المسلمون في بولندا.. قراءة في صفحات منسية من تاريخ أمتنا الإسلامية

-في-فرنسا-nhot17xfc3x1bhr4q06la2x369k4znbc3hogf6npzs.jpg

الأمين عبد الحميد أبوسعدة| أكاديمي- جامعة طنطا مصر،/ جامعة الملك فيصل، السعودية

تقع بولندا في منتصف أقصى الشمال الأوروبي، وتطل في جزء كبير منها على الساحل الجنوبي لبحر البلطيق، وتجاورها ألمانيا من الغرب، وجمهوريتي التشيك وسلوفاكيا من الجنوب، ومن الشرق أوكرانيا وبيلاروسيا (روسيا البيضاء)، ومن الشمال بحر البلطيق ومنطقةكاليننجرادKaliningrad الروسية الصغيرة. وتُعرف بولندا بهذا الاسم أو صور قريبة منه في معظم لغات العالم، وفي البولندية نفسها تعرف باسم بولوسكاPolska، أما في الفارسية والتركية فتُعرف بولندا باسم ليه أو لاهستانمن اسم القبيلة البولندية ليخLęch، بينما عرفتها المصادر البيزنطية بأسماء مختلفة، هي "لاخيا، وبولتزا، وبولانيا(1)

وقد ظهرت بولندا كدولة في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي في عصر الملك ميشكو الأولMieszko I of Poland(962-992م) الذي تذكره المصادر الإسلامية باسم مشقة، والذي تبنى المسيحية، وإن كان ابنه بوليسلاف الأول Bolesław I(992-1025م) هو من أول من تُوج فعلاً كملك مسيحي لبولندا.وأول مرة ظهرت بولندا في المصادر العربية هي ما ذكرهالرحالة الأندلسي اليهودي إبراهيم بن يعقوب الذي زار بولندا حوالي 965-971م، وكتب عنها ملاحظاته بالعربية، وقد أورد الجغرافي المسلم أبو عبد الله البكري تلك الرواية في كتابه "المسالك والممالك"(2) وعاشت بولندية دولة مسيحية سلافية تحت ظلال جارتها القوية الإمبراطورية الرومانية المقدسة، تتفاعل حربا وسلماً مع جيرانها في الشرق والغرب، وتربطها علاقات وثيقة ومباشرة مع البابوية في روما(3) وفي الوقت نفسه كان لها علاقات تجارية مع المسلمين.

وفي منتصف القرن السادس عشر الميلادي شكلت بولندا مع جارتها ليتوانيا الاتحاد البولندي الليتواني، الذي عُرف باسم دوقية ليتوانيا العظمى Grand Duchy of Lithuania، والتي عاشت عدة قرون على شكل دولة كبيرة امتدت على مساحة شاسعة من الأراضي في منتصف وشرق وشمال أوروبا،  من بحر البلطيق شمالاً حتى البحر الأسود وشبه جزيرة القرم جنوباً، الأمر الذي جعلها على اتصال-وفي الغالب صدام أيضا- مع معظم القوى الأوربية، ومنها بطبيعة الحال الدولة العثمانية التي كانت في أوج مجدها.

أما عن علاقة المسلمين ببولندا فتعود جذورها إلىالنصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي/ السابع الهجري،حين خرجت جحافل المغول من وسط آسيا لتكتسح أمامها الكثير من الممالك الإسلامية في آسيا. وفي وسط الزخم العسكري المغولي انفصلت فرقة عسكرية صغيرة بقيادة باتو خان حفيد جنكيزخان من ابنه جوجي، واتجهت إلى الشمال الشرقي حيث روسيا والحدود الأوربية. وطبقا لوصية الخان المغولي الأعظم فقد ورث أبناء جوجي خان منطقة سهول الاستبس حتى المجر، وكان على باتو ابن جوجي أن يشق طريقه في شرق أوروبا، مستخدما التكتيك المغولي المعروف من بث الرعب والفزع، والقسوة المتناهية في التعامل مع الأعداء. وعلى مدى سنوات قليلة أصبح باتو حفيد جنكيزخان سيداً على منطقة واسعة في شرق أوروبا وغرب آسيا، تضاهي ممالك الخان الأعظم نفسه. وقد استطاعت جيوش باتو المغولية تدمير الدولة الروسية وسحق جيوشها تماماً، ومن ثم تأسيس دولة مغولية عُرفت لاحقاً باسم القبيلة الذهبية(4) Golden Horde  ، وعاصمتها سراي Saray التي تقع في منطقة غنية وافرةفي حوض نهر الفولجا في روسيا،وبعدوفاة باتو في عام 1255م، حكم ابناه لفترة قصيرة لم تتعد عامين، ليعقبه أخوه بركه خان (1257-1267م). 

كانت فترة حكم بركة خان فترة تحول خطيرة في تاريخ المغول، ومغول القبيلة الذهبية بشكل خاص، وكان الحدث الأهم هو اعتناقه الإسلام، الأمر الذي أدخله بالتأكيد في تحالفاتمع القوى الإسلامية،  وخصوصاً المماليك في مصر، وفي الوقت نفسه في عداوة ضارية مع مغول فارس، الذين لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد. وفي وسط السهول الروسية حكم بركه خان من عاصمته سراي، واستقدم هو وخلفاؤه من بعده الكثير من علماء المسلمين، وبشكل خاص الصوفية الذين لعبوا دوراً بارزاً في حياة تتار القفجاق(5)، كما شيد الكثير من المساجد في تلك البلاد، وكان على خليفته مونك (منكو) تمرMengü-TemürMöngke-Temür,(1267- 1280م) أن يحافظ على تلك الدولة الواسعة التي امتدت من الصين حتى شرق أوروبا، وشمال البحر الأسود وشبه جزيرة القرم الواقعة داخل ذلك البحر. وهكذا أصبح لبولندا المسيحية جار جديد مشاغب يدين بالإسلام.

ولم تكن دولة القبيلة الذهبية هي فقط الجار المسلم الوحيد لبولندا، فقد سكنت عناصر التتار المسلمة شبه جزيرة القرم في البحر الأسود، والتي جاورت لفترات الحدود البولندية الليتوانية. وكانت شبه الجزيرة هذه قد أصبحت دويلة تتارية عرفت باسم خانية القرم(6)، وأصبحت تابعة للسلطان العثماني منذ عام 1475م، ومن ثم محور من محاور العلاقات البولندية العثمانية، وفي وسطها كان عنصر التتار عاملاً مشتركاً، فقد كانوا إما محاربين مع العثمانيين المسلمين في جانب، أو عناصر تتارية مسلمة من داخل بولندا نفسها في الجانب الآخر.

أما عن بولندا فقد كانت تواجه عدوين لدودين من اتجاهين مختلفين: الأول والأشد خطورة هم فرسان التيوتون الصليبيون الذين وصلوا إلى الشمال الأوربي لشن حملة صليبية لتنصير الشمال الوثني، حيث كانت الدوقية الليتوانية البولندية في أغلبها وثنياً حتى تلك الفترة، ومن الشرق كانت دوقية موسكو(7)، ويمكن بالطبع أن نضيف إليهم الدولة العثمانية الجار المسلم القوى الذي جمعته بالدوقية حدود طويلة في شرق أوروبا.

وقد عرفت بولندا التتار حتى قبل دخولهم الإسلام، وذلك منذ عصر باتو الذي قاد في عام 1241م حملة عسكرية كبرى داخل الأراضي البولندية نفسها، ورغم المقاومة البولندية الباسلة فقد انتصر التتار، وإن لم يتوغلوا كثيرًا داخل الأراضي البولندية، ولم يستقروا بها، وقد أشار دوجوش Długosz مؤرخ بولندا الكبير إلى ذلك بالتفصيل، وأشار إلى أن مغول باتو ( القبيلة الذهبية فيما بعد) قد أصبح يُطلق عليهم اسم التتار التي تعني بلغَتِهم "العدد الكبير"(8)، وكانت دولة المجر المجاورة هي الهدف التالي للتتار حيث حاقت بها هزيمة ساحقة (9)

وهكذا فرضت الظروف على بولندا والدوقية الليتوانية البولندية العظمى جاراً مسلماً قوياً تمثل في دولة مغول القبيلة الذهبية المسلمة، وكان الصدام أو التعاون أمراً حتمياً بين الجانبين المسلم والليتواني. وتسجل الحوليات البولندية عام 1287م أول هجوم لتتار القبيلة الذهبية – المسلمين- على بولندا، وقد وصفت تلك الحوليات المهارة التتارية – والتركية أيضا - في القتال عن بُعد بالسهام، ثم المناورة السريعة في الكر والفر(10) ومن الواضح أن تلك الغارات التتارية قد ألحقت الكثير من الخسائر بالبولنديين. ويبدو أن الغارات التتارية كانت تعاود الهجوم على بولندا من فترة لأخرى، ففي 1330م طلب الملك البولندي فيلاديسلافWładysław I (1320-1333م) من البابا يوحنا الثاني والعشرين John XXII (1316-1334م) أن يُعلن حرباً صليبية ضد التتار ولكن البابا تجاهل الأمر، وانتهى الموقف بجمع بعضالتبرعات من المسيحيين في بولندا وجيرانها لمواجهة التتار(11) ومرة أخرى وبعد أن استقر التتار المسلمون كجيران شرقيين لبولندا حدث أنْ تنافس الجانبان على مناطق الحدود المشتركة عام 1344م، واشتبك تتار القبيلة الذهبية في صراع عسكري مع بولندا، حيث تصدى لهم الملك البولندي كازمير الثالث IIICasimir (1333-1370م)(12) ، وكان من الواضح تعادل القوى هذه المرة، أو على الأقل فقد التتار اليد العليا في النزاع العسكري مع جيرانهم المسيحيين.ولم يمر وقت طويل على الصدام السابق حتى دخل التتار المسلمون في الصراعات المحلية بين بولندا وليتوانيا، ففي عام 1352م استعان بهم دوق ليتوانيا في صدام عسكري مع جارته بولنداً(13)، وهكذا أصبح التتار المسلمون لاعباً أساسياً في العلاقات الدولية في بولندا وحولها.

وكان عام 1360م عاماً فاصلاً في حياة القبيلة الذهبية، فقد قُتل الخان بيردي بك Berdibeg (1357-1359م) على يد أخيه، الذي قُتل هو أيضا على يد أخ ثالث، وهكذا دخلت دولة القبيلة الذهبية فترة من التشتت والانقسام، وانقسمتالمملكة الواسعة إلى قطاعات واسعة، وأصبحت أراضيها مطمعاً للقوى المجاورة مسيحية وإسلامية على حد سواء(14).ومع ضعف وتشتت دولة مغول القفجاقبدأت القوى المسيحية -خصوصا- ليتوانيا تتشجع على مواجهتها، كما حدث في معركةسيني فودي (المياه الزرقاء)SinieVody 1363م، التي انتصرت فيها ليتوانيا على التتار. كما ظهرت مجموعات من التتار في خدمة الملك البولندي ضد خصومه المسيحيين(15). وفي عام 1370م شارك التتار إلى جانب البولنديين في الحرب ضد الفرسان التيوتون. ومما لاشك فيه أن الصراعات الداخلية الدموية داخل ممالك التتار المسلمين في روسيا قد أضعفت دولتهم، وخرجت منهم أعدادٌ كبيرة من العبيد وأسرى الحرب تم بيعهم في أسواق العبيد الدولية.

وتزايد التداخل البولندي التتري، ففي عام 1380م كان هناك تحالف بين التتار المسلمين وبولندا ضد موسكو، حيث انتصر الروس على التتار في معركة كيلكوKulikowow، التي يعدّها المؤرخون بداية انهيار دولة مغول القبيلة الذهبية، وكذلك ظهور موسكو (16)، وإن لم تقض على خطر التتار نهائياً.وفي عام 1387م يظهر مرسوم من الملك البولندي فلاديسلافجاجيلوWładysław II Jagiełło (1386-1434م) بمد الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها النبلاء البولنديون لتشمل النبلاء الليتوانيين ومنهم النبلاء المسلمين(17)، الأمر الذي يكشف عن استقرار العناصر العسكرية التترية في بولندا ودخولهم الخدمة العسكرية البولندية قبل هذا التاريخ، وكذلك تم العثور على وثيقة بولندية تعود لعام 1392م عن تخصيص قطعة أرض لعائلة تتارية في بولندا(18).

إلا أن استقرار التتار المسلمين في دولة الاتحاد البولندي الليتواني يرتبط بشخصيتين اثنتين كان لهما أكبر الآثر في حياة التتار في بولندا؛ كانت الشخصية الأولى هي الخان تقتمش Toqtamish الذي حكم فترة (حوالي 1375-1405م)، وذلك بالتحالف مع تيمورلنك، ثم استطاع أن يوحد تتار القبيلة الذهبية كلها للمرة الأخيرة ونهب موسكو عام 1382م، إلا أن الأقدار قد ولت ظهرها لتقتمش فقد اشتبكعدة مرات في صراع عسكري مع حليفه السابق وراعيه تيمورلنك، وكانت النتيجة هزائم عسكرية ساحقة خلال الفترة (1391م -1395م)، ودمر تيمورلنك بكل وحشية العاصمة سراي ومعظم المراكز التجارية للقفجاق، أما تقتمش فقد فر غربا إلى بولندا وفي صحبته الكثير من أتباعه(19). وبهذا تنتهى عمليا دولة مغول القبيلة الذهبية، حيث لم تكن حروب تيمور لنك حرباً عادية، بل اكتساحاً وخراباً وتدميراً شاملاً للبشر والحرث والزرع، كما يُعدّ هذا الصراع هو بداية تاريخ مسلمي بولندا الفعلي.

أما الشخصية الثانية فهي الدوق فيتاوتاس (فيتولد)Vitold(20)العظيم (1392-1430م) دوق ليتوانيا، الجار المباشر والحليف المقرب من بولندا؛حيث يروي مؤرخ بولندا حنا دوجوش أن فيتولد في عام 1397م " نظم أولى حملاته ضد التتار أملاً في أن يتم الاعتراف به كأمير كاثوليكي، وقد عبر إلى منطقة التتار ودمرها حتى نهر الدون Don الذي يُطلق عليه في اللاتينية تانياسTanais، ولما لم  يصادف أي مقاومة بالقرب من أكبر أنهار المنطقة وهو نهر الفولجاVolga، اخترق معسكر التتار الدائم الذي كان يُطلق عليه أوردا Ordas، وأسر آلاف عديدة من التتار مع زوجاتهم وأطفالهم، ومواشيهم وعاد بهم إلى ليتوانيا، وقد أرسل نصف هؤلاء إلى الملك– ملك بولندا- كبرهان على انتصاره، بينما أسكن الباقي في ليتوانيا. وقد أسكن الملك حصته من التتار في بولندا، حيث تخلوا عن وثنيتهم القديمة ودخلوا المسيحية، وأصبحوا أمة واحدة بالزواج المختلط مع البولنديين؛ أما من بقي في ليتوانيا فقد أصروا على عقيدتهم المحمدية وحافظوا على معيشتهم طبقا لأساليبهم وديانتهم القديمة"(21)

وفي عام 1399م نرى أول تحالف عسكري واضح بين بطلينا فيتولد وتقتمش، هذه المرة ضد تتار آخرين، وهو الخان إيدجيا، المنافس لتقتمش، وفي الصدام العسكري الكبير لقي تحالف فيتولد وتقتمش هزيمة ساحقة على يد الفريق الآخر من التتار بعد فشل محاولات التفاوض(22)، وعقب الهزيمة هام تقتمش على وجهه، وتشتت جيشه الكبير ولجأ الكثير منهم إلى الأراضي الليتوانية والبولندية، وهكذا أصبح المسلمون جزءاً مهماً من دائرة ليتوانيا وبولندا، ورعايا مسلمين يحتفظون بحقوقهم الدينية والرسمية الأخرى رغم اعتراض وسخط الكنيسة ورجال الدين في أوروبا.

وفي عام 1410م خاض الاتحاد البولندي الليتواني معركة مصير ضد الفرسان التيوتون الصليبيين، الذين شنوا حربا دموية في شمال أوروبا بدعوى نشر المسيحية بين الوثنيين في تلك المناطق، وقد عُرفت هذه المعركة باسمتاننبرج أو جرونفالد، Grunwald/Tannenberg واشترك فيها فرقة من التتار المسلمين بقيادة جلال الدين بن الخان تقتمش، والذي أصبح فيما بعد هو نفسه خان القبيلة الذهبية، أو بالأحرى من بقي من القبيلة الذهبية، وليس هناك من تقدير دقيق لأعداد الفرقة الإسلامية التي شاركت في هذه المعركة؛ إذ تبالغ مصادر التيوتون في أعداد المقاتلين المسلمين؛بينما حددتهم المصادر البولندية بأنهم 300 محارب في فرقة خاصة بهم(23) وما من شك في أن هذه المبالغة المتعمدة ما هي سوى جزء من الدعاية الصليبية ضد بولندا، وكأداة لتجييش مزيدٍ من المقاتلين المسيحيين لتلك الحروب الصليبية الشمالية، واستخدام وجود المسلمين كفزاعة أو محفز للتطوع في القتال، وفي الوقت نفسه محاولة لتشويه صورة البولنديين الذي دخلوا المسيحية- على الأقل رسميا - في تلك الفترة. وعلى أية حال تشهد المصادر البولندية نفسها بقسوة وتهور أولئك المحاربين التتار حتى ضد السكان البولنديين في المناطق التي تم تحريرها، الأمر الذي أثار حفيظة النبلاء البولنديين، وهددوا الملك لوقف هذه التصرفات(24) وبعد ذلك بعامين ظهر سفراء التتار في البلاط البولندي الأمر الذي أفزع الآخرين، حيث استُخدم وجودهم كرسالة تهديد للقوى الأخرى(25) وفي عام 1414م تتحدث المصادر البولندية عن فرقة عسكرية تتارية في الجيش البولندي، الأمر الذي يُوحي أنها أصبحت جزءاً أساسياً من هذا الجيش في معاركه ضد الفرسان التيوتون(26)

وخلال القرن الخامس عشر الميلادي- وخصوصا النصف الثاني منه - تشتت مملكة القبيلة الذهبية، ونشبت الحروب الأهلية مخالبها في تلك البلاد، الأمر الذي عرضها للتشرذم والتفكك، وانفصلت عنها أقسام صغيرة مستقلة أو شبه مستقلة، كما انقضت على أراضيها القوى المسيحية المجاورة، وخصوصا روسيا وليتوانيا وبولندا، وغدا خانات التتار المسلمين أشبه بقادة مجموعات المرتزقة التي تستخدمها القوى الأوربية في حروبها الداخلية. وإن كان من الملاحظ من خلال روايات المصادر البولندية المعاصرة أنه كان هناك نوع من العلاقات الطيبة بصفة عامة بين مغول القبيلة الذهبية وبولندا، فقد كانت حكام التتار يساعدون الملك البولندي في حروبه(27)، ويشكلون أفراد حرسه الخاص أحيانا(28)، وقسما كبيراً من جيشه قَدرتْه بعض المصادر بالسدس(29)، وإليه يلجأ المنهزمون والخاسرون في الحروب الأهلية التتارية(30)، وإن لم يخل الأمر من مناوشات عسكرية بين الجانبين أحيانا(31)

ومن دولة مغول القفجاق ظهرت خانية القرمCrimean khanate- شبه جزيرة القرم في البحر الأسود -  في منتصف القرن الخامس عشر، والتي كانت تابعة لمغول القفجاق، ثم استقلت لفترة من الوقت، حتى دخلت أخيرا في السيادة العثمانية منذ عام 1475م، إلى أن استولت عليها روسيا بعد ذلك. ومن الواضح أنها تمتعت بعلاقات وثيقة مع ملوك بولندا، قبل الهيمنة العثمانية عليها؛ إذ إنه في عام  1466م جرت سفارة ذات مغزى أرسلها البابا بولس الثانيPaul II (1464-1471م)  إلى حاجي كراي – ذكره دوجوش باسم Hadzigerej- (1449-1466م) الذي كان في الواقع حاكما لشبه جزيرة القرم في البحر الأسود، والتابعة آنذاك لمغول القبيلة الذهبية في أيامها الأخيرة، وقد أشارت البعثة إلى اضطهاد الخان السابق للكاثوليك؛ إلا أن الهدف الأساسي لها كان الطلب من الخان أن يضغط عل السلطان محمد العثماني لوقف سفك الدم المسيحي بحسب تعبير السفارة، وإقناع الخان بالحرب ضد السلطان العثماني ومساعدة البابا والقوى الأوربية له، ورد الخان المغولي -بعد فترة من التفكير- بأنه سوف يطلب من السلطان العثماني عدم الهجوم على المسيحيين خصوصا في أراضي المجر. أما عن فكرة الحرب مع السلطان فإنه سوف يستشير حليفه وصديقه الملك البولندي كازمير Casimir، وربط موافقته على  الحرب برأي كازمير، وبينما صَدقت البعثة البابوية ذلك، وأسرعت إلى كازمير تطلب رأيه، إلا أنه قال:إن عليه استشاره نبلاء ورجال دولته وهكذا انتهت المسألة(32)، وتشي هذه السفارة بالعلاقات الوثيقة بين بولندا وجيرانها من المسلمين التتار.

وهكذا يبدو جلياً أن العلاقات المعقدة والمتداخلة بين بولندا وجيرانها المسلمين في الشرق-وما صاحبها من تفكك دولة القبيلة الذهبية وكثرة مشاكلها والصراعات بين حكامها-قد دفعت عدداً كبيراً من التتار المسلمين -كرهاً أو طوعاً- إلى الأراضي البولندية، حيث عاشوا ما بقي من حياتهم حتى يومنا الحاضر، يحتفظ الكثير منهم – رغم هجرة الغالبية – بديانتهم الإسلامية، رغم فقدانهم الكثير من مقومات تراثهم الحضاري ولغتهم الأم، وتحول البعض منهم إلى المسيحية بمذاهبها المختلفة. 

كما أننا في ضوء استقراء المصادر المتاحة لنا-سواء الإسلامية أو المسيحية-يمكن أن نقرر بارتياح أن التتار حازوا ثقة البولنديين في تلك الفترة، ومن ثم استمرت على ما يبدو عملية توطين التتار في الأراضي البولندية والتوسع في منحهم أراضي، ومعاملتهم معاملة جيدة، رغم تذمر بعض رجال الدين المسيحيين من ذلك. ولعل السبب الأساسي في هذه المعاملة المميزة للتتار والثقة فيهم هي شهرتهم الحربية كفرسان لا يُشق لهم غبار، وفي الوقت نفسه ما أثبتوه -عبر فترة طويلة من الزمن- من إخلاص مطلق للدولة البولندية(33)، وصل حتى إلى الاشتراك في الحرب ضد بني دينهم من المسلمين في فترات لاحقة. وإن كان من اللافت للنظر أن توطين التتار داخل دوقية ليتوانيا العظمى كان يتم عادة في أماكن بعيدة عن الحدود الشرقية،(34) ربما حتى لا يتعاطفوا مع بني دينهم من مغول القبيلة الذهبية المسلمين.

وهكذا استقرت أعداد كبيرة من المسلمين التتار داخل الأراضي البولندية، ولما كان أغلبهم قد دخلها كمحارب أو هارب أو أسير حرب، فقد كان من اللافت منذ البداية قلة عدد النساء المسلمات في الموجات الأولى من اللاجئين، ومن ثم برزت مشكلة الزواج بالنسبة للتتار المسلمين، وقد سمحت لهم السلطات البولندية بالزواج من نساء مسيحيات، وإن كان هذا الحق قد أوقف في بعض الفترات المبكرة(35)، ولعل هذه الزيجات المختلطة الكثيرة كانت هي السبب - على حد رأي مؤرخ بولندي معاصر- في نسيانهم للغتهم الأم، فالطفل يتعلم اللغة من أمه البولندية، بينما الأب التتاري في أغلب وقته في العمل غالباً خارج المنزل(36)، ومع ذلك فإن التتار لم ينسوا أبدا ديانتهم الإسلامية، وإن اعترى ممارساتهم الكثير من الشوائب.

وكان من السمات المميزة للتتار البولنديين -إلى جانب الحفاظ على هويتهم الدينية-أنهم حافظوا على نوع ما -وبشكل متواصل- من علاقات مع بني دينهم من المسلمين الآخرين، وخاصة التتار ولاحقا الأتراك، ولعل السبب في ذلك يعود لعدة أسباب؛ أولها: العلاقات الوثيقة والمتداخلة بين دوقية ليتوانيا العظمي (التي تضم بولندا) وبين القبيلة الذهبية، ولاحقا الحدود المشتركة الطويلة بين بولندا والأراضي العثمانية، ثم فريضة الحج في الإسلام التي تدفع كل مسلم -مهما كان موقعه من الكون- أن تهفو نفسه إلى الأراضي المقدسة في الحجاز. ويمكن أن نضيف إلى ما سبق تمرس التتار في الحديث بلغتين: لغتهم الأم أو اللغة التركية، إلى جانب لغة بلدهم الجديد بولندا، الأمر الذي دفع السلطات البولندية إلى استخدامهم في المهمات الدبلوماسية مع العالم الإسلامي، خصوصاً مع القبيلة الذهبية ولاحقا مع الأتراك العثمانيين(37)، ولدينا رحالة بولندي أرميني قام برحلة في بداية القرن السادس عشر الميلادي من بولندا إلى فلسطين ومصر عبر الأراضي العثمانية، وأشار إلى وجود العديد من البولنديين في إستانبول وأنقرة، وإلى تنقل رعايا بولنديين من المسيحيين واليهود ما بين بولندا والدولة العثمانية، وكذلك إلى نوع منالنشاط التجاري ما بين بولندا والدولة العثمانية(38). ومن المرجح أنه هؤلاء التجار كانوا من التتار المسلمين؛ لافتراض تساهل السلطات العثمانية معهم ولو نسبياً على الأقل، خاصة مع وجود رسالة من تتار بولندا كُتبت قبل ستين عاماً من رحلة هذا الراهب، أشارت إلى عمل الكثير من تتار بولندا – من غير طبقة الفرسان المحاربين- في التجارة(39)

وكان التتار في دولة ليتوانيا-بولندا ينقسمون إلى مجموعتين أساسيتين: الأولى: طبقة النبلاء من التتار التي التزمت بالخدمة العسكرية للدولة البولندية مقابل أراضٍ وامتيازات طبقية جعلتها تقترب من طبقة النبلاء الوطنيينوإن لم تتساوَ معها في القرون الأولى. أما المجموعة الثانية فكانت تضم العامة من التتار، وتشمل مزارعين وصغار تجار وغيرهم(40). ومن الملاحظ أن الطبقة الأولى من النبلاء كانت تابعة مباشرة للدوق الأعظم،(41) الأمر الذي جعلها مرتبطة برئاسة الدولة نفسها، وليس بطبقة النبلاء. ورغم ذلك فلم يتمتع النبلاء التتار المسلمون بكافة الحقوق, خاصة فيما يتعلق بالنفوذ السياسي أو الشؤون العامة، إلا في فترات لاحقة بعد قرون من استقرارهم في بولندا.

ومع بدايات القرن السادس عشر الميلادي واجه تتار بولندا-وخصوصا النبلاء منهم- مشكلة دينية وأخلاقية خطيرة؛ ألا وهو التزامهم بالخدمة العسكرية لصالح السلطات المسيحية، حتى ولو ضد بني دينهم من المسلمين الآخرين، سواء مسلمي القبيلة الذهبية أو حتى رعايا الدولة العثمانية (42). وعلى الجانب الآخر من القضية نفسها، كان السلطان العثماني هو خليفة كل المسلمين، وراعي الحرمين الشريفين، ومن ثم مسؤولا شرعياً -ولو من الناحية النظرية- عن كل مسلمي العالم، وعن عملية الحج التي يرتحل فيها المسلمون من كل أنحاء العالم إلى مكة المكرمة التي كانت خاضعةآنذاك للدولة العثمانية(43). ومن هنا حافظ هؤلاء المسلمون التتار على نوع من العلاقات مع الدولة العثمانية القوية، التي كانت تتدخل أحيانا لصالحهم، وكثيراً ما كانت توفر لهم دعماً دينياً وروحياً من خلال العلماء المسلمين، وبالفعل هناك وثيقة لخطاب من السلطان مراد الثالث (1574-1595م) إلى ملك بولندا زيجمونت الثالث Zygmunt III (1587-1632م) (44) -للتوسط لصالح مسلمي بولندا للسماح ببناء مسجد لهم، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض (45)

وقبل ذلك بسنوات قليلة أمر الملك زيجمونت الثاني أغسطس Zygmunt August (1548-1569م) بإجراء إحصاء لعدد المسلمين في بلاده، التي كانت آنذاك الاتحاد البولندي الليتواني(46)، وقد أشارت رسالة المسلمين البولنديين الحجاج إلى هذا الاحصاء بالفعل(47) ولسنا ندري العدد الذي سجله هذا الاحصاء، وإن كانت رسالة الحجاج البولنديين قد ذكرت أن عدد المسلمين يبلغمائتي ألف. ولدينا نص مرسوم ملكي بولندي يعود لتاريخ 20 يوليو 1568م يضمن تأكيد وتجديد الحقوق والامتيازات التي منحها أسلافه للنبلاء التتار، ورغم ذلك فقد كانت حقوقهم السياسية أقل كثيرًا من نظرائهم البولنديين، فليس أمامهم من فرصة للاشتراك في المجالس النيابية أو المجالس المحلية(48)؛ إلا أن تميزهم الديني وحقوقهم في ممارسة شعائرهمظلت محفوظة في الغالب، ففي عام 1569م منح برلمان النبلاء البولنديين تشريعاً يسمح للتتار المسلمين بإنشاء مساجد لهم وبناء مدارس خاصة بهم لتعليم أبنائهم.

ولم يستمر هذا الوضع الفريد طوال الوقت؛ ففي عصر الملك زيجمونت الثالث Zygmunt III (1587-1632م)-وكان مسيحياً متعصباً خضع لتأثير الرهبان الجزويتJesuits، وسعى لتقليص امتيازات التتار - وفي عام 1616م أصدر مجلس النواب البولندي مرسوماً بتوقيع عقوبة الإعدام على زواج المسلمين من مسيحيات، وإن لم تُسجل حالات إعدام فعلية (49)، وكان رد الفعل لبعضهم الهجرة إلى الأراضي العثمانية(47)، إلا أنه وفي القرن نفسه وفي عصر الملك يوحنا الثالث سوبيسكي John III Sobieski (1674-1696م) تحسنت أحوال التتار بعض الشيء؛ لتحمس هذا الملك بالذات لشؤون التتار وحقوقهم(48), ولعل هذا قد يفسر – أو يعكس - اشتراك التتار المسلمين إلى جانب سادتهم البولنديين ضد بني دينهم من العثمانيين في معركة فيينا الفاصلة عام 1683م، والتي أنهت التفوق العثماني في أوروبا.

وعلى ما يبدو كان القرن السابع عشر الميلادي فترة شدة وضيق للمسلمين في بولندا، ففي عام 1609م قام رجال الدين الكاثوليك المتعصبون بتدمير مسجد مسلم خشبي في تراكاي Trakai، بينما جرى نشر كراسة صغيرة في بولندا بعنوان "تتار الفرقان"، تتضمن هجاء في التتار وديانتهم الإسلامية، ألفها شخص باسم مستعار بيتورشيزيفيسكي Piotr Czyżewskii، وهناك نص تتاري يرد عليها وإن كان قد فُقد(49). وفي النصف الثاني من  هذاالقرن- وبالتحديد عام 1672م وفي خضم صراع عسكري بولندي عثماني واسع النطاق- فر العديد من المسلمين التتار الذين يخدمون في البلاط والجيش البولندي إلى السلطات العثمانية، وخدموا السلطان حتى أن بعضهم تقلد عدة مناصب في الإدارة العثمانية على الحدود، وإن كانبعضهم قد عُفي عنه وعاد إلى بولندا مرة ثانية(50)، إلا أن الحدث بطبيعة الحال كانت له أهمية كبيرة.ومرة أخرى-وفي القرن السابع عشر نفسه- تعرض التتار المسلمون لموجة من التضييق والاضطهاد وحرمانهم من الحقوق، تركت أثراً شديداً في انخفاض أعدادهم أو ذوبانهم الإجباري في الوسط المسيحي.

أما القرن الثامن عشر فقد كان فترة ترسيخ قانونية للوجود التتاري المسلم في بولندا، ففيه تحولت الاقطاعيات العسكرية البولندية إلى أملاك عادية لها حق الميراث، كما حصل التتار رسمياً على حقوقهم السياسية كاملة، وتم الاعتراف بحقوقهم الدينية كمسلمين، ومنها حق بناء المساجد، التي أصبحت مراكز لتجمع التتار في مجتمعات صغيرة حولها.

أما القرن التاسع عشر فقد كان مرحلة تحول مهمة في حياة التتار المسلمين في بولندا، فقد بدأت فيه فعلا مرحلة الاندماج شبه الكامل مع المجتمع المحلي المسيحي، وتزايدت أعداد المتحولين إلى المسيحية بمذاهبها المختلفة (51)، وفي الوقت نفسه وفي عام 1807م تم إلغاء باقي القيود التي كانت ما تزال مفروضة على المسلمين في بولندا، وخصوصا في المجال السياسي والمجالس السياسية، وخلال تلك الفترة ظهرت شخصية مورزا بوشاكي MurzaBuczacki الذي حج إلى مكة، وهناك مزاعم أنه ترجم أول نسخة بولندية من القرآن(52)، بينما يرى بعضهم أن ما ترجم فعلا لم يكن إلا أجزاء صغيرة من القرآن فقدت جميعها(53). إلا أن أول ترجمة فعلية للقرآن  بأكمله إلى اللغة البولندية ظهرت في وارسو عام 1858. حيث قام طارق بوتزاتسكي بترجمة القرآن للمرة الأولى إلى البولندية، وهذه الطبعة منشورة مصورة على شبكة الانترنت(54)؛ بينما كان النصف الثاني القرن التاسع عشر مختلفا بالنسبة للتتار، فخلال الفترة بعد عام 1863 م خرجت موجة من الهجرة البولندية إلى الأراضي العثمانية متأثرين بالدعاية العثمانية لدولتهم كدولة الخلافة لكل المسلمين (55). وهكذا تناقصت أعداد المسلمين البولنديين بشكل ملحوظ خلال القرن التاسع عشر الميلادي، حتى غدوا  أقليةصغيرة.

 ومن ناحية أخرىكانت الفترة الزمنية ما بين عامي (1795-1918م) فترة حافلة في التاريخ البولندي، فقد تعرضت بولندا للاحتلال أكثر من مرة، وخسرت الكثير من أراضيها وسكانها، وتبدلت حدودها مرات ومرات، وتعرض سكانها على اختلاف طوائفهم لكل أنواع المعاناة والسجن والترحيل والتمييز العرقي والديني، وبطبيعة الحال تحمل التتار المسلمون جزءاً كبيراً من المعاناة والتشريد والتهجير والهجرة. وقد شهد عام 1917م موجة من الهجرة البولندية إلى أراضي الاتحاد السوفيتي في شبه جزيرة القرم بعد وعود سوفيتية بحق تقرير المصير(56). ومثل معظم سكان أوروبا الذين هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتحدة فقد كان للتتار المسلمين البولنديين نصيب في تلك الهجرة أيضا، حيث شكلوا جالية إسلامية مميزة في أمريكا وخصوصا في نيويورك (57).

وفي عام 1925م تم عقد أول مؤتمر عام للمسلمين في فيلنيوسليصبح هيئة مسؤولة عنشؤون كل المسلمين في بولندا، وتم اختيار يعقوب زينكوفيتش JacokSzynkiewicz في منصب المفتى العام، وهو حاصل على الدكتوراه في الدراسات الشرقية، وبذل الرجل جهوداًمضنية في تحسين أحوال الجالية الإسلامية التتارية، خصوصا في تأهيل الأئمة وصقلهم، وساندته الحكومة البولندية بالتمويل اللازم، فأرسل عددا ً من الأئمة البولنديين للتدريب والدراسة في جامعة الأزهر، ومن ثم نشأ نوع من الارتباط بين مسلمي بولندا والأزهر، حيث تبرع ملك مصر آنذاك الملك فؤاد الأول (58) للإسهام في بناء وترميم المساجد الإسلامية هناك(59). وفي ربيع 1925م، حضر العالم -التتاري البولندي المسلم – أوليجيريدنايمانكريشنسكي OlgierdNajmanKryczyński (1884-1941م) المؤتمر الجغرافي الدولي في القاهرة بوصفه عضواً في الوفد البولندي، وقد لقي معاملة خاصة وكريمة؛ حيث قابله العديد من الشخصيات المصرية البارزة، كان أهمها شيخ الأزهر، كما حصل على وسام مصري كنوع من التكريم. وقبيل الحرب العالمية الثانية وفي عام 1936م صدر مرسوم خاص بالسماح بتأسيس الاتحاد الديني للمسلمين في بولندا، تحت إشراف المفتى العام هناك. وفي خلال تلك الفترة نفسها كان الجيش البولندي يضم فرقة من التتار المسلمين.

وفي الحرب العالمية الثانية 1939- 1945م احتل الألمان النازيون بولندا وعانى المسلمون فيها مثل باقي طوائف الشعب، ويذكر الشعب البولندي الدور البطولي للفرقة التتارية المسلمة في الدفاع عن وطنهم، الأمر الذي عرضهم للكثير من سخط وانتقام النازييين.وبعد الحرب تم تقسيم بولندا وخسرت الكثير من أراضيها شرقا لصالح الاتحاد السوفيتي، وكان تلك المناطق بشكل خاص موضع تمركز المسلمين، مما أدى إلى تشتتهم وفقدانهم لأهم مراكزهم الحضارية والدينية في بولندا، ولم يبق لهم سوى منطقتي بوهنكي وكروزنياني في شمال شرق بولندا(60)، كما خسرت بولندا مساحات واسعة شرقا بسكانها الذين كانوا يشكلون عناصر عدة من الروس والليتوانيين، وبينهم بعض مسلمي القرم، الأمر الذي قلص كثيراً من عدد السكان المسلمين(61) وإن كانت بولندا في الوقت نفسه قد كسبت بعضا من السكان المسلمين الجدد من جمهوريات وسط آسيا المسلمة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق.

واحتاجت بولندا-وكذلك أقليتها المسلمة الضئيلة- بعضاً من الوقت للملمة الجراح بعد سنوات الحرب الدامية، وفي عام 1969م عاد النشاط مرة ثانية للمجتمع الإسلامي في بولندا، وعُقد أول مؤتمر عام لهم خرج منه تشكيل "الاتحاد الديني للمسلمين في بولندا".وفي عام 1971م أنشأت الحكومة البولندية مكتبا حكوميا خاصا اسمه "مكتب الشؤون الدينية"، كان يشرف على أنشطة الجمعيات الإسلامية وغيرها.

وبدايةً من عام 1984م تقريبا بدأت الدول العربية تهتم بمسلمي بولندا، فقد زار الشيخ حسن خالد مفتي لبنان بولندا في ذلك العام، كما قام مسؤولون في رابطة العالم الإسلامي عام 1986 بزيارة بولندا، وبعدها قام الدكتور عبد الله عمر ناصف رئيس الرابطة بزيارة إلى وارسو(62). وبالمثل ومع الطفرة النفطية في دول الخليج، وتوسع دورها الإقليمي والدولي في خدمة المسلمين، التفت تلك الدول إلى الأقليات الإسلامية حول العالم لمساندتها، وكان منهم بالطبع مسلمو بولندا، ففي عام 1984م وبمساعدة خليجية-تم وضع حجر الأساس لمسجد في جدانسك وهو مبنى كبير ملحق به الكثير من الخدمات. ومع تزايد النشاط الإسلامي وظهور بعض الجمعيات والأنشطة، تم في عام 2001م تأسيس اتحاد لمسلمي الجمهورية البولندية(63)، كما أن تحول بولندا إلى الديموقراطية الغربية بعد انهيار الشيوعية وسعيها للانضمام للاتحاد الأوربي، ومن ثم التقيد بالقيم الأوروبية لحقوق الإنسان قد انعكسإيجابياً على أوضاع مسلمي بولندا وغيرهم من الأقليات الأخرى.

أما عن أعداد المسلمين في بولندا في الوقت الحالي فتتراوحما بين 15 إلى 30 ألف مسلم؛ أي أقل من واحد في المائة من إجمالي عدد السكان(64)، وإن كانت هناك تقديرات أقل بكثير تقدرهم بحوالي ثلاثة ألاف نسمة فقط(65)، ويرجع السبب في هذا التفاوت الكبير إلى أن الإحصائيات الرسمية للسكان في بولندا، لا تعتمد على عامل الدين، وإنما تهتم بالقوميات وباللغة الأم. وعلى أية حال فإن هذا العدد -أيا كان هو- هو ما بقي من عشرات الآلاف من التتار المسلمين الذي دخلوا بولندا منذ ستة قرون، ويعود التناقص الحاد في العدد لسببين رئيسين: الأول: هو الهجرة إلى الخارج خاصة إلى الأراضي الإسلامية،وبالتحديد الدولة العثمانية، وذلك في فترات الاضطهاد والتضييق على المسلمين التتار، وأيضا- وإن كان على ما يبدو على نطاق أضيق- إلى التحول إلى المسيحية عبر قرون عديدة من محاولات استيعاب التتار وإدماجهم داخل المجتمع البولندي المسيحي.

ويمكن تقسيم المسلمين في بولندا اليوم إلى عدة مجموعات عرقية:

أولا:التتار المسلمون وهم الأغلبية، وأقدم من وصل إلى بولندا من المسلمين.

ثانيا:المهاجرون المسلمون من أقطار أخرى، وهم أكثر تنوعاً عرقياً ومذهبياً، وكان وصولهم إلى بولندا متأخراً وغالباً في القرن العشرين، وأغلبهم كان من أقطار إسلامية شهدت حروباً أو مشاكل سياسية حادة مثل الشيشان أو أفغانستان، وشبه جزيرة القرم، وغيرها.

ثالثا: البولنديون الذين اعتنقوا الإسلام عن اقتناع شخصي.

رابعا: الطلاب والدارسون المسلمون خصوصا من العرب، وهؤلاء رغم أن وجودهممؤقت مرتبط بفترة دارستهم فإنهم في الغالب أكثر نشاطاً وحركة وحيوية.

وقد واجه المسلمون البولنديون انعكاسات مشاكل العالم الإسلامي البعيد؛ فقد اضطر اتحاد أئمة بولندا إلى التنديد بخطف مهندس بولندي في باكستان وقتله عام 2009م(66)

وفي بولندا بشكل خاص تتسم العلاقات المسيحية الإسلامية بكثير من الود؛ فقد خصصت الكنيسة الرومانية يوما خاصاً للإسلام، تم الاحتفال به لأول مرة عام 2001م بالاشتراك مع قيادات المجتمع الإسلامي في بولندا(67)

أما عن التنوع المذهبي للتتار المسلمين فإن غالبيتهم من السنة(68)، وإن كانت هناك أعداد من الشيعة. وقد أرتبط مسلمو بولندا بشبه جزيرة القرم– في البحر الأسود- حيث كانت تمثل لهم دار إفتاء، ومصدراً لتعليم الأئمة البولنديين، أو لجلب أئمة من الخارج، ويلعب التصوف بين مسلمي بولندا دوراً مهماً في حياتهم؛ فقد كان التصوف منتشراً بين مغول القفجاق، ورائجاً لدى الأتراك العثمانيين، ومن ثم انتقل مع التتار إلى وطنهم الجديد، فقد ظهرت في بولندا بعض النُظم الصوفية في القرن الخامس عشر(69)، وفي الوقت نفسه حاولت بعض المذاهب التي تدعي الانتساب إلى الإسلام -مثل الأحمدية وغيرها- أن تنشط للدعوة بين تتار بولندا المسلمين، وبين مسلمي أوروبا بصفة عامة؛ إلا أنها لم تجد نجاحاً ملحوظاً(70)، وفي الوقت نفسه تشير بعض الدراسات الأوروبية الحديثة إلى تسلل بعض التأثيرات الوثنية القديمة، سواء وثنية الأتراك أو وثنية البولنديين، خصوصا فيما يتعلق ببعض الممارسات الخاصة بالسحر والإيمان بالخرافات، هذا إلى جانب بعض لمسات من المسيحية إلى عقائد هؤلاء التتار. ومن الثابت أن التتار بصفة عامة لم يعرفوا تعدد الزوجات، كما أن الحجاب أو غطاء الرأس لم يكن واسع الانتشار، وكان أقرب إلى ما تستخدمه النساء المسيحيات في المنطقة نفسها، إلا أن نساء التتار قد تمتعن بذمة مالية مستقلة، فلدينا بعض الوثائق تعود إلى القرن السابع عشر عن أوقاف إسلامية من مساجد وغيرها أوقفتها نسوة تتاريات مسلمات، بل إن هناك حالات نادرة عن اشتراك النساء البولنديات المسلمات في أعمال القتال. ويبدو أن زوجات الأئمة كان لهن دوراً خاصاً في الوعظ والإرشاد للنساء، فقد كن يحملن القاب خاصة بهن، فإذا كان الإمام يحمل لقب "مولا"، بإن زوجته تحمل لقب "مولينا Mollina(71)

أما عن اللغة والأدب لدى التتار، فقد سبق الإشارة إلى أن التتار قد فقدوا لغتهم الأم بعد اندماجهم في وطنهم الجديد بولندا، إلا أنهم مع ذلك استخدموا اللغة العربية في الشعائر الدينية وفي الصلوات، حيث كانت النصوص الدينية تكتب بلغتين متوازيتين، العربية واللغة المحلية، وفي أحيان قليلة بالتركية أيضا. أما عن الأدب التتاري فقد كان في أغلبه دينياً، وأشهر قصص الأدب التتاري في بولندا هي ملحمة الولي الصوفي كونتوسKontus الذي كان راعياً فقيراً للأغنام لدى أحد السادة من التتار المسلمين، وقد حدثت كارثة لسيده عندما تنصرت ابنته، فذهب للحج لعله يخفف عن نفسه معاناتها، وهناك تقطعت به السُبل ولم يبق معه مال للرجوع إلى وطنه، فدله البعض على حاج يستطيع أن يساعده، ولم يكن هذا الحاج سوى راعيه الفقير الذي أعاده بمعجزه تشبه الطيران إلى وطنه، وطلب منه أن يحفظ هذا السر طوال حياة الراعي الولي، وبعد وفاة هذا الولي ذاع سره، وأصبح أحد أولياء الصوفية المقدسين لدى التتار المسلمين(72)

وقد ظهر الأدب التتاري الديني في شكلين مميزين هما "الكتاب" و"الحمائل"، والنوع الأول لا يعني "كتاباً" بالمعنى المتعارف عليه، بل هو أشبه بكراسات دينية، تشمل نصوصاً متنوعة بالعربية والبولندية، وأحيانا قليلة جدا بالتركية، وهي تشمل آيات وسوراً معينة من القرآن، خصوصا سورة يس،وأحاديث، وقصص الأنبياء، ومواعظ، وأذكاراً صوفية، وأكبر هذه الكتب حجماً يتعدى 500 صفحة، وأول نسخة موجودة منها تعود لعام 1631م. أما الشكل الثاني للأدب التتاري فهو الحمائل Chamail، وهي أقرب للتعويذات التي يحملها المرء للحماية، إلا أنه في حالة التتار تكاد الحمائل تقترب أحيانا من حجم الكتاب، فهي أقرب للدفتر الصغير الذي يضم صلوات وأدعية ومعلومات أولية سهلة ولكن مهمة بالنسبة للمسلم. كما أنها قد تضم معلومات خاصة بالأسرة، فيما هو أشبه بالمفكرة اليوم. ومرة أخرى تحتل سورة يس أهمية خاصة في هذه الحمائل (73) واليوم يسهم التتار المسلمون في الحركة العلمية والأدبية البولندية، فمن الشخصيات التتارية المؤثرة الشاعر والأديب والكاتب المسلم سليم شازبيفتشSelimChazbijewicz، وإسلام موسى شاشوروفيتش  Islam Musa Czachorowicz، وكلاهما له العديد من الأعمال الأدبية والشعرية باللغة البولندية(74). وقد حاول الأول الترشح للبرلمان البولندي، وإن لم يحالفه النجاح في مسعاه.

وهكذا عاش التتار المسلمون في بولندا وجارتها ليتوانيا على مدى ستة قرون متمسكين بأهداب دينهم، محافظين -بشكل أو بآخر- على نوع مع العلاقة مع العالم الإسلامي، وتهفو أنفسهم دوما إلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وفي الوقت نفسه عاشوا وسط جيرانهم المسيحيين وغيرهم في سلام وتآلف، كمواطنين يخدمون أوطانهم بهمة وإخلاص وتفانٍ.

..........

الهوامش والإحالات:

انظر : [ODB, “Poland”; Z. Abrahamowicz, “Leh” EI]

أبوعبيد البكري، جغرافية الأندلس وأوربا من كتاب المسالك والممالك، تحقيق عبد الرحمن على الحجي، ط1 (بيروت 1968م) ص 166-168.

انظر: [Czajkowski, Anthony F., “The congress of Gniezno in the year 1000” Speculum, vol. 24, n. 3, (1949) p. 339.]

يعود هذا الاسم إلى الخيمة الذهبية للخان أوزبك (1313-1341م). انظر: [Encyclopedia of Mongolia and the Mongol Empire, ed. Atwood,C., (New York 2004) p. 201.  ]

ابن عربشاه، عجاب المقدور، ص 79-80.  (القفجاق اسم اطلق على أحد فروع الأتراك، إلا أنه غلب بعد ذلك على مملكة تتار روسيا التي تعرف أيضا باسم "القبيلة الذهبية"، ويذكر المؤرخ التتري محمد رمزي أن اسم القفجاق جاء من الكلمة التركية قبجق أي خال؛ لأن جدهم الأول ولدته أمه في جوف شجرة خالية. الرمزي، تلفيق الأخبار، ج1، ص 215.)

عن خانية القرم انظر: سمية محمد بكر حمودة، خانية القرم منذ بداية الحكم العثماني حتى قبيل الاحتلال الروسي: دراسة تاريخية حضارية، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى 1435ه.

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, The Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland, 3 (1942) p. 163.]

انظر: [Długosz, pp. 177-178.]

انظر: [Długosz, p. 182. ]

انظر: [Długosz, p. 230. ]

انظر: [Długosz, pp. 278-279. ]

انظر: [Długosz, p. 294.]

انظر: [Długosz, 302.  ]

انظر: [Encyclopedia of Mongolian, p. 208.  ]

انظر: [Długosz, p. 312. ]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 164. الرمزي، تلفيق الأخبار، ج1، ص 538-540.]

انظر: [Połczyński, M.,  “Seljuks on the Baltic”, p.12.]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 163.]

انظر: [Encyclopedia of Mongolian, p. 543; Deweese,D. “Toktamish,”in Encyclopaedia of Islam, 2d ed., vol. 10 (Leiden 1960) pp. 560–563. 

ورد بشكل "ويطوفوت " في كتاب الرمزي، تلفيق الأخبار، ج1، ص 311.

انظر: [Długosz, p. 359. ]

انظر: [Długosz, p. 60. ]

انظر: [Długosz, p. 381.  ]

انظر: [Długosz, p. 383. ]

انظر: [Długosz, p. 411.]

انظر: [Długosz, 416. ]

انظر: [Długosz, 537, 540.]

انظر: [Długosz, p. 500.]

انظر: [Długosz, p. 583.]

انظر: [Długosz, p. 512.]

انظر: [Długosz, p. 503, 511. ]

انظر: [Długosz, 554. ]

غوران لارسون، الإسلام في البلدان الإسكندنافية ودول البلطيق، ترجمة عبد العزيز محمد الحميد، الرياض 1432هـ، ص 257-258. [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, pp. 165-166.]

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, in: Potašenko, G. (ed.) The Peoples in the Grand Duchy of Lithuania, Ministry of Culture of the Republic of Lithuania, (Aidai 2002) p. 73.]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 166.]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 66.]

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, p. 75; Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 167.]

رحلة الراهب سيمون، ترجمة محمد حرب، القاهرة 2007م، ص 57، 58، 81، 147، 151، 202، 237.

رسالة تتار له، ورقة 17. (والرسالة كاملة تمت ترجمتها إلى العربية ودراستها من قِبل مؤلف هذا المقال، وعلى أمل أن تُنشر قريباً إن شاء الله تعال)

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, p. 76.]

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, pp. 77- 78. ]

انظر : [Połczyński, M., “Seljuks on the Baltic: Polish-Lithuanian Muslim Pilgrims in the Court of Ottoman Sultan Süleyman I”, Journal of Early Modern History, 19 (2015) p. 4.]

انظر: [Połczyński, M., “Seljuks on the Baltic”, p. 4.  ]

يكتب الاسم أيضا سيجسموند Sigismund.

انظر: [Połczyński, M., “Seljuks on the Baltic”, p. 5.]

انظر: [Połczyński, M., “Seljuks on the Baltic”, p. 13.]

انظر: رسالة تتار له، ورقة 21 (الرسالة قيد النشر مترجمة للعربية)

انظر: [Połczyński, M., “Seljuks on the Baltic”, p 14; Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 168.]

انظر: [Janušauskas, R. “The Identities of the Polish Tatars”, Polish Sociological Review, No. 124 (1998), p. 396.]

انظر: [Bohdanowiecz,L.,“The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 170.]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 171.]

انظر: [Dziekan, M.M. “History and culture of Polish Tatars”, in: Górak-Sosnowska, K. (ed.) Muslims in Poland: Widening the European Discourse on Islam, Warsaw 2011, pp. 27-28; Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, p. 79.]

انظر: [Połczyński, M.,  “Seljuks on the Baltic”, p. 6. ]

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, p. 80. ]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 170.]

انظر: [Šiaučiūnatite-Verbickiené, J, “The Tatars”, p. 81. ]

انظر: [http://pbc.biaman.pl/dlibra/docmetadata?id=20561&from=publication accessed 6/11/2015.]

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 173. ]

انظر: [Macrcinak, T., “ A Survey of Muslim Minorities in Poland”, Journal of Muslim Minority Affairs, 17 n. 2 (1997) p. 354. ] (بوغدان سزاجكوسكي، الأقلية المسلمة في بولندا، الوعي الإسلامي، العدد 345 (1994م) ص 14)

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 173.]

ملك مصر أحمد فؤاد الأول (1917-1936م/ 1335-1355هـ).

انظر: [Bohdanowiecz, L., “The Muslims in Poland: their origin, History and Cultural Life”, p. 175; Dziekan, M.M. “History and culture of Polish Tatars”,  p. 47.]

بوغدان سزاجكوسكي، الأقلية المسلمة في بولندا، الوعي الإسلامي، العدد 345 (1994م) ص 15.

انظر: [Grodź, S. “ Christian-Muslim experience in Poland”, Exchange, 39 (2010) p. 274.]

انظر: [Macrcinak, T., “A Survey of Muslim Minorities in Poland”, Journal of Muslim Minority Affairs, 17 n. 2 (1997) p. 354. ]

انظر: [Grodź, S. “Christian-Muslim experience in Poland”, Exchange, 39 (2010) p. 278. ]

انظر: [Grodź, S. “Christian-Muslim experience in Poland”, p. 272.]

انظر: [بوغدان سزاجكوسكي، الأقلية المسلمة في بولندا، ص 13.  ]

انظر: [Grodź, S. “Christian-Muslim experience in Poland”, p. 278.]

انظر: [Grodź, S. “Christian-Muslim experience in Poland”,  p. 281.]

انظر: [Macrcinak, T., “ A Survey of Muslim Minorities in Poland”,  p. 353.]

انظر: [Norris, H. Islam in the Baltic, pp. 56-57.]

انظر: [Norris, H. Islam in the Baltic, p. 86. ]

عن أوضاع النساء التتاريات المسلمات في بولندا. انظر: [Nalborczyk, A. S." Muslim women in Poland and Lituaunia: Tatar tradition, religious practice, hejab and Marriage", in Adamiak, E. et al. (eds.) Gender and Religion in Central and Eastern Europe", Pznnan 2009., pp. 53-69.]

انظر: [Danecki, Janusz, “Literature of the Polish Tatars” in: Górak-Sosnowska, Katarzyna (ed.) Muslims in Poland and East Europe: widening the European discourse on Islam. (Warsaw 2001) p. 42.]

انظر: [Danecki, Janusz, “Literature of the Polish Tatars” pp. 43- 45.]

انظر: [Danecki, Janusz, “Literature of the Polish Tatars” p. 49. ]

 

 

 

أخبار ذات صلة