د. عبد اللطيف فتح الدين | أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بنمسيك - جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء
نشأة الفلسفة الإسلامية بين التأصيل والتغريب
اختلف الباحثون في تعليل نشأة الفلسفة الإسلامية، فهناك من ذهب إلى نفي وجود فلسفة عربية، وشكك بمشروعيتها وبأصالتها، واعتبروا أن الآثار التي تركها أعلام كالفارابي وابن سينا وابن رشد، هي فلسفة يونانية مكتوبة بأحرف عربية، كما ذهب إلى ذلك بعض المستشرقين. ومن المفكرين المسلين المحدثين من اعتبر أن الفلسفة المكتوبة بالعربية ليست عربية ولا إسلامية، وإنما هي يونانية الهوية والطابع.
هكذا يلتقي الإسلاميون والمستشرقون، على نفي أصالة النتاج الفلسفي العربي، كل من منطلقه العقائدي وخلفياته الفكرية. المستشرقون بدافع من عنصريتهم ومركزيتهم الغربية التي تعتبر أن العربي قاصر عن إبداع صيغ فلسفية متكاملة. أما الإسلاميون المعاصرون، فلم يعترفوا بمشروعية الفلسفة العربية، بدافع من تعصبهم الديني وانغلاقهم الفكري، معتبرين أن للإسلام فلسفته الخاصة المستمدة من أصوله الثقافية والعقائدية، والمتمثلة بعلم الكلام على وجه التحديد، كمجال بديل ومغاير للتفكير الفلسفي، بالرغم من التداخل بين المجالين...، لتفنيد هذه النزعة الإستبعادية أو المغلقة إلى الفلسفة الإسلامية، يعتبر د.علي حرب، أن التعامل مع الفلسفة العربية بمنطق النفي، لا معنى له سوى نصب الحواجز بين الثقافات أو التعلق الخرافي بالأصول، أو السعي إلى تجنيس المعارف التي هي ثمرة العقل، أو احتكار الشريعة التي هي ثمرة الوحي. وفي ذلك تضييق لما اتسع في الفلسفة أولا، لأن الفلاسفة هم أول من عرف الإنسان بأنه كائن ناطق، عاقل، بصرف النظر عن لغته وعرقه ومعتقده، وهو تضييق لما اتسع في الشريعة ثانيا، لأن النص القرآني يخاطب الناس بصرف النظر عن ألسنتهم وألوانهم وأعراقهم (1)
للتخلي عن التعامل مع الفلسفة العربية انطلاقا من مناحي إيديولوجية قومية أو دينية، أو من وجهة نظر مركزية غربية، ينبغي إعادة النظر في مجموعة من المسلمات الجاهزة، واعتبار أن الفلسفة الإسلامية هي نتاج عقلي رسم لنفسه حقولا مفهومية تتصل وتتفاعل، تارة، أو تنفصل وتتخارج، تارة أخرى، مع أنماط من التفكير المتصلة بالعلوم الإسلامية الأصيلة أو بالفلسفة و العلوم اليونايية، معلنة بذلك انتماءها إلى تاريخ الفلسفة وإلى عصر من عصورها المزدهرة.
مرجعيات الفلسفة الإسلامية
ولعل أبرز الحقول المعرفية التي شكلت الإرهاصات الأولية لبروز التفكير الفلسفي في العالم الإسلامي، نذكر أولا : التصوف الإسلامي، وينقسم إلى قسمين قسم فلسفي وهو يشمل كل التأثيرات بالتفكير اليوناني وبخاصة الأفلاطونية المحدثة وأيضا بالتفكير الغنوصي من هندي وفارسي ثم أمشاج اليهودية والمسيحية وقسم آخر سني يستند إلى القرآن والسنة. ثانيا : علم الكلام أو علم أصول الفقه وعلم الحجاج وهي ميادين تهتم بالبرهنة على العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية بدأت الفرق الكلامية وخاصة المعتزلة في مناقشة القضايا الكبرى في الإسلام أو ما يسمى بجليل الكلام كالصفات والفعل الإلهي والفعل الإنساني والإمامة وسينتقل الكلام أيضا إلى واجهة أخرى وليدة تأمل المتكلمين في العالم الخارجي، كالجوهر والأعراض قضية النفس قضية العقاب. ويمكن، هنا، استحضار أبو هذيل العلاف والنظام أول المساهمين في بلورة التفكير الفلسفي وأعقبهم الأشاعرة في دفاعهم عن مشروعية الجدل الكلامي وإعماهم لحجج نقلية وعقلية لتدعيم ممارستهم الكلامية واحتكامهم لبعض النصوص القرآنية التي تحث على الجد والعقل والعلم واستعملوا أيضا دلائل عقلية، حيث أصبح الجدل ضرورة عقلية لمواجهة البدع مثل الجهاد لمواجهة الأعداء، فممارسة علم الكلام عند الأشعرية لم تكن رغبة علمية، كما هو الشأن عند المعتزلة، ولكنها رغبة مؤقتة لمواجهة البدع، إن علم الكلام ينتهي عندما تنتهي البدع، وابن خلدون من المتأخرين يذكر :" ولا حاجة لنا اليوم بعلم الكلام فلقد قضي على البدع من طرف الأئمة". وقد يعتبر بعض المؤرخين لتاريخ الفلسفة أن فلسفة الإسلام الحقيقية تكمن في ما حققه كل من المعتزلة والأشاعرة وكل ما سيأتي من فلسفة الكندي والفارابي وابن سينا ما هي إلا عقلانية مقلدة للفلسفة اليونانية واعتبر أن الكندي وابن رشد متفلسفة وليسوا فلاسفة (2) هذا الأمر يطرح، مرة أخرى، التساؤل، أولا، عن ماهية الفلسفة كمنهج عقلي استدلالي يميزها عن التاريخ والعقيدة والشعر، وسواها من وجوه الإبداع الإنساني، ومن تمة تبقى للفلسفة خصوصيتها التي تميزها من حيث الموضوع والمنهج عن باقي العلوم، أصيلة كانت أم حقة
ثانيا التساؤل عن المعنى الذي نعطيه لتاريخ الفلسفة بشكل عام، فنحن هنا لا نتحدث عن فكر إنساني متصل الحلقات بل عن بداية متأصلة بعيدة عن كل تأثير براني. خطورة هذا التحليل تتجلى في كون أننا سنسقط في الحديث عن فلسفة إسلامية خارج التاريخ وسنعدم فيها عنصر التفاعل والتاثير والتأثر.
ثالثا : هناك علم أصول الفقه وهو العلم الذي يبحث عن الشروط المنطقية لتقعيد القول الفقهي.
رابعا : الفلسفة اليونانية حيث ظهر فلاسفة الإسلام لقراءة وتأويل الفلسفة اليونانية وفق الواقع الذي يعيشه العالم الإسلامي. فالإسلام انتهى إلى وضع الميتافيزيقا وضعا نهائيا لم يترك للعقل مجالا للاجتهاد وحدد معالمها تحديدا كاملا باعتبارها لا معرفات وتتسلسل إلى ما لا نهاية، فكان لا بد من الرجوع إلى النص ومن ثمة قصور العقل الإنساني عن التوصل إلى الشيء في ذاته. وظهرت الفلسفة اليونانية كبحث مطلق في الوجود من حيث هو موجود وإمكانية تأمل الذات في الوجود وهو الأمر الذي أدى بالفقهاء إلى مهاجمة الفلسفة اليونانية باعتبار أن العبقرية الذاتية في تأملها للوجود تتنافى مع الإجماع كشرط أساسي في الممارسة الفقهية والكلامية(3)
ما هي المجالات التي أثرت في بداية تبلور الفكر الفلسفي الإسلامي ؟
ظهرت بوادر الفكر الفلسفي الإسلامي مع الترجمات الأولى لمؤلفات الأعلام اليونانية، من السريانية أو اليونانية إلى العربية، ويمكن اعتبار المولفات العلمية والطبية أقدم ما ترجم إلى العربية، نظرا لطابعها العملي، إضافة إلى الاهتمام بالمنطق الذي ترجم في مجمله، ولعل إسهام الفلسفة الإسلامية في هذا الإطار هي إضافة كل من كتاب الخطابة والشعر إلى مؤلفات الأوركانون لتصبح ثمان مؤلفات في المنطق عوض ستة، ولعل الإهتمام بالمنطق الأرسطوطاليسي جاء كتمهيد لدراسة القضايا اللاهوتية والفلسفية بالإضافة إلى الاهتمام بعلوم الرياضيات أو علوم التعاليم وعلم الفلك. حاجة المتكلمين بتأسيس نسق كلامي يمكن من التنظير للحياة الدينية والسياسية ومناهضة التيارات المضادة للإسلام كاليهودية والمسيحية، فظهور علم الكلام ساهم في بلورة البحث الفلسفي فرغم كونه يستمد مادته الأولى من القرآن بقي في جوهره بحثا ميتافيزيقيا بمناقشته لقضايا متعلقة بالجوهر والأعراض قضية النفس قضية العقاب.
إلى جانب المؤلفات الطبية والعلمية والمنطقية، تأتي المؤلفات الأخلاقية المنسوبة إلى سقراط ، إضافة إلى ما عرفه المسلمون عن المدرسة الطبيعية اليونانية، كالمدرسة الأيونية والأيلية والفيتاغورية، متأثرين بالتفكير في النظام الوجودي والنظام العددي، أيضا المدرسة الذرية مع لوقيبوس وديقريطس والمدرسة التصورية المثالية مع سقراط أفلاطون وأرسطو.
تأثير الفلسفة العربية الإسلامية على الفكر الغربي
الحديث عن حضور التراث الفلسفي الإسلامي في الفكر الإنساني يستدعي النظر إليه باعتباره رافد من الروافد التي أغنت الفكر الأوربي والإنساني على العموم و لا ينبغي أن يفهم منه القيام بنوع من السبق الزمني أو المفاضلة بين فكر فلسفي متأصل وفكر غربي ناشئ، لأن هذا الأمر سيوقعنا في نوع من الإسقاطات باعتبار أن شروط التأصيل تتنافى مع التأسيس الموضوعي للمعرفة. فقولنا مثلا أن ابن خلدون قد أثر في فكر فيكو ومنتيسكيو وأوكوست كونت، لا يعني أفضلية ابن خلدون على هؤلاء الفلاسفة الغربيين أو سبق الغزالي لديفيد هيوم فيما يخص مفهوم السببية قد يكون في هذا الأمر نوع من عدم احترام للشروط المعرفية الإبستملوجية أو الحضارية لنشوء فكر ما. فالفكر الإنساني تحكمه بنيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و لا يمكن لفكر أن يفسر خارج سياقاته الزمانية والمكانية. انطلاقا من هذا السياق يمكن فهم عملية انتقال الثرات الفسفي الإسلامي إلى أوربا (4)
لقد تمت عملية الإخصاب بين الفكر العربي والفكر الأوربي في منطقتين : الأولى إسبانيا وفي مدينة طليطلة، والثانية صقيلية وجنوب إيطاليا في عهد فريديريك الثاني المتوفى سنة 1250 م ولقد كانت هاتان المنطقتان نقطتي تلاقي بين العقلية الأوربية الناشئة، لأنها على الحدود بين دار الإسلام وبين أوربا. كان هناك تبادل ثقافي عن طريق الرحلات وكان هناك تفاوت على مستوى الإنتاج الثقافي ففي الوقت الذي نجد فيه حركة فكرية و علوم متأصلة في الساحة العربية الإسلامية كنا نجد في الغرب المسيحي خلاصات شاحبة لآثار ضئيلة من العلم اليوناني وكانت الدراسات في أوربا محصورة في فئة نادرة من الرهبان. ولذلك قامت في أوربا حركة للترجمة تقوم بنقل ما ترجم عن اليونان إلى اللغات اللاتينية. فترجمت كل من مؤلفات الفارابي وابن سينا والغزالي، كما ترجمت عدة مؤلفات في الفلك والنجوم ومن بينها كتب الخوارزمي التي بفضلها انتقل حساب الهندسة إلى أوربا باسم اللوغاريتم.
ويمكن القول بأن تأثير الفلسفة العربية الإسلامية في تأسيس الفكر العلمي الأوربي قد طال كل العلوم بمختلف فروعها من طب وعلوم الطبيعة والفلك والرياضيات والموسيقى. فعن طريق العرب عرفت أوربا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر مؤلفات أرسطو ومعالم فلسفة أفلاطون فقد ترجم كتاب البرهان أو التحليلات الثانية والسماء والعالم والكون والفساد والآثار العلوية.
ابن رشد و بناء الهوية الفلسفية لأوربا خلال العصر الوسيط
يقول أحد المؤرخين للفلسفة الإسلامية، أن أعظم تأثير للفلسفة العربية في أوربا يمكن ملامسته لدى فيلسوف قرطبة ابن رشد، ففي الوقت الذي يصعب فيه الحديث عن فارابية أو سيناوية لا تينية، نجد في مقابل ذلك رشدية لاتينية تأسست بموجبها مدارس فلسفية. ويمكن استقراء الواقع الذي ساهم في توسع الرشدية في المجال الأوربي على المستوى المادي والمتمثل في تعدد شروح ابن رشد حتى صار يعد من بين المصادر الرئيسية عندهم. وعلى المستوى المذهبي يتجلى ذلك في المجالات والمحاورات الفكرية التي تحولت إلى نزاعات رشدية. أما على المستوى الفكري فقد حدث دخوله تغييرا جدريا على مستوى المفاهيم العلمية وأصبحت الرشدية رمزا لكل حركة تحررية. ومن ثمة خرجت الرشدية من قاعات الجامعات إلى شتى المحافل الإجتماعية فأصبحت بمثابة إيديولوجيا في زمن كان فيه الغرب في حاجة إلى الفكر العقلاني المتحرر. كان ابن رشد عاملا أساسيا في ترسيخ الجدل الساخن والمتواصل بين الفلاسفة الغربيين واللاهوتيين مما تمخضت عنه جملة من التيارات كل حسب موقعها رشدية محافظة أو رشدية مغالية أو رشدية معتدلة
فظهرت رشدية باريس منذ القرن الثالث عشر الميلادي رغم مقاومة المدرسة الدومينيكية التي مثلها Albet le grand والقديس توما الأكويني Thomas d’Aquin ، كما ظهرت أيضا رشدية إيطالية في جامعة بادو وبولونيا اللتا نتؤلفان جامعة واحدة في شمال إيطاليا ومن أبرز مؤيدي الرشدية اللاتينية في هذه الجامعات نذكر الرهيب الأوغسطيني Paul de venise 1429م، وهو رشدي متشدد ناهض ضد خصوم الرشدية كما يعد نكلتيي فرنيا أبرز مؤيدي الرشدية في القرن الخامس عشر الميلادي، شديد التعصب حتى أنه اتهم [غفساد إيطاليا بالضلال وذلك من أجل تأييده لنظرية "وحدة العقل" هؤلاء الفلاسفة كا نوا يحاربون فلسفة القديس الأكويني Thomas d’Aquin ، باعتباره خائنا للفلسفة، وأشادوا بابن رشد باعتباره تجسيدا للعقل الإنساني المتحرر. وقد استمر فكره نشيطا إلى حدود القرن السابع عشر حيث أثر في فكر جليليوGalilio 1642م في العلم الطبيعي. ومن بين الجامعات الرشدية نذكر أيضا جامعة أكسفورد وقد مثلها بحق روجي بيكون Roger Bacon الذي انصبت اهتماماته على دراسة تعاليم أرسطو الطبيعية والفلكية وشراحه العرب(5)
ويمكن القول أن الرشدية دخلت الغرب باعتبارها تمثل التراث الكامل لأرسطو كما شرحه ابن رشد وكما تقبله واستفاد منه الفلاسفة اللاتين.
ولعل الرشديين هم الذين اعتنقوا التأويل الرشدي لكتاب النفس وقالوا بوحدة العقل أو النفس والتي ترتب عليها إنكار المسؤولية الفردية وهو العمل الذي أثار غضب نفوس علماء اللاهوتارتبطت الرشدية اللاتينية بتيارات فلسفية عريضة انضوت تحت أطروحات ونظريات ومفاهيم تمثلت في مسائل نذكرها :
مسألة قدم العالم التي ترفض مبدأ فعل الخلق الإلهي للكون وتتقبل الإله في سياق المتسبب الأول أو المورد الأول للوجود.
نظرية العقل الفعال، التي نفت الخلق ونفت أيضا "عدم فناء النفس الإنسانية، ورأت في هذا المنحى أن عملية المعرفة والإدراك ليست إلا اتصالا وتواصلا من طرف العقول الفردية السلبية (غير الفاعلة) بالعقل الكوني الأعظم.
إشكالية العلاقة بين الإيمان بالمعرفة أو الوحي بالعقل والتي عالجها الرشديون اللاتينيون وفق فهم مغاير لرأي ابن رشد.
ما هو الدور المنوط بالفيلسوف العربي الإسلامي اليوم في تجديد الفكر الفلسفي؟
لما كانت الفلسفة أبعد المطالب البشرية عن الإقليمية الضيقة كان من واجب المشتغلين بها المشاركة الفعالة في صنع الفكر العالمي والإفادة منه والتفاعل بين المحلي والكوني(6)
يمكن القول أن الفلسفة لا تتجدد بقراءة تاريخها الخاص، بل أن كل فلسفة تشكل، بطريقة ما، قراءة للبداية اليونانية. وهذا ما ُنعاينه من خلال القراءة التي مارستها الفلسفة الغربية على تاريخه الخاص، بتأمل الكوجيطو الديكارتي، أو على الفلسفة اليونانية، كما نجد عند نيتشهNietzsche أوهيديغرHeidegger أو ديريدا Derrida أو فوكو Foucault .
ونظرا لكون الفلسفة العربية لم تحض بنفس الاهتمام في القراءة والنقد، تبقى مهمة المفكر العربي، إذن، هي إعادة قراءة تاريخ الفلسفة قراءة تعيد لمختلف الحضارات ولمختلف الفترات التاريخية المنسية قدرها من الإسهام في هذا التاريخ.
لا يمكن اعتبار، منجزات التاريخ المعاصر ملكا خاصا بالغرب الأوربي، فرغم العداء التاريخي الذي تحكمت فيه ظروف ومصالح، فإن معركتنا معه لا ينبغي أن تجعلنا نتغاضى عن أهمية المشروع الحضاري في كليته وشموليته أو نغفل ضرورة استيعاب مكاسبه التاريخية على جميع المستويات وهو الأمر الذي سيتيح لنا انخراط أفضل في العالم وفي التاريخ.
أن كل مفاصل المشروع النهضوي العربي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية تتوقف على مدى توافر شرط أساسي هو ضرورة استيعاب أسس الثقافة الحديثة, وبدون اكتساب هذه القدرة على استيعاب معطيات الثقافة العالمية الحديثة ستجد الثقافة العربية نفسها غير قادرة على استيعاب منطق العالم الحديث، وغير قادرة على فهمه
يمكن أن ننتهي إلى القول بأن مشروع الفلسفة هو جزء من المشروع الحضاري الذي يتوخى، بدرجات متفاوتة، رفع رهان الحداثة والخروج من التقوقع والوثوقية وتوسيع مجال السؤال الفلسفي المنفتح والمتجدد، هو أيضا ضرورة تاريخية لم تتخل عن مهمتها الأساسية وعن غاياتها التنويرية التي حددتها لنفسها، منذ العصور الوسطى ...، رهان الفلسفة أيضا يكمن في إمكانية تطوير نزعة إنسانية تعيد قراءة وتأويل معطيات تاريخنا وتراثنا في أفق تحديثه وتبيئته، وذلك ما يحدده الموقف الواعي باحتياجات العصر وبالتراث الغربي المعاصر في آن واحد. ولعل من أقوى رهانات الفلسفة العربية اليوم هو محاولة أقلمة الأبنية الفكرية من أدوات وأجهزة نظرية مع الواقع الاجتماعي بحيث ينبغي التوصل إلى علاقة ارتباطيه بين الأبحاث العلمية وأهدافها التي يمكن أن تتحول إلى مشاريع تؤدي إلى تغيير معالم المجتمع، كالحاجة إلى ترشيد التدبير وعقلنة المؤسسات وترسيخ قيم اجتماعية في مختلف القطاعات وتنمية العنصر البشري لكي يكون قادرا على تحدي رهانات الحداثة والتخطيط لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع راهنا ومستقبلا.
-------------------------------------------------
الهوامش والإحالات:
علي حرب " فلسفة ما بعد الحداثة" مجلة المنطلق العدد 114 ، ص 82-83
علي سامي النشار "نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام" الجزء الأول دار المعارف مصر 1975في مقابل هذا الموقف نجد من يعتبر أن الفلسفة هي أبعد المطالب البشرية عن الإقليمية الضيقة، وكان من أبرز مؤهلات المشتغلين القدرة على المشاركة الفعالة في صنع الفكر العالمي والإفادة منه، أي الفعل والتفاعل بين الفئات العرقية والقومية.
د. ماجد فخري " تاريخ الفلسفة الإسلامية" دار المشرق بيروت 1986
د. محمد وقيدي " بناء النظرية الفلسفية" دار الطليعة بيروت 1990
د. عبد الرحمان التليلي " لمحات عن الرشدية في الغرب الإسلامي" ضمن اعمال الندوة الدولية بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد مراكش 1998 نشورات الجمعية الفلسفية المغربية.
د. ماجد فخري " الفلسفة كمنحى إنساني" مجلة المستقبل العربي العدد 67 مركز دراسات الوحدة العربية 1985