عبدالرحمن الحوسني
يُناقش رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء الدكتور محمد المنتار، "المجتمع الإسلامي: دور الإيمان في إقامة المجتمع في الرؤية القرآنية، والعمل الصالح واستمرارية المجتمع واقتران العمل الصالح بالإيمان"، وذلك في مقاله المنشور بمجلة "التفاهم".
حيث يوجد ثلاثة أركان للأداء الإنساني الناجح في الرؤية القرآنية المعمارية الحضارية؛ هي أولاً: قوة اليقين والإيمان، وثانياً: إنتاجية العمل، وثالثاً: فاعلية العمل وإصلاحه، كما وضحتها الآيات الكريمة التالية قال الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ"، و"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا"، و"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، و"وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى"، و"إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْض وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلّ شَيْء سَبَبًا".
والقرآن الكريم المجيد نزل لا ليغير المعتقدات والتصورات والمشاعر والمفاهيم فحسب، وإنما كذلك ليغير واقع الناس التاريخي والعمراني والحضاري إلى التي هي أحسن وأفضل وأقوم، كما جاء في كتابه العزيز: "إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا"؛ فهذا القرآن يهدي عباد الله إلى قصد السبيل التي ضل عنها سائر الأمم وليهديهم إلى التي هي أعدل وأسد وأصوب؛ فالمراد من ذلك هو مفهوم الاستخلاف في الأرض كما جاء في كتابه العزيز: "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"، كما جاء في مفهوم العام للشريعة الإسلاميه هو عمارة الأرض.
وهناك مداخل عدة في عمارة الأرض؛ ومن أهمها: التحرير من الإصر والأغلال وتمكين الناس من تلقي عهودهم ومواثيقهم وأحكامهم. ومن مداخل عمارة الأرض أيضا تحقيق العبوديه لله عز وجل وتوحيده، وفي هذا المدخل تبرز محورية مفاهيم الإيمان والتقوى والإحسان والعمل الصالح التي تعد إلى جانب التوحيد.
... إنَّ المسلم مطالب بتعمير الأرض بعقيدة راسخة وبعلم وعمل نافعين لهذه الأمة. ولكي يكتمل إعمار الأرض لابد من العمل الدؤوب لتحقيق ذلك. فالتوحيد هو الركن الأول الذي تنبني عليه الرؤية القرآنية ومقتضاه الإيمان بالله عز وجل، كما قال رسولنا الكريم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"، فالشهادة قول لا إله إلا الله هو منطلق الإيمان أو التوحيد، كما جاء في كتابه العزيز: "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ".
فالإيمان والعمل الصالح هما الشرطان الأساسيان في وظيفة الإنسان في مجتمعه كما أكدتها المعطيات القرآنية: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"، وأيضا الإيمان والعمل الصالح هما الجناحان الذان لا يحلق أحدهما من غير الآخر؛ فالإيمان محله القلب والعمل الصالح محله الجوارح؛ فلو اهتم المجتمع على أعمال القلوب ولم يهتم بالعمل الصالح سيكون الإيمان محدوداً ولن نستفيد بوجوده الاستفادة الحقيقية: "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا". وفي المقابل، لو اهتم المجتمع بالعمل الصالح دون وجود الإيمان في المشاعر فسيكون الناتج ضعيف جداً إن لم يكن معدوما.
فالصلاح ضد الفساد، وذكر في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة ، يقول الله سبحانه وتعالى: "خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا"، وأيضاً يقول الله سبحانه وتعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"، فالصلح يختص بإزالة النفار بين الناس أو بين الشعوب، وإصلاح الله تعالى الإنسان يأتي بعدة مواضع يكون تارة بخلقه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده وتارة يكون بالحكم له بالصلاح.
إنَّ الصلاح له سبعة أوجه كما ذكر في نص مقاتل؛ وهي: الإيمان والجودة المنزلة والرفق وتسوية الخلق والإحسان والطاعة والأمانة. وهناك مقاصد في دين الختم؛ أبرزها: مقصد الإصلاح فرداً وجماعة، ويدخل في هذا المقصد مجموعة من المداخل؛ هي:الاعتقاد والسلوك والأفعال والعبادات والمعاملات. والأنبياء وضيفتهم الأساسيه ورسالتهم هي الإصلاح؛ حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز في سورة هود : "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ".
والمقصد الكلي هو حفظ الإيمان بالخالق -عز وجل- الذي بمقتضاه تحدد باقي المقاصد الأخرى. وأيضا استمرارية العمل الصالح إنما يكون بالإيمان. فالقرآن الكريم قلّ أن يذكر الإيمان منفصلاً عن العمل وهناك مفاهيم عديدة؛ أبرزها: مفهوم التوحيد ومفهوم التقوى ومفهوم الصدق ومفهوم الحق ومفهوم الهدى...وغيرها من المفاهيم التي تجعل من الإيمان آليه فعالة لتحقيق مقتضى الاستخلاف.
لقد ارتبط الإيمان والعمل ارتباطاً دقيقاً في الرؤية القرآنية؛ فلا يمكن أن تجد الإيمان مستقلا عن العمل؛ فلا إيمان إلا بعلم ولا عمل صالحا إلا بالعلم والإيمان فهنا تتحقق المعادلة، وهذا الإيمان والعمل الصالح يساويان مقصد الاستخلاف، وهذا الارتباط الوثيق بين الإيمان والعمل هو الذي ينتج عنه التوحيد.
