إبراهيم البيومي غانم| مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ مصر
كانت ولا تزال إشكالية إدراك"المصالح الكبرى" والسعي من أجل تحقيق هذه المصالحقابعةً في مركز الأزمة الحضارية الشاملة التي تحيط بمجتمعات الأمة الإسلامية منذ انكسارها في مواجهة هيمنة الحضارة الغربية الحديثة قبل نحو قرنين من الزمان.
وتجلت هذه الإشكالية عملياً في تدني قدرة الوعي الجمعي للأمة على التمييز بحسم بين الرأي الشخصي للحاكم، والرأي العام للسواد الأعظم من الأمة. وظهر كذلك في خلطِ المال الخاص للحاكم بمال الخزينة العامة للدولة. وفي ربطِ مصير الحاكم في شخصه بمصير الأمة في مجموعها. وغلب الدمج بين هذا وذاك على الإدراك العام في أغلب الأحوال. كما تجلت الإشكالية أيضاً على المستوى النظري؛ حيث تنوعت صيغ التعبير عن المعنى المجرد لمفهوم "المصالح الكبرى" بتنوع الخلفيات المعرفية للنخب التي انشغلت بهذه القضية.
فالأصوليون بحثوا-ولا يزالون يبحثون- عن المصالح الكبرى تحت عنوان "المقاصد العامة للشريعة". وهم يحددونها في كليات عامة تشمل: الدين، والعقل، والنفس، والنسل، والمال. ويتوسلون إليها بمفهوم أصولي آخر هو "فرض الكفاية" الذي يتعلق غالباً بما هو مشترك وعام. ورجال الحكم والسياسة يقولون : إن مهمتهم الكبرى هي تحقيق " المصالح القومية" التي تعبر عن أهداف الدولة/الأمة في علاقاتها الخارجية، وأيضاً تحقيق "المصالح العامة"، أو "المنافع العمومية"، التي تعبر عن مقاصد الدولة/الأمة الداخلية بما يحفظ بقاءها، ويسهم في تقدمها. وهم يشيرون إلى هذه المصالح أو المنافع بعموميات تتناول: حفظ الأمن والاستقرار، وصون السيادة الوطنية والاستقلال، وتحقيق التنمية الشاملة والسعادة العامة.
أما علماء الاجتماع فيستقرئون العادات والأعراف والأنماط السلوكية، ويحاولون أن يستنبطوا منها المصالح الكبرى للأمة، ويركزونها في "العيش المشترك"، ويجتهدون في البحث عن طرائق الوصول إليها حسبما تكشف عنها سيرورة المجتمع وصيرورته. وأما الفلاسفة والمتكلمون فيعبرون عن المصالح الكبرى بمفهوم "الخير العام"، و"مكارم الأخلاق"، أو "ما يتشوقه كل شيء ويتم به وجوده"، حسب تعبير ابن سينا.
ولأهمية مفهوم "المصلحة" مع ما يضاف إليه من نعوت متعددة؛ يكثرُ استعماله في الخطابات المختلفة: الأصولي، والسياسي، والقانوني، والاجتماعي، والفلسفي؛ إلا أن كثرة استعماله لا تؤشر على وضوح معناه، كما لا تعني وجود اتفاق بين منتجي تلك الخطابات على مضمون اصطلاحي محدد له.
وليس من مهمتي هنا الدخول في معترك المناقشات المفهومية بشأن تعريف المصلحة وتحديد ماهيتها أو معياريتها؛ إلا بالقدر الذي أراه ضرورياً لبيان مضمون "المصالح الكبرى" وكيفية تحقيقها، وهذا ما سأبدأ به بعد هذه المقدمة، ثم أنتقل إلى تفاصيل أطروحتي في الإشكالية الأساسية لهذا الموضوع وهي: إن معنى المصالح الكبرى للأمة في سياق هذا الموضوع هو: "الأهداف التي تؤمن بها الأمة، أو تضعها لنفسها، وتكون جزءاً من مشروع عام قابل للتحقيق". وهذه المصالح منها ما هو ثابت، ومنها ما هو متغير؛ والمصالح الثابتة هي عبارة عن منظومة القيم الإنسانية/الإسلامية العليا، وأهمها: العدالة، والحرية، والكرامة، والسلم العام. وإن طريق التعرف على هذه المصالح هو النص والعقل معاً. أما طرق الوصول إليها بمعنى تحقيقها فيمر عبر عديد من "مؤسسات التنشئة"، التي تقوم بغرس هذه الثوابت في الوعي العام وفي الضمير الجمعي من خلال:الأسرة، والمسجد، والجماعة الأهلية، والمدرسة، والإعلام، والقانون، والفنون والآداب على اختلاف ألوانها.
وأما المصالحالمتغيرة فهي مجموعة الأهداف المادية الكبرى التي تمس حياة السواد الأعظم من أبناء الأمة، وتحظى بإجماع هذا السواد الأعظم على ضرورة تحقيقها في مرحلة زمنية معينة قد لا تتعداها، أو في سياق اجتماعي وسياسي خاص قد لا تتجاوزه. وطرق التعرف عليها متعددة ومتطورة في آن واحد، وأهمها: الإحصاءات العامة، ونتائج قياسات الرأي العام، والاستفتاءات النزيهة، ونتائج البحوث والحوارات والمناقشات الحرة في المنتديات العامة، وما تقرره أو تشرعه المجالس النيابية الممثلة لإرادة الأمة والمعبرة عنها، وما تتضمنه التقارير والمقاييس الدولية بهذا الخصوص.
وتتنوع طرق الوصول إلى المصالح الكبرى المتغيرة، ولكنها تتركز في جملة عمليات "التعبئة العامة" لمساندة السلطة المنتخبة والمعبرة عن السواد الأعظم من أبناء الأمة. ومن المفترض أن تسهم المؤسسات الحكومية والمرافق العامة، ومؤسسات المجتمع المدني في جهود التعبئة من أجل تحقيق تلك المصالح، وضمانها للسواد الأعظم من الأمة.
(1)
معايير "المصلحة الكبرى" ومواءمات السياسة
باستذكار طريقة الأصوليين في تعريف "المصلحة"؛ يتبين أنها إما أن تكون عبارة عن جلب منفعة أو دفع مضرة. ومقياس المنفعة هو: اللذة، أوالفرح. ومقياس الضرر هو: الألمُ، أو الغَمُّ. ولأن الشارع قصد بها أن تكون مصالح على الإطلاق؛ فلابد أن تكون على هذا الوجه أبدية، وكلية، وعامة في جميع أنواع التكليف، والمكلفين، وجميع الأحوال(1). وحدُّ المصلحة بالعرف هو أنها "السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع؛ كالتجارة المؤدية للربح. أما حدُّها بالشرع فهو أنها "السبب المؤدي إلى مقصود الشارع: عبارةً، أو عادةً "(2).
هذا جملة ما ذهب إليه قدماء الأصوليين في تعريف المصلحة، وتابعهم على ذلك محْدثوهم؛ ولكن الإمام الغزالي انفرد من بين القدماء بتقسيم المصلحة إلى: عامة؛ وهي التي تشمل الخلق كافة. ومصلحة الأغلب؛ وهي تضم فئة أو مجموعة كبيرة من الأمة. ومصلحة شخص معين في واقعة نادرة. ومثال المصلحة العامة عنده هو: "قتل المبتدع الداعي إلى بدعته إذا غلب على الظن ضرره"، و"قتل الزنديق المتستر بعد التمكن منه، وعدم قبول توبته". أما مصلحة الأغلب فمثالها عنده هو: " تضمين الصناع، فالتضمين به مصلحة لعامة أرباب السلع، فليسوا هم كل الأمة ولا كافة الخلق". ومثال المصلحة الخاصة النادرة هو: نكاح زوجة المفقود، وانقضاءُ عدةِ مَنْ تباعدت عدتُها بالأشهر"(3). ولما كان "المثال الشارح" كاشفاً عن لب المعنى المراد؛ فإن إدامة النظر في نوعية هذه الأمثلة التي ساقها الغزالي تكشف عن أنها قيدت دلالات التقسيم الذي اقترحه، وقزمته عوضاً عن أن تسهم في فتحه على آفاقه الأوسع، وخاصة أن مقلدي الأصوليين ومحدثيهم تعاقبوا على نقل تلك الأمثلة دون تجديدٍ له شأن يُذكر فيها. وكان هذا دأب أغلبهم، ولا يزال، إلى الساعة.
ومن بين مُحْدَثِي الأصوليين انفرد الشيخ محمد مصطفى شلبي بتقسيم المصلحة إلى "ثابتة" على الدوام وفي كل مكان، و"متغيرة" بتغير الزمان والبيئات والأشخاص. ورتَّبَ الشيخ شلبي على ذلك نتيجة بالغة الأهمية وهي: تقديم المصلحة المتغيرة على النص والإجماع في أبواب المعاملات والعادات. وخلاصة حجته هنا هي: أن أهل كل زمان أدرى بشؤون دنياهم عملاً بالحديث الشريف المشهور في هذا الباب، مع بقاء تقديم النص والإجماع في أبواب العبادات؛ لأن مصالحها ثابتة(4). وقد حاول د. حسين حامد حسان تفنيد ما ذهب إليه الشيخ شلبي، ورد ما ذهب إليه بأن فرق بين مناط الحكم الشرعي، والحكم الشرعي في ذات نفسه. وانتهى إلى أن ما يتغير هو مناط الحكم، وأن الحكم الشرعي ثابت لا يتغير. وساق حججاً منطقية وأصولية تؤيد رأيه، وضرب أمثلة شارحة لما رآه(5). ولكن ما انتهى إليه كلاهما ظل يدور في مجمله في "البيت الأصولي المغلق"، وفي إطار المصالح الفردية في المعاملات والعادات؛ دون المصالح العامة والمشتركة. ولم تتطور لدى أيهما قسمةُ المصالح إلى "ثابتة" و"متغيرة"، لتصل إلى تصنيف القيم العليا بوصفها مصالح ثابتة واجبة التحقيق، والنظر إلى المصالح المشتركة، والمنافع العامة؛ بوصفها أهدافاً كبرى يتعين على الأمة تحقيقها. وهذا ما اجتهدت فيه، وذهبت إليه هنا.
ولأهمية ما انتهى إليه الشيخ شلبي -من زاوية التجديد الأصولي- سجلتُ هنا مزيداً من التأملات فيما قدمه بخصوص "تعليل الأحكام الشرعية" بالحكمة؛ وهي المصلحة، وفي شأن تقدير هذه "المصلحة". وكيف ربط هذا كله بمعطيات الواقع المعاصر لمجتمعات الأمة الإسلامية، وأزمات الإنسان المعاصر على وجه العموم.
برهَنَ الشيخ شلبي على جواز تعليل الأحكام الشرعية بالحكمة، وتابع قدماء الأصوليين في التأكيد على أن الحكمة هي المقصد، وأن المقصد هو المصلحة باعتبار أن مدار أحكام الشريعة هو: رعاية المصالح، ودرء المفاسد.
ونعى الشيخ على المتأخرين موقفهم الرافض للتعليل بالمصلحة من باب سد ذرائع تضييع الأحكام الشرعية. وأوضح أن موقف هؤلاء لم يثمرْ سداً للذريعة ولا عملاً بالشريعة. وأوضحَ أيضاً أن سد الذرائع نوع من المصلحةِ وليس قسماً من الذريعة. وإن المصلحة المتنازع عليها وامتنع التصريح بها سداً للذريعة أدتْ في الواقع إلى «عزل الشريعة عن خلق الله، لما وجدوا جمودَها، وعدم مسايرتها للزمن، بسبب وقوف الفقهاء المقلدين عندما رؤى أئمتهم في كل شيء... فتحللوا(الناس) منها إلى القوانين الوضعية»(6). كما أدى موقفهم إلى قفل باب الترقي في وجه الأمة بمنعهم من تحصيل مصالحهم، وفتح باب الطعن على الشريعة. وقال ـ وكأنه يصف بعض ما يحدث اليوم في أكثر من بلد من بلدان الأمة الإسلاميةـ: «ومع أن منعَ العمل بالمصلحة لم يحقق المقصود منه، فقد كان عند كل ظالم مستهتر من يمهدُ له الطريقَ إلى رغبته ممن انتسب إلى الفقه باسم الشريعة"(7).
وبقدر فرحنا باجتهاد الشيخ شلبي وجهده النقدي وتجديده في هذا الموضوع؛ فإننا لا نوافقه الرأي فيما استنتجه من أن رفض المتأخرين من الأصوليين للأخذ بالتعليل بالحكمة (المصلحة) -على النحو الذي شرحه في رسالته- هو الذي أدى إلى عزل الشريعة عن خلق الله، وقفل باب الترقي في الأمة. فهذا الاستنتاج لا يؤيده ما كان عليه الحال قبل المتأخرين، ولا يؤيده أيضاً ما آل إليه الحال في واقعها وحاضرها الذي لا يخلو من المجتهدين والمجددين.
في الماضي؛ رأَيتَ كيف أحال قدماء الأصوليين إلى الإمام النظر في عموم مصالح الأمة، وأقالوا أنفسهم وعموم الأمة من ورائهم من كل ما له صلة بالقرارات الكبرى في المجال العام، وعدّوا هذا هو "مجال السياسة الشرعية" الذي لا مدخل لهم فيه، ولا لعموم الأمة؛ وكان خطؤهم أنهم عدوا الإمام (حتى بافتراض أنه جامع لشروط الإمامة المعتبرة شرعاً)هو صاحب الاختصاص وحده في تقدير المصالح العامة للأمة ورعايتها عملياً. والذي حدث هو أن التزام "الإمام" بمعايير المصلحة العامة التي أرساها الأصوليون كان أقل بكثير من توقعاتهم. وهم لم يطوروا طريقة عملية لكيفية محاسبته وتحميله المسؤولية عن تضييع مصالح الأمة في حال تفريطه في العمل بتلك المعايير، أو تقصيره في تطبيقها. بل ظهر منهم من سوغ له عدم الالتزام بتلك المعايير حتى لو أهدرها بالجملة.
أما في واقع الأمة وحاضرها؛ فليس "عزل الشريعة عن خلق الله وقفل باب الترقي ـ بتعبير الشيخ شلبي ـ وليد جمود الرافضين للتعليل بالمصلحة، ولا لتقليديتهم فحسب؛ لأن حكماً كهذا يعني أنهم وحْدهم وبإجماع آرائهم هم أصحاب القول الفصل في هذا الموضوع، وهذا غير مطابق للواقع؛ إذ إن المصالح-العام منها والخاص- كانت ولا تزال بالغة التعقيد والتركيب في واقع مجتمعات جميع الأمم، ومنها أمتنا. فهناك مصالح عامة تخص كل مجتمع، وأخرى مشتركة تخص عموم مجتمعات الأمة الإسلامية في جملتها، إضافة للمصالح الخاصة والفردية. وهناك مؤسسات رسمية مسؤولة عن رعاية هذه المصالح تقديراً وتنفيذاً ومراقبة ومحاسبة، ولو من الناحية الرسمية أو الدستورية والقانونية على الأقل، كماهو سائد في الأزمنة الحديثة والمعاصرة. ثم لو كان الأمر متوقفاً على وجود اجتهاد أصولي أو فقهي عام يقول بوجوب التعليل بالحكمة والمصلحة، فقد فعل هذا الشيخ شلبي نفسه على أحسن ما يكون في وقته، وفعله آخرون كثيرون غيره من قبله ومن بعده(8)؛ ومع هذا ظلت المشكلة وبقيت الشكاية!. ولابد إذن من البحث عن أسباب أخرى تفسر "عزل الشريعة عن خلق الله" وقفل باب ترقي الأمة، وعدم الالتزام العملي بمعايير المصلحة وضوابطها الشرعية.
وبعد أن محّصتودققتُ في هذه المسألة، وجدت أن من أهم هذه الأسباب الآتي:
1ـ الانفصال والخصام بين طريقة الأصوليين والفقهاء في إدراك المصالح، وبين طريقة السياسيين من أهل الحكم والإدارة العامة. وانفصال طريقة هؤلاء وأولئك عن طريقة علماء الاجتماع والفلاسفة وعلماء الكلام. فلكل منهم عالمه الخاص المنغلق عليه. ولا توجد بينهم قواسم مشتركة، ولا أطر مؤسسية تؤلف بين آرائهم، ولا جسور انتقال تسمح بالغدو والرواح بين حقولهم المعرفية والتطبيقية؛ حتى صار أغلب حصيد علمهم "غير نافع".
2ـ أن النظر الأصولي ما عاد يكفي وحده في تعريف المصلحة تعريفاً إجرائياً في واقع الأمة المعاصر؛ ولا سيما فيما يخص تمييز ما هو "مصلحة خاصة" عما هو "مصلحة عامة". وما عادت الفائدة العملية لهذا النظر تتخطى مستوى المرجعية النظرية؛ وهو مستوى يكاد يكون بديهياً ومنطقياً. وما علينا إلا أن نرجع البصر كرتين في مجمل ما أنتجته اجتهادات الراسخين من قدماء الأصوليين ومحدثيهم في هذا الباب (9)؛ حتى نتبين أن المضمون العملي الميداني ضئيل جداً، ولا تكاد تتنزل اجتهاداتهم من عليائها النظري إلى أرض الواقع وتعقيداته. وهذا من موضوعات الاجتهاد والتجديد المطلوب اليوم قبل الغد.
3ـ الاستبداد السياسي والاحتكار والإقصاء الذي يمارسه أغلب الحكام تجاه أغلب جميع فئات الأمة وجماعاتها، واعتمادهم على خبراء ومستشارين لا صلة لهم بتلك المرجعيات الأصولية(وأعداء لها أحياناً)، وأخذهم بسياسات تقريب أهل الثقة، وإبعاد أهل الخبرة، وإقصاء أصحاب الرأي المخالف. ويؤدي الاستبداد إلى تهيئة المناخ المناسب والمريح لنمو الفساد والمظالم، والتساهل في الشورى، والتحلل من معايير المصالح المعتبرة؛ عامة وخاصة.
تلك الأسباب مجتمعة ــ إلى جانب أسباب أخرى لا مجال لتناولها هنا ــ هي ما أسهم في تجميد المعايير الشرعية الأصولية، وتعطيل فائدتها في التعرف على المصلحة ورعايتها. ولم تسهم الاجتهادات الجديدة للأصوليين المحدثين في حل هذه المشكلة، رغم شروحاتهم البارعة، وأمثالهم الواضحة.
وما آل إليه أمر المصلحة العامة من سوء في التقدير، وكوارث وقعت للأمة ولا تزال تقع بسبب انحصار هذا التقدير في يد"ولي الأمر"؛ بحسب تسمية بعض قدماء الأصوليين ومتأخريهم؛ أو "القائد الملهم"؛ حسب تسمية كثير من الإعلاميين وصناع الرأي المعاصرين، أو في يد فئة قليلة محتكرة للسلطة والثروة؛ حسب التحليل الاقتصادي السياسي الحديث؛ كل هذا يفترض تجديد الاجتهاد في مسألة المصلحة برؤية تستوعب متغيرات الواقع وتواجه تحدياته.
وبتدقيق النظر وإدامته في الواقع المعاصر في مجتمعات الأمة، يتبين بجلاء أن الإسهام الأكبر في تعيين مفهوم "المصلحة العامة" أو "الكبرى" أضحى من اختصاص مؤسسات رسمية وسلطات عامة في الدولة؛ وبخاصة سلطتها التنفيذية، التي تطغى بقوة الأمر الواقع على بقية السلطات والمؤسسات. وما عاد للخطاب الشرعي الأصولي أو الفقهي من مستمعين أو متبعين أو متأثرين به من غالب رجال الحكم والسياسة وإدارة الشؤون العامة في الأمة. هذا ما يشهد به واقع الحال، الذي يشهد أيضاً بأن "المصلحة" باتت هي المفهوم الأساسي في علم السياسة الوضعي في الحضارة الغربية الطاغية، وأن علم الأخلاق الوضعي والعقلانية الحديثة ــ كذلك ــ باتا المرجعية المعرفية أو الفلسفية لتعريف المصلحة، وليس "النص"، ولا "مقاصد الشريعة"، ولا ما هو معتبر، أو ما هو مهدر، أو ما هو خال من هذا ومن ذاك، أو غير ذلك من العدة المفاهيمية التي يستخدمها الأصولي وهو ينظر في علمه الراسخ الموروث؛ بينما الواقع من حوله يجري في مسالك أخرى ولا يدري عنها شيئاً له قيمة.
معيار الأخلاق في العقلانية الحديثة هو " المنفعة واللذة"، وليس وراءهما شيء. هذا المعيار الذي لا يفرق بين المصلحة والأخلاق يتناقض مع المعيار الأصولي للمصلحة؛ لأن مما يترتب على ذلك أن اللذة وما يسببها هو "الخير"، وأن الألم وما يسببه هو "الشر"، وأن كل نفع فضيلة وكل ضرر رذيلة. والمصلحة وحدها بهذا المعنى هي المحرك للسلوك الإنساني كما ذهب إلى ذلكديتريش فون هولباخ(10). كما أن اللذة والألم، هما السيدان وحدهما اللذان يحكمان أفعالنا كما يقول بنتام (11)، وهذا كله يتناقض مع المعايير الأصولية للخير والشر والمنفعة واللذة، ومن ثم "المصلحة". وربما هذا ما دفع الرئيس علي عزت بيجوفتش إلى التبرم مما آل إليه الأمر في الفلسفة المعاصرة عامة، وقد وصفها بأنها "أنانية مهذبة". وأكد على أن صوغ "مصلحة مشتركة" بمعايير هذه المرجعية -التي تختزل الأخلاق في المصلحة- لا يمكن أن تكون عامة أو شاملة، لأنها قد تستدعي استغلال أو استعباد مجموعة أو فئة أو طبقة أو شعب آخر، وفي هذه الحالة تأخذ المصلحة شكلاً إجرامياً صريحاً(12). وبسبب هذا التحيز ليس ما يمنع ثمة من تأليه "المصلحة العامة"، أو "الدولة"، بحسب رأي تولستوي(13). وهذا كله مما تحرمه المرجعية الإسلامية ولا تجيزه المعايير الأصولية للمصلحة العامة.
وحب الحصيد هنا هو: أن واقع الحال في الأمة يشير إلى أن تعيين المصلحة -وخاصة إذا كانت عامة، أو كبرى- مسؤولية مؤسسات عامة حداثية، يغلب عليها الاستبداد والاحتكار السلطوي، وأن الإطار المرجعي السائد والغالب لم يعد هو الإطار الأصولي بمعاييره المعروفة في تحديد المصلحة. وما نحن بحاجة إليه حقاً هو تجديد الاجتهاد في إدراك "المصالح العامة" للأمة. وأن الاجتهاد الجديد في هذا الموضوع يتطلب أول ما يتطلب بذل النظر في أكثر من اتجاه معرفي، وعدم قصره على جملة ما انتهى إليه العقل الأصولي من تقسيمات وتحديدات للمصلحة؛ لم تنل فيها المصلحة العامة أو الشاملة نصيباً مساوياً لأهميتها الكبرى.
وما أقترحه اجتهاداً - وقد سبق التنويه إليه ــ هو أن المصالح الكبرى للأمة تنقسم إلى قسمين: أحدهما:والثاني قسم "المصالح الثابتة"،ورعاية هذه المصالح واجبة وجوباً كلياً، وعاماً وأبدياً. ويشمل هذا القسم: الكرامة، والحرية، والعدالة، والسلم العام. وهذه المصالح في مجموعها هي مصالح "معنوية" ابتداءً، وتؤدي إلى مصالح مادية بالتبعية. وقسم "المصالح المتغيرة"، ورعايتها واجبة أيضاً وجوباً كلياً وعاماً، ويتوقف وجوبها على وجودها أوعدمها. ويشمل هذا القسم وفق معطيات واقع الأمة المعاصر: التحرر من الاستعمار، والوحدة، والدفاع المشترك والأمن الجماعي، ومحاربة الفساد والاستبداد والعنف. والطريق الرئيس لمعرفة هذه المصالح الكبرى المتغيرة هو "الرأي العام" الذي يعبر عنه السواد الأعظم من الأمة، وتمثله مؤسسات قانونية منتخبة، في كل عصر ومصر بوعي وبحرية، إضافة إلى الوسائل الأخرى التي سبقت الإشارة إليها.
(2)
كبرى المصالح الثابتة للأمة
لا تتضمن اجتهادات قدماء الأصوليين ومحدثيهم ما يفيد أنهم اجتهدوا في تأصيل مفاهيم/قيم الكرامة، والحرية، والعدالة، والسلم العام؛ اجتهاداً يصل بهذه المنظومة من المصالح المعنوية (مجتمعة) إلى مستواها الإنساني العام الذي تشير إليه سياقات ورودها في نصوص القرآن والسنة الصحيحة(14). وهي سياقات تؤكد في مجملها على أن هذه المصالح فطرية وإنسانية عامة، وأنها تشكل أصول الرؤية الإسلامية للعالم، وتدخل في صميم الرسالة العالمية التي كُلفت الأمة بحملها وأدائها بما يحقق مصالحها ومصالح بقية الأمم؛ ليتحقق معنى قوله تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾(15).
هذه المصالح/القيم المعنوية مستجمعة لكل شروط المصلحة المعتبرة بمعايير أصول الفقه؛ فهي عامة وليست شخصية، وتجلب النفع لأكبر عدد من الناس، ولا تخالف مقاصد الشريعة ولا نصوص الكتاب والسنة؛ بل هي جزء منها وتسهم في تحقيق مقاصدها. وهي أيضاً تتسم بسمتين جوهريتين: الأولى: هي أن عموميتها تشمل جميع الأمم بتكويناتها الفردية والاجتماعية والدينية والمذهبية والعرقية المختلفة، وتحظى بإجماع عام حول وجوب الإيمان بها والسعي لتحقيقها. والثانية: هي أن هذه المصالح تشكل في مجموعها معيارية حاكمة لغيرها من المصالح والسلوكيات والتصرفات الفردية والجماعية في مواجهة الغير، ولا يصح أن تكون محكومة بها من أي وجه، ولا بأي اعتبار. هي مقياس الاقتراب أو الابتعاد عن مقتضيات الخطاب المؤسس لهذه المصالح، فلا يجوز ــ مبدئياً ــ أن تنقلب هي إلى موضوع للقياس أو التقييم إلا بغرض التأكد من تحققها، أو مدى الالتزام بها.
وبأَيْسَر نظر في مجموع هذه المصالح يتبين أن الرابط الأساسي بينها هو رباط "الفطرة الإنسانية"؛ فلكل أمة، أو شعب، أو مجتمع، أو جماعة، أو فرد حق فطري وشرعي أصيل وثابت في "الكرامة"، وليس هناك ما يبرر شرعاً حرمان الآخرين الذين يجمعهم رباط الفطرة الإنسانية من هذه "الكرامة". والأمر ذاته مطرد في شأن كل من: "الحرية"، و"العدالة" و"السلم العام". ولكن الإقرار بهذه الحقوق وحده لا يكفي لاعتبارها تمثل "مصلحة عامة" لجميع الأمم والمجتمعات والجماعات والأفراد؛ إذ لا بد من الوعي بها. والإقرار والوعي لايكفيان لإدراك هذه المصالح الكبرى، أو العامة؛ إذ لا بد من وجود دافع للحصول عليها، وحمايتها، وتعميم القدرة على النفاذ إليها، والتضحية من أجلها عند فقدها أو الانتقاص منها أو المساس بها. ويتجلى هذا الدافع في الوجود الاجتماعي في صورة نظام عام يكفل هذا المصالح الكبرى، ويضمنها في حالة الإخلال بأي منها. وما لم يوجد هذا النظام ستظل تلك المصالح مجرد طوبيا، قد تحلم بها البشرية؛ ولكنها قد لا تدركها بالضرورة.
1ـ الكرامة مصلحة والإهانة مفسدة
صونُ الكرامةِ الإنسانيةِ، والتأكيدُ على انتماء بني آدم كلهم لأصلٍ واحد؛ هما أعظم مصلحة معنوية مشتركة بين البشر جميعاً؛على اختلاف أممهم وتنوع شعوبهم ومذاهبهم وثقافاتهم. وإدراك هذه المصلحة والوعي بها يقع في صميم المصالح الكبرى للأمة الإسلامية؛ لأن فيها نفعها ونفع عموم البشر سواء بسواء؛ وذلك بموجب توجيهات القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن الكتاب والسنة يتجلى أن الكرامة الإنسانية لصيقة بجوهر إنسانية الإنسان، وأنها انتقلت إليه بإرادة الله سبحانه وتعالى. ومن هنا اكتسبت حرمتها وقدسيتها، وأن الإنسان إذا انتزعت منه كرامته فقد أعزَّ ما يَملُك.
وليس في عموم الرسالات السماوية ولا في عموم الفلسفات والسياسات الوضعية ما يقرر هذه الحقيقة بقوة ووضوح، مثلما يقررها الإسلام في أصوله العامة، ويحث على صونها في تشريعاته المفصلة. وأساسُ ذلك هو قولُ الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ (16)، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(17). وقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم": كلُّكم لآدمَ، وآدمُ من ترابٍ"(18). ومن هذه النصوص ومما في معناها يتبين أن تكريمَ الإنسانِ في الإسلام سابقٌ على ارتباطِه بأي نوعٍ من الروابط الاجتماعيةِ أو الدينيةِ، أو السياسيةِ، أو الثقافيةِ، أو الاقتصاديةِ، أو المهنيةِ، أو غير ذلك من الروابطِ التي تؤطرُ الوجودَ الحياتيَّ له، أو تصنفه ضمن تراتبيةٍ طبقيةٍ. وهذا يعني أن الإسلامَ ينظرُ للإنسانِ على أنه مكرمٌ في ذاتِه ولذاتِه، وأن كرامته مصلحة يجب أن تُدرك وتصان، ولا يمْسَسْهَا سوء.
ورغم مركزية "مفهوم الكرامة" ووضوحه في المرجعية الإسلامية على هذا النحو ــ وفي غيرها من المرجعيات الدينية والفلسفية ــ فإن هذه الكرامة كانت ولا تزال تتعرض لكثير من الانتهاكات في مجتمعات الأمة الإسلامية وفي غيرها، ولم تدخل في صلب الأنظمة القانونية والدستورية الحديثة إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بعد أن اكتوى العالم بنار الصراعات، ولم يجد دعاة الإصلاح مخرجاً إلا في البدء بالإقرار بالكرامة كنقطة انطلاق لإعادة بناء كيان الإنسان. ومن هنا دخل مفهوم الكرامة الإنسانية في نصوص القانون الدولي، وفي ميثاق الأمم المتحدة، والعهود والإعلانات المؤسسة للمنظمات الإقليمية والعالمية.
فـ "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م نصَّ في مقدمته على ضرورة " الاعتراف بالكرامة الإنسانية غير المنفصلة عن طبيعة كل إنسان في العائلة الإنسانية، وعن حقوقهم المتساوية التي تشكل الأساس للسلم في العالم". ونصت مادته الأولى على أنه" يولد الناس أحراراً متساوين بالكرامة والحقوق موهوبون بالعقل والضمير، وعليهم التصرف تجاه الآخرين بذهنية الأخوة". وحرمت المادة الخامسة "تعريض الإنسان للتعذيب وللعقوبات، أو للمعاملة الفظة غير الإنسانية أو المهينة".
وتوالى النصُّ على الكرامة وصونها في كثير من المواثيق والإعلانات العالمية وفي الدساتير الوطنية ومنها: ميثاق الحقوق المدنية والسياسية، وميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في سنة 1950م، وفي سنة 1987م، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر في 1987م. وجرى النص على "الكرامة" أيضاً في كثير من الدساتير المعاصرة ، ومنها الدستور الألماني الصادر في سنة 1949م؛ الذي نص في مادته الأولى على أن: "كرامة الكائن الإنساني غير قابلة للمساس بها ... وعليه يعترف الشعب الألماني للإنسان بحقوق مصونة وغير قابلة للتصرف بها، كأساس لكل جماعة إنسانية للسلم والعدالة في العالم ". وفسرت المحكمة الدستورية الألمانية محتوى هذه المادة على أن كرامة الإنسان هي في الوقت نفسه برنامج دستوري ومبدأ في أساس الدولة الألمانية، وحق أساسي للإنسان لا يمكن خرقه(19).
ولم يتأخر واضعو الدساتير العربية كثيراً حتى أدرجوا فيها النص على صون الكرامة الإنسانية. ومن مفارقات التاريخ ومآسيه أن الدستور السوري الصادر في سنة 1950م هو من أسبق الدساتير العربية في النص على احترام الكرامة الإنسانية وحمايتها(م/7)، وأُعيد التأكيد على المعنى نفسه في نسخته الصادرة في سنة 2016م، بينما كان الإنسان السوري ولا يزال هو الأوفر نصيباً من الهوان وانتهاك كافة حقوقه وأولها "حق الحياة". ولخصت الثورة السورية هذه المفارقة في أحد أبرز شعاراتها الذي يقول: "الموت ولا المذلة"(20).
وهذا يعني أن وضع نصوص دستورية وقانونية غاية في الدقة والبلاغة والإحكام لحماية الكرامة الإنسانية لا يضمن أن هذه الكرامة باتت في مأمن من خطر الانتهاك؛ فبين النص والواقع فارق كبير، والعيب كل العيب ليس في النصوص بقدر ما هو في النفوس، وفي السلطات الاستبدادبة التي تتأبى على التسليم بتكريم الله للإنسان بوصفه إنساناً.
2ـ الحرية مصلحة والاستبداد مفسدة
تنبع المصلحة الكبرى للأمة في "الحرية" من كونها هي النواة الصلبة لبناء ذات الإنسان المسؤول؛ فالحرية هي التي تؤسس المسؤولية، والذات الحرة هي الذات المسؤولة، وهذه هي المؤهلة للقيام بمختلف التكاليف الشرعية من الأوامر والنواهي. ودون وجود هذه الذوات الحرة تعجز الأمة عن إدراك مصالحها، وعن بناء حضارتها، وعن أداء رسالتها.
والحرية المقصودة هنا تبدأ بإقرار كرامة الإنسان بتكريم الله له كما سلف . وبهذا تصبح الحرية مرادفة لاكتمال إنسانيته. ورغم أن قدماء المتكلمين والأصوليين والفقهاء والمتصوفة واللغويين لم يشبعوا مفهوم الحرية تحقيقاً وتأصيلاً بوصفها قيمة عليا تتضامن مع قيم الكرامة والعدالة والمساواة، وبوصفها مصلحة جماعية وفردية في آن واحد ؛ إلا أنك تجد في القرآن الكريم تأكيداً على جوهر الحرية بهذا المعنى المُوَسَّع.
صحيح أن لفظ "الحرية" لم يرد في القرآن حرفياً، ولكن وردت فيه مشتقات مثل: تحرير، ومحرر، والحر. وتدل آيات كثيرة في القرآن على أن الحرية ذات أولوية على ما عداها من القيم والحقوق التي يجب أن تكون موضع احترام ورعاية. ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في القرآن بشأن التحذير من "الفتنة"ــ وهي تعنى سلب الحرية ـ في سياق مقارن مع "القتل"، وهو يعنى سلب الحياة؛ قال تعالى: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾(21)، وقال تعالى:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (22)؛ أي أن حياة الإنسان وهو مسلوبُ الحرية، عاجزٌ عن الاختيار بمحض إرادته، تكونُ أكبرَ ضرراً وأشد خطراً من القتل الذي يسلب هذا الإنسان حياته ويلحقه بالموتى. وثمة آيات كريمة كثيرة تقرر حرية العقيدة والإيمان.
ومن هذا المنظور تتجلى قيمة الحرية ومركزيتها في الرؤية الإسلامية. ولهذا السبب نفسه حض الإسلام على تحرير الإنسان من كل القيود التي تحد من حريته، ومنها: قيود الرق، والعبودية، وقيودِ الاستبداد، وقيودِ التقليد (للآباء أو للسابقين، أو للغير)، وقيودِ الجهل والخرافات والأهواء، وقيود الشرك بالله، والتحرر من كل هذا هو مصلحة مؤكدة للفرد، ومصلحة كبرى للأمة.
هذا النزوع إلى الحرية نجده ـ أيضاً ـ في أبواب مختلفة من مرويات السنة النبوية، ومنها "باب العتق"، أو "كتاب العتق". وقد يظن سريعُ النظر أن معنى العتق ومقصوده في سياق هذا الباب من كتب الحديث النبوي هو حرية شخص من الرق أو من عبوديته لشخص آخر فحسب؛ ولكن إدامة النظر في هذا الباب يكشف عن اتساع المعنى المقصود وشموله لكل ما فيه اختيار للإنسان.
ولنأخذ مثلاً على ذلك مما ورد في "كتاب العتق" في صحيح مسلم بن الحجاج القشيري؛ فقد ورد فيه: "قال أهل اللغة: العتقُ هو الحرية. وإنما قيل لمن أعتق نسمة:إنه أعتق رقبةً، وفكَّ رقبةً؛ فخُصت الرقبة دون سائر الأعضاء، مع أن العتق يتناول الجميع؛ لأن حكم السيد عليه، وملكه، كحبل في رقبة العبد، وكالغل المانع من الخروج، فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك. والله أعلم"(23).
واضح من ذلك أن المقصود بالعتق أوسع بكثير من مجرد تحرير العبد من تبعيته لسيده؛ فالهدف هو أن يصل إلى مستوى الولاية على نفسه في الاختيار والتقرير والتفكير والتعبير والتنقل والتملك وغير ذلك من مظاهر امتلاك الحرية وممارستها(24). ولا معنى للقيم العليا الأخرى مثل: العدالة، والمساواة، والكرامة إلا أن تكون بين ذوات حرة. بل إن كمال الإيمان بالله تعالى مرتبط بوجود هذه الذوات الحرة. ولهذا " أنفق الرسول –صلى الله عليه وسلم- قرابة الثلاثة عشر عامًا -التي قضاها في مكة- في إرساء العقيدة والتوحيد والإيمان في نفوس المسلمين، وكانت هي مرحلة بناء الذات الحرة الواعية العزيزة بالله.
ونجد في آراء واجتهادات علماء السلف الكبار -من أمثال الإمام أبي حنيفة والإمام الغزالي- ما يدل على إدراكهم العميق للحرية بوصفها مصلحة معتبرة؛ فمن غير الجائز عند أبي حنيفة الحجر على السفيه (25)، وعلةُ ذلك هي أن الحجر إهدار لآدمية هذا السفيه! و"إلحاق له بالبهائم"، والضرر الإنساني الذي يترتب نتيجة الحجر عليه أكبر بكثير من الضرر الذي يترتب على سوء تصرفه في أمواله، ولا يجوز دفع الضرر الأقل بضرر أكبر منه. أما الغزالي فقد حذر من أخطار تعدي السلطة السياسية على الحرية الفردية؛ لأن هذا التعدي أعظم خطراً من العبودية المعروفة؛ فالعبودية تعني امتلاك يمين العبد من قبل الجهات الأقوى اقتصادياً، أما الطغيان السياسي -الذي يسميه الغزالي "الجاه"- فهدفه الإخضاع الإرادي للأحرار من قبل أولئك الذين يمتلكون السلطة. إن هذا الإخضاع لا يعني عبودية أجسامهم وحدها، بل عبودية العقول أيضاً (26)، وفي هذا تضييع لمصلحة كبرى للأفراد وللأمة في مجموعها.
3 ـ العدل أعظم مصلحة والظلم أفدح مفسدة
"العدلُ" اسم من أسماء الله الحسنى، وجوهره هو "إعطاءُ كلِّ ذي حقٍ حقَه". ونقيضُ العدل "الظلم". والله حرم الظلمَ على نفسه، وجعله بين الناس محرماً، وأمرهم بألا يتظالموا؛ لما في الظلم من إهدار مصالح عظمى وجلب مضار ومفاسد كبرى. والظلم لغة هو: وضع الشيء في غير موضعه، ومن هنا فساده. وفي الاصطلاح: العدل: هو الاعتدال والاستقامة، وهو الميل إلى الحق(27).
ومركزية قيمة العدل ودوامه بوصفه مصلحة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال؛ هي مما أكدت عليه آيات الكتاب وسنة النبي في سياق أصولِ الإيمان بالله واليوم الآخر، والبعث، والحساب، والثواب والعقاب. وهي أيضاً مما أوسعه ـ تأصيلاً ـ قدماء العلماء(28) ومحدثوهم(29).
نصت آيات القرآن الكريم على العدالة بوصفها قيمة مطلقة ومصلحة بشرية عامة وثابتة ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾(30). وقوله تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾(31). وقال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(32). ومفهوم هذه الآيات في ظاهرها يتضمن عنصري العدالة الجوهريين وهما: الوظيفة التي هي إعطاء كل ذي حق حقه، والنظام الذي يعني إيجاد المرفق العام القائم على حماية هذه المثالية(33).
ما سبق يعني أن العدالة -كمصلحة كبرى للأمة- لا تقتصر على ولاية القضاء، وإنما هي عنصر من عناصر استخدام السلطة أياً كان نوعها. فالسلطة يجب أن تكون عادلة دائماً. وتتناغم العدالة مع القيم الأخرى؛ فهي التي تمكن المواطن من التمتع بالحرية، وهي التي تشعره بالمساواة. وتظل قيمة الحرية وقيمة المساواة رهناً بالعدالة، وليس العكس. وهذا يعني أن العدالة ترتفع إلى مرتبة القيمة العليا(34). وإذا كان جوهر السياسة هو "تصرف واختيار"؛ فما العمل عند وقوع التصادم أو التعارض بين قيمتين أو هدفين: هل نضحي بالحرية لحساب العدالة (35)؟ أو بالعدالة لحساب المساواة(36)؟ أو بها جميعاً لحساب مبدأ آخر؟ إن مثل هذا التصادم لا يمكن حله إلا بالتفرقة بين مستوى المصالح الفردية ومستوى المصالح الجماعية الكبرى. فالصراع يظهر في نطاق المصالح الفردية، أما المصالح الجماعية الكبرى للأمة فقانونها العام هو التناغم، وهي مصالح لا تقبل المناقشة حول تفضيل أو تقديم واحدة منها على الأخرى.
والخطوة الأولى في تحقيق العدالة بوصفها من المصالح الكبرى للأمة هي: أن يتم غرسها في الوجدان العام عبر كل وسائل التنشئة والتربية. ثم يجب النص عليها في الدساتير والقوانين العامة. وقد تضمنت الدساتير العربية الحديثة نصوصاً صريحة تؤكد على "العدالة" بوصفها أصلاً من أصول الحكم، ومعياراً لتعريف الحقوق والواجبات. كما أن أغلب الأحزاب والقوى السياسية تنادي بتطبيق العدالة في وثائقها التأسيسية وفي برامجها الانتخابية، وتعلن أنها تسعى لتحقيقها.
وليست العبرة برفع شعار العدالة، ولا النص عليها في مواد الدستور، أو القانون، ولا العبرة بإدراجها في خطط الحكومة أو برامج الأحزاب؛ وإنما المهم هو النجاح في تنفيذ سياسات عامة تكفل تحقيق العدالة فعلياً على أرض الواقع. وأوضح علامات تحقق العدالة هو أن يشعر بها السواد الأعظم، وأن يتعزز السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي. وتكشف هذا كلَّه استطلاعاتُ الرأي العام الموثوقة. ويحدث العكس عندما تفشل الحكومات في تطبيق تلك السياسات. وقد كشفت الممارسة الفعلية لتشريعات العدالة في دول الأمة الإسلامية (الحديثة) عن وجود فجوة كبيرة بين "النص والممارسة" لصالح القوي على حساب الضعيف، ولصالح الغني على حساب الفقير، ولصالح الخارج على حساب الداخل. وزادت هذه الفجوة بمعدلات متسارعة منذ نهايات القرن الرابع عشر الهجري، (العشرين الميلادي) في ظل سياسات الانفتاح والتحرير الاقتصادي والخصخصة وإلغاء الدعم، الذي كانت الدولة الوطنية الحديثة تقدمه لقطاعات شعبية واسعة؛ في محاولة منها للحد من الآثار السلبية لتلك السياسات.
إن ما حدث على مستوى السياسات التنفيذية لمبدأ العدالة المنصوص عليه دستورياً هو أنه تم الانتقال من "العدالة الاجتماعية" بمضمونها الاقتصادي، إلى مفهوم آخر هو "الرعاية الاجتماعية". والفرق كبير وواضح بين المفهومين؛ فالثاني يهدف لمعالجة الآثار الجانبية لعمليات الإصلاح الاقتصادي، أما الأول فهو ركن من أركان الاقتصاد السياسي للدولة. وقد تدهورت العدالة الاجتماعية بهذا المعنى خلال النصف قرن الأخير؛ فانتقلت السياسات العامة من الإقرار بحق الفقراء في نصيب عادل من الثروة، إلى التركيز على أن يكون لهم نصيب معتبر من حصيلة الضرائب التصاعدية، ثم إلى التركيز على إدخالهم في شبكات الضمان الاجتماعي، وأخيراً التركيز على أصحاب القلوب الرحيمة وما يجود به المحسنون من تبرعات وصدقات تطوعية.
العدالة بمفهوم الرعاية هي جزء من الاقتصاد الاجتماعي الذي له منطق مغاير لفلسفة اقتصاد السوق، التي تؤمن بها هذه الحكومة أو تلك في مجتمعات الأمة. وتحتاج عدالة الرعاية هذه إلى ثقافة فاعلة تحض على المبادرات الخيرية والأعمال التطوعية من أجل النفع العام. ويقع العبء الأكبر في سياسة الرعاية الاجتماعية على المجتمع لا الدولة؛ بينما العبء الأكبر في "العدالة الاجتماعية" يقع على الدولة ذاتها عندما تكون العدالة جزءاً من السياسة الاقتصادية التي تتبناها، وتظهر في سياسات الضرائب التصاعدية مثلاً، وتحديد أولويات الإنفاق العام لصالح الفقراء لا الأغنياء.
4ـ السلام العام: مصلحة كبرى داخل الأمة وخارجها
جاء "السلم" و"السلام" و"السلامة" في لسان العرب بمعنى:"البراءة"، و"العافية"(37). والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، فهو سبحانه "السلام". وهذا المعنى اللغوي والقرآني هو مرجعية الحياة الاجتماعية الإنسانية الآمنة المزدهرة. وقد ورد لفظ «السلام» بصيغ متنوعة في القرآن الكريم في مائة وأربعين موضعاً؛ منها قوله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾(38). ومنها قوله سبحانه وتعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ۚ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(39).
ويدور معنى السلام في القرآن على دلالات رئيسة تشمل مختلف الجوانب الإيمانية والحياتية؛ فهو -إلى جانب أنه اسم من أسماء الله الحسنى- يعبر عن صفاء القلب، وتعاون الإنسان، وهدوء البال، وطمأنينة النفس، وهو تحية عامة بين الناس، وهو يعني أيضاً السلامة من الشر(40). وإلى جانب هذا؛ فإن "السلام الإسلامي" هو الأصل في العلاقات بين جميع المخلوقات، وسواه من الحروب والنزاعات هو الاستثناء الذي يجب إنهاؤه والعودة من أقصر الطرق إلى حالة السلام الأصلية.
وفي حالة وجود مهددات لـ "السلام العام" بالحروب الخارجية، أو بالحروب الأهلية؛ يتعذر تحقيق المصالح العليا أو الكبرى للأمة في الداخل وفي الخارج؛ كلياً أو جزئياً. ف"التهديد" يرتبط بالوعيد والتخوف(41). وعندما تتهدد "حالة السلام"-كلياً أو جزئياً- فإن "السلام الاجتماعي العام" يكون مهدداً هو أيضا بالزوال ليحل محله "العنف" و"الاضطراب"، وإهدار أغلب المصالح العامة والفردية. ويصل العنف ذروته بانفراط شبكة العلاقات التعاونية وضياع المصالح المشتركة، وانهيار منظومات القيم التي يؤمن بها أبناء المجتمع، ويتقاسمون الالتزام بها لصون المصالح العامة(42).
إن "السلام" له موقع مركزي في المرجعية الإيمانية لأبناء مجتمعات الأمة الإسلامية، وله أيضاً موقع مركزي في ضمير البشر جميعاً. ومقتضى الرؤيةِ الإسلاميةِ للعالمِ التي تقومُ على أساسِ عقيدةِ التوحيد الديني، ووحدة البشرية، هو أن يعم السلام العالم. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(43)، والرحمة هي أعلى مراحل السلام العام. السلام الإسلامي العام هو مركبٌ هيكليٌ في صلبِ البناء العالمي الذي ينشده الإسلامُ. وهذا السلام ليس أمرًا طارئًا أو استثنائيًّا، ومن ثم فإن الحرب هي الاستثناء الذي يرد الأمر إن نصابه.
أوْلَى الأمم بالدعوة إلى السلام وقيادة العالم نحوه هي الأمة الإسلامية؛ يقول الله تعالى مخاطباً المؤمنين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾(44). ويقول عز وجل:﴿ ...وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ﴾(45). وما يدعو إليه الإسلام هو "السلام العادل" بداهةً؛ إذ إنه ينفي الظلم جملةً. وطرق الوصول للسلام العام بين شعوب العالم المعاصر متعددة، منها: "تديُّن" أصحاب كل دين؛ حسب رأي الشيخ المراغي شيخ الأزهر في رسالته إلى مؤتمر الأديان العالمي بلندن في سنة 1936م(46)، أو "القتال بغية السلام والاطمئنان وتركيز الحياة على موازين العدل والمساواة"؛ حسب رأي الشيخ شلتوت(47). والقوة في واقع العلاقات الدولية؛ كانت ولا تزال؛ هي أكسجين المصالح القومية الكبرى لأي أمة، وهي الدم الذي يغذيها. وما ذهب إليه الشيخ شلتوت لا يختلف كثيراً عما سبق أن اقترحه الفيلسوف الألماني كانط في رسالته حول السلام الأبدي؛ حيث ذهب إلى أن السلام يجب أن يفرض فرضاً بقوة الدولة(48).
ولكن تبدو دعوة الشيخ المراغي لتحقيق السلام العالمي عن طريق التدين طوباوية، وتبدو دعوة الشيخ شلتوت لتحقيقه عن طريق القتال "غير ممكنة حالياً" في واقع الأمة الراهن. وليس من الحكمة في شيء أن تحدد أمة من الأمم مصلحة من مصالحها الكبرى على النطاق العالمي استناداً فحسب إلى "مثل عليا"؛ حتى ولو كانت هذه المثل "عالمية وإنسانية عامة"؛ فلن يقود هذا إلا إلى الفشل في تحقيق هذه المصلحة.
وسواء كان "التدين" ، أو كان "القتال" هو الطريقة الأمثل لتحقيق السلام العام؛ فإن الكتابة بمرجعية إسلامية في السلام وكيفية تحقيقه بوصفه مصلحة كبرى وثابتة للأمة لا تزال شحيحة جداً، وأقل كثيراً مما يمثله مبدأ "السلام" من ثقل في الأصول المرجعية العليا للإسلام(49). ولكن في الوقت نفسه لا يغيبُ أن أحوال الضعف والتمزق الداخلي بين بعض شعوب الأمة؛ كل هذا يعوق أية دعوة للسلام، ولا يجعل لها معنى عملياً قابلاً للتنفيذ، ويصادر أي دور يمكن أن تقوم به الأمة في تحقيق حلم الإنسانية في "السلام العام"؛ ويدفع قطاعات من أبنائها إلى سلوك مسالك العنف.
خاتمة: في المصالح الكبرى المتغيرة
يتعذرُ على الأمة إدراك مصالحها الكبرى المتغيرة في حال كانت "المصالح الكبرى الثابتة" فيها مهدرة، أو منقوصة بقدر كبير؛ فليس من المتصور أن يجري انتقاص أو انتهاك المصالح الكبرى الثابتة في "الكرامة"، أو "العدالة"، أو "الحرية"، أو "السلام العام"(50) تحت أي مبرر؛ ثم تتمكن هذه الأمة من وضع أهداف تحقق مصالحها الكبرى "المتغيرة" في الوقت عينه.
وقياس حال أمتنا بحال الأمة الأمريكية ـ مثلاً ـ يؤكد ما سبق؛ إذ ما كان للولايات المتحدة أن تدرك مصالحها القومية الكبرى بدرجة عالية من النجاح لو كانت تُهدَرُ فيها قيمُ/مصالحُ: الكرامة، والعدالة، والحرية، والسلم الداخلي العام. والإقرار بشيوع انتهاكات المصالح الثابتة في أمتنا ليس دعوة للاستسلام، أو الاستقالة، أو اليأس؛ بقدر ما هي دعوة لامتلاك أدوات رؤية المصالح الكبرى وتطويرها بعيدا عن معوقات الاستبداد والفساد والقنوط.
المصالح الكبرى المتغيرة المقصود بها -كما أسلفنا- مجموعة الأهداف العامة التي تتعين زماناً ومكاناً، وتمس حياة السواد الأعظم من أبناء الأمة، وتحظى بإجماع هذا السواد الأعظم على ضرورة تحقيقها في فترة زمنية معينة، أو في سياق اجتماعي وسياسي خاص.
وإدراك مثل هذه المصالح في مجتمعات الأمة المعاصرة، وصوغ رؤية عامة لتحقيقها؛ يفترض -أول ما يفترض- إنجاز المصالح الكبرى الثابتة بقدر كاف لتهيئة المناخ الملائم لصوغ رؤية عامة عن المصالح المتغيرة وتحقيقها. ثم إن إدراك هذه المصالح الأخيرة يفترض توافر قدرٍ وافٍ من المعلومات والإحصاءات القومية التي تتم بشكل منظم، ونتائج مسوح الرأي العام، والاستفتاءات الحرة، والبحوث المتخصصة، وما تقرره أو تشرعه المجالس النيابية الممثلة لإرادة الأمة والمعبرة عنها تعبيراً حراً وصادقاً؛ حتى تكون مدافعة بحق عن مصالحها. إلى جانب ما تتضمنه التقارير والمقاييس الدولية من معلومات وبيانات موثقة وذات صلة بقضايا الأمة وأحوالها العامة. إن توافر كل هذا يفترض بدوره مناخاً سائداً في الأمة تُحترم فيه الكرامة الإنسانية، وتزدهر فيه الحريات العامة، وتتحقق العدالة الناجزة، ويستتب السلم العام.
الإشكالية العملية تتمثل في أن وسائل إدراك المصالح الكبرى في راهن الواقع الذي تحياه شعوب الأمة وأن أدوات صوغ رؤية عامة بشأن هذه المصالح: إما غير متوافرة، أو مشكوك في دقتها، أو لا مصداقية لبعضها، أو متضاربة وغير متسقة، أو قديمة فات وقتها، أو هي بعيدة عن التداول الحر للمعلومات ومنتديات الأفكار والاجتهادات الخاصة بالشأن العام.
إن من اليسير على مفكر كبير، أو سياسي مخضرم، أو مثقف لامع، أو حاكم ملهم، أو حزب سياسي؛ أن يبادر بوضع قائمة من الأهداف الكبرى التي يتصور أنها هي المصالح العامة التي يتعين على الأمة الانشغال بها، وحشد كل طاقاتها من أجل تحقيقها. وقد يسوقُ هذا أو ذاك بعض الحجج والأدلة العقلية والمنطقية التي تبرهن على صواب اختياراته لتلك الأهداف/المصالح دون غيرها في وقت بعينه. ولكن كل هذا يغلب عليه الظن لا القطع. وثمة تجارب معاصرة تؤكد على أن صنع القرار بشأن أغلب قضايا المجال العام-وخاصة "المصالح الكبرى"- لم يستكمل أدواته الكفيلة بإدراك هذه المصالح الإدراك الأقرب للواقع، والمستوعب لتعقيداته ومستلزماته. تجلى هذا الخلل ـ على سبيل المثال ـ في جملة الأهداف الكبرى التي ما فتئت كل جماعة ثورية أو حتى انقلابية تؤكد على أولويتها، وتعلن إيمانها بها وسعيها من أجل تحقيقها منذ منتصف القرن الماضي. وأكثر تلك الأهداف شهرة: التحرر من الاستعمار، وفك روابط التبعية، والوحدة العربية، والجامعة الإسلامية، والسوق المشتركة، والدفاع المشترك، ومحاربة الفساد، والتنمية الشاملة، وتطبيق الشريعة، والديمقراطية. وغير ذلك من الأهداف والمصالح الكبرى التي لم تتحقق في الواقع، وسارت الأحداث في اتجاه معاكس لأغلبها.
فعوضاً عن الوحدة العربية، أو الجامعة الإسلامية مِن قبلها؛ بزغت النزعات العرقية والعنصرية والقطرية الضيقة المضادة للوحدة، وتصاعدت هذه النزعات بشكل سلبي ومروع على نحو غير مسبوق. وبدلا ًمن الاستقلال الوطني وفك روابط التبعية، استدعت حكومات ونخب عربية وإسلامية القوى الأجنبية دون خجل لاحتلال بلدانها وقتل فريق من أبنائها، وفعلت ذلك بلا وازع من ضمير إنساني، أو رادع وطني. وما من دعوة أو حركة مقاومة للاستبداد والفساد والتحول للديمقراطية إلا وانقلبت إلى ما هو أشد استبداداً، وأفتك فساداً. حتى أغلب دعوات تطبيق الشريعة -بوصفها أعز ما يطلبُ السواد الأعظم من أبناء الأمة-آلت إلى التنكر لها جزئياً أو كلياً من جانب بعض الذين حملوا رايتها طويلاً. أما إقامة "سوق مشتركة" إسلامية أو عربية على الأقل فلم تنجز إلا مزيداً من القطيعة، وانخفاض المبادلات التجارية والاقتصادية بين بلدان الأمة، ومزيداً من تلك المبادلات مع الدول الأجنبية. وانتهى السعي لإنشاء نظام دفاعي أو أمني مشترك ضد الأخطار الخارجية إلى إسناد مهمة الدفاع عن الذات القطرية أو الوطنية في عديد من بلدان الأمة إلى القوى الاستعمارية القديمة. ولم تسفر الدعوة للمواطنة ودولة القانون إلا عن "شبه دولة" فيها مزيد من التمييز والامتيازات لأصحاب الثروة والسلطة على حساب مصالح السواد الأعظم من المواطنين. ولم نعرف فيم انحازت بعض النظم للاشتراكية في فترة من الفترات، ولماذا عدلت عنها إلى الليبرالية في فترة أخرى، ولم تنجز الأهداف الكبرى التي أعلنتها الجماعات الحاكمة لا في الاختيار الأول ولا في الاختيار الثاني.
في ظل تعقيدات الحياة المعاصرة في مجتمعات الأمة لم يعد يكفي اللجوء إلى القواعد الأصولية العامة التي تتحدث عن مطلق المصلحة وتمييزها نظرياً عن مطلق المفسدة؛ دون الاستعانة بالخبراء المتخصصين في مختلف معارف العصر. ولم يعد يكفي تحليل هؤلاء الخبراء في تحديد هذه المصالح الكبرى دون إشراك السواد الأعظم من المجتمع. ولا ثقة في آراء السواد الأعظم ما لم يكن لديه وعي كافٍ يكون وليد معلومات موثوقة وحوارات حرة حول القضايا العامة والمصالح الكبرى، وأولوياتها، وأفضل البدائل لتحقيقها. ويتعذر الوصول إلى مثل هذا الوعي إلا في مناخ "الحرية".
.......
الهوامش:
- أبو إسحق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، وعليه شرح الشيخ عبد الله دراز(بيروت: دار المعرفة، د ت)،ج1/37.
- نجم الدين الطوفي، رسالة في رعاية المصلحة، تحقيق وتعليق: أحمد عبد الرحيم السايح ( بيروت: الدار المصرية اللبنانية، 1413هـ/1993م) ص25.
- أبو حامد الغزالي، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل(بغداد: مطبعة الإرشاد،1971م) ص210، وانظر له أيضاً: المستصفى من علم الأصول، دراسة وتحقيق: حمزة بن زهير حافظ (جدة: شركة المدينة المنورة للطباعة د. ت) ص498 ــــ502.
- محمد مصطفى شلبي، تعليل الأحكام: عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد ( القاهرة: دار النهضة العربية ، بيروت ، 1401 هـ / 1981 م) ص321.
- حسين حامد حسان، فقه المصلحة وتطبيقاته المعاصرة(جدة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية .د. ت) ص15، 16.
- أبو حامد الغزالي، شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل(بغداد: مطبعة الإرشاد،1971م) ص210، وانظر له أيضاً: المستصفى من علم الأصول، دراسة وتحقيق: حمزة بن زهير حافظ (جدة: شركة المدينة المنورة للطباعة د. ت) ص498 ــــ502.
- محمد مصطفى شلبي، تعليل الأحكام: عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد ( القاهرة: دار النهضة العربية ، بيروت ، 1401 هـ / 1981 م) ص321.
- حسين حامد حسان، فقه المصلحة وتطبيقاته المعاصرة(جدة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية .د. ت) ص15، 16.
- محمد مصطفى شلبي، تعليل.، مرجع سابق، ص383.
- المرجع نسفه، ص383.
- راجع في ذلك عرضاً موجزاً في: إبراهيم البيومي غانم، قراءة جديدة في رسالة تعليل الأحكام للشيخ شلبي، جريدة الحياة اللندنية، 8/11/2014م.
- يقول الإمام الشاطبي وهو من الأصوليين الراسخين في هذا العلم: "فهم المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا على مقتضى ما غلب؛ فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفاً، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً، ويقال إنه مفسدة على ما جرت به العادة"، انظر: الموافقات، مرجع سابق، ج2/ص26.
- Holbach, Paul Henri Third, baron d', 1723-1789: The system of nature, or, Laws of the moral and physical world; Diderot, Denis, 1713-1784; Robinson, H. D. Published 1835.
- Jeremy Bentham; An Introduction to the principles of morals and Legislation( Batoche Books, Kitchener 2000) see,pp31-35.
- علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس(بيروت: مؤسسة بافاريا، 1414ه/1994م). ص 205.
- Leo Tolstoy: “The Christian Teaching,”ed. Leo Wiener, vol. 22: The Complete Works of Count Tolstoy (New York: AMS Press. 1968).
- قصدتُ عدم اجتهادهم في تلك القيم بجملتها كمنظومة متكاملة، وإلا فإنهم تناولوا موضوع الكرامة مثلاً في مباحث متفرقة، منها: مباحث الحق؛ حيث توضح أساس الحقوق، ومباحث الحكم التخييري، وهي توضح أساس الحريات، ومباحث الحكم الاقتضائي التي توضح الواجبات. ولعل المطلوب هو تجميع هذه المفردات والعناوين في سياق منظومة واحدة، حتى نتمكن من تظهير الرؤية الإسلامية المتكاملة لمفهوم الكرامة الإنسانية بأبعادها المختلفة. انظر: محمد محفوظ ، مفهوم الكرامة الإنسانية في القرآن الكريم، مجلة الكلمة العدد 69 ــالسنة 17 ـ خريف 2010م 1431هـ.
- سورة الأنبياء:107.
- سورة الإسراء:70.
- سورة الحجرات: 13.
- أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الآداب. باب التفاخر بالأحساب حديث رقم/5116. ورواه الإمام أحمد في مسنده، ج2/631، حديث رقم 8721.
- هايل نصر، في الكرامة الإنسانية، مركز الدراسات والأبحاث العلمانية في العالم العربي، على الإنترنت:http://www.ssrcaw.org/ar/print.art..
- لا تختلف أحوال أغلب البلدان العربية عن الحالة السورية؛ حيث الفجوة هائلة بين نصوص الدستور التي تحمي الكرامة، وبين ممارسات الأجهزة الأمنية والسياسات القمعية.
- سورة البقرة:91.
- سورة البقرة: 217.
- صحيح مسلم بشرح النووي(القاهرة: المطبعة المصرية ومكتبتها ـ ب . ت) الجزء العاشر ص135.
- قارن ما انتهيتُ إليه هنا مع ما انتهى إليه: فرانتزروزنتال في كتابه: مفهوم الحرية في الإسلام: دراسة في مشكلات المصطلح وأبعاده في التراث العربي الإسلامي، ترجمة: رضوان السيد، ومعن زيادة( بيروت: دار المدار الإسلامي،ط2، 2007م) ص57 ـ ص64؛ حيث ركز على تتبع الآثار التي تشير إلى المعنى الضيق لتحرير الرقيق من العبودية، ولم يتطرق إلى ما جاء في كتب الحديث، ومنها ما جاء في صحيح مسلم.
- محمد أبو زهرة، أبو حنيفة: حياته وعصره ـ آراؤه وفقهه(القاهرة: دار الفكر العربي، 1997م) ص350 ــ355.
- روزنتال، مفهوم الحرية.، مرجع سابق، ص 158.
- عبد القاهر الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي( القاهرة: دار الفضيلة. د.ت)، ص124.
- انظر مثلاً النصوص التي جمعها وحققها الدكتور محمد عمارة ونشرها في جزأين تحت عنوان "رسائل العدل والتوحيد" وهي تتناول قضايا كثيرة منها قضايا:الحرية، والعدل، والجبر، والاختيار. أما الجزء الأول فيضم نصوصاً لكل من الإمام الحسن البصري، والإمام القاسم الرسي، والقاضي عبد الجبار ابن أحمد، والشريف المرتضي. بينما يضم الجزء الثاني نصوصاً للإمام يحيى بن الحسين(القاهرة : دار الهلال، 1971م).
- انظر على سبيل المثال: سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام (القاهرة: بيروت: دار الشروق، 1400هـ/1980م، الطبعة الشرعية السابعة) وعبد السلام ياسين، العدل (مطبوعات الأفق، 1420هـ/2000م الطبعة الأولى).
- سورة النساء: 58.
- سورة النساء:135. وهذه الآية وضعتها كلية القانون بجامعة هارفارد الأمريكية، في مدخلها ضمن مجموعة أقوال خالدة عن العدالة.
- سورة المائدة:8.
- شهاب الدين بن أبي الربيع، سلوك المالك في تدبير الممالك، تحقيق وتعليق وترجمة: حامد عبد الله ربيع (القاهرة: دار الشعب، 1400هـ/1980م) والمعنى المقتبس من تعليقات حامد ربيع، ج1/ص201.
- المرجع السابق، ج1/ص 155.
- مثال ذلك ما فعله عبد الناصر في مصر، وبومدين في الجزائر؛ ولكن لم تتحقق العدالة الاجتماعية، ولا الحرية.
- مثال ذلك ما حدث في الاتحاد السوفييتي في عهد لينين وستالين؛ حيث تم نزع ملكيات الملايين من أصحاب الأملاك الزراعية بدعوى تسويتهم بالبروليتاريا، ومن اعترض منهم تم قتله.
- ابن منظور، لسان العرب(بيروت: دار صادر، 2003) مادة سلم ج7/241 ــ247.
- سورة النساء: 94.
- سورة النور:27.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2004) مادة "سلم".
- ابن منظور، لسان العرب ، مرجع سابق، مجلد/6، ص4631
- أشار إلى تلك المهددات بالتفصيل: قرار الأم المتحدة رقم A/RES/53/243 بشأن ثقافة السلام في 6 أكتوبر 1999م
- سورة الأنبياء:10
- سورة البقرة: 208.
- سورة النساء:90.
- محمد مصطفى المراغي، رسالة لمؤتمر الأديان العالمي في موضوع الزمالة الإنسانية (القاهرة: مطبعة الرغائب، 1355هـ/1936م).
- محمود شلتوت(شيخ الأزهر)، القرآن والقتال، تقديم د. محمد عمارة(القاهرة: كتيب هدية مجلة لأزهر عدد رجب 1435هـ). ص34.
- السيد ولد أباه، نظرية كانط في السلام الدائم: قراءة يورجنهابرماس، مجلة التفاهم (مسقط) العدد 43 ــ 1435هـ/2014م.
- إلى جانب رسالة الشيخ المراغي ، ورسالة الشيخ شلتوت المشار إليهما؛ لا يوجد سوى عدد قليل جداً من المؤلفات التي كتبها علماء مسلمون في أصالة "السلام" واعتباره مصلحة كبرى وثابتة للأمة، وجزءاً من رسالتها العالمية.
- انتهاك تلك القيم/المصالح الكبرى الثابتة توثقه ـ بانتظام ـ التقارير الدولية التي تصدرها المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، والحريات، والأقليات، والسلام والأمن الإنساني العام، والتنمية.