الفلسفة الإسلامية

عبد الرحمن الحوسني

يُناقش الدكتور عبداللطيف فتح الدين الفلسفة الإسلامية بين التأصيل والتغريب ومرجعيات الفلسفة الإسلامية، وما هي المجالات التي أثرت في بداية تبلور الفكر الفلسفي الإسلامي، وأخيرا تأثير الفلسفة العربية الإسلامية على الفكر العربي.. وهو من أساتذة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

هناك اختلاف بين الباحثين في تعليل نشأة الفلسفة الإسلامية، فمنم من ذهب إلى نفي وجود الفلسفة العربية وشكك بمشروعيتها، وعدّ الآثار التي تركها أعلام كالفارابي وابن سينا وابن رشد فلسفة يونانية مكتوبة بأحرف عربية. وذهب الآخرون من المفكرين المسلمين المحدثين إلى أن الفلسفة المكتوبة بالعربية ليست عربية ولا إسلامية، وإنما هي يونانية الهوية والطابع.

ومفهوم الفلسفة الإسلامية يُستخدم في كثير من الأمور والمجالات، ويمكن تعريفها على أنها الفلسفة التي يمكن استمدادها من النصوص الإسلامية لتقوم بتقديم تطور كامل عن الإسلام للكثير من الأمور كالكون والحياة. وبدأت الفلسفة الإسلامية المبكرة مع يعقوب بن إسحاق الكندي، وهناك مصطلحان يترجمان إلى اللاتينية (philosophy)؛ هما: فلسفة وعلم الكلام. أما الفلسفة ، فتشير إلى المنطق والرياضيات والفيزياء وأما علم الكلام فيشير إلى الشكل العقلاني من اللاهوت الإسلامي.

والكلمة الأقرب لكلمة الفلسفة هي الحكمة، وقد استخدمت في النصوص الإسلامية الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية، وكثير من فلاسفة وعلماء المسلمين يستخدم كلمة حكمة وهي مرادف لكلمة فلسفة.

ويلتقي الإسلاميون والمستشرقون على نفي أصالة الفلسفي العربي، كل من منطلقه العقائدي وخلفياته الفكرية. والمستشرقون بدافع من عنصريتهم ومركزيتهم الغربية اعتبروا العرب قاصرين عن إبداع صيغ فلسفة متكاملة، أما الإسلاميون المعاصرون فلم يعترفوا بمشروعية الفلسفة العربية نظرا لتعصبهم الديني وانغلاقهم الفكري.

وللتخلي عن التعامل مع الفلسفة العربية انطلاقا من مناحي أيديولوجية قومية أو دينية أو من وجهة نظر مركزية غربية، لابد من إعادة النظر في مجموعة من المسلمات الجاهزة.

إنَّ أبرز الحقول المعرفية التي شكلت الإرهاصات الأولية لبروز التفكير الفلسفي في العالم الإسلامي هي التصوف الإسلامي وعلم الكلام وعلم أصول الفقه والفلسفة اليونانية. فلنذكر أولا التصوف الإسلامي الذي ينقسم إلى قسمين: قسم فلسفي وقسم آخر سني، فالقسم الفلسفي يشمل كل التأثيرات بالتفكير اليوناني خاصة الأفلاطونية المحدثة، وأيضا بالتفكير الغنوصي من هندي وفارسي، ثم أمشاج اليهودية والمسيحية. وأما القسم السُّني فيستند إلى القرآن والسنة النبوية الشريفة؛ فالتصوف الإسلامي له شعبية كبيرة جدا في الغرب وأيضا في ألمانيا، والسبب في ذلك هو الظن بأن الصوفية تختلف عن الإسلام المحافظ، لكن هذا الظن لا يتمتع بالصحة الكاملة كما تراه الكاتبة انغا غيباور.

أما علم الكلام فله أسامٍ عديدة؛ من أبرزها: علم أصول الدين وعلم الفقه الأكبر وعلم الإيمان وعلم الأسماء والصفات؛ فهذا العلم يهتم بمبحث العقائد الإسلامية وإثبات صحتها والدفاع عنها بالأدلة العقلية والنقلية. وأما علم أصول الفقه، فهو العلم الذي يبحث عن الشروط المنطقية لتقعيد القول الفقهي.

إنَّ المجال الذي أثر في بداية تبلور الفكر الفلسفي الإسلامي هو ظهور بوادر الفكر الفلسفي الإسلامي مع الترجمات الأولى لمؤلفات الأعلام اليونانية، من اليونانية إلى العربية، ويمكن اعتبار المؤلفات العلمية والطبية أقدم ما تُرجم إلى العربية، نظرا لطابعها العملي. فهناك ثمانية مؤلفات في المنطق، ولعل الاهتمام بالمنطق الأرسطوطاليسي جاء كتمهيد لدراسة القضايا اللاهوتية والفلسفية، إضافة إلى الاهتمام بعلوم الرياضيات أو علوم التعاليم وعلم الفلك. وإلى جانب المؤلفات الطبية والعلمية والمنطقية، تأتي المؤلفات الأخلاقية المنسوبة إلى سقراط، إضافة إلى ما عرفه المسلمون عن المدرسة الطبيعية اليونانية، متأثرين بالتفكير في النظام الوجودي والنظام العددي.

تأثير الفلسفة العربية الإسلامية على الفكر الغربي جاء عبر العلاقات الثقافية بين المسلمين وأوروبا المسيحية عن طريقين؛ هما: طريق إسبانيا، والآخر طريق صقلية ومملكة نابلي، وارتباط ترجمة المؤلفات العرية إلى اللغة اللاتينية باسم العالم اللاهوتي (ريمون). وفي طليطلة كان المسلمون يعيشون جنباً إلى جنب مع المسيحيين، وكان وجودهم في عاصمة الملك ومقر رئيس الأساقفة؛ مما دفع جيرانهم إلى الاهتمام بالحياة العقلية الإسلامية وأصبح أثر الفكر العربي عند الغربيين أثرا بعيد.

يقول أحد المؤرخين للفلسفة الإسلامية، إن أعظم تأثير للفلسفة العربية في أوروبا يمكن ملامسته لدى فيلسوف قرطبة ابن رشد، ففي الوقت الذي يصعب فيه الحديث عن فارابية أو سيناوية لاتينية، نجد في مقابل ذلك رشدية لاتينية تأسست بموجبها مدارس فلسفية. وفي القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت رشدية باريس رغم مقاومة المدرسة الدومينيكية التي مثلها albet le grand، وفي عام 1429م ظهرت رشدية إيطالية في جامعة بادو وبولونيا اللتين تؤلفان جامعة واحدة في شمال إيطاليا، ومن أبرز مؤيدي الرشدية اللاتينية في هذه الجامعات نذكر الراهب الأوغسطيني. ويمكن القول إن الرشدية دخلت الغرب باعتبارها تمثل التراث الكامل لأرسطو كما شرحه ابن رشد وكما تقبله واستفاد من الفلاسفة اللاتين.

وفي الختام.. يُمكننا القول بأنَّ مشروع الفلسفة هو جزء من المشروع الحضاري الذي يتوخى، بدرجات متفاوتة، رفع رهان الحداثة والخروج من التوقع والوثوقية وتوسيع مجال السؤال الفلسفي المنفتح والمتجدد. وأهدافها التي يمكن أن تتحول إلى مشاريع تؤدي إلى تغير معالم المجتمع، كالحاجة إلى ترشيد التدبير وعقلنة المؤسسات وترسيخ قيم اجتماعية في مختلف القطاعات وتنمية العنصر البشري لكي يكون قادرا على تحدي رهانات الحداثة والتخطيط لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع راهناً ومستقبلاً.

أخبار ذات صلة