كتاب الاقتباس من القرآن الكريم للثعالبي

القران.jpg

بلال الأرفه لي وموريس بومرانتز

غالباً ما تناول الباحثون خصائص القرآن الأدبيّة، وقد ناقش عدد غيرُ قليلٍ من الدراسات المعاصرة المجازَ القرآنيّ وقصصَه، ولعلّ من أشهرها (التصوير الفنّيّ في القرآن) لسيّد قطب (ت: 1966م) و(الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم) لمحمّد أحمد خلف الله (ت: 1983م)(1). تُحاكي هذه الدراسات ـ بكثير من وجوهها ـ تراثاً غنيّاً من الأعمال القديمة، كتلك التي صنّفها أبو الحسن الرمّاني (ت: 384هـ/994م)، وأبو سليمان الخطّابي (ت: 388هـ/998م)، وأبو بكر الباقلّاني (ت: 403هـ/1013م)، وعبد القاهر الجرجاني (ت: 471هـ/1078م) وسواهم، ممّن اجتهدوا في وصف خصائص القرآن الأدبيّة لدى تناولهم قضيّة الإعجاز.

على أنّ العلاقة بين الأدب العربيّ والقرآن لا يختصرها تحلّي نصّ الوحي ببعض المزايا الأدبيّة؛ فقد أثّر القرآن بدوره بالأدب. وفي هذا المجال خصّصت كلّ من ابتسام مرهون الصفّار ووداد القاضي دراساتٍ عدّة لمعالجة أثَر القرآن في تطوّر الأدب العربيّ(2)، فيما بحث محمّد زغلول سلّام في تأثير القرآن على تطوّر النظريّة النقديّة العربيّة القديمة في كتابه (أثر القرآن في تطوّر النقد العربيّ)(3).

أمّا بحثنا هذا فيتناول استعمال القرآن في الأدب العربيّ من خلال اقتباس آياته والإلماح إليها، ويرتكز ـ بشكل رئيس ـ على كتاب الاختيارات المـُسمّى (الاقتباس من القرآن الكريم) لأبي منصور الثعالبي (ت: 429هـ/1039م). وقد استعان العلماء القدماء بمصطلحات متنوِّعة في إشارتهم إلى أنواع استعمال آي القرآن والاستعارة منه، كالسرقة والاختلاس، والنزع والانتزاع، والتضمين، والعقد، والاستشهاد، والتلويح والتلميح والإشارة، والاستعارة، والاستنباط، والاستخراج، أو الاقتباس، وهو المصطلح الأشهر(4).

كان تضمين الاقتباسات القرآنيّة في الشعر والنثر شائعاً في الإسلام منذ عهد النبيّ، بشهادة أقوال الصحابة وشِعرهم(5). وقد كثرت في الشعر التلميحات لا الاقتباسات الحرفيّة بسبب ضرورات الوزن والقافية، وهذا مُتوقَّع؛ ذلك أنّ الآيات القرآنيّة لا تتناسب غالباً ونظام الوزن في الشعر العربيّ بلا تعديلات، هيّنة كانت أم أساسيّة(6). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ حكمت فرج بدري قد ألّف قاموساً قيِّماً أورد فيه كلّ الآيات القرآنيّة المقتبَسة حرفيّاً في الشعر؛ أي تلك العبارات القرآنيّة التي توافق نظام الأوزان الشعريّة(7).

الآراء حول الاقتباس

بدورهم اهتمّ الأدباء والنقّاد القدماء بتضمين القرآن في الأدب، حتّى إنّ الكاتب الأمويّ المشهور عبد الحميد الكاتب (ت: 132هـ/750م) عدّ القرآن على رأس قائمة المعارف المطلوبة من كُتّاب الدواوين في الدولة(8). وأقْدم ما صُنِّف في الاقتباس هو كتاب سرقات الكميت من القرآن لمحمّد بن كُناسة (ت: 207هـ/822م) لكنّه للأسف لم يصلنا،(9) وإن كان عنوانه يوحي بأنّ مصنِّفه رأى في الاقتباس من القرآن نوعاً من السرقة الأدبيّة، ولا يؤدّي مصطلح السرقة هنا معنى مُحِطّاً بالضرورة(10). من جهته خصّص ابن داود الأصبهاني (ت: 297هـ/909م) الجزء الثالث والتسعين من كتاب الزهرة لـ «ذِكر ما استعارته الشعراء من القرآن وما نقلته إلى أشعارها من سائر المعاني»(11). فيما نصح إبراهيم بن المدبّر الشيباني (ت: 298هـ/911م) في الرسالة العذراء بأن يتقن الكُتّاب «نزع آي القرآن في مواضعها واجتلاب الأمثال في أماكنها»(12). وكذا كرّس حمزة الأصفهاني (ت: 360هـ/970م) فصلاً لاستعمال أبي نواس (ت: نحو 200هـ/815م) للتعابير والصوَر القرآنيّة في شعره(13). وفي مقولة لأبي حيّان التوحيدي (ت: 414هـ/1023م) محفوظة في كتاب ثمرة الأوراق لابن حجّة الحموي (ت: 838هـ/1434م) إشارة إلى أنّه كان يلزم الكاتب أن يحفظ القرآن لينتزع من آياته متى شاء(14)

ولعلّ أقدم كتاب وأشمله عن الاقتباس موضوعاً مستقلّاً هو الاقتباس من القرآن الكريم للثعالبي الذي سنناقشه أدناه بالتفصيل. فبالفعل صارت كلمة الاقتباس كما استعملها الثعالبي هي الكلمة الاصطلاحيّة عند الإشارة إلى الأخذ عن القرآن في كتب الأدب. والاقتباس هو استشهاد أو استعارة من القرآن أو الحديث مع إحالة صريحة على الأصل المأخوذ عنه أو دونها، ومعناه «أخذ جمرة أو قبس من نار مشتعلة».

ويبدو أنّ كتاب الانتزاع من القرآن ـ الضائع لسوء الحظّ ـ يعالج بدوره قضيّة الاستعارات من القرآن،(15) وهو منسوب لأبي سعد الآمدي (ت: 433هـ/1042م) المعاصر للثعالبي. وبالعنوان نفسه، بين أيدينا اليوم مخطوط لكتاب انتزاعات القرآن العظيم للكاتب الفاطمي أبي القاسم عليّ بن الصيرفي (ت: 542هـ/1147م)، وفيه استعراض للآيات التي يمكن للكُتّاب استعمالها في تقديمهم مواضيع شتّى(16). وقد تحوّل الاقتباس لاحقاً إلى موضوع شائع في كتب الأدب والبلاغة(17).

عموماً، لم يُواجَه استعمال الاقتباسات من القرآن بالاعتراضات في أوساط الأدباء، ومن اللافت أيضاً أنّ معظم الفقهاء بدورهم استحسنوا الاقتباس؛ لكنّ عدداً آخر من العلماء عارضوه من جهتهم، حتّى قبل تصنيف الثعالبي المفصَّل في الموضوع. وكان المعارض الأوّل ـ كما يُزعَم ـ هو الحسن بن يسار البصري (ت: 110هـ/728م) الذي ينقل رأيه أبو العبّاس شهاب الدين القلقشندي (ت: 821هـ/1418م) في موسوعته صبح الأعشى(18) وقد شجب بعض المتكلّمين كالباقلّاني الاقتباس إذا ورد في الشعر فيما لم يعارضه حال وروده في النثر(19)، وهو رأي تبعه عليه آخرون في مصنّفات لاحقة(20). وعدّ آخرون الاقتباس مشروعاً إذا صرّح الكاتب به في موضعه. ينقل ضياء الدين بن الأثير (ت: 637هـ/1239م) أنّ بعضهم يرى هذا الرأي وإن كان هو نفسه يخالفه(21) وذهب غيرهم إلى أنّه يصحّ استعمال آيات القرآن في النثر من خلال الاقتباس الحرفيّ المباشر فقط، وهذا يعني أنّه بالنسبة لهؤلاء ليس الإلماح ولا إعادة الصياغة مسموحَيْن(22). وعدّ عليّ بن خلف الكاتب (ت: القرن الخامس/الحادي عشر) مثلاً أنّ بيت الشعر الذي يتضمّن آية قرآنيّة أدنى درجة على الدوام من الأصل القرآنيّ لناحية البلاغة، مؤيِّداً بذلك الاقتباس المباشر(23). وكان علماء المالكيّة من جهتهم أشدّ انتقاداً للاقتباس عموماً، حتّى إنّ بعضهم عارض كلّ أنواع الاقتباس وعدُّوه كفراً(24).

وبحلول القرن الثامن / الرابع عشر صارت مناقشة مشروعيّة الاقتباس أكثر تشعّباً وتفصيلاً؛ تناول العالِم الشاذلي داود بن عمر بن إبراهيم الباخلي (ت: نحو 730هـ/1329م) هذه القضيّة بالتفصيل في كتابه اللطيفة المرضيّة بشرح دعاء الشاذليّة، طارحاً إشكاليّات عدّة؛ كإمكانيّة استعمال الاقتباس في النثر بمعنىً سوى الذي يُقصَد إليه في أصله القرآنيّ، أو إمكانيّة أن يتصرّف المرء في ترتيب الكلمات المقتبَسة أو في صياغتها. ويبدو أنّ الباخلي كان يرى جواز الاحتمالين مستشهداً بأقوال عديدة لدعم هذا الرأي، ويُمثّل الباخلي على ذلك بأمثلة عن أنواع الاقتباس مأخوذة من أدباء متقدِّمين(25).

وعلى هدي عبد العزيز صفيّ الدين الحلّي (ت: نحو 750هـ/1349م) جعل عدد من النقّاد ـ أمثال تقيّ الدين بن حجّة الحموي (ت: 838هـ/1434م) ـ الاقتباس ثلاثة أنواع: المقبول، كما في الخطب والرسائل والعهود. والمباح، كما في الغزل والقصص والكتب. والمردود حال الاستشهاد بالقرآن بشكل عبثيّ غير موقِّر(26). حتّى إنّ الثعالبي نفسه ـ وهو المدافع الشرِس عن الاقتباس ـ خصّص صفحات قليلة في كتابه لشجب الاقتباس المكروه(27)

وناصَرَ جلالُ الدين السيوطي (ت: 911هـ/1505م) بدوره ظاهرة الاقتباس، وألّف كتاب مختارات في الموضوع هو أحاسن الاقتناص في محاسن الاقتباس(28) ضمّنه أبياته الشعريّة التي تحوي أمثلة على الاقتباس مرتِّباً إيّاه أبجديًّا على حروف القافيّة. ويصرّح السيوطي في مقدّمة عمله هذا بأنه لم يستعمل الاقتباس بما لا يليق بآي كتاب الله، وأنه يخالف بشدّة من يفعل ذلك. وقد أتى على ذِكر الاقتباس في أعمال أخرى له كالإتقان في علوم القرآن، وشرح عقود الجمان، ورفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس، وكذا في مقاماته، ناقلاً آراء فقهيّة مختلفة حول مشروعيّة هذه الظاهرة الأدبيّة، مُبرزاً أمثلة عدّة على أنواعها(29) في رسالته الإفتائيّة رفع الباس مثلاً، يعالج أسئلة عدّة كجواز استعمال الاقتباس في الصلاة (غير الجائز إجمالاً)، أو في حال عدم الطهارة (الجائز إجمالاً)، أو تغيير حرفيّة نصّ القرآن في الاقتباس (الجائز إجمالاً)، أو تبديل سياق الآية ومعناها (الجائز إجمالاً)، أو استعمال الاقتباس في الشعر (الجائز إجمالاً).

من جهته، وضع المفتي الشافعي شمس الدين محمّد بن أبي اللطف (عاش 992هـ/1584م) رسالة إفتائيّة بعنوان (رفع الالتباس عن منكر الاقتباس) وقد وصلتنا بنُسَخ مختلفة في غير مخطوطة(30)، وتقع في بابين: الأوّل «في بيان جواز الاقتباس بلاغةً وشرعاً» والثاني: «في بيان الأدلّة على الجواز». وقد ذكر ابن أبي اللطف في رسالته هذه انّه ترامى إلى مسامعه أنّ أحدهم استنكر الاقتباس كلّيّاً، ما دفعه إلى الردّ على هذا الرأي مستعملاً الأدلّة الفقهيّة المستندة إلى الأحاديث وإلى آراء جمع غفير من علماء الحنفية والشافعية والمالكية (محدّثون ومفسّرون وفقهاء) وشروحاتهم، ومنهم عبد الله بن عمر البيضاوي (ت: 685هـ/1286م)، ومظفّر الدين بن الساعاتي (ت: 694هـ/1295م)، وشرف الدين الحسن بن محمّد الطيبي (ت: 743هـ/1342م)، والسيوطي والتفتازاني (ت: 792هـ/1390م)، علاوة على آراء الأدباء أمثال أبي محمّد القاسم الحريري (ت: 516هـ/1122م)، وعبد المؤمن الأصفهاني (ت: نحو 600هـ/1204م)، وأبي بكر محمّد بن نباتة (ت: 768هـ/1366م)، وآرائه هو نفسه.

دوافع الاقتباس

يعسر تمييز سبب واحد بعينه يجيب عن سؤال: لماذا استعمل الأدباء القرآن في أعمالهم الأدبيّة؟ فقد كان درْسُ القرآن وحفظه جزءًا من التحصيل التعلّميّ منذ الطفولة، وعليه، كان الطلّاب ومع المِران المتكرِّر يتشرّبون التعابير القرآنيّة إلى أن يألفوها ويعتادوها، فيستعملوها تلقائيّاً في كتابتهم فيما بعد. ولا يخفى أنّ امتياز العربيّة ـ لكونها لغة الدولة والمجتمع والدين ـ أسهم بدوره في توسيع الاهتمام بنصّ القرآن والانكباب على تعلّمه(31). كما أنّ القرآن ـ بالدرجة الأولى ـ هو نصّ مقدّس يستهدي به المسلمون ويرَون فيه قمّة البلاغة المعجزة(32). يرى ابن خلف الكاتب مثلاً أنّ الدافع الأبرز إلى الاقتباس هو طلب الثواب(33). وقد عمد آخرون ـ لا سيّما الكُتّاب منهم ـ إلى توشية أعمالهم بالإحالات القرآنيّة؛ لإثبات موهبتهم وتمكّنهم في تبنّي لغة القرآن وثيماته. ويمكن للمرء تقدير الاقتباس من القرآن أو الإحالة عليه؛ لكونه كتاباً محفوظاً في الصدور، ومن السهل التعرّف على آية منه. وكما تعكس تقريرات عبد الحميد وابن المدبّر والتوحيدي؛ ففي القرن الرابع / العاشر استحال تطعيم الكتابة بأبيات الشعر وآي القرآن والأمثال ضرباً من التقنيّة الفنيّة، التي كانت تضع أهليّة الكاتب على محكّ الاختبار(34). وكما يذكر القلقشندي، كانت آي القرآن تُستعمل لتصديق الحجج التي يطرحها صاحبها، بما يكفل له إقامة أدلّة قاطعة على مزاعمه ورؤاه بإيجاز مُفحِم(35).

على أنّ الاقتباس من القرآن لم يكن فعل إيمان يُقصَد منه التقرّب إلى الله، ولا مجرّد وسيلة لإثبات حجّة أو ترجيح رأي فحسب؛ في حالات معيّنة كان الاقتباس أداة تهكّميّة تستهدف نصّ الوحي مُحاكية مفاهيمه وثيماته بسخرية، كما في شعر المجون لبشّار بن برد (ت: 168هـ/784م) ولأبي نواس مثلاً، كما استُعمِل القرآن أحياناً في سياقات هزليّة؛ كقصص الطفيليين والبخلاء، وفيها يقتبس هؤلاء من القرآن كي لا يُطردوا من المجالس والحفلات أو ليغنموا الطعام، وتُساق هذه الاقتباسات عادةً جنباً إلى جنب مع إيحاءات جنسيّة أو تعريضات فاحشة. يتحوّل النصّ المقدّس في هذه القصص عن عالم المرجعيّة المهيبة إلى عالم اللهو والمحاكاة الساخرة، كما يذهب كلٌّ من فدوى مالطي ـ دوغلاس وغيرت جان ڤان غيلدِر وأولريش مارزولف في دراساتهم(36). وينوّه ڤان غيلدِر بأنّ الشعراء ـ والأدباء بدائرة أوسع ـ يتلقّفون السخرية والهزل كي يصدموا جمهورهم، وليس أنسب من الاقتباسات القرآنيّة لترك أثَر مماثل؛ فهي مفضوحة وصارخة وواضحة(37)

يطعِّم الأدباء قِطَعَهم الأدبيّة بالآيات القرآنيّة مُستحضرين بلاغة القرآن للارتفاع بالأسلوب فيها، سواء في النثر أم الشعر. وقد شدّد الثعالبي على أنّ الاقتباس من القرآن كان قراراً واعياً يتّخذه الكاتب، ولمّح الثعالبي إلى محاولات تحدّي تفوّق القرآن الأدبيّ فيما عُرف بمعارضة القرآن. في فترة إسلاميّة مبكرة كان بإمكان الكاتب أن يبرهن على موهبته بمحاولته تقليد القرآن، على طريقة الشاعر الذي قد يرمي إلى إثبات تمكّنه من خلال محاكاته قصيدة مشهورة، أمّا بعد أن بدأت فكرة الإعجاز تتبلور مع إبراهيم بن سيّار النظّام (ت: بعد 220هـ/835م) قد صار الأدباء أكثر تحفّظاً في محاكاة القرآن.

كتاب الاقتباس للثعالبي

لا يذكر الثعالبي في مقدِّمة هذا الكتاب السبب الذي دعاه إلى تأليفه، ولعلّه كان الترويج لاستعمال القرآن للتنميق الأدبيّ في المصنّفات العربيّة، وكما في كثير من مصنّفاته في الاختيار فإنّ مقاصد الثعالبي التأليفيّة في (الاقتباس) عمليّة لا نظريّة؛ ففيه لا يقدِّم الآراء حول صحّة الاقتباس مثلاً، ويبدو غير مهتمّ بالخوض في الإشكاليّات الفقهيّة أو القضايا الكلاميّة المتعلّقة بالموضوع، والتي طرحها علماء آخرون من معاصريه وسواهم وقد ذكرناها أعلاه؛ بل إنّه في الواقع يسِم محاولات معارضة القرآن بالفشل والإخفاق:

ولمـّا اتّسع نطاق الإسلام، وامتدّ رواق الإيمان، وأثبت في الآفاق شعاع الدين، واستضاءت القلوب بنور اليقين، لم يتعرّض لمعارضة القرآن مِنْطيق(38) مُدْرَهٌ (39)، ولا شاعر مُصْقَعٌ(40) إلّا ختم على خاطره وفنّه(41)

مشدِّداً بوضوح على أنّ أقصى ما يستطيعه المرء هو أن يستعير كلماته ومعانيه من القرآن:

وإنّما قصارى المتحلّين بالبلاغة، والحاطبين في حبل البراعة أن يقتبسوا من ألفاظه ومعانيه في أنواع مقاصدهم، أو يستشهدوا ويتمثّلوا به في فنون مواردهم ومصادرهم، فيكتسي كلامهم بذلك الاقتباس معرضاً ما لحسنه غاية، ومأخذاً ما لرونقه نهاية، ويكسب حلاوة وطلاوة ما فيها إلّا معسولة الجملة والتفصيل، ويستفيد جلالة وفخامة ليست فيهما إلا مقبولة الغرّة والتحجيل(42)

ويدعم الثعالبي رأيه بجواز الاقتباس بإشارته إلى اقتباس النبيّ نفسه من القرآن في كثير من أقواله، ثمّ يؤكّد على أنّ أفراداً آخرين تبعوا النبيّ على ذلك، من صحابته والتابعين ومن جاء بعدهم وصولاً إلى زمانه هو(43)

ولا نقع في هذا الكتاب على تعريف شامل للاقتباس، وهو ما قد يدفعنا إلى ترجيح كون الثعالبي كتبه وبين يديه تعريف مأثور أو مشهور لم يجد حاجة إلى إثباته. والجدير بالملاحظة أنّه على ما يبدو رأى الاقتباس مشتملاً على: (1) أخذ الألفاظ، (2) واستعارة المعاني. فهو عندما يتناول اقتباس عليّ بن أبي طالب يضمِّن أمثلة على استعارات لمعانٍ لا لألفاظ قرآنيّة بحرفيّتها(44)

هيكليّة كتاب الاقتباس للثعالبي ومضمونه

الاقتباس من القرآن للثعالبي هو أوّل كتاب مُفرَد لموضوع الاقتباس من القرآن، ونظراً لتفشّي ظاهرة الاقتباس من القرآن في الأدب والكلام العربيّين، كان على الثعالبي جمع ما تفرّق من موادّ متنوّعة وترتيبها في نسَق شيِّق ومفيد.

ويُقرِّ الثعالبي في مقدِّمة الكتاب بأنّه قد عقد العزم على تصنيف هذا الكتاب في الاقتباس غير مرّة؛ لكنْ لم يكن يجد وقتاً لإنهائه. يُفصِّل الثعالبي كيف كان يمضي يوماً في تأليفه، ثمّ يضعه جانباً لأيّام، أو ينكبّ عليه شهراً ثم يتركه سنة. وجرياً على العادة المتّبعة عند وضع المقدِّمات، يشكر الثعالبي راعيه تالياً: حاكم نيسابور الأمير وصاحب الجيش، أبا المظفّر نصر بن ناصر (ت: 412هـ/1021م)؛ لِما قدّمه له من دعم مكّنه من إنهاء عمله هذا(45). والمصنِّف وإن كان في خطابه هذا يتبع عُرفاً أدبيّاً معيّناً، إلّا أنّ كلماته تنمّ حقًّا عن حسّ بالمسؤوليّة لديه تجاه قارئه وراعيه على السواء، وعن تفانيه الصادق خدمةً لموضوع الكتاب(46) الذي يقع في خمسة وعشرين باباً بالترتيب التالي(47):

1 ـ   في التحاميد.

2 ـ   في ذكر النبيّ.

3 ـ   في ذكر العترة الزكيّة والشجرة النبويّة.

4 ـ   في ذكر الصحابة.

5 ـ   في ذكر الأنبياء.

6 ـ   في فضل العلم والعلماء.

7 ـ    في ذكر الأدب والعقل والحكمة والموعظة الحسنة.

8 ـ   في ذكر محاسن الخصال ومكارم الأفعال.

9 ـ   في ذكر معائب الخلال ومقابح الأفعال.

10 ـ في ذكر أنواع من الأضداد والأعداد.

11 ـ في ذكر النساء والأولاد والإخوان.

12 ـ في ذكر الطعام والشراب.

13 ـ في ذكر البيان والخطابة وثمرات الفصاحة والبلاغة.

14 ـ في ذكر الجوابات المسكِتة.

15 ـ في مُلَح النوادر.

16 ـ في الاقتباس المكروه.

17 ـ في ذكر الرؤيا وعجائبها والتعبيرات وبدائعها.

18 ـ في ذكر الخطّ والكتاب والحساب.

19 ـ في الأمثال والألفاظ التي تجري مجراها.

20 ـ في ذكر الشعر والشعراء.

21 ـ في اقتباس بعض ما في القرآن من الإيجاز والإعجاز والتشبيه والاستعارة والتجنيس والطباق وما يجري مجراها.

22 ـ في فنون مختلفة الترتيب في طرائف التلاوات ولطائفها(48).

23 ـ في فنون مختلفة الترتيب(49)

24 ـ في الدعوات المستجابة.

25 ـ في الرقى والأحراز.

مجالات الخطاب

كما يتّضح من لائحة عناوين الأبواب أعلاه، يطرق الثعالبي ـ في سياق معالجته مفهوم الاقتباس ـ طيفاً واسعاً من المواضيع رتّبها بحسب ما يبدو أنّها تسع مجالات خطاب عريضة (انظر أدناه). يتناول القسم الأوّل من الكتاب (الأبواب 1 ـ 5) القرآنَ كمصدر لحمد الله محوريّ، ثمّ يتحوّل إلى دوره التاريخيّ في تأسيس الجماعة الدينيّة (أو الأمّة). أمّا القسم الثاني (الأبواب 6 ـ 12) فيركِّز على مكانة النصّ القرآنيّ كمصدر للعلم والحكمة، وكدليل للتأدّب الأخلاقيّ والسلوك الاجتماعيّ. ويعالج القسم الثالث بشكل رئيس (الأبواب 13 ـ 16 و 18 ـ 21) استعمالَ القرآن في الخطابة والكتابة وتأليف الشعر والنثر. فيما يستعرض القسم الأخير (الفصول 17 و 22 ـ 25) القرآنَ في تفسير الأحلام، والتلاوة، والدعوات والسحر. وسنُعاين الآن بالتفصيل كلّاً من هذه المجالات.

التحاميد الافتتاحيّة

أولى مجالات الخطاب في (الاقتباس) استعمالُ آي القرآن للتحميد الذي نجده في الفصل الأوّل من الكتاب(50). في مفتتح هذا الباب ينقل الثعالبي أمثلة على الاقتباس للتحميد، قبل أن يستعرض الأسلوب الذي قد يُعتمَد لسوق التحاميد من خلال اقتباسات تمثيليّة وزّعها تحت عناوين ستّة عشر فصلاً، أوّلها: «في عجائب الخلق»، و«في لمع من صفاته جلّ ذكره»، و«في ذكر نعمته عز وجل »(51). ولا يجمع الثعالبي تحت هذه العناوين أمثلة لإلماعات من الآيات بما يوافق الثيمات فحسب؛ بل إنّه يستعرض غالباً الطرائق المحتمَلة التي قد تُستعمَل فيها الآية الواحدة بصور مختلفة عبر وضع تلك الطرائق جنباً إلى جنب وضعاً يضيء على إمكانيّات النصّ القرآنيّ(52).

القرآن وتأسيس الجماعة الدينيّة ـ السياسيّة

يعالج مجال الخطاب الثاني دور القرآن التأسيسيّ في التاريخ الدينيّ ـ السياسيّ للجماعة الإسلاميّة وحيوات النبيّ وآله وأصحابه وسواه من الأنبياء. يستشهد الثعالبي بأمثلة من القرآن يُشار فيها إلى منزلة النبيّ عند الله، وضرورة الصلاة والتسليم عليه، وحكمة الله وتقديره في خلقه وبعثه بشراً. ينتقي الثعالبي في الباب الثاني آياتٍ قرآنيّةً تُسجِّل خطاب الله المباشر الذي يبيِّن قدر النبيّ، قبل أن يقدِّم أمثلة على ما نُقِل عن مدح المسلمين الأوائل للنبيّ بواسطة الاقتباس. للتدليل على منزلة النبيّ يستشهد الثعالبي مثلاً بقول عبد الله بن عبّاس (ت: 68هـ/687م): «والله ثمّ والله، ما خلق الله، ولا برأ، ولا ذرأ نفساً أكرم عليه من محمّد (ص) ، وما سمعناه أقسم بحياة أحد غيره حيث قال: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]»(53)

وفقاً لفهم الثعالبي، قد تحوي الأحاديث النبويّة أمثلة على الاقتباس، وقد عنْوَن الفصل الأخير من الباب الثاني عن النبيّ بـ «فصل في بعض ما جاء عنه (ص) من الكلام المقتبس معناه من القرآن». وللتمثيل على ذلك يستشهد الثعالبي بالحديث: «علامة المنافق ثلاث: إذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدّث كذب» مشيراً إلى أنّ «معناه مقتبس» من التوبة، 75 ـ 7 (54).

في الأبواب اللاحقة المخصَّصة للعترة النبويّة والصحابة يتدرّج الثعالبي من آيات قرآنيّة تتناول هؤلاء إلى أمثلة عن لجوئهم هم إلى الاقتباس؛ ففي مقاطع من البابَين الثالث والرابع يشرح الثعالبي أنّ آل بيت النبيّ والخلفاء الراشدين وسواهم استعملوا جميعاً الاقتباس. يُضمِّن الثعالبي في هذا الإطار أمثلة على استعمال الخليفة أبي بكر الصدِّيق (حكم 11 ـ 13هـ/632 ـ 634م) القرآن في خطبه وكتبه خلال الفترة المعروفة بـ «أيّام الردّة»(55). ولا يُتلمَّس من هذه المقاطع أنّ هذه الشخصيّات المرموقة كانت تنتقي من آي القرآن بفعاليّة فحسب؛ بل إنّ النصّ القرآنيّ بدوره كان يوفِّر على الدوام إجابات مناسبة تواكب الأحداث المفصليّة في حياة الجماعة الإسلاميّة.

العلم والحكمة

يحتلّ موضوعا العلم والحكمة البابَين السادس والسابع من تحفة الثعالبي. وعلى هدي الترتيب الذي اتّبعه في الأبواب السابقة، يستشهد الثعالبي أوّلاً بآيات قرآنيّة حول العلم والحكمة، ثمّ يُبرز أمثلة على استخراج العلماء علمهم من القرآن. في مقاطع عدّة في الباب السادس يقتبس الثعالبي سطوراً من رسالة للفيلسوف أبي زيد البلخي (ت: 322هـ/934م) يشرح فيها صناعات الفِقه والكلام، ويستشهد بآيات قرآنيّة مناسبة تؤيِّد الاشتغال بها(56).

كما يبيِّن الثعالبي كيف يتقصّى العلماءُ القرآنَ بحثاً عن إجابات عن أسئلة محدّدة، مشيراً إلى هذا التقصّي العلميّ للنصّ القرآنيّ بمصطلحَي الاستنباطات والانتزاعات؛ تعبيراً عن البحث المضني في سبيل الكشف عن معانٍ مستغلقة. يذكر الثعالبي مثلاً أنّ أبا محمّد سفيان بن عيينة (ت: 196هـ/811م) كان قد سئل مرّة إن كان في القرآن ما يصدِّق الحديث المروي عن النبيّ الذي نصّه: «ما من مؤمن يموت إلّا مات شهيداً»، وقد بحث سفيان في القرآن لثلاثة أيّام حتّى وجد تصديقاً «ظاهراً مكشوفاً» في الحديد، 19: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ على ما ينقل الثعالبي(57).

الأخلاق العمليّة

تقع الخصال الأخلاقيّة التي يصطلح عليها الثعالبي بالمحاسن والمساوئ في لبّ الموضوعات المتناوَلة بالبابَين الثامن والتاسع وجزء من الباب العاشر؛ يقدِّم المصنِّف هنا طيفاً من الآيات القرآنيّة المختارة المتّصلة بموضوع معيّن، كالعفو مثلاً، ثمّ أمثلة على استعمال هذه الآيات، كأخبار من يقتبس آيات مناسبة عند طلب العفو من الخلفاء مثلاً(58) على أنّ مفهوم الأخلاق عند الثعالبي قد يتحوّل بسلاسة عن الجدّ إلى التسلية، فتراه يختم الفصل «في العفو» بحكاية مأخوذة من كتاب التاج، وهو التاريخ الضائع لأبي إسحق الصابي. تدور الحكاية حول شاب فرّ إلى أذربيجان هارباً من غضب أبيه، بعد أن أمضى عمراً مسرفاً على نفسه باللهو والخمر، وبعد أن قضى هناك مدّة، ـ تكمل الحكاية ـ يكتب الشاب رسالة إلى أبيه نادماً فيها على ما مضى، ويتصالحان. وعند لقائهما يتلو الأب الآية رقم 34 من المائدة: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾(59).

وكأنّ الثعالبي يقصد من استعراض الاقتباسات القرآنيّة المتّصلة بالأخلاق في البابين الثامن والتاسع أن يبرهن على تنوّع المواضيع التي تحتمل الاقتباس من القرآن. ويتبع الثعالبي فيهما تراتبيّة واضحة في رصف المواضيع الرئيسة وتلك المتفرِّعة منها. يفتتح المصنِّف الباب الثامن مثلاً بآيات تحضّ على طاعة الله، في التقوى والصبر والشكر، ثمّ يخوض في الحديث عن الروابط الاجتماعيّة في الفصلَين: «في صلة الرحم» و«في برّ الوالدين»، ويختمه بفصول في آداب السياسة: «في المشورة» و«في أدب الحرب» مثلاً(60). في الباب التاسع يقدِّم الثعالبي المعالجة نفسها للآيات التي تنهى عن مساوئ الأخلاق. لكنّ شيئاً من التناقض كأنّه يطفو بين البابين، وإن كان المصنِّف يستخرج الأمثلة ومعالجتها من آيات قرآنيّة. على سبيل المثال يستحضر الثعالبي مداراة الناس في الباب الثامن كخصلة حسنة مستنبَطة من القرآن؛ لكنّه يستنكر في الباب التاسع سلوك ذي الوجهين في فصل عنوانه «في ذمّ ذي الوجهين». وعلى الرغم من هذا التعارض المحتمَل، يبدو أنّ ترتيب الثعالبي موادّه يرجِّح إمكانيّة الوقوع على مواضيع شتّى وغير محدودة قد يُعثَر لها على اقتباسات قرآنيّة مناسبة.

في الباب العاشر يناقش الثعالبي موضوع التناقضات المستندة إلى آيات قرآنيّة مختلفة. ويقدِّم المصنِّف أمثلة تُستعمَل فيها الاقتباسات القرآنيّة لدعم آراء متعارضة، فهو يستشهد في واحد من الفصول بآيات «في فضل المال والسعي في كسبه و ... التجارة واعتماد الصنعة» فيما ينقل في الفصل الذي يليه آيات أخرى عديدة تناقض نصحه الآنف الذكر هذا(61). وتكشّف فصول عدّة أخرى عن هذه الرؤية المزدوجة نفسها المليئة بالاحتمالات المختلفة الكامنة في النصّ القرآنيّ، كالتأنّي والعجلة، والحبّ والبغض، والشباب والشيب، والقلّة والكثرة(62)

السلوك الاجتماعيّ

يبحث الثعالبي في البابين الحادي عشر والثاني عشر في الاقتباس من القرآن المتعلِّق بالسلوك الاجتماعيّ فيما يخصّ «النساء والأولاد والإخوان» و«الطعام والشراب». تتكشّف في البابين أبعاد مختلفة يهيّئها النمط الازدواجيّ نفسه الذي يتلبّس أجزاء سابقة من الكتاب. ففي حين يُثني الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر على النساء ونكاحهنّ (في النكاح وذكر النساء)، يتعكّر صفو هذه الإيجابيّة في الفصل التالي حيث التنبيه من كيد النساء، في إشارة إلى يوسف، 28: ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. ﴾(63) ويعالَج علاوة على ذلك استعمال النساء أنفسهنّ للاقتباس. فعلى سبيل المثال تحكي إحدى الروايات عن امرأة جلّ حديثها مقتبس من القرآن(64). أمّا الفصول التي تتناول الطعام والشراب فتوافق الفاكهة المذكورة في القرآن. ينقل الثعالبي مثلاً قول شاعر يتغنّى بالتين لأنّه ذُكِر قبل الزيتون في سورة التين، 1 (65).

الخطابة

تدور الأبواب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر حول الاقتباس في الخطب؛ فبعد فصل تمهيديّ يبسط القول في فضل البلاغة والبيان، ينقل الثعالبي مقاطع من ثلاث عشرة خطبة رتّبها تاريخيّاً بدءًا بالنبيّ حتّى عبد الله بن المعتزّ (ت: 296هـ/908م) لتبيين عادة الاقتباس من القرآن(66). وتتبع ذلك في الفصل الذي يليه إضاءات على البلاغة القرآنيّة مقارنة بكلام البشر وعنوانه «في المعارضات والمناقضات». يحشد الثعالبي هنا قصصاً في كلٍّ منها يستحضر أحدهم سطراً من الشعر فيبرهن آخر أنّه أقلّ درجة على سلّم البلاغة من آية قرآنيّة مقابلة تفيد المعنى نفسه(67) ويلي هذه القصص مثال على المحاضرات الذكيّة؛ أي الآي التي تحضر الشخص الفطن في مواقف معيّنة، وهو القول المنسوب إلى عليّ بن أبي طالب، والذي يُزعَم أنّه تفوّه به حين مرّ بجماعة يلعبون الشطرنج مقتبساً من الأنبياء، 52، والكلام في الآية على لسان إبراهيم: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾(68). وعطفاً على ذلك يستعرض في الباب الرابع عشر أمثلة على استعمال الآيات القرآنيّة تسلّط الضوء على الاستحضار الفوريّ للآيات في سياق ما يُسمّى «الجوابات المُسكِتة». هنا تُستعمَل المعرفة القرآنيّة المتاحة بطرق خلّاقة وإبداعيّة. ينقل الثعالبي أنّ أحدهم أهان محمّد بن القاسم أبا العيناء (ت: 283هـ/869م) مرّة منادياً إيّاه بأبي العمياء، فقذفه من فوره بردٍّ مأخوذ من الحجّ، 46: «﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ قلوب أمثالك»(69).

السياسة

الاقتباس في مجال السياسة هو موضوع رئيس آخر يعالجه هذا الكتاب. وبالرغم من كون معالجته مقصورة على باب واحد (الباب الثامن عشر)؛ فإنّ الباب المعني هو أطول الأبواب؛ إذ يحتلّ قرابة الثمانين صفحة في نسخة الكتاب المطبوعة(70) أمّا مصادر هذا الباب الأساسيّة فرسائل ثلاث من أدباء البلاط البويهي بإيران والعراق المعاصرين للثعالبي أشهر من أن يُعرّفوا، نعني بهم أبا إسحاق الصابي، وعبد العزيز بن يوسف الشيرازي (ت: 388هـ/998م)، والصاحب بن عبّاد (ت: 385هـ/995م)(71) يركّز الثعالبي اهتمامه على عهود التعيين في المناصب، ففي تلك العهود تفصيل لمهامّ محدّدة مطلوبة من شاغل هذا المنصب؛ أو ذاك، ويقتبس الثعالبي من القرآن للبرهنة على كون المهامّ المذكورة بمثابة أمر إلٰهيّ(72). وكذا تبيّن المقتطفات من الرسائل السياسيّة هذه مع الاقتباسات القرآنيّة كيف كان القرآن يُستعمَل في أنواع أخرى من الرسائل السياسيّة (السلطانيّات)، لا سيّما تلك المتعلّقة بتأمين الطرقات والحدود، وعودة الأسرى، وقوانين الأسواق، والفتوحات وسوى ذلك(73). وكذا فإنّ مختارات الثعالبي من الإخوانيّات تغطّي أبرز الثيمات المعروفة(74). وهو ينتقي مقتطفات من الرسائل ولا ينقلها كاملة، وجدير بالملاحظة أنّه يستعرض رسائل أدباء عصره بالدرجة الأولى.

الكتابة الأدبيّة

تعالج الأبواب التاسع عشر والعشرون والحادي والعشرون الاقتباس في الكتابة الأدبيّة كما في الأمثال والشعر والمحسّنات البلاغيّة. في الجزء الذي يخصّصه الثعالبي للاقتباس في الشعر يتركّز اهتمام الثعالبي على الأبيات التي تستعير معانيها من القرآن، ويفتتح الثعالبي أحد فصول الباب العشرين ببيت لإسماعيل بن محمّد السيّد الحميري (ت: 173هـ/789 ـ 790م):

قد ضيّع الله ما جمّعت من أدبٍ

بين الحمير وبين الشاء والبقر

ثمّ يقتبس أبياتاً لأبي منصور النمري (ت: 190هـ/805 ـ 806م)، وأبي عبادة البحتري (ت: 284هـ/897م)، وحبيب بن أوس أبي تمّام (ت: 231 ـ 232هـ/ 845 ـ 846م)، وأبي الطيّب المتنبي (ت: 354هـ/965م) التي كأنّها تحيل كلّها على الفرقان، 44: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾. وبالنسبة للثعالبي فإنّ أبيات الشعر هذه شواهد على استعمال عدد من الشعراء للصورة القرآنيّة الواحدة(75). وفي الفصل التالي يكمل الثعالبي كشفه عن المعاني القرآنيّة الكامنة خلف ما يسمّيه الاقتباسات الخفيّة اللطيفة. حتّى إنّه يشير إلى اقتراب أحد الأبيات التي ينقلها أبو تمّام في الحماسة من معنى قرآنيّ، كما لو أنّ صاحبها وهو شاعر جاهليّ قد اقتبس من القرآن(76). أمّا الفصول الباقية في هذا الباب فتتناول الأغراض الشعريّة كالمدح والعتاب والغزل مع شواهد على الاقتباس من القرآن فيها(77).

في الباب الحادي والعشرين ينتقل الثعالبي من معالجة اقتباس الشعراء من القرآن إلى موضوع المحسّنات الشعريّة؛ والبلاغيّة المستعمَلة في القرآن كالإيجاز والاستعارة والتشبيه والمجاز. وكأنّ الثعالبي يشير هنا إلى أنّ من يترصّد لغة القرآن يستطيع أن يستخرج قواعد ومعايير عامّة تتّصل بالأسلوب والبيان الكتابيّين؛ لكنّه ليس واضحاً ما إذا كان الثعالبي يرى في الالتزام بتلك القواعد والمعايير نوعاً من الاقتباس(78)

تفسير الأحلام والتنبّؤات والرقى والأحراز

تقارب أبواب عديدة الاقتباس وعلاقته بالمعرفة الغيبيّة؛ يتناول الباب السابع عشر مثلاً تفسير الأحلام والرؤى على ضوء الآيات القرآنيّة، ويسرد الفصل الأوّل في هذا الباب مرويّات عن تفسيرات منامات محدّدة، مع التشديد على اتّساع المجال لمعانٍ مختلفة وأحياناً متناقضة للرمز الواحد، وطواعيّة الآيات لمناسبة تلك المعاني. أمّا الفصل الثاني ففيه لائحةٌ برموز الأحلام ذات المعاني الثابتة؛ لكونها تحيل مباشرة على آيات قرآنيّة. فاللحم مثلاً يُعبَّر بالغيبة؛ لقوله تعالى في الحجرات، 12: ﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾(79).

وفي الباب الثاني والعشرين يسوق الثعالبي اقتباسات تعنى بتفاسير وقراءات عدد من الآيات، ويُثبِت في الباب الثالث والعشرين فصلاً عن التفاؤل بالقرآن(80)، ويتناول الباب الرابع والعشرون نصوص دعوات هي بحرفيّتها اقتباسات من القرآن(81)، ويقفل الباب الخامس والعشرون والأخير بالكتاب على إشارة إلى استعمالات القرآن الشفائيّة أو السحريّة؛ ككتابة الآي على التمائم لشفاء الأوجاع والأمراض(82).

الثيمات المتواترة في كتاب الاقتباس

مع تدقيقنا في موضوعات الكتاب الرئيسة بالتفصيل، لعلّه يمكن تمييز ثلاث ثيمات متواترة مهيمنة عليه؛ يتّضح بالمقام الأوّل أنّ الثعالبي يعدّ القرآن مصدراً منتجاً للمعاني. مرّة تلو أخرى يحشد الثعالبي أخباراً ورسائل وقصائد تقتبس من الآية القرآنيّة الواحدة نفسها أو تلمح إليها، وما ذاك الحشد سوى برهان على إمكانيّات النصّ القرآنيّ المنتجة للمعاني التي تبدو غير محدودة، علاوة على كونه إثباتاً لبراعة المصنّفين الفرديّة في تضمين الآي أو تكييفها في نصوصهم على مستويَي الأسلوب والمعنى.

أمّا الثيمة المتواترة الثانية في الكتاب ـ التي تُضاد الثيمة الأولى بشكل أو بآخر ـ فهي تفشّي استعمال التعبيرات القرآنيّة في كلّ سياق؛ فالثعالبي يضمّن كتابه استعارات من القرآن مأخوذة من سياقات اجتماعيّة وفكريّة وأدبيّة يُخال أنّها لا تُحصى. يحاكي القرآن في هذا العمل الضخم طيفاً واسعاً من المواضيع التي قد تختلف إلى حدّ التناقض؛ فها هو ذا الثعالبي يبيّن حسنات الكرم ثم حسنات القَتْر، ولم تنقصه في ذلك الشواهد القرآنيّة التي تؤيِّد كلتا الخصلتين المتعارضتين.

الثيمة الثالثة هي أنّ معاني قرآنيّة جديدة تُكتَشف على الدوام؛ يبيِّن الثعالبي في أبواب الكتاب المختلفة ـ التي تعالج التاريخ الدينيّ ـ السياسيّ، والأخلاق، والسلوك الاجتماعيّ، والتأليف الأدبي، وحتّى ممارسات السحر ـ أنّ معاني جديدة يمكن دوماً أن تُستشّف من نصّ القرآن. وبحسب الثعالبي فإنّ طرق استكشاف هذه المعاني متعدّدة بدورها. فإشغال العقل بالتفكير العميق لاجتناء تلك المعاني (وإن كان فعلاً محموداً بالطبع) لا يربو بأهمّيته على طرق استكشاف أخرى يمهِّد لها خاطر سريع في حكاية مسلّيّة أو رؤيا في حُلمٍ ما.

قرآن الأديب: الاقتباس في فكر الثعالبي وتأليفه

في مسرحية موليير الشهيرة البرجوازي النبيل، يطلب موسيو جوردان شيئاً مكتوباً لا نثراً ولا شعراً. يجيبه محاوره «معلّم الفلسفة»: «إنّه ليس من طريقةٍ للتعبير سوى الشعر والنثر... لأنّه إن لم يكن شعراً فهو نثر، وإن لم يكن نثراً، فشعر»(83).

وبخلاف معلّم الفلسفة ـ الذي يمنح البرجوازي النبيل إجابة سهلة ـ فقد اهتمّ الأدباء من طراز الثعالبي بالعلاقة بين الشعر والنثر، وصرفوا وقتاً طويلاً وجهداً جبّاراً لتحويل الشعر إلى نثر وبالعكس(84)، وقد خصّص الثعالبي عدداً من كتبه لموضوع «نثر النظم»، علاوة على تعليقاته حوله في يتيمة الدهر وذيله تتمّة اليتيمة. بل ويُنسب إليه فضل تأليف أقدم كتاب وصل إلينا في الموضوع، نعني به كتابه نثر النظم وحلّ العقد(85). وإلى جانب هذا الكتاب فقد وضع ثلاث رسائل أخرى في الموضوع نفسه منها سحر البلاغة وسرّ البراعة ونزهة الألباب وعمدة الكُتّاب(86). فالنثر بحسب الثعالبي وإن لم يكن شعراً قد يُصاغ من الشعر، وعليه قد يبين عن جلّ صوَره وسعته التعبيريّة.

وليس كلّ نثر بالنسبة للثعالبي وسواه من الأدباء نثراً بسيطاً. في عمل غير منشور له بعنوان سجع المنثور المعروف أيضاً برسالة سجعيّات الثعالبي وقراضة الذهب، يجمع الثعالبي أمثلة على نثر النظم؛ لكن بتحويل الأبيات الشعريّة سجعاً أو أمثالاً هذه المرّة(87). ويتوجّه العمل إلى الكُتّاب في البلاطات والدواوين بشكل خاص، الذين يحثّهم الثعالبي على حفظ هذه الأمثلة لاستعمالها في مكاتباتهم. السجع والنثر ـ يقول الثعالبي ـ هما الأنسب لكتابة الرسائل الرسميّة وخطابات الصداقة (الإخوانيّات). يوحي عمل الثعالبي هذا بأنّ تراتبيّة معيّنة تحكم أساليب الكلام: السجع والنثر أدقّ فنّاً، وأنقى لغة، وأحسن مناسبة ـ في سياقات معيّنة ـ من النثر البسيط والعادي.

وأخيراً تبرز حالة اللغة القرآنيّة، فلا هي نثر ولا شعر ولا سجع؛ فعلى الرغم من أنّ القرآن قد يستعير من مزايا الأساليب الثلاثة على رأي بعض العلماء، يتحفّظ علماء آخرون على مقارنة لغة الوحي باللغة البشريّة(88). وفي مقدّمة الاقتباس ـ كما في مناسبات عديدة في مؤلّفاته الأخرى ـ يقرّ الثعالبي بإعجاز القرآن؛ لكنّه لا يقدِّم شرحاً وافياً يبرِّر به اعتقاده بالإعجاز، وإن كان عدد من العلماء قد طرحوا ـ بحلول عصره ـ معالجات مفصّلة للموضوع(89).

يتفرّد القرآن ـ لكونه لغة الوحي ـ بخطابٍ يبتعد به عن اللغة البشريّة كما يرى الثعالبي. تشتمل اللغة البشريّة كما بيّنّا أعلاه على النثر والسجع والشعر، وللأديب أن يُعبّر عن الفكرة الواحدة بأكثر من أسلوب أو نوع خطاب، ولهذه الأساليب استعمالات مختلفة، وهناك سياقات يرجّح فيها أسلوب على آخر؛ إذ يكون أكثر ملاءمة لها. وكما لاحظنا فيما سبق، يعتني الأديب المتمرّس بفنّ تبديل الكلام من أسلوب إلى آخر، ويعي جيّداً الاختلافات بين الأساليب، أمّا لغة الوحي فتُقتبَس فقط لتنميق الكلام البشريّ وتحسينه، وهي المعيار الفصل للبلاغة بأرفع درجاتها في كلّ مجالات الخطاب البشريّ. وليس هناك من وسيلة في نهاية المطاف لتحويل الكلام البشريّ إلى لغة وحي.

لقد طالعنا من خلال كتاب الاقتباس للثعالبي طرقاً شتّى لاقتباس الآيات القرآنيّة أو الإلماح إليها طوال أربعة قرون في الأمّة الإسلاميّة، وقد تبدّى لنا أنّ الثعالبي ـ وهو الأديب المتمكّن في الشعر والنثر ـ كان على دراية تامّة بالصعوبات العمليّة المرافقة للاقتباس من القرآن أو الإحالة عليه ولو بالإلماح؛ كضرورة تضمين الآي في الشعر بشكل مغاير نوعاً ما عن شكلها في النثر. لكنّ كتابه على ذلك أوسع من مجرّد خطاب عن الوجوه العمليّة لفنّ الاقتباس؛ فكما بيّنّا أعلاه، الاقتباس للثعالبي هو سجُّل ودليل يحفظ بين دفّتيه الطرق غير المحدودة التي لامس بها المسلمون كلمات ربّهم المعجزة بياناً وبلاغة.

--------------------------

المراجع:

  1. سيّد قطب، التصوير الفنّي في القرآن (القاهرة: دار المعارف، 1959)؛ محمّد أحمد خلف الله، الفنّ القصصيّ في القرآن الكريم، تحقيق خليل عبد الكريم (لندن، مؤسّسة الانتشار العربيّ، 1999).
  2. ابتسام مرهون الصفّار، أثر القرآن في الأدب العربيّ في القرن الأوّل الهجريّ (عمّان: جهينة، 2005)؛ وداد القاضي، بشر بن أبي كبار البلوي: نموذج من النثر الفنّيّ المبكّر في اليمن (بيروت: دار الغرب الإسلاميّ، 1985)، ولوداد القاضي انظر أيضاً: (Wadād al-Qāḍī, “The Impact of the Qurʾān on the Epistolography of ʿAbd al-Ḥamīd”, in Gerald R. Hawting and Abdul-Kader A. Shareef, eds, Approaches to the Qurʾān (London: Routledge, 1993), pp. 285 ـ 313; eadem, “The Limitations of Qurʾānic Usage in Early Arabic Poetry: The Example of A Khārijite Poem”, in Wolfhart Heinrichs and Gregor Schoeler, eds, Festschrift Ewald Wagner zum 65. Geburtstag (Beirut: In Kommission bei F. Steiner Verlag Stuttgart, 1994), pp. 162 ـ 81; eadem and Mustansir Mir, “Literature and the Qurʾān”, EQ, vol. III, pp. 205 ـ 27. )
  3. محمّد زغلول سلّام، أثر القرآن في تطوّر النقد العربيّ إلى آخر القرن الرابع الهجريّ (القاهرة: دار المعارف، 1968).
  4. لمعالجة عامّة لهذه القضيّة انظر: (Qadi and Mir, “Literature and the Qurʾān”, EQ, vol. III, pp. 205 ـ 27; Duncan B. Macdonald and Seeger A. Bonebakker, “Iḳtibās”, EI2, vol. III, pp. 1091b ـ 92a; Amidu Sanni, The Arabic Theory of Prosification and Versification (Beirut: In Kommission bei F. Steiner Verlag Stuttgart, 1998), pp. 135 ـ 53. )
  5. الصفّار، أثر القرآن؛ وأيضاً: Qadi and Mir, “Literature and the Qurʾān”, EQ, vol. III, p. 215.
  6. حول استعمال القرآن في الشعر انظر: عبد الهادي الفكيكي، الاقتباس من القرآن الكريم (دمشق: دار النمير، 1996).
  7. حكمت فرج بدري، معجم آيات الاقتباس (بغداد، دار الرشيد للنشر، 1980)؛ (Claude France Audebert, “Emprunts faits au Coran par quelques poètes du IIe/VIIIe siècle”, Arabica 47 (2000), pp. 457 ـ 70.
  8.  انظر: (al-Qāḍī, “The Impact of the Qurʾān”, p. 287.)
  9. أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، قراضة الذهب، تحقيق الشاذلي بو يحيى (تونس: الشركة التونسيّة للتوزيع، 1972)، ص 99، مقتبس في: Sanni, Arabic Theory, p. 139
  10. يشرح ولفهارت هاينريش أنّه ـ وبحسب النقّاد العرب ـ «هناك مجموعة محدودة من الموتيفات أو الثيمات الشعريّة (المعاني) التي تستحقّ أن تُبسَط في الشعر»، وعليه تتحوّل السرقة إلى «أسلوب حياة للشعراء المتأخِّرين». وبذلك، يتوقّف إبداء الرأي بسرقة معيّنة على مدى براعة الشاعر في استعمال المعنى المأخوذ، وما إذا كان قد أدخل تعديلاً أو تحسيناً في اللفظ أو المعنى أو السياق (كاستخدامه في نوع نصّيّ مختلف).انظر: Wolfhart Heinrichs, “An Evaluation of Sariqa”, Quaderni di Studi Arabi 5 ـ 6 (1987 ـ 8), pp. 358 and 359.
  11. ابن داود الأصبهاني، كتاب الزهرة، تحقيق إبراهيم السامرّائي، جزآن (عمّان: مكتبة المنار، 1985)، 2، ص 815 ـ 820.
  12. إبراهيم بن المدبِّر الشيباني، الرسالة العذراء، تحقيق زكي مبارك (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصريّة، 1931)، ص 7.
  13. (Sanni, Arabic Theory, p. 137. )

 

  1. تقي الدين بن حجّة الحموي، ثمرة الأوراق، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم (بيروت: المكتبة العصريّة، 2005)، ص 260.

 

  1. انظر: شهاب الدين ياقوت الحموي، معجم الأدباء، تحقيق ديڤيد س. مارغوليوث، 7 أجزاء (لندن: لوزاك اند كو.، 1923 ـ 35)، 6، ص 328، مقتبَساً في: Sanni, Arabic Theory, p. 142ويشير الكاتب إلى أنّه يمكن عدّ هذا المؤلَّف الجزء الثالث من ثلاثيّة الآمدي في موضوع السرقات، إذا أخذنا بعين النظر مؤلَّفَيْه الآخرَيْن: الإرشاد إلى حلّ المنظوم، والهداية إلى نظم المنثور.
  2. انظر: (Qadi and Mir, “Literature and the Qurʾān”, p. 216. )
  3. انظر: (Sanni, Arabic Theory, pp. 143. )
  4. أبو العبّاس شهاب الدين القلقشندي، صبح الأعشى، 14 جزءًا (القاهرة: دار الكتب المصريّة، 1922)، 1، ص 191 ـ 192.
  5. بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، 4 أجزاء (القاهرة: مكتبة دار التراث، د.ت.)، 1، ص 483.
  6. يُسنِد السيوطي الرأي نفسه إلى كلٍّ من محيي الدين النووي (ت: 676هـ/1277 ـ 1278م) وبهاء الدين السبكي (ت: 763هـ/1361م). انظر: جلال الدين السيوطي، شرح عقود الجمان، تحقيق محمّد عثمان (بيروت: دار الفكر، د.ت.)، ص 168؛ ونفسه، رفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس، في الحاوي للفتاوى، جزآن (بيروت: دار الكتب العلميّة، 1352 [1933])، 1، ص 278.
  7. ضياء الدين بن الأثير، المثَل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، 4 أجزاء (القاهرة: دار نهضة مصر، 1962)، 3، ص 200.
  8. انظر: السيوطي، رفع الباس، 1، ص 259.
  9. عليّ بن خلف الكاتب، موادّ البيان، تحقيق حاتم صالح الضامن (دمشق: دار البشائر، 2003)، ص 44 ـ 45.
  10. يسند السيوطي هذا الرأي إلى معاصره الحجازي قاضي القضاة، محيي الدين بن أبي القاسم الأنصاري. انظر: السيوطي، شرح عقود الجمان، ص 168. لكنْ يبدو في رفع الباس أنّ استعمال الاقتباس في الشعر كان هو سبب هذا الرفض القاطع له، انظر نفسه، «رفع الباس»، 1، ص 278.
  11. انظر: داود بن عمر بن إبراهيم الباخلي، اللطيفة المرضيّة بشرح دعاء الشاذليّة، تحقيق محمّد عبد القادر نصّار (القاهرة: دارة الكرز، 2011)، ص 148 ـ 165.
  12. انظر: ابن حجّة الحموي، خزانة الأدب وغاية الأرب (القاهرة: بولاق، 1882)، ص 539. انظر أيضاً: جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق مركز الدراسات القرآنيّة (المملكة العربيّة السعوديّة: وزارة الشؤون الإسلاميّة، د.ت.)، ص 721؛ صفيّ الدين الحلّي، شرح الكافية البديعيّة، تحقيق نسيب نشاوي (دمشق: مجمع اللغة العربيّة، 1982)، ص 326.
  13. انظر: أبا منصور الثعالبي، كتاب الاقتباس من القرآن الكريم، تحقيق ابتسام مرهون الصفّار، جزآن (المنصورة: دار الوفاء، 1992)، 2، ص 57 ـ 58.
  14. انظر: جلال الدين السيوطي، حُسن المحاضرة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، جزآن (القاهرة: البابي الحلبي، 1967)، 1، ص 344؛ ونفسه، أحاسن الاقتناص في محاسن الاقتباس، تحقيق محمّد عبد الرحيم (دمشق: دار الأنوار، 1996).
  15. انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ص 719 ـ 727؛ ونفسه، شرح عقود الجمان، ص 165 ـ 170؛ ونفسه، «رفع الباس»، 1، ص 259 ـ 284؛ ونفسه، شرح مقامات جلال الدين السيوطي، تحقيق سمير محمود الدروبي، جزآن (بيروت: مؤسّسة الرسالة، 1989)، 1، ص 725 ـ 729.
  16. انظر: (Carl Brockelmann, Geschichte der arabischen Litteratur, 5 vols (2 vols and 3 supplements) (Leiden: Brill, 1937 ـ 49), II, p. 367 and supplement II, p. 394. ) وانظر: (ابن أبي اللطف، رفع الالتباس عن منكر الاقتباس، تحقيق بلال الأرفه لي (بيروت: دار المشرق، 2018).
  17. (Qāḍī and Mir, “Literature and the Qurʾān”, p. 215.)
  18. لمناقشة قضيّة إعجاز القرآن انظر: (Sophia Vasalou, “The Miraculous Eloquence of the Qur’an: General Trajectories and Individual Approaches”, Journal of Qur’anic Studies 4, no. 2 (2002), pp. 23 ـ 53.)
  19. انظر: ابن خلف الكاتب، موادّ البيان، ص 44 ـ 45.
  20. انظر: أيضاً ابن الأثير، المثل، 1، ص 101. حتّى أبو إسحق الصابي (ت: 384هـ/995م) غير المسلم كان يحفظ القرآن و«يُصرِّف آياته في رسائله». انظر أبا منصور الثعالبي، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، 4 أجزاء (القاهرة: مطبعة السعادة، 1956)، 2، ص 242 ـ 243.
  21. القلقشندي، صبح الأعشى، 1، ص 191 ـ 193.
  22. انظر: (Fedwa Malti-Douglas, “Playing with the Sacred: Religious Intertext in Adab Discourse”, in Asma Afsaruddin and A.H. Mathias Zahniser, eds, Humanism, Culture and Language in the Near East (Winona Lake, IN: Eisenbrauns, 1997), pp. 51 ـ 9; Geert Jan van Gelder, “Forbidden Firebrands: Frivolous Iqtibās (Quotation from the Qurʾān) According to Medieval Arab Critics”, Quaderni di Studi Arabi 20 ـ 21 (2002 ـ 3), pp. 3 ـ 16; Ulrich Marzolph, “The Qoran and Jocular Literature”, Arabica 47, no. 3 (2000), pp. 478 ـ 87.)
  23. انظر: (See van Gelder, “Forbidden Firebrands”, p. 4. )
  24. البليغ.
  25. زعيم القوم ومتكلمهم.
  26. البليغ.
  27. الثعالبي، الاقتباس، 1، ص 39.
  28. المرجع السابق نفسه.
  29. المرجع السابق نفسه.
  30. المرجع نفسه، 1، ص 125 ـ 126. أوّل مثل يقدّمه الثعالبي هو قول عليّ بن أبي طالب: «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»، ويعدّه مثلاً على الاقتباس من آل عمران، 247 إذ يرى إنّ قول عليّ السائر هذا يستشفّ فكرته الرئيسة «ممّا نطق به القرآن» في هذه الآية حول حيثيّة جعل طالوت ملكاً.
  31. الثعالبي، الاقتباس، 1، ص 39 ـ 40.
  32. انظر: (Bilal Orfali, “The Art of the Muqaddima in the Works of Abū Manṣūr al-Thaʿālibī (d. 429/1039)”, in Lale Behzadi and Vahid Behmardi, eds, The Weaving of Words: Approaches to Classical Arabic Prose (Beirut: Franz Steiner, 2009), pp. 181 ـ 202.)
  33. الثعالبي، الاقتباس، 1، ص 39 ـ 43. لاستعراض مفيد للكتاب انظر: (Claude Gilliot, “Un Florilège Coranique: Le Iqtibās min al-qurʾān de Abū Manṣūr al-Taʿālibī (ob. 430/init. 3 oct. 1038 ou 429)”, Arabica 47, no. 3 (2000), pp. 494 and following. )
  34. في تقديمها للثعالبي، الاقتباس، ص 39 ـ 40، تقرأ المحقِّقة عنوان الباب الثاني والعشرين كما يلي: «في فنون مختلفة الترتيب في طرائف التأويلات ولطائفها»؛ لكنّ عنوان الفصل في الاقتباس، 2، ص 209 هو «في فنون مختلفة الترتيب في طرائف/ظرائف التلاوات ولطائفها. وكما أنّ الفصل يعالج التأويل والتلاوة، فإنّه تصعب إعادة تركيب القراءة الصحيحة لهذا العنوان.
  35. يشتمل هذا الباب على الفصول التالية: في الفرج بعد الشدّة واليُسر بعد العُسر؛ وفي التفاؤل من القرآن؛ وفي ذكر القرعة؛ وفي حبّ الوطن؛ وفي اليمين؛ وفي ذكر السلطان؛ وفي الهدية؛ وفي الرياح؛ وفي ذكر الذهب وفضله؛ وفي ذكر النار؛ وفي ذكر الفيل؛ وفي ذكر الإبل؛ وفي ذكر الخيل؛ وفي ذكر سور وآي القرآن.
  36. الثعالبي، الاقتباس، 1، ص 47 ـ 51.
  37. المرجع السابق، 1، ص 53 ـ 69.
  38. انظر على سبيل المثال: نفسه، 1، ص 57 ـ 58 حول الرحمن، 29.
  39. المرجع السابق، 1، ص 73.
  40. المرجع السابق، 1، ص 84 ـ 85.
  41. المرجع السابق، 1، ص 111 ـ 114.
  42. المرجع السابق، 1، ص 188 ـ 189.
  43. المرجع السابق، 1، ص 193.
  44. المرجع السابق، 1، ص 215.
  45. المرجع السابق، 1، ص 216 ـ 217.
  46. المرجع السابق، 1، ص 209 ـ 211 (التقوى)، ص 211 ـ 212 (الصبر)، ص 212 ـ 213 (الشكر)، ص 217 ـ 218 (في صلة الرحم)، ص 219 (في برّ الوالدين)، ص 231 ـ 233 (في أدب الحرب).
  47. المرجع السابق، 1، ص 254 ـ 257.
  48. المرجع السابق، 1، ص 257 ـ 261.
  49. المرجع السابق، 2، ص 5 ـ 6 (النكاح)، ص 7 ـ 8 (في ذكر كيدهنّ).
  50. المرجع السابق، 2، ص 7 ـ 8.
  51. المرجع السابق، 2، ص 17.
  52. المرجع السابق، 2، ص 23 ـ 31.
  53. المرجع السابق، 2، ص 31 ـ 33.
  54. المرجع السابق، 2، ص 33.
  55. المرجع السابق، 2، ص 45.
  56. المرجع السابق، 2، ص 73 ـ 149.
  57. حول رسائل الصابي انظر: (Klaus U. Hachmeier, Die Briefe Abū Isḥāq Ibrāhīm al-Ṣābiʾs (st. 384/994 A.H./A.D.) (Hildesheim: Georg Olms Verlag, 2002); ) وحول رسائل الشيرازي انظر: (J. Christoph Bürgel, Die Hofkorrespondenz ʿAdud ad-Daulas und ihr Verhältnis zu anderen historischen Quellen der Frühen Būyiden (Wiesbaden: Harrassowitz, 1965); وحول رسائل الصاحب بن عبّاد انظر: (Maurice A. Pomerantz, “Licit Magic and Divine Grace: The Life and Letters of al-Ṣāḥib b. ʿAbbād (d. 385/995)” (Unpublished Ph.D. Dissertation, University of Chicago, 2010). )
  58. الثعالبي، الاقتباس، 2، ص 81 ـ 89.
  59. المرجع السابق، 2، ص 90 ـ 130.
  60. المرجع السابق، 2، ص 131 ـ 149.
  61. المرجع السابق، 2، ص 165 ـ 166.
  62. المرجع السابق، 2، ص 169 ـ 170. يقول الثعالبي: «ولست أدري أجاهلي هو أم إسلامي».
  63. المرجع السابق، 2، ص 171 ـ 193.
  64. المرجع السابق، 2، ص 197 ـ 205.
  65. المرجع السابق، 2، ص 61 ـ 69.
  66. المرجع السابق، 2، ص 209 ـ 215.
  67. المرجع السابق، 2، ص 245 ـ 257.
  68. المرجع السابق، 2، ص 261 ـ 269.
  69. انظر: (‘Tout ce qui est prose n’est point vers; et tout ce qui n’est point vers est prose’. Molière, Le Bourgeois Gentilhomme (Cambridge, Cambridge University Press, 1883), p. 30 (act 3, scene 3). )
  70. انظر: (Sanni, Arabic Theory.)
  71. أبو منصور الثعالبي، نثر النظم وحلّ العقد، تحقيق أحمد عبد الفتّاح تمّام (بيروت: مؤسّسة الكتب الثقافيّة، 1990). لمناقشة هذا الكتاب انظر: نفسه، ص 15.
  72. نُشر كتاب سحر البلاغة عدّة مرّات، فيما بين أيدينا مخطوطة واحدة لنزهة الألباب في مكتبة عارف حكمت (رقم. 271 ـ مجاميع) بالمدينة المنوّرة وهي تستعير على نطاق واسع من سحر البلاغة. حول النسخ المطبوعة من سحر البلاغة انظر: (Bilal Orfali, “The Works of Abū Manṣūr al-Thaʿālibī (350 ـ 429/961 ـ 1039)”, Journal of Arabic Literature 40, no. 3 (2009), pp. 291 ـ 2.في هذين العملَين سحر البلاغة وسرّ البراعة ونزهة الألباب وعمدة الكتّاب، كما في عمله نثر النظم، يقدِّم الثعالبي أبياتاً من الشعر يحوّلها نثراً بطريقة تفتقر إلى أيّ معايير تحليليّة مُرشِدة أو تصنيف واضح لتقنيات النثر المتّبعة. يعدِّد الثعالبي في سحر البلاغة أسماء الشعراء المحوّلة أشعارهم نثراً لكن دونما اقتباس لأبياتهم. وفي هذين العملين أيضاً تحوّل آيات قرآنيّة أيضاً إلى أقوال منثورة، بما يدلّ، وفقاً للثعالبي، على تشابه الاقتباس والحلّ.)
  73. لكنّ الثعالبي يُثبت الأبيات الأصليّة في بداية كلّ فصل. وبين أيدينا اليوم أربع مخطوطات للعمل هي: (MS Topkapı Ahmet III Kitāpları 2337/2, MS Yeni Cami 1188, MS Universite Arapca Yazmalar 741/1, and MS Bayezid Umūmī 3207/1. )
  74. لمناقشة مهمّة حول آراء الباحثين عن وجود السجع في القرآن انظر: (Devin J. Stewart, “Sajʿ in the Qurʾān: Prosody and Structure”, Journal of Arabic Literature 21, no. 2 (1990), pp. 101 ـ 39.)
  75. انظر مثلاً: الرمّاني في النكت في إعجاز القرآن؛ والخطّابي في بيان إعجاز القرآن والباقلّاني في إعجاز القرآن على سبيل المثال لا الحصر، علاوة على تعليقات كثيرة متفرّقة لعدد غير قليل من المتكلّمين متّصلة بالموضوع.

    *بلال الأرفه لي: رئيس دائرة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ـ بيروت، وموريس بومرانتز أستاذ مشارك للدراسات الإسلامية بجامعة نيويورك ـ فرع أبو ظبي، وترجمة المقال مريم سعيد العلي.

أخبار ذات صلة