فلسفة الدين عند «ديڤيد هيوم»

هيوم.jpg

حمادي أنوار | باحث في الشؤون الإسلامية، المغرب.

كيف نفكِّر ونبحث في الدين؟

إن التفكير والبحث في الدين لا ينفصلان عن البحث في الإنسان، بل وفي الجانب الأكثر غموضاً وإشكالاً في بنيته كحيوان متدين، عاقل، اجتماعي، وسياسي... إلخ. فعندما نتحدّث عن فعل التفكير أو البحث فإننا نقصد بذلك فعل العقلنة، لكن الأمر يغدو عصياً إذا ما كنا أمام عقلنة ما هو غير قابل للعقلنة من أصله. لذلك فقد كان الدين من المفاهيم البعيدة عن كل تحديد منطقي أو عقلي. لهذا فلا غرابة في أن يتحدث وليام جيمس عن إرادة الاعتقاد، ويربط الدين والتدين بإرادة الإنسان واختياره دون أن تكون له الأدلة العقلية والمنطقية على ذلك(1).

وفي هذا الإطار من البحث يمكننا أن ندرج تصور هيوم للدين، أي أنه كان ممن حاولوا تقصي الحقيقة العقلانية للشعور الديني عند الإنسان، ليس من أجل تأكيدها؛ وإنما بغية تفنيدها والطعن فيها. وقد تأتى له ذلك، أو لنقل أنه ـ بمنطقه الخاص ـ قد توصل إلى أن المتدين لا يمتلك أي سند عقلاني قوي على إيمانه الديني(2).

يرى هيوم أن دليل معظم الناس على وجود الإله ليس هو إعجاز الخلق وعظمة المخلوقات، بوصفها صادرة عن عظمة إلهها؛ لأن الإنسان قد تعوَّد على ذلك منذ القدم، ولم يعد يثير في نفسه أية رهبة أو إعجاب. لكن الدليل الأكثر تداولاً هو تلك الوقائع والظواهر المفاجئة، كالموت والجفاف والبرد والأمطار والزلازل، وغيرها. وهي التي تدل على العناية الإلٰهية التي تتحكم في الكون وترسم معالمه وفق خطة محكمة ومسبقة الوضع؛ وهو ما حدد البرهان الرئيس للتوحيد.

إن الإيمان بالتوحيد يزداد لدى الإنسان كلما أعمل عقله وفكره جيّداً، وكلما وسّع دائرة نظره، وابتعد عن الخرافة والأوهام التي لطالما لازمت التصورات الدينية القديمة منذ مهد البشرية. ويعزز هيوم موقفه هذا بالقول الشهير للفيلسوف الإنجليزي الآخر فرنسيس بيكون، الذي قال: «قليل من الفلسفة يجعل الناس ملحدين، وقدر كبير منها يحملهم على القبول بالدين»(3). ويلتقي هذا التصور مع ما جيء به في الدين الطبيعي، على أنه أكثر أشكال الدين عقلانية ومنطقاً، وهو دين الفلاسفة والعلماء.

ويضيف بيكون قائلاً: «قد لا أعتقد بجميع القصص والأساطير التي جاءت بالكتب الدينية، ولكن لا يمكن أن أعتقد بعدم وجود عقل مدبر لهذا العالم. إن القليل من الفلسفة ينزع بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق فيها ينتهي بعقول الناس إلى الإيمان؛ لأن عقل الإنسان عندما ينظر إلى الأسباب الثانوية المبعثرة قد يتوقف عندها ولا يتجاوزها، ولكن عندما يشاهد تسلسلها واتحادها، واتصالها ببعضها بعضاً ينتهي بذلك إلى الإيمان بوجود العناية الإلٰهية. إن قلة الاكتراث بالدين تعود إلى كثرة المذاهب والانقسامات الدينية التي تؤدي إلى التعصب، كما أن الانقسامات الدينية تؤدي إلى الإلحاد»(4).

فالاقتصار على كلام العامة من الناس وغير المتخصصين منهم ـ وفيهم المتطفلون والمتعصبون ـ يجعل الدين والحديث فيه أبعد بكثير عن الصواب؛ لأن كثرة الانتماءات والطوائف والمذاهب تجعل الأتباع لا يلتفتون إلى الحقائق، بل يلهثون خلف تحقيق ما يريدون فرض أحقيته، وذلك من دون التثبت من مصداقية زعمهم. فكانت كثرة كثيرة من الخطابات المؤدلجة والمُسيَّسة ـ التي تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة ـ مجانبة للحقيقة والصواب.

وعندما يبحث الإنسان في الدين من دون أن يملك الأدوات والتقنيات والمعارف التي يمكنها أن تسعفه في بحثه هذا؛ فإنه سيتيه بين كثرة المشارب ووعورة المسالك، وتعدد الأفكار والآراء، واختلاط بعضها بجملة من المغالطات والتلفيقات، التي تصدر عن توجهات وإيديولوجيات معينة، وهذا ما يفسر لنا السرعة التي بات الناس ينتقلون بها من الإيمان إلى الإلحاد ومن الإلحاد إلى الإيمان. لذلك فالمسألة تقتضي من الباحث الكثير من الحذر والتريث، مع اعتماد محكات للنظر تكون أقوى وأمكن وأدق، على أن يتم إلجام العوام عن الخوض في مثل هذه القضايا التي لن يفيدوا فيها، ولن يستفيدوا من دخول غمارها أية فائدة.

وبناءً على كل ما سبق يمكننا أن نلمس الجديد الذي أتى بها هيوم في بحثه وتفكيره سواء في الدين الطبيعي، أو في التاريخ الطبيعي للدين. فقد أسس فلسفته في الدين على غرار تصوره للأخلاق؛ أي بناءً على الطبيعة البشرية للإنسان، وعلى أهوائه وتفاعلاته الاجتماعية. كما أنه تطرق للمعتقد لا من حيث صدقه وحقيقته، ولا من حيث استبعاد وجود إله أو احتمال ذلك، بل من منظور «الحاجة إلى الاعتقاد أكثر من الحاجة إلى ما يُصدَّق أو لا يُصدَّق»(5). ومن الزاوية التاريخية الجينيالوجية، توصل إلى أن الشرك كان هو الدين الأولي والأصلي للبشرية، ومن بعده ظهر التوحيد، ثم الدين الطبيعي الخالص، الذي يمكن أن نسميه بالدين العالِم؛ أي دين بعض الفلاسفة والعلماء وأصحاب العقول المستنيرة.

كما أن هيوم قد أسس دراسته للدين على الطبيعة الإنسانية وكذا التفاعل الاجتماعي للفرد؛ إذ اعتمد على التاريخ المحايث والطبيعي والعادي للدين، محاولاً الابتعاد عن التاريخ المفارق والمقدس الذي استحوذ على المناهج القديمة والتصورات التقليدية في مثل هذا النوع من الدراسات. لقد «سعى لتطوير نظرية وضعية في الدين، حدد فيها ما هو أساسي وطبيعي في الاعتقاد الديني، من خلال تتبع تاريخ الدين الطبيعي، الأمر الذي يعني أنه رفض التاريخ المقدس للدين، ونحّى جانباً التاريخ السامي فوق الطبيعي الذي تقدّمه الكتب السماوية، وفي الوقت نفسه سعى إلى تجاوز أية نظرية وضعية قبله بخصوص نشأة الدين وتطوره، وكشفت نتائج هذا السعي عن تفرد وتميز من نوع ما في بحث الظاهرة الدينية»(6). وهو ما يتبدى جلياً لقارئ مؤلفات هيوم، خاصة تلك التي تندرج في هذا الإطار، والتي لم تَخلُ هي أيضاً من النزعة النقدية والشّكية المميزة لباقي أعماله.

يمكننا أن نلخص منهج هيوم في دراسته للدين من خلال سؤالين مركزيين: الأول يتعلق بأصل الدين في العقل، بمعنى البحث في مدى عقلانية السلوك الديني للإنسان. والثاني يتعلق بأصل الدين في الطبيعة الإنسانية؛ أي تحديد التاريخ الطبيعي للدين، والبحث في نشأته وأصوله القديمة بقدم البشرية. وإضافة إلى منظوره الفلسفي فقد عالج كل ذلك اعتماداً على الجمع بين مقاربات أو مناهج متعددة؛ تاريخية وسيكولوجية وأنتروبولوجية(7).

تاريخ الدين.. من التعددية إلى التوحيد

إن البحث في الدين وفي تاريخ الأديان لا بدّ له أن يتم باستحضار إطارين مهمين؛ الأول يهم علاقة الدين بالعقل؛ أي الجانب العقلاني في الدين، أما الإطار الآخر فيتعلّق بتجذر الدين في طبيعة الإنسان. ذلك أن «إطار الطبيعة كله يدل على مبدع ذكي، ولا يستطيع باحث عقلاني ـ بعد تأمل جدي ـ إلا أن يؤمن بالمبادئ الأولية الحقيقية للتوحيد والدين»(8)، هذا فيما يخص الإطار الأول، أما الثاني فيتبدى لنا من خلال البحث في تاريخ الأديان ودراستها، والذي نخلص منه إلى أن الدين خاصية إنسانية متأصلة في طبيعته، وأنه لم توجد أية أُمة أو مجتمع لم يعرف الدين؛ فقد نجد ـ كما قال برغسون ـ شعوباً لم تعرف الفلسفة أو العلم أو الفن... لكن يستحيل العثور على شعب لم يعرف الدين والتدين(9).

رغم هذا الإجماع أو الاتفاق الذي يبدو أنه حاصل حول الدين، والنابع أساساً من إيمان الشعوب والأُمم ـ على اختلاف العصور والحقب ـ بأن وراء هذا الكون توجد قوة محركة وذكية هي التي تتحكم فيه وهي علة وجوده، ورغم رسوخ هذه الفكرة في أذهان البشر، فإن هناك فرقاً واضحاً في تمثلهم للإيمان وللشعور الديني أو العاطفة الدينية، إذ «لا يوجد شعبان من الشعوب، بل لا يكاد يوجد اثنان من بني الإنسان، يتفقان بدقة في مكونات العاطفة الدينية»(10)؛ فأن يعتقد المرء ويؤمن، ويكون له شعور ديني فهذا شيء، أما تحديد طبيعة ومكونات هذا الشعور، والتدقيق في صحته من كذبه، أو البحث عن الدافع المحرك له؛ فهذا شيء آخر لا يدخل فيما ينبغي أن يهتم به دارسو وفلاسفة الدين.

وعندما يبحث هيوم في الدين وتاريخ الأديان، فإنه يُقَسمه إلى دين كتابي ودين شفوي. ويرى أن الأديان القديمة كانت أدياناً شفوية تنتقل عن طريق التواتر، وتعتمد على الصوت والكلام، وهي أكثر تفككاً من الأديان الحديثة التي ترتكز على الكتابة والكتب المقدسة كدساتير تُقيم عليها صرحها. يقول هيوم: «ثمة سبب آخر، جعل الدين القديم أكثر تفككاً من الدين الحديث، هو أن الأول كان شفوياً والثاني كتابياً، والشفوي في الأول كان معقداً، متناقضاً، وفي مناسبات عديدة ريبياً؛ لذلك ربما لا يمكن أن يقلص إلى أي معيار أو شريعة، أو يتحمل أي مواد حاسمة في الإيمان»(11). فالقول والكلام كانا دائماً معرضين للتلف والضياع، على عكس التدوين والكتابة والتسجيل، فهي الكفيلة بأن تحفظ تراث الأُمم والحضارات. ولهذا لم يكن من الغريب أن أَقْدَم الشعوب والثقافات التي يخبرنا عنها التاريخ بأدق التفاصيل، ويزودنا بأبسط المعطيات حولها، كانت هي الأمم التي زامنت اختراع الكتابة، وتلك التي أتت من بعدها.

إن ما جعل الأديان القديمة ضعيفة ومتهلهلة وأكثر تراخياً هو اعتمادها على آلهة كثيرة ومتعددة، وبتعدد الآلهة فقد تعددت القصص والروايات المحاكة حولها، إضافة إلى ما يصاحب فعل القول والكلام من إضافات وتحريفات وتشويهات تذهب بالمعنى إلى أبعد المديات؛ لذلك فإن الدين «يتبدد مثل سحابة، متى اقترب منه المرء وتفحصه جزءًا جزءًا. ولم تكن ثمة إمكانية لأن تؤكده أية عقائد أو مبادئ راسخة»(12). أما الديانات الحديثة ـ خاصة التوحيدية منها ـ شكّلت الكتابة عاملاً مهماً في استمرارها وحفظها، وصونها لقواعد وأسس كل دين، وذلك بغض النظر عمَّا قيل حول بعضها للتحريف والتزوير، ودون السقوط في الأساليب التفضيلية التي تعلي من عقيدة على حساب أخرى.

يرى هيوم أن تعدد الآلهة أو الوثنية هو الدين الأول الذي عرفته البشرية، وهو ما يحاول البرهنة عليه؛ إذ يؤكد أن الإنسانية ـ قبل سنوات وقرون عديدة ـ لم تعرف أي دين يمكن أن ننعته بالنقي أو الخالص أو الوحيد؛ فـ «بقدر ما نذهب أبعد في العصور القديمة نجد الإنسانية مغمورة في تعددية الآلهة»(13). ولعل الأبحاث التي قام بها رواد النظريات الطوطمية والطبيعية والإحيائية أو الحيوية، إضافة إلى تلك الدراسات التي أنجزها علماء سوسيولوجيا وأنتروبولوجيا الدين، مع المجهودات المبذولة من لدن مؤرخي الأديان وعلماء الأديان المقارنة وغيرهم، نقول: لعلها كفيلة بأن تؤكد لنا هذا الطرح حول ارتباط العقائد البشرية بالتعدد كأصل أول تجلى من خلال كثرة الآلهة التي كانت تتخذ شكل طوطم Totem تعبده كل عشيرة، فكان عدد الآلهة بعدد العشائر. هذا إضافة إلى أنماط التدين الآخرى التي كانت تعتقد في الأرواح والأشباح والأسلاف.

وقد كان هذا التعدد ملازماً لتخلف البشرية المغدقة في الخرافة وحياة الدجل والشعوذة، ليتخذ الأمر مناحي أخرى لازمت تطور الأُمم، وارتفاع درجات وعيها، حتى تكلل الأمر بظهور ديانات توحيدية جديدة، يمكن عدّها أحدث العقائد التي عرفتها البشرية.

وبحكم أن المجتمعات في تطور وارتقاء دائمين؛ فإن حركتها تتجه من مرحلة بدائية أولية إلى مراحل أخرى أرقى وأكثر تقدماً، حتى تصل إلى التقدم الحضاري الذي يوازي، من حيث النمو والازدهار التقدم الفكري والثقافي. «ومبدأ التطور والارتقاء إذ يسيطر على كل الظواهر الإنسانية بما فيها الدين عند هيوم وغيره من التطوريين، فإنه يستلزم أن الدين الأول للبشرية كان في أدنى صورة له، وهي التعددية الوثنية»(14). وهذا النوع من الدين يناسب إنساناً بدائياً وبربرياً، موغلاً في التخلف والضعف، وخاضعاً لرغباته وشهواته، التي جعلت قدراته العقلية تتوارى مفسحة المجال للغريزة ولكل الخصائص الحيوانية الكامنة فيه.

ونضيف إلى ذلك نقطة أخرى أساسية، ذات حمولة تاريخية، تدعم فكرة أصل التعددية، وهي أنه لا يُعقل أن يكون الإنسان القديم الذي لم يعرف لا العلم ولا الفلسفة ولا الأدب... موحداً، ثم يتخلّى عن ذلك ويغدو وثنياً بعد أن تعمق في سائر العلوم والمشارب المعرفية والفكرية. ويعود ديڤيد هيوم إلى القبائل البدائية التي لا تزال محتفظة ببدائيتها ـ كبعض الشعوب الأفريقية والأسترالية ـ ليقول بأنه «إذا وجد أنهم جاهلون ومتوحشون يمكنه أن يصرح مقدماً بأنهم وثنيون»(15). وذلك على أساس أن التقدم الذي جعل أمماً أخرى تتطور وتتحضر دون أن يطالهم أي شيء من ذلك لم يكن ليتيح لهم الانتقال من وثنيتهم القديمة والأولية إلى حالة من التوحيد على مستوى الدين والعقيدة.

يقع الانتقال من الإيمان بآلهة متعددة إلى الإيمان بإله واحد من خلال اعتراف الناس ـ الذين يدينون بمجموعة من الآلهة ـ بوجود قوة أخرى تتجاوز آلهتهم نفسها، وتكون هي المصدر الأول الذي لا أول قبله، والقوة التي لا قوة فوقها؛ ويمكننا أن نسميها بـ «إله الآلهة» «الذي ـ على الرغم من أنه من الطبيعة نفسها ـ يحكمهم بسلطة، مثل تلك التي يمارسها سلطان على رعاياه وتابعيه»(16). يقول هيوم: «حتى حيث ترسخت هذه الفكرة عن الإله الأعلى، مع أنه من الطبيعي أن تقلص كل عبادة أخرى، وتحط من شأن كل شيء مبجل، لكن، إذا كانت أمةٌ ما تستمتع برأي إله تابع، أو قديس أو ملاك؛ فخطاباتها إلى ذلك الكائن تسمو عليهم تدريجياً، وتتخطى التأليه المطابق لإلههم الأعلى»(17)؛ أي أنه رغم الولاء الذي يبديه الإنسان للآلهة المتعددة؛ فإن تقديسه وإيمانه بالإله الأعلى يظل قائماً وأساسياً يفرض نفسه على أنه هو الأصل، وهو روح الدين الذي نجده حاضراً لدى المتدين كما لدى الملحد.

يمثّل هيوم لتأرجح الإنسان بين التوحيد والتعددية في الآلهة بحركة المد والجزر؛ ذاهباً إلى أنه تارةً يميل نحو عبادة إله واحد قوي وذكي، يَعُدّه مصدر هذا الكون، وتارة أخرى يسقط في التعدد، وذلك تبعاً لأنصاف الآلهة التي تحتل تلك الهوة بين الإنسان والإله. وخير مثال على ذلك هو المسيح. فهو ـ في الأصل ـ إنسان مثل سائر الناس غير أن المسيحيين صنفوه في مرتبة الإله، فعبدوه وقدسوه وأعلوا من شأنه؛ فكان بذلك إلهاً ـ أو نصف إله ـ في حضرة الإله الأعلى والأسمى، الذي هو إله المسيح نفسه. وهذا يذكرنا بموقف المسلمين من وفاة الرسول (ص) ، وارتداد غالبيتهم عن دينهم، قبل أن يستردوا إيمانهم جراء الحديث الشهير لأبي بكر الصديق الذي أوضح لهم أن عبادة ـ أو لنقل تأليه ـ الرسول هو تأليه مبتور وناقص، فما كان عليهم إلا الرجوع إلى الأصل.

ومن هذا المنطلق نجد أن بعض الموحدين ـ خاصة اليهود والمسلمين ـ كانوا يرفضون نصب تماثيل لبعض كبار الشخصيات وعظماء التاريخ؛ خوفاً من السقوط في الوثنية والشرك من جديد، ومرد ذلك هو تلك النزعة الكامنة في الإنسان، والتي تتأرجح به بين التعدد والتوحيد. فالناس «يتقلبون بين هذه العواطف المتعارضة، ولا يزال الضعف نفسه يجرهم إلى الأسفل، من إله روحي كلي القدرة، إلى إله جسدي محدود، ومن إله جسدي ومحدود إلى تمثال أو تمثيل مرئي. والمسعى نفسه إلى العلو لا يزال يدفعهم إلى الأعلى، من التمثال أو الصورة المادية إلى القوة غير المرئية، ومن القوة غير المرئية إلى إله كامل لا محدود، خالق الكون وسلطانه»(18). فنادراً ما يستقر الإنسان على حال من الأحوال؛ لأن التقلب والتغير من شيمه الأساسية.

التسامح الديني بين التعددية والتوحيد

يُرجع هيوم الاضطهاد واللاتسامح والتعصب الديني إلى الوثنية وعبادة آلهة متعددة؛ لأن كل طائفة ترى أن إلهها أحق بالعبادة، وأجدر بأن يحمل اسم الإله، في حين أنها تعدّ باقي الآلهة تافهة ولا تستحق أن تُعبد. كما تقول بأنه ما دام للعبادة والتدين الهدف ذاته؛ فإن ذلك يقتضي ضرورة وحدة الإيمان والطقوس، والأهم من ذلك وحدة المعبود، ومن ثم فلا إله إلا إلهها هي. يقول هيوم: «كما لا أحد يمكنه أن يتخيل أن الكائن نفسه يجب أن يفرح بطقوس ومبادئ مختلفة ومتعارضة، توقع الطوائف بشكل طبيعي في العداء، وتطلق كل منها الحماس والحقد المقدسين على الأخرى»(19) ظناً منها أن في ذلك تعبيراً عن مشيئة الإله، وتحقيقاً لرغبته في التصدي لكل خروج عن شريعته التي يجعل المتدينون من أنفسهم جنوداً لها في الأرض.

إذا كان تعدد الآلهة هو أحد أسباب اللاتسامح والتعصب الديني، وكذا العنف والحروب باسم الدين، فكيف يمكننا أن نفسر كل ذلك عندما نجده لدى الشعوب التوحيدية التي تدين بالدين نفسه؟

فكما هو معلوم إن تاريخ الديانات التوحيدية لم يَسلَم من الحروب والحملات العنيفة والسافكة للدماء؛ وهو ما جعل هيوم يتحدث عن «الروح الضيقة المتعنتة لدى اليهود»، ووصفه للديانة المحمدية بأنها «الأكثر دموية»(20)؛ أي أن الإيمان بإله واحد لم يَخْلُ ـ هو في تصوره أيضاً ـ من التعصب والتشدد والتكفير، واللجوء إلى الحروب لتغليب رأي على رأي آخر، وتأكيد تصور معين للدين على حساب تصور آخر مخالف، ذلك أن «كل الأُمم راضية بعباداتها الخاصة، وكل منها يعتقد أنه يمتلك أفضلية على كل الأُمم الأخرى»(21)، وما شهدته اليهودية والإسلام ينطبق ـ بدرجة أقل ـ على المسيحية، التي عرفت ـ بحسب هيوم ـ شيئاً من التسامح غاب عن الديانتين السابقتين؛ وذلك بفضل «العزم الراسخ للحكم المدني في معارضة المحاولات المستمرة للرهبان والمتعصبين»(22) الذين كانوا مصدر كل الحروب الطائفية، وكل الصراعات المذهبية.

رغم حضور العنف والتشدد في الديانات التوحيدية، كما في الديانات التعددية؛ فإن هيوم يزعم أن عنف الموحدين يكون أهون ضرراً وأقل وقعاً من عنف التعدديين. وفي هذا يقول: «يمكنني أن أغامر في التأكيد على أن المفاسد القليلة في الوثنية وتعدد الآلهة أكثر ضرراً للمجتمع من هذا الفساد في التوحيد»(23)، وقد نُرجِع ذلك إلى أن أصحاب الديانات التوحيدية ـ مهما اختلفوا في الدين، ومهما تعصب كل واحد أو طائفة لتصور خاص ـ فإن هذا الاختلاف يبقى في حدود الفروع، أما الأصل فيظل واحداً ومقدساً لا يطاله المساس أو الاختلاف، وهو الإيمان بإله واحد ووحيد. وبناء على هذا الطابع «العقلاني» الذي يميز التوحيد مقارنة مع الشرك والتعدد؛ فإن هيوم ينتقد الديانات التوحيدية من زوايا متعددة أيضاً، اجتماعياً وسياسياً وفلسفياً... ذاهباً إلى أنها الأَوْلى بأن تدعو إلى التسامح وقبول الاختلاف، لا أن تكون السباقة إلى التعصب والاضطهاد.

بعيداً عن الصراعات المذهبية والانتماءات الطائفية، وفي منأى عن الخوض في النقاشات الثيولوجية والكلامية حول حقيقة الأديان، ومن ديانته هي الأجدر والأحق بأن تسود؛ فإن أي عنف أو قتل باسم الدين يظل أمراً مرفوضاً ولا مسوّغ له إطلاقاً؛ حيث إن «قتل امرئ بطريقة غير قانونية بإرادة طاغية أكثر ضرراً من موت ألف بسبب طاعون أو مجاعة أو أية كارثة معروفة»(24)؛ لأن القتل أو العنف باسم التعصب الديني له دلالات خطيرة تفوق الموت الطبيعي، وتكمن في التبعات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية التي تتمخض عن ذلك، وحِدة الفتنة التي ستنتشر جراء هذا الفعل الشنيع ذي الصبغة الإرهابية.

منابع الدين

لقد نشأ الدين أول ما نشأ من الخوف، ثم السعي بعد ذلك إلى الارتماء في أحضان قوة عظيمة تطفئ نار ذلك الخوف والخشية. ويركّز هيوم على الخوف الشديد من المستقبل، وعلى التفكير في القوى غير المرئية والمجهولة، وعلى القسوة والشدة والعنف التي تقمع المتدين، الذي يصفه بالمذهول؛ أي الحائر والتائه بين الخوف والترقب، بين العقل والخرافة، بين الحقيقة والوهم... إلخ، ويُعدّ كل ذلك أساساً لظهور الوازع الديني لدى الناس، ومصدر الدين الأولي(25).

إن التلازم القائم بين الدين والخوف من الطبيعة، أو بالضبط بين الإيمان والطبيعة الشريرة للطبيعة، جعل هيوم ينعت الدين الأولي بأنه «عبادة شيطانية وخبيثة»(26)؛ لأن اعترافنا بوجود إله ذي قوة جليلة ومفارقة وذكية هي أصل الكون قد نَبع، أساساً، من شرانية وخبث الطبيعة، أو بالأحرى الإله الذي يُعدّ المتحكم في كل شيء، والمسيِّر الأول والأخير للوجود. ومن ثم فإن «الأديان الشعبية هي في الحقيقة ـ في تصور مريديها الأكثر سوقية ـ نوع من الإيمان بالعفاريت، وأنه بقدر ما تمتدح الألوهية على نحو أكثر علواً بالقوة والمعرفة، يكون أدنى مرتبة في مسار الطيبة والإحسان؛ مهما كانت صفات المديح التي يمكن أن يغدقها عليه محبوه المذهولون»(27).

وبهذا نكون قد تخلينا عن الجانب العقلي في إنسانيتنا، الذي من المفترض أن يكون المحك الأول في نظرنا وتعاملنا مع كل القضايا. ومن هذا المنطلق نتساءل مع هيوم قائلين: «متى سيكون الناس عقلانيين؟»(28). فنجيب بقول برغسون: «ما أعجب ما فعلوا حين سموا الإنسان «الكائن العاقل» ! »(29).

إن تعدّد المظاهر والظواهر الطبيعية، واختلاف مصائر الناس، وتضاد وتضارب الأحداث والوقائع... حيث إن الأعاصير والفيضانات تفسد ما أنبتته الشمس، والشمس تدمر ما غذّته الأمطار، كما أن ما يشكّل نكبات وكرب قوم قد يمثل مرتعاً خصباً لخير ورزق أقوام أخرى... وإلى غير ذلك مما يوحي ـ بحسب بعض التصورات التي تقول بشرانية العناية الإلٰهية ـ بغياب التكافؤ والانسجام على مستوى الطبيعة والوجود. ولهذا فإن «إدارة الأحداث ـ أو ما ندعوه خطة عناية إلٰهية خاصة ـ حبلى بالتنوع وعدم اليقينية، التي إذا افترضنا أنها حدثت في الحال بأمر أية كائنات ذكية متفوقة، يجب أن نعترف بتناقض تصميماتها وغاياتها والقتال المستمر للقوى المتعارضة، وندم أو تغير الغاية في القوة ذاتها، من العجز أو الخفة. لكل أمة آلهتها الحارسة، وكل عنصر يخضع لقوته أو عامله الخفي، ودائرة كل رب منفصلة عن دائرة الرب الآخر، وعمليات الرب نفسه ليست مؤكدة وثابتة، فاليوم هو يحمينا، وفي الغد يتخلى عنا»(30).

من هذا المنطلق يمكننا إن نقول؛ إن أصل عبادة آلهة متعددة هو اهتمام الإنسان بأحداث الحياة ومطباتها، وبحثه في مصيره وآماله، وسعيه إلى تبديد مخاوفه وإراحة عقله وقلبه. لذلك كان لكل جانب من جوانب حياته إله معين: إله الحب، إله الزواج، إله الخير، إله الشر، إله السلم، إله الحرب... إلخ.

لقد قُذف بالإنسان في هذا العالم وهو كائن ضعيف خائر القوى ومحدود القدرات، لا يعلم شيئاً، ولا يدري من أين أتى وإلى أين وِجهته؛ فكل شيء محجوب عنه وعصيٌّ عن فهمه. وفي وضع كهذا لم نتمكن من تفسير ما قد يطالنا من خير أو شر، من سلم أو حرب، من حب أو كره... «إننا معلقون في ترقب دائم بين الحياة والموت، وبين الصحة والمرض، وبين الوفرة والحاجة، التي توزعها بين البشر أسباب سرية ومجهولة، غالباً ما يكون عملها غير متوقع ودائماً غير محسوب. ثمّ تغدو هذه الأسباب المجهولة هي الشيء الثابت لأملنا وخوفنا؛ وفي حين تبقى العواطف متأهبة في حذر دائم وترقب قلق للأحداث، يُشغَل الخيال أيضاً في تشكيل أفكار تلك القوى التي نعتمد عليها تماماً»(31).

كان الإنسان يؤمن بأن حياته لا تخضع لأي منطق أو حكمة؛ بل هي مجرد صُدف في صدف، لا أساس يسندها ولا قانون يحكمها، «وبقدر ما يكون مسار حياة إنسان محكوم بالمصادفة، نجد دائماً أن معتقده الخرافي يزداد»(32)، وكلما أوغل في الخرافة، حدثت خرافات متعددة بتعدد ظروف الحياة، إلى أن يصبح غير قادر على إدراك قوة واحدة بإمكانها أن تتحكم في هذا الكون وفي مصيره. وحتى الآلهة المتعددة التي يؤمن بها، فإنه ينظر إليها بمنظور بشري؛ إذ يضفي عليها خصائصه هو، ويجعلها مجرد كائنات بشرية ارتقت إلى أن وصلت إلى مرتبة الآلهة، لكنها حافظت ـ مع ذلك ـ على بعض النواقص من شهوات ورغبات وحاجات... فكانت هي مبرر غياب العدالة والإنصاف الإلٰهيين في الكون برمته.

يرتبط الدين بعجز الإنسان وخوفه من قوى الطبيعة، التي تجعله يعيش حياة مضطربة وغير مطمئنة. وبعد طول تفكير وتأمل يعود إلى فطرته وطبيعته، «ويلجأ إلى كل الطرق التي تسترضي تلك القوى الغامضة الذكية التي يفترض أن قدرنا يعتمد عليها بالكامل»(33)، فيكون بذلك قد تدين تديناً طبيعياً خالصاً وبسيطاً ونقياً، اعتمد فيه على فطرته. وتظل هذه العودة إلى الدين عودة مؤقتة، لا يمكن الجزم بأنها صارت قاعدة، وبأن أي إنسان كلما ضاقت به السبل واشتد عليه الحال فإنه راكن إلى الدين لا محالة. حيث إن الكثير من الناس ما إن يتجاوزوا مرحلة الشدة، وينعموا بالرخاء والطمأنينة، حتى «يتناسوا العناية الإلٰهية المقدسة»(34).

لقد ربط هيوم الدين بفترات محددة من الحياة، وبجنس معين، يكون فيها ومعها الدين بادياً بجلاء، كما تكون فرص ظهوره أكثر إتاحة فيها من غيرها. فلحظات الحياة الأكثر ضعفاً وجبناً وخوفاً تكون أكثر اتساماً بميسم الدين، وهو ما عبر عنه أيضاً كل من برغسون وإميل دوركهايم، إذ ذهبا إلى أن درجة التدين ترتفع أكثر في فترات الحروب والكوارث الطبيعية. أما فيما يخص الجنس، فقد رأى هيوم أن الدين يرتبط أكثر بالنساء؛ «فهؤلاء يحفزن الرجال على التقوى والتضرع والتقيد بالأيام الدينية. فمن النادر أن تلتقي برجل يعيش بعيداً عن الإناث، وفوق ذلك مدمن على هذه الممارسات»(35).

يمكننا أن نقول: إن النقطة المشتركة التي يجمع عليها سائر البشر، وكذا سائر المشتغلين بالدين واللاهوت، هي أن هناك قوة خارجية مبدعة وذكية تقبع خلف هذا الكون، وتشكل مصدره الأول. لكن طبيعة هذه القوة، صفاتها، قدراتها وهل هي واحدة أم متعددة... كلها أمور لم تقع موقع اتفاق وإجماع كليين، ونظن أنها لن تكون كذلك في يوم من الأيام. فاعتقادات الناس غالباً ما كانت ـ ولا تزال ـ تتوزّع بين الآلهة المتعددة والإله الواحد، وبين بعض القوى الخفية الأخرى؛ كالجنيات والعفاريت والأشباح والأرواح... التي يعدونها أقوى وأعظم منهم، كما يَعُدونها ـ في الآن ذاته ـ دون الآلهة قوة وعظمة.

ومما سبق نخلص إلى أن أصل الدين الطبيعي هو القلق والحيرة والأمل إزاء الحياة والطبيعة والمستقبل، إضافة إلى التطلع إلى الحقيقة والسعي نحو تحقيق عالم مضبوط ومنسجم ومحكوم بنظام قوي لا يتزحزح. «وينشأ هذا المعتقد عند الفلاسفة القائلين بالدين الطبيعي عن دليل القصد والعناية الذي يثبت أن العالم ـ بوحدة تصميمه، وتجانسه وانتظامه، والغائية المسيطرة على ظواهره وقوانينه ـ يدل على وجود إله حكيم يسيطر عليه»(36). وهو التصور الذي رفضه هيوم جملة وتفصيلاً؛ إذ إنه كان ضد جميع الأدلة التي تروم إثبات وجود إله، «مما يدل على أن هيوم ضد الدين أيّاً كان نوعه؛ لأنه يرفض الفرضية التي يقوم عليها أي دين... أعني يرفض فرضية الله»(37)

في رمزية الإله أو المعنى المفارق للدين

يحتل مفهوم الإله مكانة محورية في كل الأديان، وقد تعددت صوره ورموزه بتعدد الثقافات والحضارات، بل بتعدد أنماط التدين والعبادات، وكذا اختلاف حاجات الناس ودوافعهم نحو دين ما دون غيره. لذلك نجد أن إله الفلاسفة يختلف تماماً عن إله رجال الدين، وإله المؤمن هو غير إله الملحد(38)، كما أن تصوّر المثقف للدين يختلف عنه لدى الإنسان العامي... لكن ما يقع موقع اتفاق وإجماع كل هؤلاء هو تسليمهم بوجود قوة خفية تتحكّم في هذا الكون.

ومن هذا المنطلق، نجد أن هيوم يرفض تسمية الملاحدة بهذا الاسم، وذلك من خلال إشارته إلى أن القاسم المشترك بين من ننعتهم بالملحدين وبين أولئك الذين ندعوهم بالمؤمنين هو تصديقهم جميعاً بتلك القوة الخفية غير الإلٰهية والمتجاوزة لقدرات البشر «العاديين». «فالملحد يرفض إلهاً ذا عناية إلٰهية، وخلود النفس وفكرة العقاب أو الثواب بعد الموت أكثر مما ينكر وجود الله»(39). وبهذا يكون كل فرد مؤمن من وجهٍ وملحد من وجهٍ آخر على حد تعبير هربرت سبنسر، الذي وسم كلا الطرفين بِسِمة الإيمان، مؤكداً أن المؤمن هو مؤمن بالإثبات، بينما يؤمن الملحد بالنفي. يقول هيوم: «وهؤلاء الذين يتظاهرون بأنهم متدينون هم في الحقيقة نوع من ملحدين يؤمنون بالخرافات، ولا يعترفون بكائن يتوافق مع فكرتنا عن إله ما»(40).

إذا كان المتدين ينطلق من التصميم المثير للإعجاب، ومن النظام الملهب للعقول، ومن الإعجاز الذي يميز هذا الكون... ليصل في النهاية إلى اليقين بوجود قوة ذكية خفية ومقدسة هي التي تتحكم في هذا العالم؛ فإن الوثني ـ على عكس ذلك ـ يبحث في جزئيات ومكونات هذا الكون، لا بما هي صادرة عن تلك القوة غير المرئية، وإنما بوصفها قائمة بذاتها، وأنها مدعاة للتقديس في حد ذاتها. «وهكذا، مهما يكن ميل البشر قوياً للاعتقاد بقوة ذكية خفية في الطبيعة؛ فإن ميلهم قوي ـ بالمثل ـ لتركيز انتباههم على أشياء حسية مرئية، وللتوفيق بين هذين الميلين المتعارضين يُدفَعون إلى توحيد القوة الخفية مع شيء مرئي ما»(41).

فأساس الاعتقاد والإيمان هو التصديق بأمور خفية غير بادية، كما أن الدين الحقيقي ـ كما أكد ذلك باسكال ـ هو الدين الذي يجعل من إلهه إلهاً خفياً Dieu Caché (42).

يرتبط التأليه والتقديس بالعديد من الحكايات والرموز، التي تجعل من كل إله يحمل رموزاً وصوراً تبرز تَمَيُّزه عن غيره من الآلهة. فكان من الطبيعي التمثيل لإله الحرب برموز وحكايات العنف والقوة والغضب والجبروت، وتصوير إله الشعر على أنه أنيق وودود وأليف... وهناك العديد من الرموز الدينية التي يزخر بها التراث الإنساني، والتي تصور لنا الآلهة على هيئات متعددة. ولعل ملاحم هوميروس وهيزيود خير دليل على ذلك. وهذا ما حدا بهيوم إلى التأكيد على المكانة المهمة للحكاية الرمزية في اللاهوت الوثني(43). ففعل الترميز هذا هو عبارة عن سلوك ديني يسهم من خلاله الإنسان في إضفاء القدسية على العالم أو على بعض مكوناته(44).

يصور هيوم الإله الذي يعبده عامة الناس على أنه بطل Hero لا يختلف عن باقي الكائنات البشرية الأخرى، فما يحدث هو أن الناس يتأثرون بشخصية هذا البطل الذي يصبح محط إعجاب وتبجيل وتقديس فئة عريضة منهم. وفي هذا يقول: «يُفترَض أن يكون معظم آلهة العالم القديم أناساً، ونُظر إلى تأليههم أنه نتاج إعجاب الناس بهم وحبهم لهم»(45)، وقوة هذا الحب ـ أو بالأحرى الحاجة النفسية والوجودية لهذا الحب ـ هي التي تجعل الإنسان يقدس إلهاً ما، فيخلق له صورة متفردة نابعة من خياله الجامح، المُجسِّم والمؤنسن، الذي خَلق به ـ أيضاً ـ صوراً عن الآلهة المتعددة، وعن علاقته بالألوهية la Divinité عموماً (46)، فرغم الصفات الخارقة واللامتناهية التي يضفيها الإنسان على الإله، فإنها تظل محافظة على طابعها البشري؛ إذ إن الوعي الإنساني لا يزال يُسقط على الإله خصائص بشرية مصحوبة بشيءٍ من التقديس والإعجاز والكمال. ويمكننا التعبير عن ذلك بالقول: إن الإله (الإنسان الكامل) هو امتداد للإنسان (الإله الناقص).

إن ما يميّز البطل ـ في تصور هيوم ـ هو ذلك الميسم الديني والتأليهي الذي يوسم به، فيجعله في مرتبة الإله، بل إنه يغدو إلهاً بالفعل؛ وذلك من خلال مجموع الرموز التي تُلصق به، والحكايات التي تُنسَج حوله. وهو عكس البطل الصوفي الذي تحدث عنه برغسون ـ والذي، رغم المكانة التي يحتلها في نفوس الناس، إلا أنه لا يصل إلى درجة التأليه والتقديس؛ بل يكون مجرد واسطة وسند يعتمده باقي البشر للصعود إلى الحضرة الإلٰهية، والاتحاد بالإله، وذلك من خلال ما سماه برغسون بالنداء الصوفي Appel Mystique (47) كما يختلف بطل هيوم عن البطل الذي قال به باسكال، والذي وصفه بأنه ذلك المنقذ أو المُخلّص le Messie الذي جاء ليجعل الناس يحبون الإله ويتعلّقون به(48).

إن عجز الإنسان وإحساسه بالدونية والنقص ـ في مقابل عظمة وقدرة بعض بني جنسه ـ هو ما يجعله يلجأ إلى تقديس وتأليه كل قوة رأى أنها تتجاوزه، أو أوهم نفسه بذلك؛ من أجل أن يحتمي بها ويرتمي في أحضانها. وتعدد هذه القوى ـ النابع من اختلاف وتنوع ظروف الناس وحاجاتهم النفسية والاجتماعية... ـ يشكل المبادئ الأساسية لتعدد الآلهة. يقول هيوم: «ومن الطبيعي أن تؤله هذه المبادئ نفسها المخلوقات البشرية المتفوقة في القوة أو الشجاعة أو الفهم وتولد عبادة البطل، بالإضافة إلى التاريخ الخرافي والتقاليد الميثولوجية في كل أشكالها الوحشية التي لا تحصى»(49). فحتى تقديس البشر وعبادة أرواح الأسلاف كلها نابعة من الرموز والحكايات التي يجد فيها الإنسان ضالته إذا ما ألحقها بقوة من القوى، مدفوعاً في ذلك بدوافع داخلية عميقة تؤجج في نفسه الحاجة إلى سند خارجي مفارق يقيه قساوة ظروف واقعه المحايث.

الدين بين تقديس الإله وتدنيس الإنسان

يرى هيوم أن الغلو في تقديس الآلهة والمبالغة في تنزيهها ووصفها بصفات خارقة، في مقابل الحط من قيمة الإنسان وإظهاره ضعيفاً وخسيساً في حضرتها، كلها أمور تجعل التدين ملازماً للخسة والوضاعة والذل. بمعنى أن المرء إذا كان متديناً فمعناه أن يصبح ذليلاً، فـ«حيث يُمثَّل الله بأنه متفوق على الإنسانية إلى ما لا نهاية، فإن هذا الاعتقاد ـ مع أنه صحيح جملة وتفصيلاً ـ إلا أنه عندما يُضَمُّ إلى مخاوف خرافية يغدو عرضة للغوص بالعقل الإنساني إلى أسفل دركات الخضوع والذل، وتمثيل الفضائل الرهبانية بإماتة الشهوات والندم والتواضع والمعاناة السلبية»(50). وبهذا يتضاءل الإنسان أمام نفسه وأمام إلهه، فتغدو علاقته به كعلاقة العبد بالسيد، قائمة على الخوف والترهيب، وليس على الفضيلة والالتزام الخلقي. كما أن هذا الضرب من العبادة والتدين يحط من قيمة الإله نفسه؛ إذ يتم تصويره على أنه في حاجة ماسة وملحة للثناء والمديح والحمد، وهي عبارة عن عاطفة من أدنى العواطف البشرية، والتي تنقص من قيمة الإله إذ نجعلها ملازمة له(51)

إن هذا التصور حول طبيعة العلاقة بين الإله والإنسان نجده حاضراً بذات الصيغة والمعنى عند إريك فروم، عندما تحدث عن «الأديان التسلطية». إذ يرى أن الدين التسلطي Authoritarian يقوم على تسليم الفرد بقوة عليا تتجاوزه وتتحكم فيه، وهي قوة تفرض أحقيتها في الطاعة والتبجيل والعبادة. ومعنى ذلك أن هذه القوة لا تفرض أحقيتها وجدارتها بالعبادة انطلاقاً من صفات خاصة بها وفيها، كالمحبة والعدل مثلاً، وإنما من خلال قوتها وسلطانها وكل الأمور التي تُرغِم بها الإنسان على الخضوع والإذعان والعبادة، وتظهر له أن أي ممطالة أو تقصير في ذلك يعدّ إثماً وخطيئة. وبهذا يكون «العنصر الجوهري في الدين التسلطي وفي التجربة الدينية التسلطية هو الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان. والفضيلة الأساسية في هذا النمط من الدين هي الطاعة، والخطيئة الكبرى هي العصيان»(52).

ونجد عكس ذلك عندما يكون التدين متوازناً يُعلي من قيمة الإله، كما يرفع من شأن المتدين، وذلك لمّا يُنظر إلى الآلهة على أنها «ليست متفوقة على الإنسان كثيراً، وأن الكثير منها تطور من تلك المرتبة الدنيا»(53)ـ وهو ما يجعلنا نخاطبها بأريحية وطمأنينة دون أن تنزع منا إنسانيتنا؛ فيكون الدين بهذا المعنى، وهو الدين الذي أطلق عليه إريك فروم اسم الدين الإنساني Humanistic ـ ملازماً للشجاعة والشهامة والحرية، ولكل الصفات التي تجعل من الإنسان إنساناً بالفعل. يقول إريك فروم: «والتجربة الدينية في هذا النوع من الدين هي تجربة الاتحاد بالكل، القائمة على ارتباط الإنسان بالعالم ارتباطاً ندركه بالفكر والحب. وهدف الإنسان في الدين الإنساني هو أن يحقق أكبر قدر من القوة، لا أكبر قدر من العجز، والفضيلة هي تحقيق الذات، لا الطاعة. والإيمان هو يقين الاقتناع المؤسس على تجربة المرء في مجال الفكر والشعور، لا على تصديق قضايا وفقاً لذمة المتقدّم بها. والمزاج السائد فيها هو الفرح، على حين أن المزاج السائد في الدين التسلطي هو الحزن والشعور بالذنب»(54). وبهذا تكون قوة الإله رمزاً على قوى الإنسان الخاصة، تفتح له المجال للتعبير عن حريته وتحقيق ذاته. وليست دلالة على تسلطه ـ أي الإله ـ كما هو الأمر في الدين التسلطي القائم على إبراز تلك الهوة وذاك البون الشاسع بين الإنسان والإله.

فما يمنح الدين تلك القوة القاهرة ـ إضافة إلى أمور أخرى ـ هو ارتباطه بسلطة معينة تحتوي نظامه وتؤسسه وتضع له قواعده. وقد تكون هذه السلطة عبارة عن كتاب مقدس كالقرآن أو الإنجيل مثلاً، أو سلطة معينة كالبابا. وتأثير هذه السلطة لا يطال عامة الناس فقط؛ بل حتى أهل النظر والعلم والفكر. يقول هيوم: «يواصل المفكرون التأمليون بشكلٍ طبيعي موافقتهم واعتناقهم النظرية التي انغرست في نفوسهم من خلال تعليمهم المبكر، والتي تمتلك أيضاً درجة ما من التماسك والانسجام؛ لكن لأن هذه المظاهر أكيدة كلها، لتثبت أنها مضللة، ستجد الفلسفة نفسها سريعاً مقيدة على نحو غير متكافئ برابطتها الجديدة، وبدلاً من تنظيم المبادئ ـ وهي تتقدم معاً ـ تُحرَف عند كل منعطف لتخدم أغراض الخرافة»(55)، فنجد أنصار العقل والمنطق أنفسهم مجرورين نحو ثلة من التفسيرات الميثولوجية والشعبية، وذلك تحت تأثير وفتنة العبثية والتناقض والاستسلام للعتمة والغموض. «وهكذا يغدو النظام أكثر منافاة للعقل في النهاية، الذي كان ببساطة عقلانياً وفلسفياً في البداية»(56).

إن الأصل في الدين هو الشك والنفي والكفر، وليس الإيمان والاعتقاد واليقين؛ إذ إن أكثر الناس إيماناً وعبادة ـ ظاهرياً ـ هم في أعماق أنفسهم أميل إلى الشك والدحض والتساؤل حول حقيقة دينهم ومعتقدهم. إنه «على الرغم من الأسلوب الدوغمائي المتغطرس للمعتقد الخرافي، والإيمان الراسخ للمتدينين في كل العصور؛ فقد كان أكثر تأثيراً في الحقيقة الواقعية، ولم يقترب ـ في أية درجة ـ من الاعتقاد أو القناعة الصلبة، التي تحكم قضايانا العامة. لا يجرؤ الناس على الاعتراف ـ حتى في سِرّهم ـ بالشكوك التي يفكرون بها حول هذه الموضوعات: هم يصنعون فضيلة بالإيمان الضمني، ويستنكرون لأنفسهم عن كفرهم الحقيقي، بالتأكيدات القوية والتعصب الأكثر إيجابية»(57)

ويضيف هيوم أن «القلب سِراً يمقت هذه الدرجات من القسوة والعنف والانتقام الذي لا يمكن تهدئته، لكن الحكم لا يتجرأ إلا على أن يعلنها مثالية ومحبوبة. والتعاسة الإضافية لهذا الصراع الداخلي تفاقم كل المخاوف الأخرى، وبسبب تلك الأضحيات التعيسة للمعتقد الخرافي يظلون مسكونين بالأشباح إلى الأبد»(58) فالإنسان بطبعه يتساءل ويشك في كل شيء ويندهش من أي شيء، وحتى عندما يؤمن فإن إيمانه يظل مشوباً بنوع من الحيرة والريبة، وذلك بدافع بحثه الدؤوب عن اليقين المفقود، الذي لن يجده مهما حاول. وقصة النبي إبراهيم الذي ناشد ربه أن يغدق عليه ببعض الأدلة والبراهين ـ عسى أن تشفي غليل إيمانه، ولعلها تبعث الطمأنينة في صدره ـ تلخص لنا بوضوح حالة الإنسان وصراعه مع الإيمان والشك.

إن هذا الجانب المظلم والمستبد من الدين ـ والذي يروم أساساً إخضاع الإنسان والحد من حريته وكرامته، بل والتطاول على إنسانيته ـ هو الذي يجعل العديد من المفكرين والفلاسفة ـ وبعض عامة الناس في أحايين كثيرة ـ ينزعون نحو الأخلاق ويتزيون بالفضائل والقيم النبيلة باسم الواجب والإنسانية لا باسم الدين.

وفي هذا يؤكد هيوم أن لدى الناس كل الاستعداد والقابلية من أجل الانخراط في أخلاق المجتمع وفضائله، وبإمكانهم ممارسة ذلك بارتياح ورضى كبيرين. على عكس ما يفرضه الدين من قواعد وضوابط منهكة ومتعبة تجعلهم ينفرون منه؛ لذلك قال بأن الدين هو «في كله مزعج ومرهق إلى الأبد»(59)؛ ومن ثم فإن الالتزامات الأخلاقية غير محكومة ـ بالضرورة ـ بما يعتقد به المرء أو يدين به؛ ذلك أن الإنسان «إذا كان فاضلاً حقاً، يكون مشدوداً إلى واجبه، من دون أي جهد أو مسعى. حتى فيما يتعلق بالفضائل، التي هي أكثر صرامة، وأكثر تأسيساً على التأمل، مثل الروح العامة أو واجب النبوة، أو ضبط النفس، أو الاستقامة. الالتزام الأخلاقي في فهمنا يبطل كل ذريعة لفضيلة دينية، والسلوك الأخلاقي غير محكوم بما ندين به للمجتمع وأنفسنا»(60).

الدين ومفهوم السببية

يركن هيوم ـ في تفسيره للدين ولتعدد الآلهة ـ إلى مفهوم السببية؛ إذ يرى أن الإنسان بطبيعته يتساءل عن أصل كل شيء، وعن أصل ذلك الأصل، حتى يصل في النهاية إلى التسلسل اللانهائي واللامحدود، ذلك على أساس أن «كل ما يوجد يلزم أن تكون ثمة علة أو سبب لوجوده، فيستحيل إطلاقاً على شيء ما أن ينتج ذاته أو أن يكون علة لوجوده الخاص، وعلى ذلك فعندما نرتقي من المعلولات إلى العلل يلزمنا إما أن نمضي في تتبع تعاقب لا متناه دون علة نهائية على الإطلاق، أو يتحتم علينا في النهاية أن نلوذ بعلة نهائية ما توجد وجوداً ضرورياً»(61).

أما الخيار المتعلّق بإبحار الإنسان في تجربة اللامتناهي واللامحدود وتخبطه في أهوالها، فهو ما لا تسعفه قدراته العقلية في إدراكه واستيعابه وتحمله؛ فنجده يسلم بموجود أسمى يكون وجوده ضرورياً، ويكون هو علة وجود غيره، وبهذا فقد وضع الإنسان حداً لتلك السلسلة. لكن هذا الحد قد صار حدوداً تعددت بين الناس، فتمخض عنها تعدد الآلهة، و«لو استرشد الناس أولاً إلى الإيمان بكائن سامٍ واحد، بسببية من إطار الطبيعة، فربما ما كان بمستطاعهم التخلّي عن ذاك الاعتقاد لاعتناق آلهة متعددة»(62)؛ لكن عجْز الإنسان البدائي، وعدم امتلاكه لما يكفي من الوعي للتفكير نظرياً فيما يواجهه من ظواهر طبيعية وكونية، وافتقاده للآليات العقلية التي قد تجعله يفسر كل ذلك بإرجاعه إلى أصل واحد وعِلة واحدة؛ كلها عوامل أسهمت في ظهور الدين البدائي الأول، دين الشرك والوثنية.

إن هذا التفسير «السببي أو العلي» الذي قدّمه هيوم لمسألة تعدد الآلهة، وبيانه لكيفية ابتعاد الناس عن الاعتقاد في إله واحد ووحيد، يحيلنا على ما قاله الشيخ الرئيس ابن سينا في «واجب الوجود» انطلاقاً من مفهوم السببية أيضاً. فنجده يؤكد أن «كل سلسلة مترتبة من علل ومعلولات ـ سواء أكانت كانت متناهية أم غير متناهية ـ ظهر أنها إذا لم يكن فيها إلا معلول احتاجت إلى علة خارجة عنها، لكنها تتصل بها لا محالة طرفاً. وظهر أنه إن كان فيها ما ليس بمعلول فهو طرف ونهاية. فكل سلسلة تنتهي إلى واجب الوجود بذاته»(63).

فهذا اللامعلول الذي هو طرفُ ونهايةُ السلسلة، وهو واجب الوجود الذي لا واجب وجود غيره، هو ذلك الكائن السامي والوحيد الذي كان سيقي الناس ـ بحسب هيوم ـ من السقوط في براثن التعدد لو أنهم فكروا وفق هذا المنطق. لكن «الإنسان الأول لم يدرك حقيقة الظواهر الطبيعية، ولم يحاول تفسيرها وفق قانون العلية، وإنما فسّرها بنوع من الإسقاط، إذ أعطى لها صفاته، وأسقط عليها رغباته، وظن أن كل ظاهرة وراءها إله»(64)، فكان ذلك أرضاً خصبة لبزوغ الشرك والتعدد.

يعتبر هيوم أن الإيمان بآلهة متعددة هو «الدين البدائي للبشر غير المتعلمين»(65)، ويؤكد أن الإنسان لو تمكن من التأمل في عظمة الكون، واستحضار القوة الذكية غير المرئية التي تتحكم فيه، لتوصل إلى كائن وحيد وقوة وحيدة تحكم هذا العالم وتمنحه النظام والوجود. يقول: «كل شيء في الكون هو بوضوح جزء من كل، فكل شيء مجهز لكل شيء، تصميم واحد يسود الكل، وهذا الاتساق يقود العقل إلى الاعتراف بمؤلف واحد؛ لأن مفهوم المؤلفين المختلفين ـ من دون أي تمييز للصفات المميزة والعمليات ـ لا يخدم إلا أن نعقد ونربك الخيال، من دون رضاً عن فهم هذه المسألة»(66). فأصل الكون لا بدّ أن يكون ـ كما قال ابن سينا ـ واحداً، وألا يتألف من كثرة؛ لأنه «لو التأم ذات واجب الوجود من شيئين أو أشياءَ تجتمع لوجب بها، ولكان الواحد منها أو كل واحد منها قبل واجب الوجود، ومقوِّماً لواجب الوجود»(67). ولما صار هذا الواجب الوجود واجباً، ليغدو وجوده ممكنا غير واجب. وبتعبير آخر ستغدو نسبة إمكانية وجوده مساوية لنسبة إمكانية عدم وجوده. فلو أخذنا مثال لوحة فنية رسمها مجموعة من الفنانين، لما أمكننا التعرف ـ بل وحتى قبول ـ أنها من إنتاج مجموعة وليس فرداً واحداً؛ وذلك لأن دقتها ونظامها يجعلاننا نسلّم بأنها صادرة عن عقل أو ذكاء واحد ومتجانس. ومن هنا فإن روح التأليه أو الألوهية هو الاعتقاد في مصدر أصلي فوق طبيعي ومفارق ووحيد يكون هو أصل هذا الكون(68)

العقل والدين أو في نقد الدين

لطالما رأى بعض الفلاسفة والمفكرين أن الدين الطبيعي هو الدين النموذجي لأصحاب العقول ولصفوة الناس، إلا أن هيوم يجعل من هذا الإيمان إيماناً غير توحيدي وغير خالص؛ نظراً لاختلاطه بثلة من التصورات عن الطبيعة الإلٰهية، ومن ثم فإنه يسقط فيما سقطت فيه الديانات الشعبية والعامية. فحتى الدليل الغائي يظل ناقصاً وغير قوي بما يكفي، شأنه في ذلك شأن البرهان الكوني اللاهوتي؛ لأن القول بعقل أو ذكاء أسمى يحكم العالم والوجود، ويكون مماثلاً للذكاء البشري ويتجاوزه من حيث الدرجة؛ ما هو ـ بحسب هيوم ـ إلا تعبير عن رغبة المثقفين والمفكرين في التأكيد على نجاح أبحاثهم وفرضياتهم، وعلى قدرتهم على فهم العالم، وفك ما يكتنفه من غموض وإلغاز. وهذا ما يفسر لنا رفضه لما قال به جون لوك من أن الإيمان بالدين الطبيعي هو إيمان بالعقل وهو جزء من الفلسفة، وإيمان أيضاً بأن للعقل القدرة على التحكم في الحياة واكتشاف النظام والانتظام المميزين للكون(69)

لقد شكلت عقلانية الدين إحدى أبرز القضايا التي عنى بها هيوم، ولو تساءلنا معه هل الدين ممكن عقلانياً؟ لكان جوابه بالنفي؛ لأن المرتكزات التي يقوم عليها الدين هي في الأصل غير عقلية؛ وهي الإيمان بإله قوي فعال لما يريد وخيّر الإرادة، ذي خطة وعناية بالكون وبسائر الموجودات، إضافة إلى الإيمان بخلود النفس وبالمعجزات... إلخ، فعدّ كل ذلك أدلة وبراهين على وجود الإله لا يعدّ فعلاً عقلانياً على الإطلاق. يقول هيوم: «أنتم تصادفون بعض الظاهرات في الطبيعة، فتبحثون عن سبب أو صانع، وتتخيلون أنكم عثرتم عليه. ثم يأخذكم الشغف بمخلوق دماغكم هذا إلى حد أنكم تتخيلون أنه من الممتنع ألا يُحدِث بالضرورة شيئاً ما أكبر وأكمل من مسرح الأشياء الراهن المفعم بالشر والفوضى. وتنسون أن هذا الذكاء وهذا الخير الفائقين هما من صنع الخيال بالتمام، أو أنهما على الأقل من دون أساس معقول»(70). إذن، كيف يمكن أن نجعل من أمور لا نملك الدليل عليها هي نفسها أدلة لإثبات قضية أخرى؟

من أجل البحث عن حل لهذا الإشكال نجد أن هيوم قد ضرب كل الأدلة عرض الحائط، وأكد على أنها جد ضعيفة، ويمكن الطعن فيها ببساطة وبداهة تامتين إذا ما تم الاحتكام للعقل. ويقدم مجموعة من البراهين المضادة للدليل الوجودي والدليل الغائي؛ لكونهما من أشهر الأدلة التي يبني عليها المتدينون إيمانهم.

في نقده للدليل الوجودي انطلق هيوم من التأكيد على أن أي شيء نتصوره موجوداً يمكننا أن نتصوره غير موجود؛ ومن ثم فلا أساس لمقولة «واجب الوجود» عنده، فكل الموجودات سواء بالنسبة إليه، وجميعها تدخل في حيز الإمكان فقط. ومنه «فليس ثمة موجود ينطوي لا وجوده على تناقض. ومن ثم ليس ثمة موجود وجوده قابل للبرهنة»(71). أما المسؤول عن فكرة الموجود الواجب واللازم فهو الخيال الذي يزود معارفنا ببعض الخصائص والصفات، من قبيل القدرة والحكمة والعلم إلى غير نهاية، ويجعلنا نتصور أنها تجتمع في كائن تام وكامل هو الإله؛ لكن هذا الخيال الذي أتاح لنا القدرة على تخيل وجود إله بهذه المميزات، بإمكانه أن يُسعفنا في تخيل لا وجوده أصلاً. وبهذا يستحيل ـ بحسب هيوم ـ البرهنة على وجود كائن يكون وجوده ضرورياً.

أما فيما يخص دحضه للدليل الغائي، الذي يتأسس على وجود غائية وقصدية في الكون، وأنه خاضع لعناية قوة ذكية ومدبرة وحكيمة هي الإله؛ فإن هيوم يرى أن «القصدية وملاءمة الوسائل للغايات يمكن أن تكون آتية من انتظام طبيعي متأصل في المادة، أو من قبيل المصادفة، أو ربما تكون آتية من تعاون جماعة من الآلهة، أو أنها لم تنشأ من تخطيط إلٰهي، بل عن تجارب الطبيعة البطيئة المتخبطة خلال آلاف السنين؛ أي نتيجة الانتخاب الطبيعي، أو أن الله مجرد نفس كلية أو قوة نامية كالقوة التي تحدث النظام في النبات بلا وعي أو قصد»(72). ثم إن الدليل الغائي يقوم على المماثلة بين قدرات وإمكانات الإله اللامحدودة واللانهائية، وبين قوى الإنسان العاجز والناقص؛ وهو ما يصعب تقبّله ولو بمنطق لاهوتي غير عقلي.

كما أن الدليل الغائي يعيد طرح القضية الشهيرة التي أثارها أبيقور من قبل حول أهلية الإله للحيلولة دون حدوث الشر: «أهو مريد لاجتناب الشر ولكنه غير قادر على ذلك؟ وإذن فهل هو عاجز؟ أهو قادر ولكنه غير مريد؟ وإذن فهو حقود؟ أهو قادر مريد معاً؟ فمن أين أتى الشر إذن؟»(73). ويحاول هيوم الحسم في هذه القضية بالتأكيد على الطابع الشرير والعنيف للعالم، وأن الحرب والعنف هما الأصل في كل شيء؛ وذلك لأن «الإنسان هو أعظم عدو للإنسان، وبالاستبداد والظلم والزراية والهوان والعنف والشغب والحرب والثلب والخيانة والغدر، بهذه جميعاً يعذب الناس بعضهم بعضاً، وسرعان ما يفُضُّون هذا الذي كونوه ما لم يهلعوا من رزايا أشد وطأة»(74).

على العموم، يمكننا أن نلخص موقف هيوم من الدين بالقول: إنه غير ممكن عقلياً بالنسبة إليه؛ وذلك لتفنيده لأهم عقيدتين يقوم عليهما كل تصور ديني؛ الأولى تهم وجود إله واحد ووحيد قوي وذكي، له عناية بهذا الكون وخطة محكمة فيه. أما الثانية فتتعلّق بخلود الروح، حيث «يذهب هيوم إلى أن الموت هو عدم تام؛ لأن الطبيعة تؤكد أن الروح والبدن مرتبطان معاً من البداية حتى النهاية، من المولد فالطفولة إلى الصبى والشباب حتى الكهولة والشيخوخة، وكل منهما يتوافق مع الآخر ويلازمه تلازماً طردياً، بشكلٍ يصعب معه الفصل بينهما، مما يؤكد أن النفس أو الروح تفنى بفناء الجسد، ومن ثم فلا معنى لوجود ثواب وعقاب أبديين»(75)

هذا بالإضافة إلى مسألة أخرى لا ينبغي إغفالها، وهي رفض هيوم للمعجزات؛ إذ يرى أنه لا معنى لحدوث ظواهر معجزة تخترق قوانين الطبيعة، وحتى وإن حدثت، فلا ينبغي اتخاذها برهاناً على أنها من عند الإله، ومن ثم صحة الدين الذي يأخذ شرعيته من وجود هذا الإله.

على سبيل الختم:

يعدّ ديڤيد هيوم من الفلاسفة القلائل الذين تركوا بصمة قوية في تاريخ الفلسفة والعلم، فهو من الآباء الروحيين للنزعة التجريبية، ومن أكثر من تصدى للميتافيزيقا في العصر الحديث، كما أن تأثيره كان واضحاً على الفلسفة، أو لنقُل: على الفلسفات التي أتت من بعده، خاصة ما جاء به كانط، وأكثر من ذلك تأثيره في الوضعية المنطقية؛ التي جاءت بمبدأ التحقق التجريبي في المعرفة والعلم، ماتحة من معين فلسفة هيوم، وباقي التجريبيين الآخرين.

كثيرة هي الميادين المعرفية التي بزغ فيها نجم ديڤيد هيوم، أكثرها شهرة هو ما جادت به قريحته في نظرية المعرفة، واعتماده على التجربة والحس والإدراك كأسس لقيام أية معرفة، ضارباً عرض الحائط بكل النظريات والمقولات الميتافيزيقية التي لا أساس حسياً لها، جاعلاً منها معرفة عقيمة وعديمة الجدوى. وهذه الشهرة التي عرفها في هذا المجال كانت وراء عدم اهتمام الكثيرين بما جاء به هيوم في ميادين أخرى، ونخصُّ هنا بالذكر فلسفته في الدين، ونظريته في التاريخ الطبيعي للدين.

قد لا يستسيغ البعض هذا الجمع بين «ديڤيد هيوم» و«الدين» والحديث عنهما كثنائية؛ لأن ما يصوره لنا تاريخ الفلسفة هو أن هيوم كان من أشد أعداء الدين والميتافيزيقا، وكان يدعو إلى حرق جميع الكتب والمؤلفات التي تحوي كلاماً من هذا القبيل. والحقيقة أن هذه الفكرة هي التي تبدّت لنا من خلال هذا البحث في فلسفة الدين عند هيوم. فقد لامسنا كيف بحث في تاريخ الدين مركزاً على تاريخه الطبيعي، كأنه يُنزله من برجه العالي والمقدس ليبحث فيه بما هو ظاهرة إنسانية كغيرها من الظواهر الأخرى، التي ينبغي الغوص في تاريخها واستجلاء أبرز معالمها ومصادرها دون أن تتحكم فينا، وذلك لن يتم دون نزع القداسة عنها، وهو ما قام به هيوم. فرغم تصديه القوي للدين كعقيدة، وطعنه في جميع الحجج التي أسس عليها المتدينون إيمانهم؛ فإن ذلك لم يثنه عن الاهتمام به كمبحث فلسفي يستحق أن يُفكَّر فيه وأن يُتفَلسَف حوله.

إن ما جاء به هيوم يعد من التصورات المؤسسة في فلسفة الدين عموماً، وفي الدين الطبيعي خصوصاً وما تطرقنا إليه من مواضيع وإشكاليات يعطينا فكرة واضحة عن أصالة هيوم وجدته في دراسة قضايا فلسفية حول الدين. وذلك من قبيل علاقة الدين بمفهوم السببية، وعقلانية السلوك الديني، ثم البحث في أصل ونشأة الدين، وإثارة بعض الإشكالات حول الأديان التعددية والتوحيدية وعلاقتها بالتعصب والتطرف الديني... وغيرها من المواضيع الأخرى التي انبرى لها هيوم وحاول استكناهها وتقصّي حقيقتها.

هذا دون الخوض في بعض المؤاخذات التي يمكن تسجيلها حول منهج هيوم في دراسة الدين، خاصة ما يتعلّق بالناحية التاريخية التي اتضح لنا من خلالها أن هيوم قد أغفل ـ أو ربما غيّب ـ بعض القضايا والوقائع التاريخية التي تعطينا أفكاراً مهمة حول نشأة العقيدة الدينية، كما تجاهل الحديث عن بعض الديانات البدائية من قبيل «الزرادشتية» والتي كانت ستغيّر الكثير من الأمور حول تصوره لتأرجح الإنسان بين التوحيد والتعددية، ولأي منهما كان السبق التاريخي.

على العموم، يمكننا أن نؤكد أن فلسفة الدين عند هيوم تعد من الفلسفات الأكثر تأثيراً في تاريخ اللاهوت الفلسفي، وذلك من خلال ما جاء به من أفكار قوية عارض بها الدوغماطيقية التي لطالما كانت راسخة لسنوات عديدة، وأيقظ بها الكثير من العقول من ارتياحها وطمأنينتها لعديد من الأفكار والتصورات التي تهم مجال الدين والعقيدة. كما أن معارضته الشديدة لمواقف بعض الفلاسفة من الدين ـ من أمثال جون لوك وسبينوزا ولايبنتز ـ قد جعل تأثيره يطال حتى الفلاسفة وعلماء اللاهوت الذين أتوا من بعده، إذ كان لزاماً عليهم أن يبنوا صرح أفكارهم انطلاقاً مما أسس له هيوم، والاعتماد على قواعد أخرى غير تلك التي قوضها وهد دعائمها.

...............

المراجع والمصادر والهوامش:

(1)جيمس، وليم: «العقل والدين»، ترجمة: محمود حب الله، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان ـ بيروت. (دون تاريخ النشر أو رقم الطبعة) ص 5.

(2)  O’Connor, David, (2001): “Hume on Religion”, op. cit, p. 212.

(3)  هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين» نقله إلى العربية: حسام الدين خضور، الطبعة الأولى، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق ـ سورية، ص 52.

(4)  ديورانت، ول (1982): «قصة الفلسفة»، ترجمة: الدكتور فتح الله محمد المشعشع، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف، بيروت، ص 147.

(5)  لاغريه، جاكلين (1993): «الدين الطبيعي»، ترجمة: منصور القاضي، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ص 80.

(6)  الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 7.

(7)  O’Connor, David, (2001): “Hume on Religion”, op. cit, p. 8.

(8) ـ هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 7.

(9)  برغسون، هنري (1971): «منبعا الأخلاق والدين»، ترجمة: سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، (من دون رقم الطبعة)، ص 113.

(10) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 9.

(11) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 94.

(12) المصدر السابق، ص 95.

(13) المصدر السابق، ص 9.

(14) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 15.

(15) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 11.

(16) المرجع السابق، ص 54.

(17) المرجع السابق، ص 55.

(18) المرجع السابق، ص 65 ـ 66.

(19) المرجع السابق، ص 69.

(20) المرجع السابق، ص 70.

(21) المرجع السابق، ص 83 ـ 84.

(22) المرجع السابق، ص 70.

(23) المرجع السابق، ص 71.

(24) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 72.

(25) O’Connor, David, (2001): “Hume on Religion”, op. cit, p. 32.

(26) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 104.

(27) المرجع السابق، ص 107.

(28) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 95.

(29) برغسون، هنري (1971): «منبعا الأخلاق والدين»، مرجع سابق، ص 113.

(30) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 19.

(31) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 23.

(32) المرجع السابق، ص 26.

(33) المرجع السابق، ص 28.

(34) المرجع السابق نفسه، ص 28.

(35) المرجع السابق، ص 29.

(36) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 23.

(37) المرجع السابق نفسه.

(38) نحن نرى، في هذا الإطار، أنه لا يمكن للإنسان ألا يتدين، وأن الإيمان خاصية إنسانية، وندعم تصورنا هذا بما أكده هربرت سبنسر حول إيمان الملاحدة، وحديثه عن المعنى المفارق للدين؛ والذي يتأسس على التسليم بوجود علة وراء هذا الكون، من دون الخوض في تحديد ماهيتها أو حقيقتها.

(39) لاغريه، جاكلين (1993): «الدين الطبيعي»، مرجع سابق، ص 50.

(40) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 32.

(41) المرجع السابق، ص 44.

(42) Pascal, Blaise (1963): “Pensées”, collection “Le Livre de Poche’’ Editions Gallimard, Paris. p. 329.

(43) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 44.

(44) Mircea, Eliade, (1965): “Le sacré et le profane”, Collection FOLIO/ ESSAIS, n°. 82, Editions Gallimard, Paris. p. 88.

(45) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 46.

(46) Diel, Paul (1971): “La Divinité”, Éditions Petite Bibliothèque PAYOT, N° 184, Paris, p. 165.

(47) Frédéric, Worms (2000): “Le vocabulaire de Bergson” Edition Ellipses, Paris. p. 50.

(48) Pascal, Blaise (1963): “Pensées”, op. cit, p. 252.

(49) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 48.

(50) المرجع السابق، ص 75.

(51) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 21.

(52) فروم، إريك (2003): «الدين والتحليل النفسي»، ترجمة: فؤاد كامل، دار غريب للطباعة، القاهرة، مصر، ص 36.

(53) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 75 ـ 76.

(54) فروم، إريك (2003): «الدين والتحليل النفسي»، مرجع سابق، ص 38.

(55) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 80 ـ 81.

(56) المرجع السابق، ص 82.

(57) المرجع السابق، ص 93.

(58) المرجع السابق، ص 107.

(59) المرجع السابق، ص 116.

(60) المرجع السابق، ص 116 ـ 117.

(61) هيوم، ديڤيد (1980): «محاورات في الدين الطبيعي»، ترجمة: محمد فتحي الشنيطي، دار الحداثة ـ بيروت، ص 156.

(62) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 13.

(63) ابن سينا، أبو علي: «الإشارات والتنبيهات›› مع شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق: سليمان دنيا، القسم الثالث، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر، القاهرة (دون تاريخ) ص 27.

(64) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 17.

(65) هيوم، ديڤيد، (2014): «التاريخ الطبيعي للدين»، مرجع سابق، ص 17.

(66) المرجع السابق، ص 18.

(67) ابن سينا، أبو علي: «الإشارات والتنبيهات»، مرجع سابق، ص 44.

(68) O’Connor, David, (2001): “Hume on Religion”, op. cit, p. 11.

(69) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 24.

(70) هيوم، ديڤيد (2008): «مبحث في الفاهمة البشرية»، ترجمة: موسى وهبة، الطبعة الأولى، دار الفارابي، بيروت ـ لبنان. ص 186.انظر: Hume, David (2007): “An Enquiry Concerning Human Understanding”, First Published, Oxford University Press, New York, p. 100.

(71) هيوم، ديڤيد (1980): «محاورات في الدين الطبيعي»، مرجع سابق، ص 157.

(72) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 26 ـ 27.

(73) هيوم، ديڤيد (1980): «محاورات في الدين الطبيعي»، مرجع سابق، ص 172.

(74) المرجع السابق، ص 166.

(75) الخشت، محمد عثمان: «الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم»، مرجع سابق، ص 29.

 

 

أخبار ذات صلة