بالتطور الذي عرفه عبر رحلته الدلالية، أم بالمعنى الذي استقر عليه في آخر المطاف، فإن ذلك كله لا يتناسب مع خصوصية النص الشرعي في المجال التداولي العربي الإسلامي.

خاتمة:

يتضح مما سبق أن الافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل أعقد من أن يحدَّد بمجرد المقارنة بين تعريفات اللفظين ومناهج اشتغالهما ومخرجات ذلك الاشتغال؛ فتعيين الحدود الدقيقة للفصل والوصل يصطدم منذ أول محاولة له بالإشكالات التي يثيرها المستوى المفهومي؛ وهي إشكالات تنبع بالأساس من تدني مستوى اللفظين في سلم الاصطلاح تبعا لقلة حظيهما من خصيصتي النضج والاتفاق.

لا سبيل إذن للحديث العلمي الرصين عن الأبعاد الحقيقية للافتراق والتواصل بين التفسير والتأويل ما لم يتم التخلص من الأبعاد الوهمية وأسبابها. وأول خطوة لتحقيق ذلك هي تحويل "التفسير" و"التأويل" من مفهومين متنازع في دلالتهما إلى مصطلحين ذوَي دلالة مستقرة تحيل على مرجع محدد في مجال مخصوص.

إن نقل "التفسير" و"التأويل" من مقام المفهوم إلى مقام المصطلح هو الكفيل بحل ما يترتب عن الإشكال المفهومي من إشكالات نظرية ومنهجية وتطبيقية وعمرانية حضارية. فهو نقل من شأنه أن يسهم في تنظيم المجال المعرفي للتفسير والتأويل. إذ كلما كان التصور واضحا، كان المجال المعرفي المبني عليه أوضح، وكانت أبعاد ذلك البناء جلية للناظرين.

تجدر الإشارة إلى أن نقل "التفسير" و"التأويل" من مقام المفهوم إلى مقام المصطلح ينبغي أن يمر عبر مرحلتين هما؛ إنضاج المفهوم، والاتفاق حول دلالته. وإذا كان الإنضاج عملا في مقدور الأفراد القيام به، فإن الاتفاق لا يتحقق إلا في إطار الجماعات أو تحت ظل المؤسسات؛ لأنها وحدها الكفيلة بإضفاء المشروعية على الدلالة الناضجة وإلزام الدارسين بتداولها.

وتتضمن دراستنا الموسومة بـ: "تفسير القرآن بالقرآن: دراسة في المفهوم والمنهج"(39) محاولة لإنضاج مفهوم تفسير القرآن الكريم، وذلك من خلال تحليل التركيب إلى وحدات صغرى هي المفردات المكونة له، ووصف كل مفردة منها بحسب ما تفيده مختلف مستويات الدلالة الصوتية والمعجمية والصرفية، ثم إعادة تركيب ذلك كله للبتّ فيما يتولد عنه من إشكالات. غير أن المداخل المقترحة في تلك الدراسة ليست نهائية، بل من الممكن إضافة مداخل أخرى تقتضيها خصوصية بعض المفاهيم (كالتأويل) أو تقتضيها الدراسة المقارنة بين المفهومين بحسب ما أسفرت عنه أسباب تعدد تعريفاتهما.

--------

المراجع والمصادر:

  1. باحثة في الدراسات القرآنية والفكر الإسلامي. souadkourime@gmail.com
  2. ابن تيمية، تقي الدين أحمد، الإكليل في المتشابه والتأويل، خرج أحاديثه وعلق عليه محمد الشيمي شحاتة، الإسكندرية: دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع، ص 28.
  3. سورة آل عمران، من الآية 7.
  4. ابن المثنى، معمر، مجاز القرآن. علق عليه محمد فؤاد سزكين، القاهرة: مكتبة الخانجي، د.ت، ج1، ص 86.
  5. الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1406 هـ/ 1986م. مادة آل.
  6. ابن منظور، محمد بن مكرم بن علي. لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط 3، 1414 هـ / 1994م. مادة أول.
  7. ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية، ليبيا، الدار الجماهيرية، د.ت، 1/ 16.
  8. يقول الإمام بدر الدين الزركشي: "ثم قيل: التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، والصحيح تغايرهما ". انظر: الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: أبو الفضل الدمياطي، دار الحديث للطبع والنشر والتوزيع، طبعة: 1427 هـ / 2006م، ص 416
  9. ابن تيمية، الإكليل في المتشابه والتأويل، مرجع سابق، ص 15- 21. وفي السياق نفسه يقول ابن تيمية: "إن  تفسيرَ الكلامِ ليس هو نفس ما يوجدُ في الخارجِ، بل هو بيانه وشرحُه وكشفُ معناه. فالتَّفسيرُ من جنسِ الكلامِ، يفسِّرُ الكلامَ بكلامٍ يوضِّحُهُ. وأمَّا التَّأويلُ الذي هو فعلُ المأمورِ به، وتركُ المنهيِّ عنه، وكذا وقوعُ المخبرِ به، فليس هو من جنسِ الكلامِ." انظر: ابن تيمية، تقي الدين أحمد، تفسير سورة الإخلاص، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد. بومبي – الهند: نشر الدار السلفية، ط 1، 1406 هـ، ص 167- 168.
  10. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن. تحقيق: سعيد المندوب، لبنان: درا الفكر، ط 1، 1416هـ /1996م، ج2، ص460.
  11. سورة الفجر، الآية 14.
  12. السيوطي. الإتقان في علوم القرآن، مرجع سابق، ج2، ص460-461.
  13. المرجع السابق، ج2، ص460.
  14. المرجع السابق، ج2، ص461
  15. سورة آل عمران، من الآية 7
  16. سورة النساء، من الآية 59.
  17. سورة النساء، من الآية 59.
  18. سورة الأعراف، من الآية 53.
  19. الطوفي، سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الصرصري، الإكسير في علم التفسير، حققه: عبد القادر حسين، القاهرة: مكتبة الآداب، د.ت، ص 28-29.
  20. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مرجع سابق، ج2، ص460.
  21. الصباغ، محمد بن لطفي، لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير، بيروت: المكتب الإسلامي. ط 3، 1410 هـ / 1990م، ص 188.
  22. قانصوه، وجيه، النص الديني في الإسلام من التفسير إلى التلقي،  بيروت: دار الفارابي، ط 1، 2011م، ص 427.
  23. أبو زيد، نصر حامد. مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 3، 1996م، ص 232.
  24. المرجع السابق، ص 219-241.
  25. المرجع السابق، ص 219-241.
  26. التمييز هنا ورد على وجه التعميم فقط؛إذ المتتبع لتاريخ الفكر الإسلامي والتراث المهتم بالقرآن الكريم سوف يلاحظ أن هذه المواقف تباينت وتعددت بشكل كبير.
  27. لمزيد من التفصيل في الفرق بين المفهوم والمصطلح بناء على حظهما من خصيصتي النضج والاتفاق انظر: كوريم، سعاد. الدراسة المفهومية: مقاربة تصورية ومنهجية، مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، س15، عدد 60، ربيع 1431 هـ / 2010 م. ص 42- 56.
  28. ابن تيمية، الإكليل في المتشابه والتأويل، مرجع سابق، ص 23.
  29. إذا رجعنا إلى مفهوم التأويل عند اللغويين يظهر أن معنى "أوَّل الكلام وتأوله: دبره وقدره." انظر ابن منظور. لسان العرب. مرجع سابق، مادة أول.
  30. قال ابن تيمية في بيان معنى التأويل في القرآن والسنة: "يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة. كقوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلهُ يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق)، [الأعراف: 52] ومنه قول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك الله ربنا ولك الحمد، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن.) [رواه البخاري ومسلم]". انظر ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم. مجموع الفتاوى. تحقيق: أنور الباز، عامر الجزار. دار الوفاء، ط 2، 1426 هـ / 2005 م، ج4، ص68
  31. عند المفسرين "يراد بلفظ التأويل: التفسير، وهو اصطلاح كثير من المفسـرين. ولهذا قال مجـاهد– إمـام أهــل التفسير – إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون." انظر ابن تيمية. مجموع الفتاوى. مرجع سابق، ج4، ص69.
  32. يقول ابن تيمية: "فإن (التأويل) في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف." ابن تيمية. الإكليل في المتشابه والتأويل. مرجع سابق، ص 27.
  33. يبين محمد المتقن معنى التأويل في العصر الحديث حيث يقول: "بعد مناقشة ضافية لمداليل منتقاة وردت في كتب اللغة والتفسير يطرح الدكتور نصر حامد أبو زيد تصوره لدلالة التأويل حيث يقول: (هي محاولة الوصول إلى 'العلم' بظاهرة من الظواهر عن طريق حركة 'النظر' أو الفكر الإنساني. وهذا الفهم لدلالة 'التأويل' يجعل من 'التأويل' عملية أوسع من 'التفسير') [مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن. بيروت/الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي. الطبعة الأولى، 1990. ص 232.]. والتأويل عند كاتب آخر هو عبد الهادي عبد الرحمن فعل قصدي بعيد كل البعد عن التلقي العفوي، والمؤول يقوم بإلغاء (ظاهر الخطاب لكي يمتلك ما يعتبره باطنه.) [سلطة النص: قراءة في توظيف النص الديني. مؤسسة الانتشار العربي، لندن، بيروت، القاهرة، الطبعة 1، 1998. ص 342]" انظر المتقن، محمد. في مفهومي القراءة والتأويل. مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت. مجلد 33، عدد 2: أكتوبر- ديسمبر، 2004. ملف العدد: قضايا أدبية. ص 32.
  34. يقول ابن تيمية: "وإنما وضع هذه المسألة المتأخرون من الطوائف بسبب الكلام في آيات الصفات وآيات القدر وغير ذلك،" انظر ابن تيمية، الإكليل في المتشابه والتأويل. مرجع سابق، ص 24.
  35. المتقن،في مفهومي القراءة والتأويل، مرجع سابق، ص 26.
  36. المرجع السابق، ص 26.
  37. يقول محمد المتقن: "لا يختلف الباحثون في النشأة الدينية للهيرمينوطيقا أو فن التأويل، كما يترجمه البعض، وقد كان لهذه النشأة في كنف اللاهوت،بين جدران الكنيسة ما يبررها، خاصة إذا علمنا خطورة وصعوبة المشاكل التي واجهها كل أولئك الذين حاولوا أن يقدموا تفسيرات للإنجيل مختلفة عن تلك التي كانت متداولة رسميا بين الإكليروس. لقد كان المجتمع المسيحي منذ القديم يواجه مشكلات هيرمينوطيقية من مثل: تثبيت الإنجيل المنقول شفويا بواسطة الكتابة، وتشكل مجموعة الشرائع السماوية، وفي آن واحد، تعريف العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد، وصياغة العقائد الأولى بمساعدة مفاهيم الفلسفة الإغريقية. (...) ويشير الكثير من الباحثين في الهيرمينوطيقا إلى أن فهم النص المسيحي أساسا هو ما أدى إلى نشأة التأويل أو علم التأويل. فقد كان لعامل التباعد اللغوي ومعنى الكلمة في أصل وضعها، وما كانت تشير إليه في القديم، وكذا الاعتقاد بوجود معنى خفي وراء هذا المعنى السطحي الظاهر، وانعدام الثقة في القراءة الواحدة... لقد كان لكل هذه العوامل دورها في نشأة الهيرمينوطيقا هذه النشأة الدينية." المتقن، محمد. في مفهومي القراءة والتأويل. مرجع سابق، ص 25.
  38. لقد أصبحت الهرمينوطيقا شاملة لمجال أوسع من مجال النصوص الدينية؛ ذلك أن "الهرمينوطيقا – وهي الفرع المعرفي الذي يتناول التفسير والتأويل – قديمة وحديثة في آن واحد. ففي الماضي كانت تدور حول النصوص المقدسة، أما الآن فأصبحت تعنى بنوعيات مختلفة من النصوص. ويتمثل إحياء هذا الفرع المعرفي في انتشار نطاق فاعليته من نصوص مقدسة بعينها إلى أنواع كثيرة من الخطاب العلماني. وتتميز الهيرمينوطيقا الحديثة بأنها تشكلت حول بؤرة مفهوم خاص بها وهو ما يمكن أن نسميه تحيز الإنسان المعاصر، أو إشكالية الفهم المسبق. ومن ثم تحولت الهيرمينوطيقا من آليات تفسير نصوص تحتل مكانة خاصة في الثقافة إلى علم يعنى بعملية الفهم. والتحول الذي طرأ على الهيرمينوطيقا هو انتقالها من المؤلف ودلالة كلمته إلى المتلقي وطريقة فهمه." انظر: مشترك بين باحثين. الهيرمينوطيقا والتأويل. مجلة البلاغة المقارنة: ألف. ط 2. الدار البيضاء: دار قرطبة للطباعة والنشر، 1993م، ص 5.
  39. كوريم، سعاد. تفسير القرآن بالقرآن: دراسة في المفهوم والنهج. مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، س 13، عدد 49، صيف 1428 هـ / 2007 م.

 

 

 

أخبار ذات صلة