العرف والتشريع أساس القوانين العالمية

هاجر السعدية

يتطرّق الباحث فايز حسين من منطلق تخصصه في القانون إلى المسار التاريخي للنظام القانوني الروماني اللاتيني الفرنسي، والنظام القانوني الأنجلوسكسوني، ويركز على تفكيك العرف والتشريع على اعتبار أنّهما قد أسهما في تكوين النظام القانوني الأنجلوسكسوني والنظام القانوني الروماني اللاتيني من جهة، ومن جهة ثانية ليؤكد لنا بأنّه لا يوجد نظام قانوني يخلو من تأثيرات القانون الروماني إلا النظام القانوني الإسلامي؛ فهو يقوم بدراسة مدى الحيز الذي شغله العرف والتشريع في النظام القانوني الروماني والنظام القانوني الأنجلوسكسوني؛ وذلك من خلال التركيز على محور من محاور فلسفة القانون وهو محور علم المنهج القانوني (legal methodology) نظرا لأن فلسفة القانون مرتبطة ارتباطا وثيقا بعلم القانون وتاريخه. وتباعا لهذا، فقد قدّم الباحث فايز حسين مادته العلمية من دراسات فلسفة تاريخ القانون الروماني وفلسفة تاريخ القانون الإنجليزي باعتبارهما أساس النظام القانون اللاتيني والنظام القانوني الأنجلو سكسوني. بيد أنّ محاولة الوصول إلى العرف والتشريع ودورهما في النظام القانوني اللاتيني والأنجلوسكسوني ترتبط ارتباطا وثيقا بفرع من فروع الدراسات القانونية الهامة وهو "القانون المقارن".

نجد الباحث بداية يفكك مفهومي " العُرْف" (custom) والتشريع (legislation)، ويقصد بالعرف (اعتياد الناس على سلوك معيّن في ناحية معينة من حياتهم الاجتماعيّة بحيث ينشأ لديهم الاعتقاد بوجود قاعدة مُلزمة يتعرض من يخالفها لجزاء مادي). أمّا التشريع بإيجاز فهو (القواعد القانونية التي تصدر عن سلطة عامة يختصها المجتمع بوضع القانون في صورة مكتوبة). فالعرف هو المصدر التاريخي الأول لكافة النظم القانونية المعاصرة أيا كانت سواء للقانون الروماني أو القانون الإنجليزي. وما زال العرف يحتل مرتبة كبرى في كلا النظامين. أما التشريع فهو المصدر الأول للقانون في النظام القانوني الروماني اللاتيني الفرنسي وتتصاعد أهميته الآن في النظام الأنجلوسكسوني.

قسّم الباحث مقالته إلى محاور، تناول المحور الأول: العرف والتشريع في النظام القانوني الروماني اللاتيني الفرنسي. وأهم ما أراد قوله تحت هذا المحور أن النظام القانوني الروماني اللاتيني الفرنسي يمتد إلى القانون الروماني (Romn law)؛ فقد انتقل القانون الروماني إلى القانون الفرنسي من خلال تقنينات نابليون 1804م، وتجلت أهميته من الناحية القانونية في أنه قد أثّر تأثيرا كبيرا في نشأة وتكوين الأفكار والنظم القانونية العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن الشرق قد أسهم كثيرا في تكوين النظام القانون الروماني، وقد بيّن شرَّاح تاريخ القانون من خلال عدة روافد منها قانون حمورابي وقانون بكوخوريس؛ حيث أثّرا تأثيرا كبيرا في قانون الألواح الإثني عشر.

بالإضافة إلى مساهمة الشرق في تكوين قانون الشعب، والذي غير أسس ومبادئ ونظم القانون المدني الروماني العتيق.

لعب القانون الفرنسي دورا وسيطا بين القانون الروماني والقوانين الحديثة حيث اقتبس القانون الفرنسي القانون الروماني، وتمّ اقتباس القانون الفرنسي في العديد من الدول الحديثة لذا يعد القانون الروماني مصدرًا تاريخيا لمعظم القوانين العالمية، وخصوصًا القوانين المأخوذة من النظام القانون الفرنسي، كما بيّن الباحث حيزًا للعرف والتشريع من القانون الروماني في العصور المختلفة التي مرّ بها الرومان بدءا من عصر القانون القديم الذي نشأ فيه القانون الروماني نشأة عرفية شأنه شأن كافة قوانين المجتمعات القديمة. وتميز عصر القانون القديم بأنّ مصدره تركّز على مصدرين هما العرف والتشريع مع ملاحظة أن العرف المصدر الأساسي والأول، أمّا التشريع فكان مصدرا ثانويا حيث لم يظهر إلا في العصر الجمهوري ويعتبر أهم تشريع صدر في روما في العصر الجمهوري هو تشريع الألواح الاثني عشر، ثم أتى العصر العلمي حيث انتشرت فيه الفلسفة الإغريقية بين الرومان عبر عدة روافد مما أدى إلى إحداث تغير هيكلي في القانون الروماني، وبالرغم من تزايد النشاط التشريعي في العصر العلمي ظلّ العرف محتلا مركز الصدارة. أمّا فيما يتعلق بالتشريع فقد ظلت المجالس الشعبية ومجالس العامة مختصة بالتشريعات، ومن التشريعات التي صدرت في هذا العصر وعالجت أمورا أساسية قانون أبيوتا (Aebutia). وفي المرحلة الثالثة، تم تجميع القانون الروماني وانتقاله إلى فرنسا، وفي هذه المرحلة اتجه جستنيان إلى تجميع التراث القانوني الروماني في مجموعات رسمية سميت مجموعات القانون المدني (Groups of the civil law)

المحور الثاني: العرف والتشريع في النظام القانوني الأنجلوسكسوني: القانون الإنجليزي هو أصل النظام القانوني الأنجلوسكسوني وهو ما يطلق عليه من قبل فقهاء القانون المقارن "الشريعة العامة"، حيث بدأت بدايات النظام القانوني الأنجلوسكسوني بغزوات القبائل الأنجلوسكسونية لإنجلترا في ق5م، ثم بالفتح النورماندي، ثم بتطور الشريعة العامة common law ومرحلة قانون الإنصاف (law of equity). الجدير بالذكر، لا تتوافر معلومات كافية بشأن المرحلة الأنجلوسكسونية؛ فقد ساد في هذه الفترة نظام الحكم الملكي حيث كان ينظر إلى الملك على أنه مصدر للعدالة. وقد لجأ الملوك في هذه الفترة إلى إصدار عدة تشريعات تعمل بجانب العرف في تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع. بيد أنّ السمة الأولى والأساسية للنظام القانوني الإنجليزي في الفترة الأنجلوسكسونية هي أنّه كان نظاما قانونيا يقوم على خليط من القواعد العرفية ومجموعة تشريعات سماتها الأساسية البدائية والشكلية، وكذلك كان نظاما مجزّءا. ولقد مثّل الفتح الروماندى بداية دخول النظام القانوني الإنجليزي حيّز الشرائع العالمية. فلقد أدخل حكام النورمان في هذه الفترة تعديلات أساسية وجوهرية في كافة نواح النظام القانوني والنظام القضائي، مما أدى إلى تطور نظام الشريعة العامة؛ وهذا لا يعني أنّ العرف اندثر واختفى فالعرف ظل وسيظل مصدرًا من مصادر القانون في كل الأنظمة القانونية. ولا يمكننا ونحن بصدد الحديث عن العرف والتشريع في النظام القانوني الأنجلوسكسوني أن نتجاهل الإشارة إلى قانون الإنصاف أو العدالة باعتباره من مكونات هذا النظام ومن خصوصياته أيضا بالمقارنة للأنظمة القانونية الأخرى.

ويعتبر القرن 19 هو عصر التشريع، وتحديد اختصاصات المحاكم بواسطة البرلمان؛ إذ في هذه الفترة تحول التشريع من مجرد مصدر ثانوي إلى مصدر أساسي يتجاوز في أهميته كلا من الشريعة العامة والعدالة.

وأخيرًا أبرز الباحث أوجه التقارب والاختلاف، والعلاقة بين النظام القانوني الأنجلوسكسوني والنظام القانوني الروماني، على النحو التالي:-

  • يوجد اختلاف في أسس الاستدلال القانوني للنظامين؛ فالنظام القانوني الأنجلوسكسوني قائم على الاستدلال من السوابق القضائية، بينما النظام القانوني اللاتيني يقوم على الاستدلال من النصوص التشريعية.
  • من أهم سمات النظام القانوني الأنجلوسكسوني أن تطور القواعد الموضوعية للقانون يتم من خلال تطور المحاكم من حيث طبيعتها وتشكيلها واختصاصاتها. ولو أمعنا النظر في تكوين القانون الروماني الذي هو الأصل التاريخي للنظام القانوني اللاتيني سنجد أنّهما يتشابهان إلى حد ما.

- لقد أثارت العلاقة بين القانون الروماني والقانون الإنجليزي خلافا كبيرا بين الفقهاء، ولكن الباحث يؤيد الرأي القائل بأنّ النظام القانوني الأنجلوسكسوني لم يخل من تأثير القانون الروماني.

وفي الخاتمة يمكننا القول إنّ الأنظمة القانونية تتطور من خلا إحداث توازن بين متطلبين: أولهما منهجي يشير إلى الرغبة في بناء نظام قانوني متناسق ومتماسك منهجيًا، والمتطلب الثاني: تحقيق العدالة بمعنى الرغبة في البحث عن حلول محققة للعدالة.

أخبار ذات صلة