«عـن الترجمة»

60424d64e7a66b890c76e7d8f6708a33.jpg

 محمد عناني | أكاديمي ومترجم وأديب، مصر.

 أ ـ نبذة تاريخية

تاريخ الترجمة طويلٌ ومعقَّدٌ، ويكاد يبلغ في الطول والتعقيد تاريخ اللغة نفسها، فمنذ أن بدأ الإنسان يستخدم اللغة وهو يحاول أن ينتفع بها في التواصل والتعامل مع الآخرين الذين قد تختلف لغتهم عن لغته، واتضحت أهمية هذا التفاهم في المعاملات التجارية؛ فالشعوب المقيمة في منطقة الشرق الأوسط كانت تتكلّم لغات مختلفة تُكتب بحروف مختلفة، ولكن التجارة فيما بينها كانت تتطلّب لقاءات منتظمة، ووجود أفراد يعرفون لغات الأطراف بحيث يستطيعون إيحاد التفاهم اللازم لعقد الصفقات التجارية. ويبيِّن الباحثون لنا أن أقدم صور للترجمة كانت شفاهية، بحيث يقوم المترجم بنقل الآراء ما بين البائع والمشتري، وهو نقْلٌ يركز على الهدف المنشود؛ أي إتمام الصفقة، وفي سبيل ذلك قد يلجأ المترجم ـ القريب في عمله من ممارس الترجمة الفورية أو التتبعية اليوم ـ إلى تقليل الفوارق بين الشاري والبائع، وتلطيف لغة الخطاب، بحيث يَحلُّ الوُدُّ تدريجيّاً، لأن إتمام الصفقة يأتيه برزقٍ وفير، والمصطلح الذي كان يُطلق عليه (interpreter) يطلق أيضاً على المترجم الفوري في أيامنا هذه، ولكن مبحث دراسات الترجمة الحديث يُفَرِّق بين (interpreting) أي الترجمة الفورية، و(interpretation) أي التفسير. والدلالة الواضحة لهذا أن الترجمة منذ نشأتها كانت تتوسّل بالتفسير، وهو عنصر لا مهرب منه في أية ترجمة.

ولم يتغير مفهوم الترجمة إلا مع نشأة الدول الكبرى في الألْف الأول قبل الميلاد، مثل الإمبراطورية الرومانية التي كانت تقوم على التراث اليوناني، واللغة اليونانية القديمة، وهما اللذان سادا منطقة الشرق الأوسط بعد فتوحات الإسكندر الأكبر، ومعنى هذا أن لغة الحاكم لا بدَّ أن تُترجم إلى لغات الشعوب المحكومة، وإزاء وجود لغتين (أو أكثر) في كل حالة فقد كانت المراسيم الملكية أو الأوامر الحكومية تُكتب باللغة الرسمية (اليونانية) والمحلية معاً، على نحو ما نجده في حجر رشيد، وهو قطعة من البازلت كانت جزءًا من معبد أقيم في زمنٍ ما قبل الميلاد، ويتضمّن نصّاً باليونانية (لغة الحاكم) وترجمة له إلى اللغة المصرية القديمة بشكليها، الشكل الهيروغليفي القديم، والشكل الديموطيقي الشعبي. وعلى الرغم من انتصار أوكتاﭬـيان القيصر الروماني على كليوباترا وأنطونيو في موقعة أكتيوم البحرية عام 31 قبل الميلاد، وإعلان قيصر ما يسمى بالسلام الروماني (Pax Romana)، وهو الهدوء الذي فرضه بالقوة؛ فقد برزت بعض المشاكل التي لم تكن من النوع الذي يمكن حلُّه بالقوة، وعلى رأسها ترجمة تراث اليونانية القديمة إلى اللاتينية، لغة الإمبراطورية الجديدة.

لم تكن تلك المشاكل من النوع المعقد الذي نعتاده اليوم، فاللغتان تنتميان إلى ثقافة واحدة، ومصدر لغوي واحد هو اللغة الآرية السنسكريتية [الهندية القديمة]، التي تمثل رأس أسرة لغوية حافلة، هي أسرة اللغات الأوروبية الهندية (Indo-European)، وكان التشابه في الأبنية اللفظية والنحوية دافعاً على نشأة ما كان يسمى (intralinear)؛ أي ترجمة كل سطر وحده، وذلك بوضع الكلمة اللاتينية تحت الكلمة اليونانية التي يُعْتَقَدُ أنها مرادفة لها وفي الوضع الإعرابي نفسه، فاعلاً أو مفعولاً أو فعلاً إلخ، فاللغتان معربتان، ثم قراءة السطر المكون من هذه الوحدات بحيث يمكن استخلاص معناه، وهو ما أصبح يسمى الترجمة الحرفية في وقت لاحق [1]

ولكن قدوم المسيحية كان إعلاناً حاسماً بأهمية الترجمة؛ فالمسيح (ع) كان يتكلّم الآرامية، والتوراة وباقي أسفار العهد القديم مكتوبة بالعبرانية القديمة، وعندما آن للإمبراطور قسطنطين أن يعلن أن المسيحية هي الدين الرسمي للدولة في القرن الرابع الميلادي، كان على العلماء أن يترجموا نصوص الكتاب بقسميه (العهد القديم والعهد الجديد) إلى اللغة اليونانية القديمة، بوصفها اللغة الرسمية للدولة، على نحو ما تبيّنه تفصيلاً كارين أرمسترونغ في كتابها: القدس، مدينة واحدة وعقائد ثلاث (وهو مترجم إلى العربية في أواخر القرن الماضي). وكانت بعض أجزائه قد تُرجمت إلى اللاتينية، ولكنّ صورتيه اليونانية واللاتينية كانتا مقصورتين على رجال الكنيسة في العصور الوسطى، ولم يكن من حق أحد أن ينازعهم تفسيرهم للآيات المكتوبة بهاتين اللغتين، وكانت سلطة الكنيسة مستمدة ـ في جانب منها ـ من هذا الاختصاص بفهم النصوص المقدسة، حتى أتى عصر النهضة الأوروبية وبدأ العلماء يفصلون بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، وكانت في هذا الفصل مقاومة مضمرة لسلطة الكنيسة، وتعالت الأصوات المنادية بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغات الأوروبية الناشئة، ولكن رجال الكنيسة وقفوا لها بالمرصاد، وكانت المحاولة الأولى لترجمة الكتاب المقدس إلى الإنجليزية تنسب إلى الترجمة التي تحمل اسم ويكليف؛ أي (Wycliffe’s Bible) وهو مجموعات من الترجمات التي قام بها عدد من الكُهَّان تحت إشراف ويكليف في الفترة من 1382 ـ 1395 أي إلى ما بعد وفاته، (ويقال: إنه وُلد عام 1329 وتوفي عام 1384)، والمؤسف أن المعلومات الخاصة به في الإنترنيت متناقضة، وأهم ما يؤثر عن الترجمات المذكورة قول ويكليف: إنه كان يريد أن يقرأ الناس الكتاب المقدس وأن يفهموا بلغتهم مقاصد المسيح (ع)، وكانت محاولته جزءًا من حركة تُسمى لولارد (Lollard) وهم أتباع ويكليف المنشقون على سلطة بابا روما [والكلمة أصلاً تعني الكسول أو العاطل]، ولكن اللغة التي تُرجم إليها الكتاب في أواخر القرن الرابع عشر كانت الإنجليزية الوسطى، مثل إنجليزية تشوسر، التي لا نقرأها اليوم إلا مترجمة إلى الإنجليزية الحديثة، ورغم قلّة عدد الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة آنذاك، فإن الترجمة كانت تمثّل محاولة صادقة لتقديم النصوص المقدسة باللغة المحلية، ويعدّها النقاد تبشيراً بحركة الإصلاح الديني بسبب رفضها لكثير من تعليمات الكنيسة الكاثوليكية، فالمعروف أن عِلْمَ الشعب بالكتاب المقدس كان يُستقى من أقوال الوعاظ شفاهة في الكنيسة (باللاتينية) إلى جانب مسرحيات الأسرار المكتوبة باللهجة الدارجة، وبما يسمى تفسير رموز الكتاب المقدس (iconography) أساساً.

والمهم أن نرى الدور الأساسي الذي لعبته الترجمة في تاريخ المسيحية في أوروبا؛ إذ إن ترجمة ويكليف في آخر القرن الرابع عشر أدت إلى إصدار الحكم بإعدام أي فرد يمتلك نسخة من الكتاب المقدس بالإنجليزية، على الرغم من أن الترجمات كانت متاحة باللغات الأوروبية الأخرى، وتوقّفت فعلاً جهود الترجمة خلال القرن الخامس عشر، وهو القرن الذي شهد انتقال اللغة الإنجليزية الوسطى إلى اللغة الإنجليزية الحديثة نسبيّاً، وفي آخر القرن وُلد ويليام تينديل (Tindale) [1494 ـ 1536]، الذي كُتب له أن يترجم الكتاب المقدس من النصوص العبرانية واليونانية مباشرة، متأثراً بالعلَّامة إرازموس (Erasmus) الذي كان قد أشاع ترجمة العهد الجديد في أوروبا، وبمارتن لوتر (Luther) الذي ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية الحديثة عام 1517، وتحدى بها الكنيسة الكاثوليكية، فكان أحد العوامل التي بدأت حركة الإصلاح الديني. وكان أهم ما تتميز به ترجمة تينديل انتفاعه بالمطبعة التي كان ويليام كاكستون قد أدخلها إلى إنجلترا عام 1475، فكان أول كتاب مقدس يُوَزَّع مطبوعاً بدلاً من نسخه يدويّاً، فانقض رجال الكنيسة عليه، فهرب إلى هولندا وجعل يرسل النسخ سرّاً إلى إنجلترا، ولكنه ما لبث أن اعتُقِلَ وحُبِسَ 18 شهراً، ثم حوكم بتهمة المروق من الدين، ومن ثم خُنِقَ وأُضْرِمَتْ النارُ في جسده في قرية صغيرة تدعى ﭬـيلـﭭـورد (على Vilvoorde) خارج بروكسيل الحالية [إذ كانت هولندا وبلـﭽـيكا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة].

وباقي القصة معروف، ولكن ما يهمنا نشأة علم الترجمة في القرن السادس عشر بوصفها جزءًا من محاولة فَهْم النصوص المقدسة وتفسيرها، وكان هذا العلم في بدايته مقصوراً على الملاحظات التي كان المترجمون يبدونها على ترجماتهم، ونشطت حركة الترجمة من اللغات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية) إلى الإنجليزية، وكذلك من الإيطالية والفرنسية، وبرزت أسماء لامعة مثل تشاﭘـمان وفيوري وغيرهما، وأصبحت الأعمال المترجمة مُعْتَمدَةً، وتغني الباحثين والأدباء عن العودة إلى الأصول الأجنبية، وكان المعيار الوحيد تقريباً يتمثّل في بلاغة النص المترجم وجماله، دون أن يكلّف أحد نفسه بمضاهاته بالنصوص الأصلية، فترجم بعض الشعراء أشكالاً شعرية جديدة من الإيطالية (مثل السونيتة Sonnet)، وأدخلوها مُنَجْلَزَةً مُحَوَّرَةً حتى أصبح لها كيان إنجليزي متميز، وانطلق بعضهم يترجم أشكالاً قصصية جديدة، حتى غدت نماذج لقصص إنجليزى جديد، وبلغت الترجمة ذروتها مع تكاثر التداخل والتأثير والتأثر في أواخر القرن السادس عشر وأوائل السابع عشر (عصر شكسبير وزملائه من كتّاب المسرح الشعري).

وفي أواخر القرن السابع عشر وضع جون درايدن (Dryden) (1631 ـ 1700) نظريته المشهورة عن ضروب الترجمة، وذلك بعدما ترجم أهاجي جوﭬينال (من اللاتينية) (1693) وحياة مشاهير اليونان والرومان عن اليونانية (1693) [وهو الذي وضعه بلوتارخوس] وأعمال ﭬيرجيل عن اللاتينية (1697)؛ وقيل: إنه اضطر إلى العمل بالترجمة لكسب الرزق بعد فصله من منصب شاعر البلاط عند الملك تشارلز الثاني، ولكن أهم ما يهمنا هو قوله بوجود ثلاثة أنواع من الترجمة:

الأول يسميه النقل الحرفي (metaphrase)؛ أي نقْل الكلام بشكله الأصلي ومعناه.

والثاني يسميه نقل المعنى (paraphrase)؛ أي نقل الفكرة بغض النظر عن الألفاظ.

والثالث يسميه المحاكاة (imitation)؛ أي إنشاء عمل يحمل المعاني والصور الموجودة في الأصل نثراً أو شعراً دون التقيد بالنُّظم اللغوية في المصدر، بل اهتداء بالنظم اللغوية للغة المترجم إليها. واستناداً إلى هذا التقسيم يرفض درايدن النوع الأول الذي كان قائماً في الترجمات القديمة للكتاب المقدس، ويفضِّل النوع الثاني لترجمة النثر عموماً، والنوع الثالث للترجمة الشعرية أو الإبداعية، ونماذجه في العربية المعاصرة ترجمات المازني ومدرسة أﭘـوللو في الثلاثينيات من القرن العشرين، والمثال الأنصع ترجمة أحمد رامي لرباعيات الخيام وقصائد محمد إقبال.

وازدهرت في القرن الثامن عشر الترجمات الأدبية من النوع الثالث، فأصدر الشاعر الإنجليزي ألكسندر ﭘـوﭖ ترجمته للإلياذة والأوديسيه للشاعر هوميروس في اليونان القديمة عام 1726 بعد أن حرر طبعته للأعمال الشعرية الكاملة لشكسبير عام 1725، ويتضح في الترجمة تأثره بأسلوب شكسبير، ولم يكن القرن الثامن عشر قرن الشعر، بل ازدهر فيه الفكر النقدي الذي كان قد بذر بذوره درايدن في كتابه عن الشعر المسرحي عام 1668 [انظر درايدن والشعر المسرحي، لمجدي وهبة ومحمد عناني ـ 1963 و1994] فأصبح يُعدُّ أبا النقد الأدبي. وتبعه الدكتور صمويل جونسون الذي وضع أهم معجم للغة الإنجليزية عام 1755، وهو الذي أثر في حركة الترجمة التي ازدهرت في آخر القرن، وفي إبّان الحركة الرومانسية في مطلع القرن التاسع عشر، إذ أصبح لدى الدارسين مرجعٌ يشرح الكلمات ويفسّر معانيها، وكان الشعراء الرومانسيون أنفسهم مولعين بالترجمة، ونجد في دواوينهم قصائد ترجموها عن لغات أجنبية قديمة وحديثة.

ويبدو أن العالم الغربي شُغل في ذلك القرن ـ الذي يُطلق عليه عصر العقل (Age of Reason) ـ بالفكر الفلسفي والازدهار المادي نتيجة التوسع الاستعماري، وهو الذي استمر في القرن التاسع عشر، ولا نجد في هذه الفترة إلا مقدم الفلسفة التفسيرية، أو الهرمانيوطيقا (Hermaneutics) على يدي لاهوتي ألماني متخصص هو فريدريش شلايرماخر (Schleirmacher) (1768 ـ 1834)، وإن كان يُنْسَبُ منشأ المصطلح إلى ما قبل عهده، وكل الذي يهمُّنا أنه وَضَعَ طرائق جديدة لقراءة النصوص الدينية أساساً، من بينها التفسير المعهود (exegesis) للنصوص المقدسة، إلى جانب طرح احتمالات تعدد الدلالات، وهو ما أصبح ينسحب على أي نص [انظر موسوعة الهرمانيوطيقا، 2015، والترجمة العربية في 2016]. ولكن المترجمين لم يهتموا بتطبيقاتها أو بنظرياتها ودلالتها لعملهم حتى منتصف القرن العشرين تقريباً؛ إذ أضافت النظرية الفرنسية (بارت، فوكوه، ليـﭭـي ـ شتراوس، دريدا إلخ) أبعاداً جديدة لفهم النص وترجمته، وكان العامل الأكبر نشأة علم اللغة الحديث (Modern Linguistics)، الذي وجد الدارسون فيه مدخلاً علميّاً أو شبه علمي لدراسة الترجمة، وذلك حتى جاء الألمان بنظرياتهم الجديدة التي لا ترى في علم اللغة المفتاح الأوحد، فكثرت النظريات الجديدة والتي لا تزال قائمة، ولمن يريد التوسع الرجوع إلى كتابي نظرية الترجمة الحديثة (2002).

ب ـ نظرة على مدارس دراسات الترجمة

الدارس للترجمة اليوم يلاحظ وجود مسارين رئيسين للبحث في الترجمة أو ما يسمى «دراسات الترجمة»، بوصفه المبحث العلمي البيني (interdisciplinary)، الذي يجمع بين التخصص اللغوي ـ أي معرفة اللغتين معرفة كافية ـ وبين مباحث علمية إنسانية أخرى، كالفلسفة وعلم الاجتماع، والأدب وعلم النفس وهلمَّ جرّاً. فأما المسار الأول ـ أو فلنسمه المدخل (approach) الأول ـ فهو لغوي بالضرورة، وإن لم يتطلّب معرفة عميقة بمبادئ علم اللغة الحديثة، فيكفيه أن يشمل أنواع أبنية الجمل، والجملة القصيرة (clause)، والعبارة التي لا تحتوي على فعل عامل (operative) ونسميها (phrase)، وأنواع حروف الربط وحروف المعاني، وأشباه الجمل [كالجار والمجرور]، وأنواع الأسماء من عام وخاص، وغير ذلك مما ناقشته في كتابي مرشد المترجم (2000) إلى جانب النظريات الأساسية لغويّاً في الترجمة مثل نظرية التوصيل والتواصل، ونظرية الغرض من الترجمة (Skopostheorie) الألمانية الأصل، ولمصطلحاتها معجم صغير ملحق بكتابي المذكور. وهذا المدخل اللغوي شاق، ويتطلب الدرس المتأني لكل لغة على حدة، ومضاهاة ظواهر هذه بتلك، وأفانين التحويل (transformation)، ومعنى التعادل (equivalence) الذي كان مترجمو النصوص المقدسة يتطلعون إليه، بوصفه مثلاً أعلى.

وأما المسار الثاني فهو يتناول الترجمة بوصفها نشاطاً إنسانيّاً، يقف إلى جوار غيره من الأنظمة الاجتماعية الاقتصادية، ومن بينها الكتابة باللغة الأصلية ـ التي أصبحت تسمى اللغة المصدر (source language) ـ واللغة التي تترجم إليها، وتسمى اللغة الهدف أو المستهدفة، ومن أهمها الأدب بصوره المختلفة، وأحوال تلقي النص المصدر والنص الهدف أو المستهدف (target text)، ونظرية تعادل التأثير أو تفاوته، والعوامل الخارجية التي تؤدّي إلى مثل هذا التوافق أو الاختلاف؛ مثل الثقافة الخاصة لكل لغة، والمتلقّي الخاص للنص المترجم بوصفه نظيراً أو مضادّاً للنصوص المكتوبة في ظل ثقافة المترجم والجمهور الذي يخاطبه، ومثل عوامل الدافع إلى الترجمة أصلاً، والجهات التي تكلّف المترجم بالترجمة، وأجور المترجم، والأيديولوجيات التي يمكن أن تؤثّر في طبيعة النص، وقد تؤدّي إلى التلاعب في الترجمة للإيحاء بها، مثل المذهب النسوي (Feminism) الذي يحاول توكيد استقلال المرأة وتميّزها في الترجمة، متخذاً حيلاً تتيح تنفيذ ذلك في كتابات المرأة، ومثل أيديولوجيات دعاة الاشتراكية الذين يتبدى تلاعبهم في اختيار ما يترجمونه من نصوص تخدم أغراضهم، أو في ترجمة أعمال أخرى يتوسلون فيها بالتلاعب اللغوي الذي يبرز أيديولوجيتهم. وفي هذين المثلين يبدو التلاعب واضحاً إلى الحد الذي يشكّل توجهاً واضحاً يسمى مدرسة التلاعب (manipulation school)، وهذه مباحث تتطلب مساحة أكبر، ويغطّي معظمها كتابي نظرية الترجمة الحديثة المشار إليه.

ج ـ المدخل الأول

ويبرز في المدخل الأول ـ أي المدخل اللغوي ـ عددٌ من أسماء كبار الباحثين الذين كان لنظرياتهم تأثير كبير ونفوذ في الفكر الخاص بالترجمة، يعيدنا ـ إلى حدٍّ ما ـ إلى منشأ الترجمة في رحم ترجمة النصوص المقدسة، ويبلغ ذروته في كتب يوجين نايدا الكثيرة التي ظل يصدرها ابتداء من 1944 حتى 2003، وسوف أتوقّف عند أهمها وهو نظرية الترجمة وممارستها الذي كتبه مع تابر (Taber) عام 1974، إذ نجد فيه استخدامه الحاسم لتعبير الترجمة الدينامية (dynamic) [في مقابل الترجمة الصورية Formal]، ورفْضه الحاسم أيضاً لما كان يسمى الترجمة الحرة (free) في مقابل الترجمة الحرفية (literal)، وهو النهج الذي أكده جورج شتاينر (Steiner) في كتابه عام 1975، وعنوانه (بعد بابل: جوانب اللغة والترجمة) وغيره ممن درسوا القضية، فبعضهم استبدل (الطلاقة) (fluency) بالدينامية، و(المقاومة) (resistance) (بالصورية)، ولم نَرَ جديداً إلا في استخدام مصطلح الترجمة التوصيلية (communicative)؛ أي التي تهدف إلى توصيل المعنى بِغَضِّ النظر عن الأبنية اللُّغوية، في مقابل الترجمة الدلالية (Semantic)؛ أي التي تحاول نقل (صورة) النص اللغوية أيضاً، وهو ما قد يكون مهمّاً في ترجمة الشعر مثلاً.

د ـ أولويات المسار الأول

ويلخص كتاب نايدا وتابر المشار إليه الأولويات التي ينبغي للمترجم مراعاتها في الترجمة، وهي الأولويات التي مهدت لظهور مبادئ كاترينا رايس (Reiss) الألمانية، ثم كريستيان نورد (Nord) الألمانية أيضاً، ثم ﭬـينوتي (Venuti) الأمريكي من أصول إيطالية على مدى العقود التالية من القرن العشرين. وأهم ما تتم به هذه الأولويات تركيزها على النص المترجم (أي الهدف)، وافتراضها المسبق أن المترجم يعرف اللغتين معرفة شبه تامة؛ أي معرفة كافية لتحقيق الأولويات المذكورة وهي:

أولاً: ضمان ترابط المعنى واتساقه في كل نص مترجم، حسبما تقضي به معايير اللغة الهدف، وكل نوع من الأنواع الأدبية أو الكلام بصفة عامة فيها. والملاحظ أن ترابط المعنى (coherence) يختلف عن التماسك النصّي (cohesion) فالأول خاص بالمعنى والثاني خاص بالمبنى.

ثانياً: التعادل الدينامي أهم من التوافق الصوري، بمعنى أن الدلالة أهم من التعادل الشكلي؛ أو البنائي للنص المصدر، وهو ما يقتضي قدراً كبيراً من التحويل والتحوير الشكلي ابتغاء إخراج المعنى الذي يتفق مع تقاليد اللغة الهدف، والمثال له قول ملتون في الفردوس المفقود على لسان إبليس: (Better to Rule in Hell than Serve in Heaven)، وترجمتها الدينامية تقول: «حاكم في الجحيم خير من خادم في الجنة»، بدلاً من أن تقول: «أن يَحْكُم المرء في النار أفضل من أن يَخْدم في الجنة» والفروق واضحة بين الطريقتين. وأهم من ذلك استخدام المترجم لصفة «خير» الوثيقة الصلة بالتراث العربي، وفق نظرية تعدد النظم (polysystem) على نحو ما سوف يأتي بيانه.

ثالثاً: صورة اللغة المسموعة (aural) لها أولوية على صورتها المكتوبة، فينبغي للمترجم أن يحافظ على جمال الجرْس واتساقه في النص المترجم حتى ولو قرأه قراءة صامتة، وهذا بالغ الأهمية في ترجمة الشعر والدراما بصفة خاصة، وانظر الإيقاع في الكلمات التالية من الفردوس المفقود أيضاً:

Him the almighty power

Hurled headlong flaming from the ethereal sky

With hideous ruin and combustion down

To bottomless perdition.

Book I, 44-47

ولتحاول أن تستمع ولو (بالأذن الباطنة) إلى جرس الكلمات عند ترجمتها إلى العربية:

وهكذا قَذَفَ الإلهُ الجَبَّارُ بِهِ مِنْ حَالِقْ

فانْقَلَبَ سَاقِطاً يَتَّقِدُ لَهِيباً مِنَ السَّمَاءِ العلْيَا

ذَمِيماً مَدْحُوراً مُشْتَعِلاً في هُوَّةٍ

ما لَهَا مِنْ قَرَارْ.

فالواقع أن جانباً من معنى الكلمات يكمن في جرْسها وإن لم ينطقه اللسان، وأما عند ترجمة الشعر الغنائي خصوصاً؛ فإن هذا الجانب يكتسب أولوية مؤكدة، فالأغنية التي يراها باسانيو مكتوبة على ورقة داخل الصندوق الرصاصي في مسرحية تاجر البندقية مقطوعة منظومة مقفاة، تتكون من ثمانية أسطر، وها هي ذي:

You that choose not by the view,

Chance as fair and choose as true !

Since this fortune falls to you,

Be content and seek no new,

If you be well pleased with this

And hold your fortune for your bliss,

Turn you where your lady is,

And claim her with a loving kiss.

Shakespeare, The Merchant of Venice, III, ii, 132-9

المقطوعة الشكسبيرية ذات سمات صورية واضحة، منها البحر الأيامبي (iambic) [صفة من (iambos) اليونانية] بالزحافات المشهورة فيه (modulations)، والعلّة التي يحافظ عليها في المقطوعة، وهي علة حذف سبب واحد، بحيث يتكون كل سطر من سبعة مقاطع بدلاً من ثمانية فيصبح البحر رباعيّاً. هذه سمات صورية لا يلتفت إليها المترجم وفق هذا المبدأ؛ بل يولي الأولوية للإيقاع المنتظم الذي تسمعه الأذن:

لمْ تَنْخَدِعْ عِنْدَ اخْتِيَارِكَ بالمَظَاهِرْ

فَرمَيْتَهُ سَهْماً مُصِيباً غَيْرَ غَادِرْ

أُوتِيتَ بالحَظِّ العَظِيمِ وبالمُنىَ

فاهْنَأْ بِهِ وحَذَارِ أنْ تَنْشُدَ آخَرْ

فإذَا رَضِيتَ بما رُزِقْتَ مِنَ الهَوَى

وقَبِلْتَهُ ورَأيْتَ أنَّ السَّعْدَ غَامِرْ

فاصْعَدْ إلىَ حَيْثُ الحَبِيبَةُ في انْتِظَارِكْ

وبِقُبْلَةٍ مَشْبُوبَةٍ خُذْهَا لِدَارِكْ

فهذه أربعة أبيات، ثلاثة منها ذات قافية واحدة، والبيت الأخير ذو قافية داخلية بين الشطرين، وهي من البحر الكامل، وزحافه الشائع هو الإضمار، وفيه تفعيلة مخزولة واحدة، ومن الغريب أن المترجم يحافظ على علة الزيادة [زيادة سبب واحد بعد القافية وهو ما يسمى الترفيل: متفاعلن § متفاعلان) في جميع الأبيات الأربعة، وهذا فيما يبدو عكس علّة النقص في النص الإنجليزي، ولكن نايدا لا يولي هذه المسائل الصورية أهمية مُركِّزاً على الجرْس في اللغة المستهدفة. وأعتقد أن هذا المثال يكفي لإيضاح ما يقصده في الكتاب المذكور.

رابعاً: الأشكال اللغوية المألوفة للجمهور مفضَّلة على الأشكال الغريبة أو «غير الطبيعية»؛ إلا إذا كان السياق يتطلّب تغريباً معيناً لإحداث تأثير خاص. والفصل بين المألوف والغريب يقتضي إلمام المترجم بثقافة لغته وتقاليدها الراسخة، فترجمة مَثَلٍ شهيرٍ بالعامية وهو «الكتكوت الفصيح من البيضة يصيح» يقابل المثل المألوف بالإنجليزية “It is a forward chick that cries in the shell”.

فالتعادل الدلالي قائم ولو اختلفت طريقة التعبير، ونحن نواجه ذلك كل يوم، في محاولة المضاهاة بين ما يقوله أهل الإنجليزية وأهل العربية، وهذه مظاهر ثقافية وإن اتخذت صوراً لغوية، ومن أهمها فكرة (السلام) بمعنى (التحية) (Greetings !)، وهي فكرة شديدة الخصوصية للعرب، منذ أقدم عصور العربية، حيث كان الناس ينتجعون الكلأ ويرحلون حذرين مما وممن يمس (سلامتهم)، وكانت الرحلة نفسها محفوفة بالمخاطر (من الطبيعة أو الوحوش مثلاً) حتى سميت الفلاة (مفازة)؛ أي يفوز مَنْ يمرُّ بها، وكان تعبير (مع السلامة) أو (تصحبك السلامة) له دلالة حقيقية، وأما في اللغات الأوروبية الحديثة (وهي جديدة نسبيّاً ولا تقاس بتاريخ العربية الزاخر) فالناس تستخدم (الترحيب) (Welcome) للقدوم بدلاً من «حمداً لله على السلامة»، وتعبير «رحلة طيبة» (bon voyage) للوداع، أو «فلتهنأ بالرحلة» (Be Good)، ومنها (Good-bye) أو (farewell) التي نترجمها بالوداع بدلاً من مع السلامة، والوداع نفسه ينتمي إلى الثقافة العربية فأصله «استودعك الله»، وهكذا فعندما نسمع إنجليزيّاً يقول لصاحب له أن «يُسَلِّمَ على صديق له» أو ينقل سلامه إليه قائلاً: (Remember me sweetly to him)، فنحن ندهش وهذا ما يقصده نايدا في كتابه المذكور، وسوف نجد من يعارضه حين نصل إلى ﭬينوتي.

هـ ـ الثورة الألمانية

الثورة الألمانية المقصودة هي الثورة التي أحدثتها دراسات كاترينا رايس (Reiss) عن أنماط النصوص (text types) ووظائف اللغة، ونظرية الترجمة الوظيفية التي وصفها هانز ﭬـيرمير (Vermeer)، ونموذج التحليل النصي التفصيلي الذي وضعته كريستيان نورد (Nord)، وأما سبب وصفي للتحول الكبير في دراسات الترجمة بالثورة يرجع إلى أننا لأول مرة نرى نظرية للترجمة لا تقوم على الكلمة أو الجملة، بل على كيان النص كله، وإن كان بعض الدارسين يفضلون أن ينسبوا «فكرة» أنماط النصوص إلى شلايرماخر (إذ قال بها فعلاً من دون تفصيل)، كما يقول كيتل (Kittel) وﭘـولترمان (Polterman) في موسوعة دراسات الترجمة (2000) من تحرير ﭬـينوتي إن آراء شلايرماخر لم يتجاوزها أحد، ويقولان: إنه سبق ﭬـينوتي في التمييز بين النصوص التي تميل إلى الاحتفاظ بخصائص النص الأجنبي، وبين النصوص التي تجعله أقرب إلى النصوص المحلية المكتوبة أصلاً باللغة الهدف، كما أنه يُعدُّ سبَّاقاً إلى هذه الدعوة إلى التغريب التي تبناها ﭬـينوتي فيما بعد. وقد يكون الكاتبان على حق في إضفاء هذه المزايا على شلايرماخر (وهو ألماني على أية حال)، ولكن الثورة في جوهرها ثورة أنماط النصوص التي وضعتها رايس فأثَّرت فيما شهدته الثمانينيات والتسعينيات من توجهات جديدة في دراسات الترجمة.

والنص الأصلي الذي كتبته رايس عام 1977 لم يُترجم إلى الإنجليزية إلا بوصفه فصلاً من كتاب موسوعي حرره تشسترمان (Chesterman) عام 1989، وكثيراً ما تعاد طباعته، وفيما يلي عرض لهذه النظرية الثورية. تبدأ رايس دراستها بالتشكيك في صحة نظرية التعادل (equivalence) التي سادت الفكر النظري في الترجمة طويلاً، وأكاد أقول منذ نشأة هذا الفكر؛ لأنها وجدت ما يشبه التضارب بين بعض المفاهيم التي ترمي إلى الشيء عينه، مثل الدعوة إلى التعادل الدينامي لا الصوري، والدعوة إلى الطلاقة لا المقاومة، فهل الدعوتان مترادفتان؟ وماذا يعنيان في الواقع العملي؟ أي إنها اكتشفت عدم الدقّة اللازمة لضبط هذه المصطلحات، من واقع خبرتها العملية بالترجمة. ومن ثم حاولت وضع منهجية أقرب إلى روح العلوم الطبيعية بتقسيم النصوص إلى أنماط (types) مستفيدة من التقسيم الذي كان كارل بوهلر Bühler (الألماني) قد وضعه بالألمانية، وأُعيد نشره عام 1965، للفئات الثلاث لوظائف اللغة، فأقامت علاقة بين كل وظيفة ـ بأبعادها اللغوية ـ وبين أنماط النصوص التي تستعمل فيها، أو قُلْ: تجلياتها في أنواع النصوص المذكورة، وها هي ذي ملخصة من كتاب تشسترمان (ص108 ـ 109):

أولاً: النص الإخباري (informative)، وهو نصٌّ يهدف إلى التوصيل السهل للحقائق مثل المعلومات [الأرض كروية، تشرق الشمس في الصباح]، أو الآراء [العالم الحق مَنْ يفيد بعلمه، المدارس في مصر لا تكفي الصغار في سن المدرسة]، فالبُعد اللغوي هنا إحالي، ويشبه الأسلوب الخبري العربي الذي يحتمل الصدق والكذب، والتركيز فيه على المضمون (content) أو الموضوع وغايته التوصيل فحسب.

ثانياً: النص التعبيري (expressive)، ويتميّز بالبُعد الجمالي للغة، فهو النص الإبداعي الذي تتجلى فيه براعة الكاتب في تجسيد إحساس معين (أو رأي معين)، بالتصوير القادر على إثارة القارئ جماليّاً نثراً أو شعراً، فمن النثر قول شوقي: [يا مالْ: الدنيا أنت، والناس حيث كنت، سَخَّرْتَ القرون، وسَخِرْتَ مِنْ قَارُونْ]، ومن الشعر قوله:

[هَمَّتِ الفُلْكُ واحْتَوَاهَا المَاءُ

وحَدَاهَا بمنْ تُقِلُّ الرَّجَاءُ]

ونحن في الحالين نحس وجود الشاعر ونطرب لتلاعبه بالألفاظ والمعاني.

ثالثاً: النص الإنشائي: (operative) أو (appellative)؛ أي الذي يدعو قارئ النص إلى عمل، كالأمر والطلب والرجاء والدعاء، وهو ما لا يحتمل الصدق أو الكذب، وأحياناً ما يترجم بأنه «الداعي للعمل»؛ ولكن الأسلوب الإنشائي في العربية أقرب ما يصفه، وقد يتضمّن النص أكثر من «نمط»، كأن يصاحب الأسلوب الإنشائي نصٌّ تعبيري، كقول شوقي في رثاء مصطفى كامل:

أيَا قَبْرُ هذَا الضَّيْفُ آمالُ أُمَّةٍ

فكَبِّرْ وهَلِّلْ والْقَ ضَيْفَكَ جَاثِيا

O grave ! This guest is the hopes of a nation,

So welcome him, with an alleluia greeting,

And humble yourself to your visitor !

رابعاً: النص السمعي الوسائطي (audiomedial) مثل الإعلانات والأفلام المرئية والمسموعة، وهي التي تضيف إلى الوظائف الثلاث الأخرى صوراً بصرية أو موسيقية وهلم جرّاً، وهو ما استعارته رايس أيضاً من بوهلر ويثبته منداي (2001 ـ ص73).

ويضيف المحدثون بُعْداً خامساً يسمى «إبقاء الصلة» (phatic)؛ أي الكلام الذي لا يُقصد به إلا إبقاء السامع وعدم نفوره أثناء جدل حول صفقة مثلاً، فإذا أحس المتكلم أن السامع قد أشاح بوجهه صاح فيه: «قل لا إلٰه إلا الله!»، فإن قالها ولا يزال متردداً، أعادها المتكلم حتى يستبقي سامعه، أو قال: «تصدِّق بالله؟» مثلاً، ومثل هذه العبارات لا قصد لها إلا إبقاء الصلة، وهي كثيرة في كل اللغات، وهي تشبه بعض أنواع النصوص السابقة في الأبنية اللغوية ولكنها تختلف في الوظيفة.

وتضع رايس رسماً بَيَانِيّاً يحدِّد كل نوع من النصوص في صورته الخالصة، كالمرجع العلمي للنمط الإخباري، وكالشعر للنص التعبيري وكالإعلان للنص الإنشائي. ثم تتحدّث عن الأنواع المهجّنة أو الهجين (hybrid)؛ أي الأنواع التي تتداخل فيها أنماط النصوص، وهذا طبيعي في واقع الحياة اليومية وفي الأدب، ولمْ تَلْقَ نظريتها مقاومة تُذكر، وكان العدد القليل الذي انتقدها يركِّز على افتقار النظرية إلى ملامح تطبيقية محددة، يصلح استخدامها معايير للفصل بين أنواع النصوص، فالأغلب تداخلها وتشابكها بحيث يكاد الفصل بينها في نصٍّ واحدٍ يغدو عسيراً، إن لم يكن محالاً. ولنضرب مثالاً واحداً من أبي تمام وكيف تُرْجِمَ البيتان ترجمةً تعبيريةً تحافظ على التصوير الذي هو جوهر الشعر، وبعض الوزن والقافية، وترجمة أخرى مُجَنَّسةً أو مُدَجَّنَة [أي أقرب إلى روح الإنجليزية]:

ألَا فَلْيَجِلَّ الخَطْبُ ولْيَفْدَحِ الأَمْرُ

فَلَيْسَ لِعَيْنٍ لمْ يَفِضْ مَاؤُهَا عُذْرُ

تُوُفِّيَتِ الآمَال بَعْدَ مُحَمَّدٍ

وأَصْبَحَ في شُغْلٍ عَنِ السَّفِر السِّفْرُ

1. Oh ! What a grave disaster, a calamity

Of untold proportions ! Can any eye

Be excused for not flowing profusely?

All hopes are dead now Muhammad is dead,

And travelers are too shocked to know their way ahead

2. Oh ! What an unqualified disaster !

Can any eye be forgiven for not profusely flowing

When all hopes are dead, now Muhammad is dead,

And, griefstricken, travellers are now stranded !

فالصورة الأولى تقترب من النص المصدر، بالمعنى الذي كان يقصده شلايرماخر من تقريب القارئ من النص، وما أصبح ﭬـينوتي يطالب به باسم التغريب (foreignization)، والصورة الثانية تقترب من طبيعة اللغة الهدف، وهي هنا الإنجليزية، فهي تنفر من تكرار الإشارة إلى الخطب الجلل والأمر الفادح ـ الكارثة الباقعة النازلة الحاطمة (يقول الثعالبي إن ابن الأعرابي جمع من أسمائها أربعمائة، وقال إن تكاثر أسماء الدواهي من إحدى الدواهي). ويُحَوِّل «ليس لها عذر» إلى «لا يمكن الصفح عنها» إن لم تذرف الدمع مدراراً، وهو التعبير المألوف في الإنجليزية، ويقيم رابطة بين دعواه في البيت الأول وكلامه في البيت الثاني، كأنما كان البيت العربي الثاني مسبوقاً بحرف «إذ»، فهو مضمر ويبرزه المترجم في كلمة (when)، التي يبدأ بها السطر الإنجليزي الثالث، ولكنه يتفق مع المترجم الأول في تفسير «وأصبح في شغل عن»؛ أي إن الإحساس بالمصيبة أذهل المسافرين، وهذا الذهول يعبِّر المترجم الأول عنه (بالصدمة)، ويعبّر الثاني عنه «بحزن عميق».

وليس معنى هذا تفضيلَ نصٍّ على نص، فللتغريب أنصاره، من شلايرماخر إلى ﭬـينوتي، وللتجنيس أو التدجين (domestication) أنصاره، وعلى رأسهم نايدا وتابر، كما ذكرنا آنفاً، وما دام جوهر الصور الشعرية قائماً فإن المقارنة في الصياغة لن تأتي بتفضيلٍ بل بذكر (الغرض) من الكلام حسبما تدعو إليه كريستيان نورد (الألمانية). فهي تقول: إننا نحكم على أي نص بمدى تحقيقه للغرض؛ أي لمقصد الكاتب الأصلي، ونتساءل عما إذا كان يريد توصيل المعنى فقط؛ أي أن يقدّم ترجمة توصيلية (communicative)، أو كان يريد تقديم المعنى بصورته في النص المصدر (semantic)، وهو التمييز الذي وضعه نيومارك (Newmark) الإنجليزي.

و ـ ملامح المسار الثاني

وأما المسار الثاني الذي ذكرته في القسم (ب) عالية؛ فأهم ما يتسم به عَدَمُ التعمق في التحليل للنصوص المترجمة أو مضاهاتها بالنصوص المصدر؛ أي الابتعاد عن التناول اللغوي الذي يتميّز به المسار الأول [ويقتضي معرفة اللغتين معرفة عميقة وموهبة تحليل للنصوص]، ولنا أن نسميه المدخل الثاني أيضاً؛ فهو مدخل ثقافي عام، ينظر إلى النصوص نظرة كلية، بوصفها صوراً اجتماعية اقتصادية للنشاط الفكري والإبداعي البشري، والاتجاهات الأساسية فيه يلخِّصها عدد من الباحثين على رأسهم إيڤن زوهار (Even-Zohar)، صاحب نظرية تعدد النظم (The Polysystem Theory) ومفادها أن الترجمة الأدبية مثلاً لا تنفصل عن طبيعة اللغة المكتوبة أصلاً باللغة الهدف، ولا عن الفكر الاجتماعي والثقافي السائد، ويقول: إن الأدباء حين يستشعرون قوة أدبهم المحلّي في فترة ما ؛ فإنهم لا يولون ترجمة النصوص الأجنبية اهتماماً كبيراً، فقد يترجمونها ترجمة توحي بأنها ليست تضارع آدابهم، أو يقدّمون لها صوراً غنائية وغير ذلك من أنواع الاقتباس أو الترجمة غير الملتزمة بالأصل، وعلى العكس من ذلك فإن الأدب المحلّي إذا فقد الثقة في نفسه نزع المترجمون إلى إصدار ترجمات كاملة وصادقة للأصول الأجنبية. وقد استغل كتاب رومي هايلين وعنوانه الترجمة والشعرية والمسرح (1993) هذه النظرية في تحليل ست ترجمات لمسرحية هاملت التي كتبها شكسبير من الإنجليزية إلى الفرنسية في فترات متباعدة، وهي دراسة يبدو أنها تثبت حدس إيـﭭـان زوهار، وتغري بتطبيقها على مسار الترجمة في الوطن العربي، فما دام الأدب العربي جزءًا من النظام الاجتماعي والاقتصادي العام، وكانت تتبدى في داخله عناصر هذا النظام ـ التي يقول صاحب النظرية: إنها تتعايش وتخلق الجو الذي ينشأ فيه المترجم ـ فلا بدَّ أن تتجلّى في الترجمات بعضُ هذه العناصر التي ننسبها اليوم إلى الثقافة. ويبدأ التصنيف هنا باختيار النصوص التي يتصور المترجم أنها يمكن أن تسمى أدباً، وفقاً لمعايير غير معلنة، ولكن جذورها راسخة في «الثقافة» بمعناها الواسع، كما يقول جدعون توري في كتابه معايير الترجمة (1980)، وهو يبني نظريته على الأساس الذي وضعه إيـﭭـين زوهار في أكثر من كتاب له عن نظرية النظم المتعدّدة، وينتهي إلى أن المعايير نسبية لا مطلقة، بمعنى أنها ابنة كل عصر على حدة، ولذلك تجد العمل الأدبي الواحد يترجم عدة مرات وفقاً لعاملين: الأول هو الضغط أو القيود التي تمثّل نظماً فرعية سيميائية ـ أهمها ما هو ديني وما هو اقتصادي اجتماعي ـ والثاني تغير الذائقة اللغوية (والأدبية تبعاً لذلك)، بحيث تتغير معايير نوع الترجمات المطلوبة، ونوع اللغة المستخدمة في هذه الترجمات، ففي الوقت الذي نشطت فيه حركة الإحياء في الأدب العربي، وعدّها أن الكمال الأدبي قائم في ماضي الأمة العربية اللغوي (أي حتى نهاية عصر الاحتجاج) ـ كانت جهود إحياء ذلك الماضي العظيم تتمثل في محاكاته شعراً ونثراً، فيما كان يكتبه البارودي وشوقي وحافظ وعزيز أباظة شعراً، وما يكتبه محمد حسين هيكل وطه حسين نثراً، ولهذا فعندما ترجم الشاعر العظيم خليل مطران بعض مسرحيات شكسبير كان يستلهم أسلوب عصر الإحياء، وهذه أول ظاهرة، ولكن الظاهرة الأهم كانت تتمثل في اختصار مشاهد كثيرة لا تحقّق مفهومه للأدب في تلك الحقبة، مثلما فعل في ترجمة هاملت، فقد اختصرها إلى ما يقرب من نصف طولها، وكان يلجأ أيضاً إلى إعادة ترتيب الفصول أو المَشَاهد، مثلما فعل في ترجمته لمسرحية ماكبث، على قصرها. والسبب الذي نراه اليوم من وراء هذا رغبته في تقديم أمثال هذه الأعمال على المسرح، بحيث يقتنع الجمهور بأنها أدب، وثانياً ضرورة الاختصار عند تقديم مسرحية بالغة الطول مثل هاملت على المسرح.

ومن الطرائف أن أرباب الأساليب العربية (الراقية) ـ في فترة ما بين الحربين ـ كانوا إذا رأوا ترجمة بعض عيون الأدب الفرنسي طلبوا من شخص يعرف اللغة أن يترجمها ترجمة مبسطة ولو ركيكة، ثم يتولى صاحب الأسلوب صوغها وفق معاييره، كما فعل المنفلوطي وحافظ إبراهيم. ولكن إذا كانت ترجمات هذين وترجمات المازني تُعدُّ نماذج للفصحى التراثية الجزلة، فإنها لا تشغل إلا موقفاً ثانويّاً وفقاً لنظرية تعدد النظم، بمعنى أن الترجمة لم تضف جديداً إلى «النظام» الأدبي أو الفكري القائم، وأما الموقع الأوَّليُّ فتشغله الترجمة التي تضيف أنماطاً جديدة في النظام المتعدد الذي يشمله الأدب والفكر والاتجاهات المعرفية في مجتمع من المجتمعات. ويشير إيـﭭـن زوهار إلى الظروف، أو ما يسميه اللحظات التاريخية الثلاث التي تمكّن الأدب المترجم من اكتساب وظيفة أولية؛ أي أن يصبح مؤثِّراً في الحركة الأدبية، ومن ورائها القوى الفكرية والثقافية عموماً، وأن يصبح جزءًا لا يتجزّأ من قوى التجديد في الثقافة المستقبلة له، وهذه اللحظات التاريخية هي:

(1) عندما يكون النظام المتعدّد لم يتبلور بعد؛ أي حين يكون أدب أمةٍ من الأُمم «حديث العهد»، أو لم يستكمل بعد تثبيت أقدامه.

(2) عندما يكون الأدب «هامشيّاً» أو «ضعيفاً» أو ضعيفاً وهامشيّاً معاً.

(3) عندما تنشأ لحظات تحوُّلٍ، أو أزمات أو ما يسميه «فراغات أدبية» في أحد الآداب.

وتقول النظرية بأن أي لحظة من هذه اللحظات التاريخية يمكن أن تؤدّي إلى أن يشغل الأدب المترجم موقعاً أوليّاً داخل النظام المتعدد الأدبي. فإذا حاولنا تطبيق ذلك راعنا ما نجده؛ إذ لا ينطبق علينا من الشروط الثلاثة إلا الثالث، وذلك في نحو منتصف القرن العشرين، حين ترجم علي أحمد باكثير مسرحية روميو وجوليت إلى الشعر العربي المرسل [في مقابل النظم الخالي من القوافي (blank verse) عند شكسبير]، وقد تغيّر مسمى الشعر المرسل بعدها فأصبح يُسمى شعر التفعيلة؛ أي النَّظْم الذي يتكوَّن من وحدات متماثلة (في أغلب الحالات)، ومن هنا أطلقت عليه الشاعرة العراقية نازك الملائكة صفة البحور الصافية، وهي كما هو معروف الكامل والرَّجَزُ والهَزَجُ والرَّمَلُ والمُتَقَارب والمُحْدَثُ (أو المُتَدَارَكُ) الذي تحوّل منذ ذلك الحين إلى ما يسمى الخَبَب. ولما كان هذا البحر هو الذي استخدمه الحَضْرَمِيُّ باكثير في ترجمة شكسبير، وإزاء النجاح الذي لاقته ترجمته عام 1938، أقبل الشعراء على استخدامه، فكأن الترجمة الجديدة أضفت المشروعية على ترجمة المسرح، وكان وجود المسرح أي الدراما [ونحن نميّز بين المسرح (theatre) وخشبة المسرح (stage) وأدب المسرح (drama)] لا يزال يتلمس طريقه بوصفه أدباً لغويّاً يُقرأ، مثل مسرحيات شوقي الشعرية التي وضعها في أواخر حياته من 1832 ـ 1928، وهي مكتوبة بالفصحى شبه المعاصرة وبالبحور الصافية والمركبة، فيستخدم الرجز في الحوار [اسم الحبيب عندنا/ نذكره عند الخدر]، والوافر [هلمي الآن منقذتي هلمي/ وأهلاً بالخلاص وقد سعى لي] والرمل [جبل التوباد حياك الحيا/ وسقى الله صبانا ورعا]، بل والطويل [ألم على أبيات ليلى بي الهوى/ وما غير أبياتي دليل ولا ركب] وهلم جرّاً، وكان استخدامه للرجز يمثل اعترافاً مضمراً به بوصفه بحراً شعريّاً معتمداً، وكان المعهود إلى تلك الآونة أن يُفْصَلَ بينه وبين الشعر، على نحو ما نراه في فهارس لسان العرب مثلاً، ولكن الفن الدرامي العربي لم ينطلق إلا بفضل ترجمة باكثير لروميو وجوليت.

أما الخبب فهو يتيح للتفعيلة المفترضة الأصلية (فاعلن) وصورتيها الشائعتين أي فَعْلُنْ وفَعِلُنْ، كما نرى عند الحصري القيرواني [يا لَيْلُ! الصَّبُّ متى غَدُهُ؟ أقِيَامُ السَّاعَةِ مَوْعِدُهُ؟] ومعارضة شوقي لها [مُضْنَاكَ جَفَاهُ مَرْقَدُهُ! وبَكَاهُ ورَحَّمَ عُوَّدُهُ] يتيح لنا صوراً أخرى أهمها صورة فَاعِلُ، التي شاعت استناداً إلى قوة النبر (accent) كما يقول كمال أبو ديب وسيد البحراوي، حتى وصل الأمر إلى أصبحت فَعِلُكَ، إذ يستهل صلاح عبدالصبور مسرحيته مسافر ليل قائلاً: «بطل روايتنا ومهرجها/ رجل يدعى/ يدعى ما يدعى» فالشطر الأول يتكون من [فَعِلُكَ فَاعِلُ فَاعِلُ فَاعِلُ فَعْ] والثاني من [فَعِلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ فَعْلُنْ فَعْ] والمقارنة توضح تأثير النبر في تحديد صورة التفعيلة. ولا أقول: إن تأثير الترجمة تجلى بين عشية وضحاها، ولكنه قد شجع الأدباء على ترجمة المسرح (الشكل الأدبي المستحدث) نثراً، سواء كان الأصل الأجنبي منظوماً أو منثوراً، وسرعان ما اتجه الأدباء إلى ترجمة الشعر نثراً، وهو الذي ساد في الأربعينيات عندما قدم لويس عوض ترجمات للشاعر ت. س. إليوت نثراً وتلاه آخرون، الأمر الذي دعا الجيل الجديد إلى أن يقبل صورة الشعر المترجم نثراً، بل ويحاكيه، على عكس ما كان إبان حركة أﭘـوللو (1932 ـ 1934) حيث كان الشعراء يتبارون في ترجمة الشعر نظماً.

وهكذا فإن الترجمة عملت على تعديل صورة الشعر، مترجماً أولاً ثم مُؤَلَّفاً بعد ذلك، فلم يعد كثير من الشباب يكتب الشعر العمودي أو يستخدم البحور المركبة. وينطبق على هذا قول إيـﭭـن زوهار بنشأة الترجمة الأولية أثناء منعطف تاريخي، وإن اقتصر هذا على فن المسرح الجديد، الذي لم تكن له نماذج راسخة في التراث العربي، كما أدت الترجمة غير المباشرة إلى نشأة الرواية العربية بالفصحى المعاصرة ابتداءً من عودة الروح لتوفيق الحكيم (1928)، ومن يقارن هذه الرواية برواية زينب لمحمد حسين هيكل (1914) يلحظ الفرق جليّاً لما أسميته الترجمة غير المباشرة، ومعناه استيعاب الأبنية الفرنسية والاستناد إليها في الأبنية العربية من دون أية ترجمة مباشرة، وتوفيق الحكيم يفعل هذا ومحمد حسين هيكل لا يفعله، وهكذا فمن وجهة النظر المذكورة لا تُعدُّ الترجمة ـ كما يقول رومي هايلين (Heylen) ـ «ظاهرة لها معاييرها الثابتة ثباتاً مطلقاً، بل إنها نشاط يعتمد على العلاقات القائمة داخل نظام ثقافي معيّن، وبعض المفاهيم الرئيسة للكفاية والتعادل لا يمكن تناولها تناولاً منصفاً إلا بعد أن نأخذ في حسباننا الدلالات المضمرة داخل تعدد النظم» (ص9).

وإذا كان جدعون توري ـ في كتابه بحثاً عن نظرية للترجمة (1980) ـ يؤيد نظرية تعدد النظم؛ فإنه يضيف مصادر ومناهج معينة لدراسة معايير الحكم على الترجمة، ويبني رأيه في معنى المعيار على ما أنجزته بحوث علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي قائلاً: إنه يمثل ترجمة القيم والأفكار العامة التي يشترك فيها مجتمع معيّن ـ عن الصواب والخطأ، والكافي والناقص ـ إلى تعاليم أداء محددة، تناسب (ويمكن تطبيقها على) حالات معينة، بشرط عدم صياغتها في صورة قوانين، وإن كان تحولها إلى قوانين ممكناً في ظروف أخرى (ص51).

وحتى لا يزيد هذا المقال عن الطول المطلوب أختتم كلامي بالإشارة إلى دراسة كتبها الباحث الصيني وانج دونجفينج (Wang Dongfeng) بعنوان «عندما يحدث التحول: دليل مضاد لفرضية النظم المتعددة» في كتاب عنوانه الترجمة والعولمة وإضفاء الطابع المحلي: منظور صيني (2008) من تحرير وانج نينج (Wang Ning) وصون يفينج (Sun yifeng)، وصدرت الترجمة العربية الكاملة له عام 2016 (المركز القومي للترجمة). ويعرض كاتب الدراسة نظرية إيـﭭـن زوهار تفصيلاً في الصفحات 207 ـ 218، ثم يقدّم الأدلة على استحالة تطبيق نظرية تعدد النظم على النحو الذي شرحتُه على الأدب الصيني، استناداً إلى عامل لم يعمل واضع النظرية حسابه وهو المترجم الفرد، وهو ما قد يؤدي في عصر واحد ـ مهما يكن حكمنا على وضع الأدب المحلي فيه، أو إحساس الأدباء والنقّاد بقوته أو بضعفه ـ إلى اجتماع التدجين [والاقتباس وتحويل الشكل الأصلي] مع التغريب، الذي يقترب من النص الأصلي اقتراباً يُشعر القارئ بأنه نص أجنبي، وينتهي وانج دونجفينج إلى أن يقول:

ويبيّن ما سبق أن مواقف المترجمين ـ في لحظة التحول البالغة الأهمية للصين... تجاه العلاقة بين الثقافة المصدر والثقافة المستهدفة و/أو مكانة الأدب المترجم في النظم المتعددة للأدب باللغة المستهدفة ـ تلعب دوراً حاسماً في اختيارهما الاستراتيـجي. والنتيجة المحتومة أن الاتجاهين اللذين يتخذهما الاختيار الاستراتيـجي ـ وفق تعريف فرضية النظم ـ قد يتعايشان في فترة ثقافية واحدة، والأرجح أن يكون ذلك في فترة التحوّل الثقافي نفسها. ولكن فرضية تعدد النظم تتجاهل إمكان حدوث هذا، بل تفترض أنه من المحال أن يوجد في أية ثقافة غير موقف موضوعي واحد للثقافة، يوصف بالضعف أو القوة، أو أن يوجد غير موقف موضوعي واحد للأدب المترجم يوصف بأنه أولي أو ثانوي، ومن ثم فمن المحال أن يوجد غير اتجاه شامل لاستراتيـجية الترجمة، فهي إما استراتيـجية تغريب أو استراتيـجية تدجين.

––––––––––––––––––––––

Armstrong, Karen. Jerusalem: One City, Three Faiths. New York: Alfred A. Knopf, 1986 (Arabic translation published in 1998).

Baker, Mona. Routledge Encyclopedia of Translation Studies. 1998 (reprinted several times, most importantly in 2001 and 2005).

Chesterman, Andrew, ed. Models in Translation. 1989.

Chesterman, Andrew. “A Causal Model for Translation Studies, ” in Chesterton, Andrew. Intercultural Faultlines, ed. Maeve Olohan, Manchester, St. Jerome Publishing, 2000.

Models of what processes?” in Describing Cognitive Processes in Translation: Acts and Events, ed. Maureen Ehrensberger-Dow et al., 2013.

Dryden, John. Essay of Dramatic Poesy (1668), translated into Arabic with an introduction in a book entitled (درايدن والشعر المسرحي) st edn. 1963, 2nd edn. GEBO 1994.

Enani, M. On Translating Arabic: A Cultural Approach. Cairo, 2000.

Even-Zohar, Itamar. Papers in Historical Poetics. The Porter Institute for Poetics and Semiotics, 1978.

Heylen, Romy. Translation, Poetics, and the Stage: Six French Hamlets. 1997 (repr. 2016).

Lefevere, Andre. “Translation Studies, ” in Literature and Translation: New Perspectives in Literary Studies, eds. James S. Holmes, Jose Lambert and Raymond van den Broeck. Leuven, Belgium: ACCO, 1978.

Malpas, Jeff, ed. The Routledge Companion to Hermeneutics, 2015. Arabic translation published in 2017-2018, Cairo.

Milton, John. Paradise Lost. 1667; reprinted by Alistaire Fowler in 1978, Longman. Translated into Arabic in 1972-2002, Cairo.

Newmark, Peter. A Textbook of Translation, 1988.

Nida, Eugene A. and Charles R. Taber. The Theory and Practice of Translation. Leiden: E. J. Brie, 1974.

Ning, Wang and Son Yifeng, eds. Translation, Globalization and Localization: A Chinese Perspective, 2008 (Arabic translation 2016).

Nord, Christian. Translation as a Purposeful Activity, 1997.

Shakespeare, William. The Merchant of Venice (beween 1596 and 1599) (translated into Arabic in 1988, and frequently reprinted).

Steiner, George. After Babel. 1984.

Toure, Gideon. In Search of a Theory of Translation. The Porter Institute for Poetics and Semiotics, 1980.

Venuti, Lawrence, ed. The Translation Studies Reader. 2000.

Venuti, Lawrence. “The Translator’s Invisibility.” Criticism. Spring 1986, later published in book form and translated into Arabic.

 


[1] ـ  انظر مرشد المترجم، الملحق، القاهرة 2000.

 

أخبار ذات صلة