إسهام «مسلمة القرطبي» في تأليف موسوعة إخوان الصفا

c403d921-dd6c-485b-92a1-a00162301330.jpeg

ولفرد مادلونغ

فتح اكتشاف هوية مؤلف"كتاب رتبة الحكيم" و"كتاب غاية الحكيم" ـ عالِم الحديث الأندلسي مسلمة القرطبي (295 هـ/906 م – 353 هـ/964 م)ـمن لدن ماربيلفييرو(1) باب إمكان إجراء بحث معمق عن الإسهامات التي أسهم بها هذا العالم الأندلسي في النص الماثل اليوم بين أيدينا من موسوعة إخوان الصفا وخلان الوفا، وضبط تاريخ تأليف هذه الموسوعة على وجه التقريب. وكان قد اشتهر مسلمة القرطبي المجريطي(2)- فضلا عن هذا-بكونه مؤلف "الرسالة الجامعة" من رسائل إخوان الصفا. ولقد ولد الرجل بقرطبة، وتلقى تعليمه هناك حتى تخرج عالِمَ سنة النبي محمد والفقه المالكي. ثم قام برحلة في طلب العلم طويلة عبر شمال إفريقيا؛ لكي يزور مصر وشبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا. وإذاكان قدغادر بلاده قبل عام 320 ه/ 932 م، فإنه وصل إلى البصرة عام 325 هـ / 936 – 937 م. وأغلب الظن أنه أقام هناك لأزيد من حول. وخلال هذا الحول- وفضلا عن سماعه الحديث على الأقل عن ثلاثة أساتذة من علماء الحديث- التحق مسلمة المجريطي برؤساء جماعة إخوان الصفا السرية ذاك الزمان، وانخرط معهم في مراجعة موسوعتهم الفلسفية وتنقيحها.

وقد بدا أن رؤساء وأساتذة الجماعة بالبصرة أقروا للزائر من قرطبة-والذي كان آنذاك قد بلغ الثلاثين من عمره- بأنه فيلسوف مكافئ لهم مساو، بل ووفق أسباب معينة أعلى كعباً منهم وأرسخ قدما. وعند مقدمه كان رؤساء الجماعة قد شرعوا في تنقيح نسخة مبكرة من موسوعتهم. وأثناء مقامه بالبصرة، لا شك أن مسلمة أضاف إلى عملهم ذلك رؤاه المتعلقة بالتنقيح، وهي الرؤى التي تتآلف في قسم منها مع رؤاهم، وتتباين في قسم آخر معها. هكذاتم تأليف الموسوعة، وتم تنقيحها بتوافق من الجميع. وحملها مسلمة معه إلى قرطبة بغاية إدخال تعاليم الجماعة إلى هناك وبثها في أهل الأندلس والمغرب.

والبادي أن النسخة المبكرة من الموسوعة كانت قد ألفت قبل عام 325 هـ/937 م، على أنه ليس- على الأرجح- في سنوات مديدة كثيرة قبل هذا التاريخ المذكور؛ إذ ما كان آنها قد مضى زمن طويل حتى وصفها أبو حيان التوحيدي وصفا موجزا عام 373 ه/ 983-984 م في كتابه "الإمتاع والمؤانسة". وبحسب ما ذهب إليه التوحيدي، فإن الموسوعة كانت تتألف من خمسين رسالة ذات صلة بكل فروع الفلسفة، النظرية منها والعملية، وكانت تتضمن فهرسة مستقله. وقد اشتركت في تأليفها طائفة من الكتاب كانت تنشط بالبصرة، ذكر منهم التوحيدي أربعة أسماء: أبو سليمان محمد بن معشر البستي، المعروف بالمقدسي، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد النهرجوري، وأبو الحسن العوفي. والذي يبدو أن الموسوعة كانت قد تألفت بديهة من رسائل  مبكرة، وأخرى ألفت للمناسبة في حينها لغرض الموسوعة من لدن مؤلفيها وجماعها، كما أن جماعة إخوان الصفا كانت قد ائتلفت بالطبع بضعة عقود قبل تاريخ تأليف الموسوعة، ودبجت الجماعة عدة رسائل دارت على مباحث فلسفية متنوعة. وقدتفرعت جماعة إخوان الصفاء وخلان الوفاء عن جماعة إسماعيلية بالعراق، بعد انشقاق الدعوة الإسماعيلية المبكرة، حوالي 286 هـ / 899 م، بسبب ادعاء المؤسس المتأخر للخلافة الفاطمية عبد الله بن الحسين المهدي أنه الإمام الشرعي، وهي الدعوى التي كان قد رفضها زعماء الدعوة بالعراق.

وبحسب ما ذهب إليه التوحيدي، فإن مؤلفي النسخة المبكرة من الموسوعة ادعوا أن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة. والحقيقة أن تصورهم للفلسفة ولصلتها بالدين كان قد استرشد أساساًبرؤية الغالبية العظمى من الفلاسفة المسلمين، من الكندي والفارابي إلى ابن سينا وابن رشد، الذين ادعوا أن الحقيقة والواقع النهائيين يمكن أن تعلمهما البشرية بمجرد إعمال التفكير العقلي، وبمجرد الاستناد إلى المنطق الأرسطي، وأن الدليل البرهاني بأن يتبين حقيقة الوحي النبوي والديانات وبأن يحكم عليها ويقومها. وقد حددت هذه النظرة تحديدا واسعا اختيار وترتيب الرسائل الخمسين التي ضُم إلى بعضها إلى بعض في الموسوعة المبكرة. والحال أن الفهرسة المبكرة للموسوعة- كما أشار إليه التوحيدي- يبدو أنه ضاع.

ومن ثمة، فإن علينا أن نعيد بناء محتويات الفهرسة وتنظيمها على أساس من الرسائل التي حفظت من غير تبديل في النسخة المنقحة. هذا هو حال معظم الرسائل الخمسين الأصلية. ويبدو أن الرؤية الفلسفية التي كانت سائدة بين المؤلفين قد مثلها بوضوح تصنيف العلوم في الرسالة السابعة من النسخة المنقحة المعنونة: "في الصنائع العلمية والغرض منها". وكان قد تم تحليل هذا التصنيف بالمقارنة مع تصنيف العلوم البادي في النسخة المنقحة من طرف كودفروادوجالاتاي(3).

وتنبغي الإشارة- مع ذلك- إلى أن الرسالة السابعة تنتمي إلى الرسائل المبكرة التي كانت قد ضمت من قبل في الموسوعة، ولم تكن قد ألفت في حينه زمن التوليف والتنقيح؛ ذلك أن محتويات وعدد وتنظيم النسخة المبكرة لا تتطابق تمام المطابقة مع تصنيف العلوم المقترح في الرسالة السابعة، والمباحث الفلسفية المذكورة فيها لا تبلغ الخمسين على وجه التقريب. وعند متم تصنيف العلوم الوارد بها، تطمئن الرسالة السابعة القارئ بأنه فيما يتعلق بكل مبحث، فإن ثمة رسالة افتتاحية متوفرة، وذلك على الرغم من أن العديد من المباحث المنطقية وغيرها الموصوفة لم تكن قد قُدمت تقديماً مستقلاً في موسوعة الخمسين رسالة المبكرة. ومن ثمة، عكست الرسالة السابعة مرحلة مبكرة من التصميم للموسوعة. ويشير القرطبي في رسالته ـ الرسالة الجامعة ـ إلى طائفة من خمس وعشرين رسالة من رسائل إخوان الصفا التي يفترض أنه كان قد حملها معه إلى قرطبة(4)، ويفترض أن هذه الرسائل كانت تتضمن الرسالة التي أمست فيما بعد الرسالة السابعة.

وعلى خلاف مؤلفي الموسوعة البصريين، فإن تكوين مسلمة المجريطي ورؤيته بحسبانه فيلسوفاً ما كانتا سليل التقليد العربي الإسلامي في الفلسفة. فبوصفه مُوَلَّدا، تقاسم المجريطي الثقافة اللاتينية التي كان ينشأ عليها غير المسلمين، والذين كانوا في معظمهم من الأندلسيين النصارى. وقد اكتسب مسلمة معرفته بالفلسفة من خلال تربيته الخاصة، أو أكثر من هذا من تربيته العصامية، وذلك عبر قراءته في أعمال "الأوائل"؛ أي الفلاسفة الهلينيينوالهلينستيين، وفي لسانهم الأصلي، وليس في الترجمة العربية التي كان يعتمد عليها الفلاسفة العرب. إذ يفترض أنه كانت له معرفة صلبة متينة باليونانية، كما كانت هذه اللغة لا تزال متداولة آنذاك بين ذوي التكوين الرفيعمن الأندلسيين.

ويبدو أن اهتمام مسلمة الشديد بالفلسفة بقي أمراً يخصه لوحده قبل وصوله إلى البصرة. والحال أن سعي جماعة إخوان الصفا السرية إلى نقل البشرية نحو حال أفضل بالاستناد إلى تعاليم الفلسفة والأخلاقيات الفلسفية سرعان ما جذبه إليهم في حينه؛ إذ سرعان ما التحق بالجماعة الأخوية وبزعمائها، وسعى إلى أن يدمغ فهمه للفلسفة على برنامج تعاليمهم التي ألزم نفسه على بثها فيما يستقبل من السنين ببلده، فضلاً عن تعليمه العمومي لسنة النبي وأحاديثه.

لم يأت على فكر مسلمة المجريطي الفلسفي أي حين من الدهر عادى فيه علم الكلام أو الدين، وهو الفكر الذي كان بأكمله فكراً فلسفياً صوفياًتبوأتفكرة الإله فيه مكانة المركز؛ إذ بالنسبة إليه، القرآن والنبي هما اللذان دعيا البشرية إلى طلب تحصيل العلم والحقيقة بتوسل التنقيب والتفكير العقليين. وقد عاب على غالبية علماء المسلمين المعاصرين له جهلهم واطراحهم لحكمة الأوائل ونباهتهم، سواء أكانوا من الفلاسفة المتقدمين على حقبة الإسلام أم كانوا من متشيعة هؤلاء والمعجبين بهم.  ففي تصوره ينبغي للفكر الفلسفي العقلي أن يدرك- في خاتمة الأمر- مرتبة الحكمة، والتي عادة ما كان يسميها "الحكمة الإلهية".

ومن شأن الحكمة الإلهية أن تُستفاد أول ما تستفاد من الأنبياء ومن الدين. ولقد كانت أمنية مسلمة الأسمى- من تعليمه الفلسفة على أساس من موسوعة إخوان الصفا- إنما هي هداية الإخوان المبتدئين في أول الطريق إلى هذه الحكمة الإلهية التي ألفى أنها متجسدة في أعلى علمين فلسفيين وأصعبهما منالاً: السيمياء والسحر. ولقد عزم-إفادةً منه لتلامذته المتقدمين في التحصيل -على تأليف عمليه الشهيرين: "رتبة الحكيم" و"غاية الحكيم". وكان الرجل على معرفة تامة بأن هذه الحكمة- وعلى النقيض من الفكر العقلي- لا يمكن أن تُعلَّم من لدن البشر، وإنما يمكن فحسب أن تُستفاد بالاستماع إلى كلمات المعلم الشيخ الرباني وبالالتزام بأفعال الخالق الإلهي.

إن فهرسة النسخة المنقحة من الموسوعة- التي كانت قد أقيمت واتفق عليها من لدن زعماء الجماعة ثم انظم إليها الآن مسلمة القرطبي عام 325 م/937 م-قد أمست متوفرة في المخطوطة الأقدم المحفوظة من الموسوعة، وهي المخطوطة المحفوظة في مكتبة عاطف أفندي تحت رقم 1681. وقد كتبت هذه المخطوطة بخط أبي سليمان البستي المقدسي، الذي ذكر اسمه في خاتمة المخطوطة، منبها كل من امتلك الرسائل ووقعت بين يديه ألا يعرضها على أي شخص كان، اللهم إلا على الباحثين الصرحاء عن العلوم وعلى محبي الحكمة(5) فإذا هو عثر على مثل هؤلاء الباحثين عن الهداية والنجاة، فإن عليه أن يزودهم بالرسائل واحدة واحدة على قدر فهمهم وأهليتهم، بادئاً بالرسائل الأولى، ومواصلاً بقدر وتدرج، مع التزامه بالترتيب الوارد في الفهرسة.  هذا مع تقدم العلم أن الموسوعة ما كان القصد منها أن تصير عملا مرجعيا بقدر أن تصير منهاجا دراسيا للتكوين التدريجي للباحثين حقا عن المعرفة الأسمى.

وقد أمست الموسوعة تتضمن إحدى وخمسين رسالة، الرسائل الخمسين فضلاً عن الواحدة النهائية التي هي رسالة في السحر. وقد رتبت هذه الرسائل في خمس رتب متوالية: العلوم الرياضية الفلسفية، وتتضمن ثلاث عشرة رسالة، والعلوم الجسمانية الطبيعية، وتتضمن سبع عشرة رسالة، والعلوم النفسانية العقلية، وتتضمن عشر رسائل، والعلوم الناموسية الإلهية، وتتضمن إحدى عشرة رسالة. ويبدو أن هذا الترتيب حل بالبدل من الترتيب الأول إلى علوم رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية كما كان قد تم اقتراحه في الرسالة السابعة(6).

وكما سنرى فيما بعد، فإنه من المحتمل أن يكون الترتيب الجديد تبناه الرؤساء البصريون للجماعة قبل وصول مسلمة، وأنه سرعان ما قبل به مسلمة نفسه؛ وذلك لأنه كان يتوافق بالتمام والكمال مع فكره الفلسفي. ففي تصنيف الرسالة السابعة، تقع السيمياء والسحر بين أعلى مراتب العلوم التمهيدية وليس بين المباحث الفلسفية(7)

والحال أن الرسالة الواحدة والخمسين من الموسوعة الدائرة على السحر إنما اقترحها مسلمة ودبجها أثناء مقامه بالبصرة عام 325 هـ/937 م. وقد حُققت مؤخراً وترجمت إلى الإنجليزية من لدن كودفروا دو كالاتاي وبرونو هالفلانتس، وذلك بوسمها "الرسالة 25 أ" من الموسوعة. وكما أوضح المحققان ذلك في مدخل تحقيقهما، فإن الرسالة في السحر المنشورة ضمن النشرة البيروتية الحالية تتمثل في قسمين: رسالة قصيرة سميت "الرسالة 52 أ" من لدنهما، ورسالة أطول، "الرسالة 52 ب"، وجملتها الأولى: "بيان حقيقة السحر وغيره". ومن البين بذاته أن القسم الثاني إنما أضافه مسلمة بعد عودته إلى قرطبة في إطار نشاطه التعليمي. ويتضمن هذا القسم إحالات عدة على الرسالة الجامعة التي ألفها مسلمة حين عاد إلى بلده. ومن المرجح أنه لم يكن يرغب في استبدال نصه المبكر بقدر ما كان يطمح إلى تنقيحه وتجويده. وفي تقليد المخطوط الأخير- مع ذلك- عادة ما كان يتم الفصل بين القسمين، وأغلب المخطوطات المتأخرة تتضمن "الرسالة 52 ب" وحدها، بينما قليل منها من يحتفظ "بالرسالة 52 أ".

وكان قد اختار بدءا الرؤساء البصريون للجماعة رسالة أخرى مختلفة في موضوع السحر والطلسمات والعزائم لضمهاإلى الموسوعة المنقحة. ففي القسم الأخير من الرسالة الثانية في الهندسة- التي يفترض أنها أضيفت إلى الأصل المبكر خلال زمن التنقيح والمراجعة 325 هـ / 936-937 م- ثمة إحالة إلى رسالة الطلسمات والعزائم بمناسبة تفسير فوائد إعمال جداول الأعداد المربعة(8).  ولم تكن"الرسالة 52 أ" في السحر تتضمن مثل هذا التفسير، فلا يمكن بهذا أن تكون هي المقصودة. ويفترض أن مسلمة اعترض على تضمين الطلاسم والعزائم في هذه الرسالة؛ وذلك لأن في تصوره أن السحر- وعلى النقيض من السيمياء- يعني تأثير الكائنات الروحية غير المادية على العالم الطبيعي. ومن الواضح أن حجته أقنعت رؤساء البصرة، فكان أن قبلوا رسالته في السحر.

وقد ظهرت "الرسالة 52 ب"، كما لاحظ ذلك برونو هالفلانتس، في تقليد مخطوطة رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا في نسختين متباينتين تباينا نسبيا ميز بينهما على أساس الفرع "س" (2 أ) والفرع "ي" (2 ب)(9). والمرجح أن تكون النسخة "ي" (2 ب) هي الأقدم؛وذلك لأنها مضمومة إلى مجموعة من المخطوطات التي تحتوي عموما على النسخ المبكرة للرسائل أكثر مما تحتويه المجموعة الأخرى. وحول ما إذا كانت النسخة المتأخرة من الاثنتين قد أعاد صياغتها مسلمة نفسه أم فعل ذلك مؤلف متأخر، فإن السؤال يبقى مفتوحا على مصراعيه حتى إجراء بحث آخر. ومهما تصرفت الأحوال، فقد بلغ انشغال مسلمة بموضوع السحر دورته في كتابه "كتاب غاية الحكيم" الذي ألف- حسب إفادته- خلال الفترة التي تبدأ عام 343 ه/ 954 م إلى عام 348 هـ / 959 م. وفي هذا العمل أعاد مسلمة تسمية علم السحر بالسيمياء في مقابلة له مع علم الكيمياء. وكما أشار إلى ذلك دو كالاتاي، فإن مسلمة قد أفاد في تأليف رسالته من الرسالة الثانية والخمسين، ولا سيما من الرسالة 52 ب(10). 

تنبغي الإشارة هنا أيضا إلى أن مخطوطة أسعد أفندي التي تقع تحت رقم 3638، تتضمن- فضلا عن الرسالة 52 ب- رسالة أخرى طويلة مدارها على جوانب مختلفة من السحر. والحال أن ناسخ هذه المخطوطة-بوزرجمهر بن الطوسي،  والمنسوخة بمدينة السلام [= بغداد] عام 686 هـ / 1187 م- أورد استشهادا نقله عن الناسخ المجهول لنسخته كان قد عثر عليه الناسخ الأول في نسخة من هذه الرسالة في مخطوطة من الموسوعة كانت متوفرة لديه وأضافه بعد الرسالة 51 [= 51 ب].

والحال أن نص هذه الرسالة عن السحر لم يحفظ لنا- مع الأسف- إلا في حالة رديئة؛ حيث إن فيها عدة كلمات وفقرات مطموسة في المخطوطة. وليس يمكن الحسم الآن فيما إذا كانت هي نفسها مطابقةللمخطوطة التي دارت على الطلسمات والعزائم التي تحيل عليها الرسالة الثانية في الهندسة أم لا. وفي الأخير، فالبادي أنها لم تؤلف من لدن مسلمة نفسه؛ وإنما من لدن مؤلف من الغرب الإسلامي في فترة مبكرة.

لما شرع مسلمة في إنشاء رسالته في السحر بالبصرة، كان يتوقع أن تتلو تلك الرسالة في الموسوعة المتوفرة مباشرة بعد الرسالة 48 [= الرسالة 49 في النشرة البيروتية]: "في كيفية أفعال(11) الروحانيين". وكما أشار إلى ذلك دو كالاتاي، فإن هذه الرسالة الأخيرة كان يشار إليها مراراً على أنها تلك التي تتلو مباشرة الرسالة 52 أ(12) والحال أن وضع رسالته مباشرة بعد الرسالة الموجودة في الروحانيين الحاضرين في العالم يُظهر أنها من تأليف مسلمة؛ وذلك لأن غرضه كان فيها- كما تم التنصيص على ذلك في البداية وفي فهرسة محتويات نسخة أبي سليمان على حد السواء- إنما هو عرض "فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يسمون روحانيين"(13). والحال أنه يُفترض أنه لا بد كانت ثمة اعتراضات ضد أي تغييرات في الترتيب الموجود في الموسوعة المكونة من خمسين رسالة من لدن زعماء الجماعة بالبصرة، وقد تم الاتفاق على أن توضع رسالة مسلمة عند خاتمة الرسائل بوصفها الرسالة الواحدة والخمسين.  على أن الإحالات إلى الرسالة الثامنة والأربعين على نحو ما كانت قد تمت الإشارة إليه مباشرة بقيت على حالها مع ذلك، ولم يجر عليها أي تعديل. ولقد حفظ لنا تقليد مخطوطة الرسالة الثامنة والأربعين من هذه الرسالة نسختين(14) والنسخة القصيرة المحفوظة في ثلاث مخطوطات(15)هي بكل تأكيد الأصل الذي وُجد قبل وصول مسلمة إلى البصرة. وأثناء مقامه بالبصرة أضاف مسلمة قسما آخراً إليها يحيل فيه مرتين على الرسالة في السحر والعزائم التي كان قد أقدم على إنشائها، والتي كانت لها صلة كذلك مع وجود الروحانيين. أما النسخة الطويلة فقد ألفها بأكملها مسلمة زمنا بعد عودته إلى قرطبة حين كان قد كتب آنها "رسالته الجامعة". وفيها يحيل معا إلى الرسالة في السحر والعزائم وإلى الرسالة الجامعة. والنسخة الموسعة هي التي تضمها النشرات المتوفرة للموسوعة. وتنتهي- في مخطوطة عاطف أفندي- قبل نهاية نص نشرة بيروت، المجلد 4، ص. 243. وأغلب الظن أن القسم الأخير ضميمة متأخرة بقلم مسلمة.

وقد لاحظ كالاتايوهالفلانتس كذلك أن الرسالة الخامسة عشرة "في كيفية نضد العالم بأسره"، التي هي الرسالة الخمسون في النسخة المنقحة لعام 325 هـ / 937 م، توجد في تقليد المخطوطة في نسختين سمياها النسخة (1) والنسخة (2)(16). وهذه الرسالة- وعلى خلاف الرسالة في السحر- كانت قطعة واحدة من الرسائل الخمسين المحتواة في الموسوعة المبكرة والتي كانت تختم هذه الموسوعة. ولا شك أن النسخة (1) تم توسيعها بدءا من النسخة القديمة (2) في تساوق وتناغم مع الرؤى الكلامية لمسلمة، وأغلب الظن أنه تم تأليفها في مجملها من لدن مسلمة لما كان مقيما بالبصرة، كما يشير إلى ذلك ضمها إلى مخطوطة عاطف أفندي. على أن وصفها في فهرسة أبي سليمان لعام 325 هـ / 937 م يتطابق مع النسخة القديمة 2، وليس مع النسخة المنقحة. ومن ثمة فإن هنالك إمكانا أن يكون مسلمة قد ألف النسخة المنقحة مباشرة بعد عودته إلى قرطبة من أجل أغراض دروسه التي كان يلقيها هناك. وعلى أية حال، فإن نسخته موصوفة في "الرسالة الجامعة"(17)، كما في جدول المحتويات الذي كتبه لنسخته من موسوعة الاثنين والخمسين رسالة.

ثمة رسالتان إضافيتان عن العلوم الناموسية الإلهية والشرعية من الأقسام الأربعة، وهما الرسالة الواحدة والأربعون (= الثانية والأربعون من نشرة بيروت) حول الآراء والديانات والرسالة التاسعة والأربعون (= 50 من نشرة بيروت) حول كمية أنواع السياسات، كان قد تم تنقيحهما تنقيحا جوهريا من طرف مسلمة بعد عودته إلى قرطبة. والحال أن نسختهما المبكرة، التي تم التوافق عليها في عام 325 هـ / 937 م محفوظة في مخطوطة عاطف أفندي وفي مخطوطات أخرى من الموسوعة(18). وفي دروسه التي كان يلقيها بقرطبة، كان مسلمة من غير شك معنيا على وجه الخصوص بنقل علوم القسم الرابع والتي كان أولا قد اي أنها هي ما يمثل الحكمة النبوية والإلهية.

وبالموازاة مع ذلك، فإن تقليد المخطوط قد حفظ لنا الرسالة الثامنة والثلاثين "في مبادئ الموجودات العقلية على رأي الفيثاغورييين" (وهي الرسالة الواحدة والثلاثون في الموسوعة المنقحة المكتوبة عام 325 هـ / 937 م) في نسختين(19). والنسخة المختصرة- المدعوة 32 أ- تتألف من  قسمين، والقسم الثاني (32 أ 2) أو الفصل الثاني يدور على مراتب الموجودات في العوالم الثلاثة: الروحاني والسماوي وعالم الكون والفساد. أما القسم الأول (32 أ 1) فهو سابق- بلا مرية- عن الموسوعة المنقحة لعام 325 هـ/ 937 م)، ويشكل النص الأصلي للرسالة في تعاليم فيثاغوراس. وقد أُلف بين مضامينه- في معظمها- في النسخة 32 ب التي تعكس بالتمام رؤى مسلمة الفلسفية، والتي كانت مؤلفة من لدنه عندما كان مقيما بالبصرة؛ لكي تحل محل النص المبكر (32 أ 1)(20) ونظراً لأن النسخة 32 ب قد صينت، فإنها تتضمن في الخاتمة قسما عنوانه "فصل في بيان أن العالم كري الشكل" ومضامينه تتطابق مع الرسالة الواحدة والخمسين. ويبدو أنه كان قد اقتُرح في البداية دمج مضامين الرسالة الواحدة والخمسين في الرسالة الثانية والثلاثين، ومن ثمة الاحتفاظ بعدد الخمسين رسالة للموسوعة المنقحة بعد إضافة رسالة السحر. ومن المفترض أن رؤساء الجماعة من البصريين كانوا قد اعترضوا على هذا الاقتراح بمثل ما كانوا قد اعترضوا على أي تغيير في ترتيب الرسائل.

ولقد كان مسلمة مضطراً إلى قبول اقتراحهم بإضافة الرسالة في السحر ضميمة إضافة (الرسالة 51) بعد الرسالة الختامية الخمسين من الموسوعة. والحال أن تشديد أبي سليمان المقدسي في فهرسته على الحاجة إلى اتباع الترتيب المذكور في تعليم الرسائل ودراستها إنما كان يعكس بوضوح رأي الأغلبية من بين الزعماء البصريين للجماعة أكثر مما كان يعكس رؤية مسلمة الأولية. وبعد أن تم اتخاذ القرار لصالح الاحتفاظ بالرسالة الواحدة والخمسين- بحسبانها الرسالة الخاتمة- فإن مسلمة عمد- بلا شك- إلى تغيير الفصل في ترتيب العالم بوصفه مجرد تكرار لنسخته عن الرسالة 32 (= 32 ب). على أنها لم تتم الإشارة  إلى ذلك(21) لا في فهرسة أبي سليمان ولا في وصف الرسالة الثانية والثلاثين في الرسالة الجامعة. ولقد احتفظ تقليد المخطوطة المتوفر لدينا- رغم ذلك- على نص النسخة 32 ب على النحو الذي كان اقترحه مسلمة.

ونظراً لأن الرسالة الخاتمة من الموسوعة قد تمنى فيها إخوان الصفا نقل أرقى المعرفة إلى المبتدئين من الإخوان؛ فإنه كان على الرسالة الواحدة والخمسين أن تسترعي اهتمامنا الخاص، وكان التطور المبكر لمضامينها أمراً سوف يتم البحث فيه هنا بإيجاز. في الرسالة السابعة نجد أن العلم النهائي قد سمي علم المعاد، وعرف على أنه: "معرفة ماهية النشأة الأخرى، وكيفية انبعاث الأرواح من ظلمة الأجساد، وانتباه النفوس من طول الرقاد، وحشرها بعد المعاد، وقيامها على الصراط المستقيم، وحشرها لحساب يوم الدين، ومعرفة كيفية جزاء المحسنين وعقاب المسيئين". ولقد اقترح الإخوان هنا الدفاع عن العقيدة الإيمانية التقليدية الخاصة بالبعث التي تذهب إلى استحقاق النفس البشرية يوم الحساب العقاب أو الثواب، وذلكضد النزعة النقدية الفلسفية، تماما كما سيفعل الغزالي، بعدهم في كتابه "تهافت الفلاسفة".

والحال أنه في الموسوعة المبكرة- المكونة من خمسين رسالة- كانت الرسالة الأخيرة قد سميت: "في كيفية نضد العالم بأسره"، وكانت محتوياتها قد وصفت على النحو التالي: "في مراتب الموجودات، ونظام الكائنات، وأن آخرها منعطف على أولها من أعلى الفلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض؛ وأنها كلها عالم واحد كمدينة واحدة، وكحيوان واحد، وكإنسان واحد. والغرض منها الوقوف على معرفة الحقائق ومبادئها وتواليها وسوابقها ولواحقها، علما وبيانا شافيا مقنعا كافيا، بلا شك ولا شبهة ولا ريب ولا مرية، وأن مبدأها كلها صادرة عن فعل الله عز وجل وحده،منه تبدأ وإليه تعود، مصداقا لقوله تعالى: "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ  وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" [الأنبياء: 104]".

وقد تحول هنا بعث البشر إلى رجوع كوني لعالم فان إلى الله. وقد سعى الإخوان بكل وضوح إلى معارضة المذهب الفلسفي الذي يؤكد على أبدية العالم.

إنّ وصف الله في النسخة المنقحة من الموسوعة- المؤلفة عام 325 هـ/ 937 م- بكونه مصدر أو أصل كل الموجودات أو الكائنات قد تم استبداله. وينص فهرسة محتويات نشرة بيروت- بالبدل من ذلك- على " أن مبدأها كلها صادر عن فعل الله عز وجل وحده الذي هو الإبداع المحضلا من موجود". وتشرح الرسالة بعد ذلك أن الإبداع هو أول الموجودات بالوجود وأقدمها فيه، وهو البدء والمخلوق والأمر المبدع، الذي أبرز الله فيه سائر الموجودات، تنبعث منه القوى متكثرة نحو غايتها المختلفة، وإليها تتصاعد، وإن إلى ربك المنتهى وإلى الله ترجع الأمور؛ وجعله السبب الأول الذي يتعلق به ما سواه من سائر الموجودات، تعلُّق المعلول بالعلة مرتبطا بعضها ببعض فاعلة ومنفعلة، منقلا من رتبة الدنيا إلى رتبة القصوى، ارتباط معلول بعلة حسب بواديها وتواليها، إلى أن تتلاحق بأجمعها وتتوارد بأسرها إليه، فيكون هو علة العلل ومبدأ المبادئ الفائضة بما أفاض إليه الباري ـ جل جلاله ـ على دونها بخيرها ووجودها(22). وههنا استبدل الإخوان إله الغالبية العظمى من الفلاسفة المسلمين من ذوي النزعة الأفلاطونية المحدثة- الذي كان علة ضرورية أكثر منه خالقا- بالإله المتعالي ما وراء الوجود في التقليد الإسماعيلي، فالإبداع تم من لدن أمر الله، وكان مساويا للعقل الكوني الذي عنه صدرت كل الموجودات والتي إليه تعود. وقد أتى الغزالي- فيما بعد - فأنكر على الإسماعيليين مذهبهم في القول بوجود الله وراء الوجود، في كتابه "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة"، بوصفها كفراً صريحاً.

ولما عاد مسلمة من رحلته الطويلة من الشرق إلى الغرب- على الأرجح في عام 326 هـ / 938 م- حمل معه الإحدى والخمسين رسالة من رسائل الموسوعة التي كان قد اتُفق عليها بالبصرة. وكان قد التزم بتأسيس وتشييد فرع من الأخوية في بلدته التي- كما تمنى ذلك- كان يفترض أن تنتشر منها إلى باقي بلاد الأندلس والمغرب. وكان على تعليمه أن يبنى على المنهاج الذي وصفته الموسوعة. على أنه ما إن شرع في التدريس، حتى أدخل بعض التغييرات والزيادات التي تعكس منظوره الشخصي. إذ عمد- أول ما عمد- إلى تقسيم إحدى الرسائل الموقوفة على علم المنطق- وهي الرسالة الثانية عشر من النسخة المتفق عليها لعام 325 هـ / 937 م- إلى قسمين. وقد ألفت هذه الرسالة بين كتابي أرسطو "العبارة" (التأويليات) و"التحليلات الأولى". ويفترض أن مسلمة وجد هذه التوليفة قلقة وغير منسجمة مع الطريقة التقليدية في تدريس علم المنطق بالغرب، فكان أن عمد بكل سهولة إلى الفصل بين القسمين، وأعاد تسمية الرسالة اللاحقة ـ الرسالة الثالثة عشرة ـ باسم "في معنى أفوديقتيقا"، والتي أمست الآن الرسالة الرابعة "في التحليلات الثانية". وبهذا انتقل عدد الرسائل المكونة للموسوعة إلى اثنتين وخمسين رسالة.

ولأن مسلمة بدأ يعطي الدروس بقرطبة، فقد عمد أيضاًإلى وضع شرح على رسائل الموسوعة  سماه "الرسالة الجامعة". وكان أنْشرح في هذه الرسالة إلى تلامذته كيف أن كل واحدة من هذه الرسائل ينبغي أن تُفهم، وأي فائدة يمكنهم أن يجنوها منها. والرسالة الجامعة ذات صلة مع الاثنتين والخمسين رسالة في نظامها الموصوف، باستثناء تلك التي تناقش الرسالة الخامسة والأربعين "في كيفية معاشرة إخوان الصفا، وتعاون بعضهم مع بعض، وصدق الشفقة والمودة في الدين والدنيا جميعا" على أنها الرسالة الختامية. وفي دروسه، لا شك أن مسلمة تناول هذا الموضوع الأخير؛ لكنه لم يسع إلى تبديل ترتيب الرسائل التي كان قد اتفق عليه في البصرة والمتعلق بالموسوعة نفسها. ففي شروحه على الرسالة الخامسة والأربعين قدم توجيهات إلى أولئك المنتهين الواصلين من التلامذة الذين يودون أن يصيروا بدورهم أساتذة في الجماعة وشيوخا؛ إذ كان عليهم أن يلاقوا ويعلموا المبتدئين من إخوانهم مرة كل اثني عشر يوما في محل آمن، وأن يحضوهم في مواعظهم على اتباع العلوم الإلهية. وكان عليهم أن يقرؤوا عليهم كتب العلوم المظنون بها على غير أهلها، وأن يطلعوهم على الأسرار المستورة التي أطلعهم عليها مسلمة،هذا فضلا عن الرسائل الواحدة والخمسين (الثانية والخمسين في الصنافة الأخرى)، والرسالة الجامعة، "المدارس" الأربع [موضوعات الدراسة]، والكتب السبعة، والجفران، والخمس والعشرين رسالة(23)، وكتب إخوان الصفا التي حملها معه مسلمة إلى قرطبة.

وقد أعاد مسلمة- فيما بعد- كتابة فهرسة الموسوعة موسعا إياها توسيعا كبيرا من فهرسة المحتويات الذي كان قد أنشأها أبو سليمان في عام 325 هـ/ 973 م. وقد وصف الرسائل وصفا أكثر تفصيلا، وأضاف إشارة إلى الرسالة الجامعة، وشدد على أهميتها في اكتشاف الحقائق المستورة في الرسائل الاثنتين والخمسين. وتأسيسا عليه صمم الفهرسة في الطبعات المنشورة من الموسوعة.

والحال أن التغييرات والزيادات التي أدخلها مسلمة على النص الجماعي المتفق عليه- والمؤلف عام 325 هـ / 937 م- يمكن أن يؤرخ بتاريخ ما بين عام 326 هـ / 938 م إلى عام وفاته 353 هـ / 964 م. ونظراً لأنه كان تم قبوله من لدن الرؤساء البصريين للجماعة بوصفه واحداً منهم؛ فإنه يمكن النظر إلى هذه التغييرات والزيادات وكأنها تم الترخيص بها ضمنا من لدن الزعماء. ولأن تلك التحويرات قد أمست معروفة في المشرق؛ فإن الكثير منها تم اقتباسه وتكييفه في مستويات متنوعة، وكل المخطوطات الباقية من الموسوعة المتوفرة لدينا تكشف عن بعض آثار المسهمين فيها. فلا شيء يبيح الآن البرهنة على أنه بعد وفاته، بقي أحد زعماء الجماعة فردا أو جماعة حيا، ومن ثمة، فإن أي تغييرات متأخرة عن سنة وفاته ينبغي أن تعدّ تغييرات غير مرخص بها.

على أن ثمة تغييرا واحدا كبيرا متأخرا ينبغي أن يناقش هنا. إذ في العديد من المخطوطات الموجودة وفي النشرات المطبوعة من الموسوعة، فإن الفصل من الرسالة الرابعة "في الموسيقى" والرسالة الخامسة "في الجغرافيا" تم قلب موضعيهما قلبا، وفي النشرات المحققة وفي الترجمة الإنجليزية لرسالة "في الهندسة" التي قام بها ج. سانشيز وج. مونتغمري، وفي نشرة "في الموسيقى" التي قام بها أوين ورايت(24)، تم التعامل معهما على أنهما الرسالة الخامسة والرابعة تباعا. والحال أن في فهرسة المحتويات في نسختي أبي سليمان ومسلمة- كما في تصنيف الرسالة السابعة- الرسالة "في الموسيقى" وصفت بحسبانها الرسالة الرابعة في تطابق مع رابوع علوم أرسطو التمهيدية. واستبدال الموسيقى بالهندسة بوصفها علماً رابعاً إنما حدث- على الأرجح- في الشرق بعيد زمن وفاة مسلمة.  إذ من المؤكد أن جدول محتويات بعض المخطوطات يتضمن نسخة مراجعة من جدول محتويات نسخة أبي سليمان. وعلى الأرجح، فإن التغير يعكس رغبة في معالجة مسألة وصف الأرض مباشرة بعد وصف العالم السماوي في الرسالة الثالثة "في الفلك"(25) وقد تمت معالجة العلمين تباعا في "كتاب غرائب الفنون وملح العيون" الذي ألف زمن مصر الفاطمية من طرف مؤلف مجهول، وقد حقق ونشر مؤخرا من لدن يوسف رابوبورت وإميل سافاج- سميث(26). والحقيقة أن كون المؤلف قد تعمد طمس هويته، وكون الكتاب تناقلته الأيادي تناقلا سريا مستترا، فإن ذلك ينبغي أن يدل على أنه كان ينتمي إلى جماعة إخوان الصفا.

ملخص البحث:

أرسى اكتشاف ماربيلفييرو هوية مؤلف "كتاب رتبة الحكيم" و"كتاب غاية الحكيم"، فضلا عن مؤلف "الرسالة الجامعة"؛ أنه عالم الحديث القرطبي مسلمة القرطبي (293 هـ / 906 م – 353 هـ / 964 م)، أرسى البحث عن تأريخ وتاريخ موسوعة إخوان الصفا على أسس صلبة جديدة. إذ من خلال أسفار مكثفة عدة إلى الشرق المسلم، زار مسلمة مدينة البصرة عام 325 هـ / 937 م ، حيث انضم إلى جماعة إخوان الصفا، وأسهم في مراجعة الموسوعة التي كانت تتألف آنذاك من خمسين رسالة. ولما كان لا يزال بالبصرة مقيما، أضاف مسلمة إلى الموسوعة الرسالة الواحدة والخمسين في السحر. ثم ما لبث أن عاد بالنص من الموسوعة المعروف المكون من إحدى وخمسين رسالة إلى قرطبة، حيث أمسى مؤسس وأول شيخ لفرع إخوان الصفا وخلان الوفا المحلي. وبسبب نشاطه التعليمي، قام مسلمة بتقسيم إحدى الرسائل الدائرة على المنطق إلى قسمين، رافعا بذلك عدد الرسائل إلى اثنتين وخمسين، ثم ما طفق أن ألف الرسالة الجامعة بوصفها تلخيصا وشرحا للرسائل الاثنتين والخمسين. وفيما بعدبادر إلى إضافة شرح طويل عبارة عن فصل ثان إلى رسالته الأصلية في السحر، كما أن مسلمة عمد إلى استبدال فهرس المحتويات المبكر الذي كان قد وضعه البصري أبو سليمان البستي (المقدسي) بفهرس محتويات موسع ضاف، آخذا بعين النظر زياداته الخاصة والتغييرات التي أدخلت على نص الموسوعة على النحو الذي كان قد اتفق عليه بالبصرة عام 325 هـ / 973 م.

......

المراجع:

(1) انظر:

M. Fierro, “Batinism in al-Andalus: Maslama b. Qasim al-Qurtubi (d. 353/964), author of the Rutbat al-Hakim and the Ghayat al-Hakim (Picatrix) ”, in StudiaIslamica, 84 (1996), pp. 87-112, and Ead., “Plants, Mary the Copt, Abraham, Donkeys and Knowledge: Again on Batinism During the Umayyad Caliphate in al- Andalus”, in H. Biesterfeld and V. Klemm (eds), Differenz und Dynamikim Islam: Festschrift fur Heinz Halmzum 70.Geburtstag, Wurzburg 2012, esp. pp. 127-131.

(2) انظر: في أدبيات التراجم السنية عادة ما يوصف مسلمة بإضافة نسبة القرطبي، وفي مخطوطات "رتبة الحكيم" و"غاية الحكيم" عادة ما يقدم بنسبتين مزدوجتين: القرطبي والمجريطي. وبينما ولد الرجل وعاش بقرطبة، فإن أسلافه لربما كانوا ينحدرون من مدريد (مجريط) = (المجريطي).

(3) انظر:

G. de Callatay, “The Classification of Knowledge in the Rasa’il”, in N. El- Bizri (ed.), The Ikhwan al-Safa’ and their Rasa’il: An Introduction, Oxford Univer­sity Press in association with The Institute of Ismaili Studies, Oxford 2008, pp. 58­-82.

(4) انظر ما سيأتي بعد.

(5) انظر:

I.K. Poonawala, “Why We Need an Arabic Critical Edition with an Anno­tated English Translation of the Rasa’ilIkhwan al-Safa’,” in N. El-Bizri (ed.), The Ikhwan al-Safa’ and their Rasa’il: An Introduction, cit., p. 46.

(6) أنظر:

G. de Callatay, “Classification”, cit., pp. 62-70.

(7) أنظر:

G. de Callatay, “Classification”, cit., p. 63.

(8) انظر:

N. El-Bizri, On Arithmetic and Geometry: An ArabicCritical Edition and English Translation of Epistles 1 and2, Oxford 2012, Ar. text p. 124, tr. p. 158.

(9) انظر:

[1]G. de Callatay and B. Halflants (eds and tr.), The Brethren of Purity. On Magic I: An Arabic Critical Edition and English Translation, Oxford University Press in association with the Institute of Ismaili Studies, Oxford 2011, “Technical Introduction”, p. 71.

(10) كان العنوان الأصلي للرسالة هو: "في كيفية أفعال (وليس أحوال) الروحانيين"، كما هو بارز في فهرسة أبي سليمان البستي المقدسي ومسلمة القرطبي معا.

(11) انظر:

g. de Callatay and B. Halflants, On Magic, cit., p. 9.

(12) في النص العربي من الرسالة "في السحر" (ص. 5)، ينبغي أن نقرأ: "فاعلين غير مرئيين ولا محسوسين يسمون روحانيين"  بدل "فاعلين غير مرتبين ولا محسوسين يسميان روحانيين".

(13) أمدني بهذه المعلومة  س.ج؛ أي الذي يعد تحقيقا وترجمة إنجليزية للنسختين.

(14) وهي مخطوطات :

EsadEfendi 3637, Koprulu 871 and Laud. Or. 255.

(15) انظر :

G. de Callatay and B. Halflants, On Magic, cit., p. 70.

(16) انظر: الرسالة الجامعة المنسوبة للحكيم المجريطي، تحقيق جميل صليبا، دمشق، 1368 هـ / 1949 م، في مجلدين، المجلد الثاني، ص. 387-388.

(17) تضم مخطوطة أسعد أفندي 3638 فضلا عن النسخة المبكرة من الرسالة 49، نصا آخر من مخطوطة من غير خط يد الناسخ، وعلى ما يبدو، فهي المخطوطة عينها التي وفرت لنا نص النسخة الإضافية في الرسالة 51 (= 52 من نشرة بيروت).

(18) معلومة أمدني بها  بولوولكر الذي يعد تحقيقا وترجمة لهذه الرسالة في سلسلة ممولة من لدن معهد الدراسات الإسماعيلية.

(19) تنبغي الإشارة إلى أن ترتيب الرسالتين الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين ("في المبادئ العقلية على رأي إخوان الصفا") في نشرة بيروت   إنما هو ترتيب في غير محله تماما؛ ذلك أن الرسالة الثانية والثلاثين من نشرة بيروت تقدم أولا النسخة 32 أ (المجلد 3، ص. 178-186) وتعطف على ذلك بنص الرسالة الثالثة والثلاثين في تقليد المخطوطة (ص. 187-198). والرسالة الثالثة والثلاثون في نشرة بيروت (المجلد 3، ص. 199-211) يقدم النسخة 32 ب من تقليد المخطوطة. وفي تقليد المخطوطة المتوفر، فإن فقرة النسخة من الرسالتين 32 و 33 أيضا مختلف. ذلك أن النسخة 32 أ 2 في بعض المخطوطات منفصلة عن 32 أ 1. 

(20) انظر: الرسالة الجامعة، مصدر مذكور آنفا، المجلد الثاني، ص3-22.

(21) رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، دار صادر، بيروت، 1957، أربع مجلدات، المجلد الأول، ص 40-41.

(22) انظر: الرسالة الجامعة، مصدر مذكور آنفا، المجلد الثاني، ص 399.

(23) انظر:

O. Wright (ed. and tr.), Epistles of the Brethren of Purity. On music. An Arabic critical edition and English translation of EPISTLE 5, Oxford University Press in association with The Institute of Ismaili Studies, Oxford 2010.

(24) تنبغي فضلا عن هذا الإشارة هنا إلى أنه في نسخة مخطوطة أسعد أفندي 3638 فإن فقرة الرسائل 4- 6 مقلوبة. إذ الرسالة الثالثة (في الفلك) تتبعها أولا الرسالة السادسة "في النسبة العددية والهندسية" ثم تليها الرسالة في الموسيقى، فيعد ذلك "الرسالة في الجغرافيا". وفي جدول محتويات هذه المخطوطة فإن الصفحات المطلوبة للأسف مفقودة. 

(25) انظر:

Y. Rapoport - E. Savage-Smith (eds), An Eleventh-Century Egyptian Guide to the Universe. The Book of Curiosities, Edited with an Annotated Transla­tion, J. Brill, Leiden - Boston 2014.

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة