المواطنة حقوق و واجبات

زهرة ناصر

يُظَنُّ كثيرًا أنّ "المواطنة" تعني "حب الوطن"، ولكنّ الحقيقة أنّها لا تعني ذلك فقط، بل هي كائن حي، ينشأ وينمو ويتطور، له ماضٍ وحاضر ومستقبل، وفي مقال "تطور مفهوم المواطنة في الفكر السياسي الغربي" لمحمد عثمان الخشت* تمت دراسة هذا المفهوم وتحليله؛ فاستنتجنا منه أنّ المواطنة بشكل بسيط هي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض، أي الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركًا في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوٍ مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي لها، إذا فالمواطن هو الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة وينتسب إليها، أي مكان الإقامة أو الاستقرار أو الولادة أو التربية، أي علاقة بين الأفراد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة، و يتمتع جميع المواطنين في الدولة بثلاثة أنواع رئيسة من الحقوق دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة وهذه الحقوق هي الحقوق المدنية، والحقوق السياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يَعُد الكاتب مصطلح المواطنة مصطلحا مستحدثا في اللغة العربية وجاء اشتقاقه من كلمة "الوطن"، والوطن يُعرّف على أنّه المنزل الذي تقيم به، وهو موطن الإنسان، ومحله، والجمع أوطان كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور، وألاحظ معه أنّ أغلب كتاباتنا الحديثة تستخدم مفهوم (المواطنة) كمصطلح يفيد ويعبر عن قيم الحرية، والعدل، والمساواة، والمسؤولية، والمشاركة والتي تعد من المبادئ التي دعا إليها الإسلام.

 بينما لو جئنا لتعريف مصطلح "المواطن" في المعاجم الغربية فنجده على أنّه هو الفرد الذي ينتمي لدولة معينة، ويقيم فيها بشكل معتاد ولو لم يولد بها، وأنّ المواطنة هي الروابط القانونية والسياسية التي تجمع الفرد المواطن بوطنه. وأصل هذا المصطلح يوناني يرجع لكلمة (Politeia) المشتقة من كلمة (Polis) والتي تعني المدينة.

وقد حاول الكاتب شرح العلاقة بين هذه المصطلحات الثلاثة (الوطن، والمواطن، والمواطنة) والتي لا تنحصر فقط في الاشتقاق اللغوي، وإنّما تشترك وتترابط في مضامينها، ليجلي لنا رسالة أنّه لا مواطنة بدون مواطن يُدرك حقوقه وواجباته، ولا مواطن بدون ولاء للوطن.

ونستنتج من المقال أنّ العنصر الرئيسي للمواطنة هو الانتماء للوطن، وبأن روح الديموقراطية وقلبها النابض هي المواطنة، وبرأيي أجد أنّ على هذه المواطنة تترتب عدة أنواع من الحقوق المهمة التي يتمتع بها المواطن وليست فقط ثلاثة كالتي صنفها توماس همفري مارشال وهي كالآتي:

الحقوق المدنية (وهي حق المواطن في الحياة الكريمة وعدم إخضاعه للتعذيب، أو المعاملات والعقوبات القاسية، حق كل مواطن في الملكية الخاصة والبيع والشراء، حق كل مواطن في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل الدولة ومغادرتها والعودة إليها، حق كل مواطن في حرية الفكر والدين وحرية التعبير).

الحقوق السياسية: (وهى حقوق ترتبط بالجنسية فلا يحظى بها الأجنبي أو الوافد أو المهاجر، وتتمثل في: حق الانتخابات في السلطات التشريعية والسلطات المحلية والترشح لها - حق المواطن في تقلد الوظائف العامة والتجمع السلمي - حق المواطن في العضوية بالأحزاب السياسية والحركات والجمعيات).

الحقوق الاقتصادية: (حق كل مواطن في العمل في ظروف منصفة - حق تكوين النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب عن العمل).

الحقوق الاجتماعية: (الحق في الرعاية الصحية والحصول على العلاج والحق في الغذاء والحق في التأمين الاجتماعي).

الحقوق الثقافية: (حق كل مواطن في التعليم بكل مستوياته وبأي لغة، حق كل مواطن في ممارسة الثقافة والعلوم والفنون).

وغيرها من الحقوق الواردة في (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م). وجميع الحقوق تتحدد بواسطة الحكومات وتضمنتها الدساتير والقوانين.

وتعد المواطنة وظيفة يتحتم على المواطنين القيام بأعبائها وهو ما عبر عنه جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية حينما انتهت مدة رئاسته و عودته إلى ولايته قائلاً " إنّه عائد إلى أعلى وظيفة في الدولة وهي وظيفة مواطن " والتي يترتب عليها أيضا واجبات ومسؤوليات كما يترتب عليها من حقوق، تؤدى بشكل طوعي أو إلزامي وهي منطقية ومقبولة في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يوفر الحقوق والحريات للمواطن وبشكل متساوٍ وبدون تميز، ومنها على سبيل المثل: واجب دفع الضرائب للدولة، وواجب إطاعة القوانين واحترام الدستور، وواجب الدفاع عن الدولة والعمل على تنميتها.

واتفق تمامًا مع الكاتب على أنّ الحداثة مثلت خروجًا على القرون الوسطى بكل أجوائها السياسية والدينية والاجتماعية، وكان هذا التحول مرتبطا بتأكيد النزعة الإنسانية التي مثلت الأساس المتين لتدعيم مفهوم المواطنة، حيث يقول "هايدغر" إنّها تتعيّن في اللحظة التي تحرر فيها الإنسان ليعود إلى ذاته من حيث هو ذلك الكائن الذي يتمثل نفسه برده كل الأشياء نحو ذاته كحكم أعلى، بعد أن عانت أوروبا من افتقادها القدرة على التفكير لنفسها، ومواطنيها مثل القطيع الذي لا يفكر ولا يريد ولا يختار. هذا التحوّل الحداثي صيّر الإنسان ذاتًا فاعلة غيرت الوعي الأوروبي، وبطبيعة الحال لم يحدث هذا التحول فجأة، كما لم يحدث بشكل طفري، بل تم التحول تدريجيا، عبر أربعة قرون ابتداءً من القرن 16، ويرى أنّه كان لباريس دورًا مركزيا فيه في نهاية القرن 18 حيث وصلت الثورة الفرنسية ذروتها مع الانتشار الكبير للأفكار الديمقراطية، وبعد هذه التحولات تغير المسار السياسي وتشكلت سياسات تقوم على الحق الطبيعي للفرد في: الحرية، والمساواة، والملكية، والقانون، والمؤسسات، والديموقراطيّة.

ثم حاول الكاتب شرح أبعاد هذه المواطنة والمتمثلة في البعد الأفقي والبعد الرأسي وإبداء رأيه وتحليله لإمكانية ممارستها، فالبعد الأفقي هو الذي يمثل العلاقة بين المواطن وشريكه المواطن الآخر والتي تتحقق من خلال تبني القيم المشتركة والعمل معا في إطار المجتمع المدني وعليه يحدث التكامل بين الجميع بغض النظر عن الاختلاف، ويبيّن الكاتب هنا التحديات الكبيرة التي تقف حيال هذا البعد والذي قد لا يحقق المواطنة في كل نواحي الحياة من بينها الطائفية والقبلية.

أمّا البعد الثاني‏ فهو المواطنة الرأسية‏ ‏والتي تعبر عن العلاقة المؤسسية بين المواطنين والدولة من خلال النظام العام والمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وما يترتب علي ذلك من حقوق وواجبات وخدمات وعقوبات وحماية وأمن‏، وبغصة يشير الكاتب إلى المستويات الستة لممارسة السلطة والتي عادة ما يتم خداعنا فيها، فلا يوجد ما يفصل ويحد بين هذه المستويات الستة لكي تتم عملية صناعة القرار.

أخبار ذات صلة